السبت ٢٧ / شوّال / ١٤٤٦
س: لي قريب يكثر الحلف بالله صدقًا وكذبًا.. ما حكم ذلك؟
ج: ينصح ويقال له: ينبغي لك عدم الإكثار من الحلف، ولو كنت صادقًا، لقول الله سبحانه وتعالى وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89]، وقوله ﷺ: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أشيمط زان وعائل مستكبر ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه. وكانت العرب تمدح بقلة الأيمان، كما قال الشاعر: قليل الألايا حافظ ليمينه إذا صدرت منه الألية برت والألية: هي اليمين. فالمشروع للمؤمن أن يقلل من الأيمان ولو كان صادقا؛ لأن الإكثار منها قد يوقعه في الكذب. ومعلوم أن الكذب حرام، وإذا كان مع اليمين صار أشد تحريما، لكن لو دعت الضرورة أو المصلحة الراجحة إلى الحلف الكاذب فلا حرج في ذلك؛ لما ثبت عن النبي ﷺ من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها، أن النبي ﷺ قال: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرا أو ينمي خيرًا قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها رواه مسلم في الصحيح. فإذا قال في إصلاح بين الناس: والله إن أصحابك يحبون الصلح ويحبون أن تتفق الكلمة، ويريدون كذا وكذا، ثم أتى الآخرين وقال لهم مثل ذلك، ومقصده الخير والإصلاح فلا بأس بذلك للحديث المذكور. وهكذا لو رأى إنسانا يريد أن يقتل شخصا ظلما أو يظلمه في شيء آخر، فقال له: والله إنه أخي، حتى يخلصه من هذا الظالم إذا كان يريد قتله بغير حق أو ضربه بغير حق، وهو يعلم أنه إذا قال: أخي، تركه احتراما له، وجب عليه مثل هذا لمصلحة تخليص أخيه من الظلم. والمقصود: أن الأصل في الأيمان الكاذبة المنع والتحريم، إلا إذا ترتب عليها مصلحة كبرى أعظم من الكذب، كما في الثلاث المذكورة في الحديث السابق[1]. مجموع فتاوى ابن باز (1/ 54).
والمقصود من هذه المحاضرة والمقصود من هذا التعليق كله أن تعلموا الحقيقة، وأن تنشروها إلى من وراءكم، كل من سمع شيئًا من الحق ينشره إلى من وراءه ويبلغه من وراءه، كان النبي ﷺ إذا خطب الناس يقول ﷺ: فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، ويقول: نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها ثم بلغها إلى من يسمعها ثم أداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، وربما قال: ورب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. فالمقصود أنك -يا عبد الله- إذا بلغت قد تبلغ أناسًا أفقه لما تبلغهم منك، وقد ينتفعون بذلك، وقد يبلغونه غيرهم أيضًا، وبهذا ينتشر العلم، وتنتشر الفوائد، ويظهر الحق بين الناس، بنقل العلم ونقل الفائدة من مكان إلى مكان، ومن مجتمع إلى مجتمع، وبهذا تظهر الحقائق، وتظهر الفوائد، وينشر العلم، ويخذل الباطل، ويندحر الباطل. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يبلغ العلم، ويأخذ بالحق، وينشره، ويقف عند الحق، وعند الحدود التي حدها الله ورسوله، ويحذر الباطل أينما كان، إنه جل وعلا جواد كريم، وجزى الله أخانا الشيخ محمد بن حسن الدريعي خيرًا، ونفعنا جميعًا بما علمنا وبما سمعنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. الدنيا -أيها الإخوة- دار الابتلاء والامتحان، هذه الدار دار ابتلاء وامتحان، يبتلى فيها أهل التوحيد بأهل الشرك، ويبتلى فيها أهل السنة بأهل البدعة، ويبتلى فيها أهل الإيمان والتقوى بأهل المعاصي، ويبتلى فيها الأخيار بالأشرار، في كل مكان، لكن الموفق من وفقه الله للصبر والثبات على الحق، والجدال بالحسنى؛ لإظهار الحق ودحر الباطل، هذا هو الموفق، من ثبت على الحق وإن تركه الناس فالحق أحق بالاتباع وإن تركه الناس، فالموفق من لزم الحق واستقام عليه، وصبر عليه ولو تركه الناس، وحذر من الباطل وابتعد عنه ولو فعله الناس. رزق الله الجميع التوفيق والهداية.