الجواب:
أما في الصلاة فإنها تكشف وجهها وكفيها لا حرج، إذا لم يكن عندها أجنبي، فإنها تصلي مكشوفة الوجه، هذا هو السنة، وتستر بقية بدنها، كرأسها، وصدرها، وجميع بدنها، ومن ذلك قدماها، عليها ستر الجميع، أما الكفان فإن سترتهما فهو أفضل، كما قاله جمع من أهل العلم، وإن أبدتهما فلا حرج في ذلك على الصحيح.
وأما الوجه فإنه يكشف في الصلاة وتصلي مكشوفة الوجه إلا إذا كان عندها أجنبي كأخي زوجها، أو زوج أختها، أو غيرهما فإنها تستر وجهها وكفيها وقت الصلاة من أجلهم، من أجل غير المحرم.
وهكذا إذا خرجت الأسواق تستر بدنها كله؛ لأنها عورة وفتنة والله يقول -جل وعلا-: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] وقال جل وعلا: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية.
والزينة يدخل فيها الوجه والشعر وسائر بدنها كلها زينة، والوجه أعظم الزينة، وهو مجمع محاسن الخلقة.
أما الأحاديث التي أشار لها السائل في كشف الوجه فكان هذا في أول الأمر، في أول الإسلام كانت المرأة تكشف، وتجلس مع الرجال مكشوفة الوجه، ثم أمر الله -جل وعلا- بالحجاب، ونزلت آية الحجاب التي سبق ذكرها، وهي قوله سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53] الآية، ومن ذلك آية النور: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية.
ومن ذلك قوله -جل وعلا- أيضًا في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] ومن ذلك قوله في سورة النور، يقول سبحانه: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60].
فإذا كان القواعد وهن العجائز اللاتي لا يردن نكاحًا استعفافهن أفضل، وهو تحجبهن، ويجوز لهن عدم التحجب لكونهن عجائز، لا يطمع فيهن، فالشابات من باب أولى أن يستعففن، وأن يلزمن الحجاب؛ لأنهن فتنة، وذكر القواعد يدل على أن غير القواعد يلزمهن الحجاب، والاستعفاف.
فالمقصود أن الأحاديث التي فيها كشف الحجاب، هذه كانت في أول الإسلام، وفي أول مجيء المسلمين إلى المدينة، ثم بعد ذلك أنزل الله آيات الحجاب، ومنع النساء من إظهار زينتهن، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- في قصة الإفك، لما مر عليها صفوان المعطل قد تخلفت عن الغزو، وقد ذهبت تقضي حاجة لها، فحملوا هودجها يظنونها فيه لخفتها، فلما رآها استرجع، فلما سمعت صوته خمرت وجهها، قالت: وكان قد رآني قبل الحجاب. فدل ذلك على أنهن قبل الحجاب كن يكشفن الوجوه، وبعد الحجاب أمرن بستر الوجوه.
وأما حديث عائشة -رضي الله عنها- في قصة أسماء بنت أبي بكر أنها دخلت على النبي ﷺ وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: يا أسماء ! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى الوجه والكفين أخرجه أبو داود، هو حديث ضعيف عند أهل العلم، لعلل ثلاث:
إحداها أنه من رواية خالد بن دريك، عن عائشة، ولم يسمع منها، منقطع.
والعلة الثانية: أن في إسناده سعيد بن بشير، وهو ضعيف الرواية.
والعلة الثالثة: أنه من رواية قتادة، عن خالد بالعنعنة، وهو مدلس، والمدلس لا تقبل روايته إذا عنعن حتى يصرح بالسماع، إلا ما كان في الصحيحين من رواية المدلسين فإنه محمول على السماع.
وهناك وجه رابع: وهو أنه إذا صح لكان محمولًا على ما كان قبل الحجاب، لكان هذا مع أسماء قبل الحجاب، أما بعد الحجاب فإن المرأة مأمورة بالستر لوجهها، وجميع بدنها، لما تقدم في الآيات السابقات، والله ولي التوفيق.
المقدم: جزاكم الله خيرًا، ونفع بعلمكم.