ما صحة حديث: «من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة»؟

السؤال: تسأل أختنا أيضًا وتقول: قال ابن كثير في تفسيره: روينا من طريق الشعبي أنه قال: قال عبد الله بن مسعود: من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة أربع من أولها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث آيات من آخرها وفي رواية: لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه ولا يقرؤه على مجنون إلا أفاق هل هذا الحديث وارد عن رسول الله ﷺ؟

الجواب: الحديث هذا ضعيف؛ لأن الشعبي لم يدرك ابن مسعود ولم يسمع منه وهو منقطع، ولكن ما يتعلق بآية الكرسي محفوظ، كان النبي ﷺ قال لمن قرأ آية الكرسي في الليل عند النوم: لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح والأصل في ذلك أن أبا هريرة كان وكيلًا على الصدقة -صدقة زكاة الفطر- فجاءه شيطان يأخذ من الصدقة فأمسكه أول ليلة وهو يعرف أنه شيطان، فقال: دعني أنا ذو عيال وفقير، فتركه أبو هريرة ورحمه، ثم جاءه الثانية فكذلك قال: دعني أنا فقير ذو عيال، ثم جاءه في الثالثة فأمسكه، قال: لأرفعنك إلى رسول الله ﷺ هذه ثالث ليلة وأنت تقول: لا أعود، قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها: إن أويت إلى فراشك فاقرأ: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ حتى تبلغ: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] فإنه لا يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، قال أبو هريرة: فأطلقته، ثم أتى النبي ﷺ فأخبره، فقال النبي ﷺ: صدقك وهو كذوب (صدقك) يعني: فيما قال (وهو كذوب) الشيطان من شأنه الكذب، لكنه فيما قال عن آية الكرسي صحيح، من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، فينبغي أن يقرأها المؤمن والمؤمنة عند النوم، وفي صحيح مسلم عن النبي ﷺ أنه قال: إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة يعني: كلها، فقراءتها في البيت من أسباب هروب الشيطان، وهي سورة عظيمة، وهي أطول سورة في كتاب الله ، فإذا قرأها المؤمن هي من أسباب خروج الشيطان من بيته، ولكن لا يلزم أنه لا يعود قد يخرج ثم يعود، فإذا حاربه بالأذكار والتعوذات كان هذا من أسباب السلامة، كما أنه إذا سمع النداء أدبر وله ضراط، فإذا فرغ الأذان عاد يخطر بين المرء وبين قلبه يقول له: اذكر كذا اذكر كذا في صلاته، وهكذا إذا سمع الإقامة أدبر وله ضراط فإذا انتهت الإقامة رجع حتى يوسوس للمؤمن ويقول له: اذكر كذا اذكر كذا، فهو عدو الله حريص على إفساد أعمال بني آدم وإفساد عباداتهم والتشويش عليهم، فينبغي للمؤمن أن يكون حريصًا على التعوذات الشرعية كما شرع الله له جل وعلا، حتى يقيه الله من شره .

فالأذكار من أسباب طرد الشيطان، وهكذا التعوذات الشرعية، يقول الله في كتابه العظيم: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200] فنزغات الشياطين هي وساوسه، فإذا تعوذ المؤمن بالله من الشيطان الرجيم كان هذا من أسباب السلامة والعافية من مكائد عدو الله، وهكذا الإكثار من ذكر الله يطرد الشيطان، يقول الله جل وعلا: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36] فالإكثار من ذكر الله من أسباب طرد الشيطان والعافية من كيده ونزغاته، والغفلة من أسباب تسليطه، وقال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ۝ مَلِكِ النَّاسِ ۝ إِلَهِ النَّاسِ ۝ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:1-4] قال العلماء: معنى ذلك أنه وسواس عند الغفلة خناس عند الذكر، متى غفل العبد وسوس إليه وآذاه، ومتى أكثر من ذكر الله خنس عدو الله وتصاغر وانقمع.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة