الجواب:
ما كان ينبغي لهذا المسلم أن يتسرع في الطلاق، وكان ينبغي له أن يقدر إخوانه الذين جاؤوا للإصلاح، وأن يعرف لهم فضلهم، ونبل مقصدهم، وأنهم جديرون بالتقدير والاعتراف بالفضل، حيث جاؤوا للإصلاح، والله شرع لنا الإصلاح، قال : لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ[النساء:114] وجاء في الحديث الحث على إصلاح ذات البين، والله يقول سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[الأنفال:1] فكان ينبغي لهما جميعًا أن يقدرا لهؤلاء الجماعة قصدهم الطيب، ولا سيما الأصغر، فإن حق الكبير عليه عظيم.
أما وقد وقع ما وقع، فإنه ينظر في قصده، فإن كان قصده بالطلاق منع نفسه من المسامحة لأخيه، وليس من قصده فراق أهله إن سامح أخاه؛ فهذا حكمه حكم اليمين، وعليه كفارتها، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فإن عجز صام ثلاثة أيام، هذا هو الواجب في هذه المسألة إذا كان هذا المطلق إنما قصد منع نفسه من المسامحة، ولم يقصد فراق زوجته إن سامح أخاه، فهو بهذه النية يكون طلاقه هذا في حكم اليمين في أصح قولي العلماء، وعليه كفارتها إذا سامح أخاه، وهو الأولى به أن يسامح أخاه، وأن يصل رحمه، وأن يتعوذ بالله من الشيطان، ولو كان أخوه قد أخطأ عليه، لو فرضنا أن أخاه الكبير قد أخطأ عليه، فكونه يسامح أخاه الكبير ويتنازل عن حقه هذا خير له في الدنيا والآخرة، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: ليس الواصل بالمكافي، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها فهذا هو الحكم في هذه المسألة إن كان قصده منع نفسه من مسامحة أخيه، ولم يقصد فراق زوجته إن سامح أخاه.
أما إن كان قصده فراق زوجته، قصد منع نفسه وفراق زوجته إن سمح أخاه هذا قصده، يعني: يقصد منع نفسه من المسامحة، ويقصد مع ذلك أنه يفارقها، وأن الطلاق يقع إذا سامح أخاه، فهو في هذه الحال ينبغي له أن يسامح أخاه، وتقع عليه طلقة واحدة، ويراجعها؛ لأن الثلاث بلفظ واحد تعتبر واحدة على الصحيح من أقوال العلماء، فقد ثبت عن النبي ﷺ من حديث ابن عباس في صحيح مسلم ما يدل على أن الثلاث إذا كانت بلفظ واحد تعتبر واحدة، فيكون له الرجعة، إذا سامح أخاه وقعت طلقة واحدة فقط من هذا اللفظ، وله أن يراجعها في العدة بقوله: راجعت امرأتي، أو أمسكت امرأتي، أو رددت امرأتي، وعليه أن يشهد على ذلك شخصين، هذا هو السنة، أن يشهد عدلين على هذه المراجعة.
هذا هو الذي ينبغي إذا كان لم يطلقها قبل هذا طلقتين، أما إن كان قد طلقها قبلها طلقتين تكون هذه هي الثالثة يكون ما فيها رجعة، لكن إذا كان ما طلقها طلقتين فإنه إذا كان قصد إيقاع الطلاق فإنه يسامح أخاه، وتقع طلقة، ويراجع زوجته، والحمد لله، فصلحه مع أخيه أسهل وخير له من مسألة الطلقة إذا وقعت، فإن أمرها لا يضر ما دام له فسحة في الرجعة، ولم يطلق قبل هذا طلقتين، فإن أولى به أن يسامح أخاه، ولو وقعت على زوجته طلقة، فإن أمرها بحمد الله سهل، ومصالحة أخيه مهمة كبيرة، وقربة عظيمة إذا كان أخوه من أهل الخير والإيمان من المسلمين.
أما إذا كان أخوه ليس بمسلم، أو ممن يظهر الفسوق والعصيان والكبائر، فتركه وعدم المصالحة قد يكون خيرًا لأخيه حتى يسلم من شره، وما لديه من فجور أو كفر، لكن ما دام أخوه مسلمًا مستورًا فمصالحته مطلوبة، وصلة رحم، ولو وقع بها طلقة لا تمنعه من مراجعة الزوجة، والله المستعان، نعم.
المقدم: بارك الله فيكم، لو فرضنا أنه كان يقصد إيقاع الطلاق لو سامح أخاه وفعلًا كان الحكم كما تفضلتم بإيقاع طلقة عليه، لكن لو لم يعلم بهذا الحكم إلا بعد أن انقضت العدة فكيف العمل؟
الشيخ: يعني: سامح أخاه؟
المقدم: يقصد إيقاع الطلاق لو سامح أخاه، وتفضلتم بقولكم أنه يقع عليه طلقة واحدة في هذه الحالة إذا سامح أخاه؟
الشيخ: هي تقع منه حين المسامحة، ما هو من سابق، الطلقة تقع حين المسامحة.
المقدم: وليس حين التلفظ؟
الشيخ: لا. حين المسامحة.
المقدم: حين المسامحة؟
الشيخ: تبدأ العدة من حين المسامحة، وتقع الطلقة من حين المسامحة.
المقدم: أقصد إذا كان لم يعلم بهذا الحكم إلا بعد أن وقع الطلاق وسامح أخاه، وانتهت عدتها؟
الشيخ: ما راجعها يعني؟
المقدم: ما راجعها.
الشيخ: تصلح بعقد جديد، يتزوجها من جديد إذا كان ما طلقها إلا طلقة واحدة، أو ما طلقها إلا هذه الطلقة التي سامح فيها أخاه، نعم.
المقدم: يعني: إذا كانت الأولى أو الثانية فيسترجعها بعقد جديد إذا انقضت العدة، ولم يراجعها؟
الشيخ: نعم.
المقدم: بارك الله فيكم.