الجواب: الله قد بين طريق الدعوة وماذا ينبغي للداعي، فقال : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] فالداعي إلى الله يجب أن يكون على علم وعلى بصيرة فيما يدعو إليه وفيما ينهى عنه حتى لا يقول على الله بغير علم، ويجب الإخلاص في ذلك لأن الله قال: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ [يوسف:108]، لا إلى مذهب ولا إلى رأي فلان أو فلان، ولكنه يدعو إلى الله يريد ثوابه، يريد مغفرته، يريد صلاح الناس، فلابد أن يكون عن إخلاص ولابد أن يكون عن علم، وقال : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] فهذا بيان كيفية الدعوة وأنها تكون بالحكمة، يعني: بالعلم، قال الله وقال رسوله، سمي العلم حكمة؛ لأنه يردع عن الباطل ويعين على إثبات الحق، ويكون مع العلم موعظة حسنة وجدال بالتي هي أحسن عند الحاجة إلى ذلك.
بعض الناس قد يكفيه بيان الحق بأدلته؛ لأنه يطلب الحق فمتى ظهر له قبله، وقد يكون في غير حاجة إلى الموعظة، وبعض الناس قد يكون عنده شيء من التوقف شيء من الجفا فيحتاج إلى موعظة، فالداعي إلى الله يعظ ويقيم الأدلة ويذكر إذا احتاج إلى ذلك مع الجفاة ومع الغافلين ومع المتساهلين حتى يقنعوا وحتى يلتزموا بالحق.
وقد يكون المدعو عنده شيء من الشبه فيجادل في ذلك ويريد كشف الشبهة، فالداعي إلى الله يوضح له الحق بأدلته، ويزيح الشبه بالأدلة الشرعية، لكن بكلام طيب وأسلوب حسن ورفق لا بعنف وشدة، حتى لا يبقى للمبطل أو للمنهي أو المدعو لا يبقى له شبهة، يزيحها حسب الطاقة، يزيحها بالأدلة حسب الطاقة، قال الله : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] وقال الله لما بعث موسى وهارون إلى فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] ويقول ﷺ: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ويقول ﷺ: من يحرم الرفق يحرم الخير كله فالداعي إلى الله عليه أن يتحرى ويرفق ويجتهد في الإخلاص لله وفي علاج الأمور بالطريقة التي رسمها الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وأن يكون في هذا كله على علم على بصيرة على هدى حتى يقنع الطالب للحق، وحتى يزيل الشبهة لمن عنده شبهة، وحتى يلين القلوب لمن عنده جفاء أو قسوة أو إعراض، يلين القلوب بالدعوة إلى الله والموعظة الحسنة والتوجيه إلى الخير وبيان ما له عند الله من الخير إذا قبل الحق وما عليه من الخطر إذا رد الحق، إلى غير هذا من وجوه الموعظة.
وأما أصحاب الحسبة الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فكذلك يجب أن يلزموا الآداب الشرعية فيما يلتزمه الداعي إلى الله، فعليهم بالرفق وعدم العنف، إلا إذا دعت الحاجة إلى هذا من الظلمة والمكابرين والمعاندين، أما غيرهم فمثل ما للداعي ينكر المنكر بالرفق والحكمة ويأمرون بالمعروف بالرفق والحكمة ويقيمون الأدلة على ذلك حتى يقنع صاحب المنكر وحتى ينتبه وحتى يلتزم بالحق، وذلك على حسب الاستطاعة، كما قال عليه الصلاة والسلام: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم ، والله يقول سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71] ويقول سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] ويقول سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ([آل عمران:110].
وقد توعد من ترك ذلك وأعرض عن ذلك ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم بسبب عصيانهم واعتدائهم وعدم تناهيهم عن المنكر، حيث قال سبحانه في كتابه العظيم في سورة المائدة: عِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة: 78 - 79] فالأمر عظيم.
فيجب على أهل الإيمان وعلى أهل القدرة من الولاة والعلماء وغيرهم من أعيان المسلمين الذين عندهم قدرة وعندهم علم أن ينكروا المنكر وأن يأمروا بالمعروف، وليس هذا خاصاً بطائفة معينة وإن كانت الطائفة المعينة عليها واجبها وعليها العبء الأكبر لكن لا يلزم من ذلك إهمال غيرها ، بل يجب على غيرها أن يساعدوها وأن يكونوا معها في إنكار المنكر والأمر بالمعروف حتى يكثر الخير ويقل الشر، ولاسيما إذا كانت الطائفة المعينة لم تغطي المطلوب ولم يحصل بها المقصود بل الأمر أوسع والشر أكثر فإن مساعدتها واجبة بكل حال، أما لو قامت بالمطلوب وحصل بها الكفاية فهذا معلوم أنه فرض كفاية، يعني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية.
فإذا حصل بالمعينين أو المتطوعين المسئولين المطلوب من إزالة المنكر والأمر بالمعروف صار في حق الباقين سنة، أما منكر ليس له من يزيله إلا أنت؛ لأنك الموجود في القرية أو في القبيلة أو في الحي ليس فيها من يأمر بالمعروف سواك فإنه يتعين عليك إنكار المنكر والأمر بالمعروف مادمت أنت الذي علمته وأنت الذي تستطيع إنكاره فإنه يلزمك، فمتى وجد معك غيرك صار فرض كفاية، من قام به منكما أو منكم حصل به المقصود، فإن تركتم جميعاً أثمتم جميعاً.
فالحاصل أنه فرض على الجميع فرض كفاية متى قام به من المجتمع أو من القبيلة أو من أهل القرية أو المدينة من يكفي سقط عن الباقين، وهكذا الدعوة إلى الله، ومتى ترك الجميع أثموا وصار الإثم عاماً لهم؛ لأنهم قصروا في الواجب ولم يقوموا به، ومتى قام به من يكفي دعوة وتوجيهاً وإنكاراً للمنكر صار في حق الباقين سنة عظيمة؛ لأن المشاركة في الخير مطلوبة. نعم.
المقدم: سماحة الشيخ تركزون على العلم بطريق الدعوة إلى الله، وبطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعل سماحة الشيخ يحدد العلم الذي ينبغي أن يتعلمه من يريد الدعوة إلى الله على بصيرة ويريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الطريقة الشرعية؟
الشيخ: لابد من العلم، والعلم قال الله وقال رسوله، العلم أن يعتني بالقرآن الكريم وبالسنة المطهرة، يعرف ما أمر الله به وما نهى الله عنه، ويعرف طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله وإنكاره للمنكر وطريقة أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، يكون متبصراً في هذا، بمراجعة كتب الحديث الشريف، مع العناية بالقرآن الكريم، مع مراجعة كلام العلماء في هذا الباب فقد أوسعوا الكلام رحمة الله عليهم وبينوا ما يجب.
فالذي ينتصب لهذا الأمر يجب عليه أن يعنى بهذا الأمر حتى يكون في ذلك على بصيرة من كتاب الله ومن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام حتى يضع الأمور في مواضعها، فيضع الدعوة إلى الخير في موضعها والنهي عن المنكر في موضعها، وهكذا إنكار المنكر والأمر بالمعروف يكون في موضعه على بصيرة على علم، حتى لا يقع منه إنكار المنكر بما هو أنكر منه، وحتى لا يقع منه الأمر بالمعروف على وجه يوجد منكراً أكثر من هذا الأمر الذي دعا إليه.
المقصود: أنه لابد من علم حتى يضع الأمور في مواضعها، وحتى إذا أنكر المنكر نفع ذلك ولم يترتب عليه ما هو أنكر، وحتى إذا دعا إلى المعروف يرجى أن يحصل المعروف أو على الأقل لا يترتب عليه منكر يكون أكبر منه وأعظم وأشر من ترك هذا المعروف. نعم.
المقدم: أختنا صاحبة الرسالة التي رمزت إلى اسمها بالمستمعة المؤمنة المتدينة تقول: إذا رأت من أقاربها أحداً يرتكب بعض المنكرات كيف يكون موقفها؟
الشيخ: عليها أن تنكر المنكر بالأسلوب الحسن، والكلام الطيب، والرفق والعطف على صاحب المنكر؛ لأنه قد يكون جاهلاً، قد يكون شرس الأخلاق عند الإنكار عليه بشدة يزداد شره، فعليها أن تنكر المنكر على أختها في الله وعلى أخيها في الله لكن بالأسلوب الحسن والكلام الطيب وذكر الدليل، قال الله وقال رسوله، مع الدعاء له بالتوفيق والهداية، هكذا يكون عندها وعند الرجل من الحكمة والبصيرة والتحمل ما يجعل الذي ينكر عليه يتقبل ما ينفر ولا يعاند، يعني: يجتهد الداعي ويجتهد المنكر يجتهد في استعمال الألفاظ التي يرجى من ورائها قبول الحق. نعم.
المقدم: إذا كان المنكر الذي تراه هذه الأخت هو الاختلاط وعدم الحجاب كيف تنصحونها شيخ عبد العزيز ؟
الشيخ: تنصحهم تقول لأختها في الله: الواجب عليك كذا، عدم الاختلاط، الواجب عليك عدم السفور، التحجب عن الرجال الذين ليسوا محارم، قال الله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] قال الله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية، وهكذا تخاطبهم بالآيات والنصوص، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] يا أختي في الله! الأمر عظيم، فإن السفور يترتب عليه كذا وكذا، والاختلاط بالرجال يترتب عليه كذا وكذا، فالواجب علينا جميعاً أن نحذر ما حرم الله، وأن نتعاون على البر والتقوى، وأن نتواصى بالحق ونتناصح، وهكذا .... تكون عبارات حسنة. نعم.
المقدم: مقاطعة مرتكب الخطيئة يا شيخ عبد العزيز ! ما موقف الداعية منها، ولاسيما إذا كان من الأقارب؟
الشيخ: هذا فيه تفصيل، مقاطعة صاحب المنكر وهجره فيه تفصيل:
يشرع هجره ومقاطعته إذا أعلن المنكر وأصر ولم ينفع فيه النصح، شرع لقريبه أو جاره أو غيرهم هجره وعدم إجابة دعوته وعدم السلام عليه حتى يتوب إلى الله من هذا المنكر، هكذا فعل النبي ﷺ والصحابة لما تخلف كعب بن مالك الأنصاري وصاحباه عن غزوة تبوك بغير عذر شرعي، أمر النبي ﷺ بأن لا يكلموا ويهجروا، فهجروا جميعًا وتركوا جميعًا، لا يسلم عليهم ولا يدعون لوليمة ولا يرد عليهم السلام إذا سلموا، حتى تابوا فتاب الله عليهم.
أما إن كان هجر الشخص قد يترتب عليه ما هو أنكر؛ لأنه ذو شأن في الدولة أو ذو شأن في القبيلة تترك هجره ويعامل بالتي هي أحسن ويرفق به حتى لا يترتب على هجره ما هو أشر من فعله وما هو أقبح من عمله، والدليل على هذا: أنه ﷺ لم يعامل عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين لم يعامله مثلما عامل الثلاثة، بل تلطف به ولم يهجره ولم يزل يرفق به؛ لأنه رئيس قومه، ويخشى من قتله أو سجنه أو هجره فتنة للجماعة في المدينة، فلهذا كان النبي ﷺ يرفق به حتى مات على نفاقه، نسأل الله العافية.
وهنا مواضع أخرى جرت له صلى الله عليه وسلم مع بعض الناس لم يهجرهم بل رفق بهم عليه الصلاة والسلام حتى هداهم الله. نعم.
المقدم: إذاً الرفق هو ما يدعو إليه الشيخ عبد العزيز ؟
الشيخ: نعم.
المقدم: بارك الله فيكم.
الشيخ: يهجر إذا كان الهجر أصلح، ويترك الهجر إذا كان الترك أصلح مع إنكار المنكر ومع إظهار كراهة المنكر وأن صاحبه ليس صديقاً ولا صاحباً ولكن من أجل كذا وكذا ترك الهجر، ولكن بالكلام الطيب والحكمة والإنكار السري والوصية عليه من خواصه لعله يستجيب إلى غير هذا من وجوه النصيحة ووجوه الإنكار الرافض.
بعض الناس قد يكفيه بيان الحق بأدلته؛ لأنه يطلب الحق فمتى ظهر له قبله، وقد يكون في غير حاجة إلى الموعظة، وبعض الناس قد يكون عنده شيء من التوقف شيء من الجفا فيحتاج إلى موعظة، فالداعي إلى الله يعظ ويقيم الأدلة ويذكر إذا احتاج إلى ذلك مع الجفاة ومع الغافلين ومع المتساهلين حتى يقنعوا وحتى يلتزموا بالحق.
وقد يكون المدعو عنده شيء من الشبه فيجادل في ذلك ويريد كشف الشبهة، فالداعي إلى الله يوضح له الحق بأدلته، ويزيح الشبه بالأدلة الشرعية، لكن بكلام طيب وأسلوب حسن ورفق لا بعنف وشدة، حتى لا يبقى للمبطل أو للمنهي أو المدعو لا يبقى له شبهة، يزيحها حسب الطاقة، يزيحها بالأدلة حسب الطاقة، قال الله : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] وقال الله لما بعث موسى وهارون إلى فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] ويقول ﷺ: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ويقول ﷺ: من يحرم الرفق يحرم الخير كله فالداعي إلى الله عليه أن يتحرى ويرفق ويجتهد في الإخلاص لله وفي علاج الأمور بالطريقة التي رسمها الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وأن يكون في هذا كله على علم على بصيرة على هدى حتى يقنع الطالب للحق، وحتى يزيل الشبهة لمن عنده شبهة، وحتى يلين القلوب لمن عنده جفاء أو قسوة أو إعراض، يلين القلوب بالدعوة إلى الله والموعظة الحسنة والتوجيه إلى الخير وبيان ما له عند الله من الخير إذا قبل الحق وما عليه من الخطر إذا رد الحق، إلى غير هذا من وجوه الموعظة.
وأما أصحاب الحسبة الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فكذلك يجب أن يلزموا الآداب الشرعية فيما يلتزمه الداعي إلى الله، فعليهم بالرفق وعدم العنف، إلا إذا دعت الحاجة إلى هذا من الظلمة والمكابرين والمعاندين، أما غيرهم فمثل ما للداعي ينكر المنكر بالرفق والحكمة ويأمرون بالمعروف بالرفق والحكمة ويقيمون الأدلة على ذلك حتى يقنع صاحب المنكر وحتى ينتبه وحتى يلتزم بالحق، وذلك على حسب الاستطاعة، كما قال عليه الصلاة والسلام: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم ، والله يقول سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71] ويقول سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] ويقول سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ([آل عمران:110].
وقد توعد من ترك ذلك وأعرض عن ذلك ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم بسبب عصيانهم واعتدائهم وعدم تناهيهم عن المنكر، حيث قال سبحانه في كتابه العظيم في سورة المائدة: عِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة: 78 - 79] فالأمر عظيم.
فيجب على أهل الإيمان وعلى أهل القدرة من الولاة والعلماء وغيرهم من أعيان المسلمين الذين عندهم قدرة وعندهم علم أن ينكروا المنكر وأن يأمروا بالمعروف، وليس هذا خاصاً بطائفة معينة وإن كانت الطائفة المعينة عليها واجبها وعليها العبء الأكبر لكن لا يلزم من ذلك إهمال غيرها ، بل يجب على غيرها أن يساعدوها وأن يكونوا معها في إنكار المنكر والأمر بالمعروف حتى يكثر الخير ويقل الشر، ولاسيما إذا كانت الطائفة المعينة لم تغطي المطلوب ولم يحصل بها المقصود بل الأمر أوسع والشر أكثر فإن مساعدتها واجبة بكل حال، أما لو قامت بالمطلوب وحصل بها الكفاية فهذا معلوم أنه فرض كفاية، يعني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية.
فإذا حصل بالمعينين أو المتطوعين المسئولين المطلوب من إزالة المنكر والأمر بالمعروف صار في حق الباقين سنة، أما منكر ليس له من يزيله إلا أنت؛ لأنك الموجود في القرية أو في القبيلة أو في الحي ليس فيها من يأمر بالمعروف سواك فإنه يتعين عليك إنكار المنكر والأمر بالمعروف مادمت أنت الذي علمته وأنت الذي تستطيع إنكاره فإنه يلزمك، فمتى وجد معك غيرك صار فرض كفاية، من قام به منكما أو منكم حصل به المقصود، فإن تركتم جميعاً أثمتم جميعاً.
فالحاصل أنه فرض على الجميع فرض كفاية متى قام به من المجتمع أو من القبيلة أو من أهل القرية أو المدينة من يكفي سقط عن الباقين، وهكذا الدعوة إلى الله، ومتى ترك الجميع أثموا وصار الإثم عاماً لهم؛ لأنهم قصروا في الواجب ولم يقوموا به، ومتى قام به من يكفي دعوة وتوجيهاً وإنكاراً للمنكر صار في حق الباقين سنة عظيمة؛ لأن المشاركة في الخير مطلوبة. نعم.
المقدم: سماحة الشيخ تركزون على العلم بطريق الدعوة إلى الله، وبطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعل سماحة الشيخ يحدد العلم الذي ينبغي أن يتعلمه من يريد الدعوة إلى الله على بصيرة ويريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الطريقة الشرعية؟
الشيخ: لابد من العلم، والعلم قال الله وقال رسوله، العلم أن يعتني بالقرآن الكريم وبالسنة المطهرة، يعرف ما أمر الله به وما نهى الله عنه، ويعرف طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله وإنكاره للمنكر وطريقة أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، يكون متبصراً في هذا، بمراجعة كتب الحديث الشريف، مع العناية بالقرآن الكريم، مع مراجعة كلام العلماء في هذا الباب فقد أوسعوا الكلام رحمة الله عليهم وبينوا ما يجب.
فالذي ينتصب لهذا الأمر يجب عليه أن يعنى بهذا الأمر حتى يكون في ذلك على بصيرة من كتاب الله ومن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام حتى يضع الأمور في مواضعها، فيضع الدعوة إلى الخير في موضعها والنهي عن المنكر في موضعها، وهكذا إنكار المنكر والأمر بالمعروف يكون في موضعه على بصيرة على علم، حتى لا يقع منه إنكار المنكر بما هو أنكر منه، وحتى لا يقع منه الأمر بالمعروف على وجه يوجد منكراً أكثر من هذا الأمر الذي دعا إليه.
المقصود: أنه لابد من علم حتى يضع الأمور في مواضعها، وحتى إذا أنكر المنكر نفع ذلك ولم يترتب عليه ما هو أنكر، وحتى إذا دعا إلى المعروف يرجى أن يحصل المعروف أو على الأقل لا يترتب عليه منكر يكون أكبر منه وأعظم وأشر من ترك هذا المعروف. نعم.
المقدم: أختنا صاحبة الرسالة التي رمزت إلى اسمها بالمستمعة المؤمنة المتدينة تقول: إذا رأت من أقاربها أحداً يرتكب بعض المنكرات كيف يكون موقفها؟
الشيخ: عليها أن تنكر المنكر بالأسلوب الحسن، والكلام الطيب، والرفق والعطف على صاحب المنكر؛ لأنه قد يكون جاهلاً، قد يكون شرس الأخلاق عند الإنكار عليه بشدة يزداد شره، فعليها أن تنكر المنكر على أختها في الله وعلى أخيها في الله لكن بالأسلوب الحسن والكلام الطيب وذكر الدليل، قال الله وقال رسوله، مع الدعاء له بالتوفيق والهداية، هكذا يكون عندها وعند الرجل من الحكمة والبصيرة والتحمل ما يجعل الذي ينكر عليه يتقبل ما ينفر ولا يعاند، يعني: يجتهد الداعي ويجتهد المنكر يجتهد في استعمال الألفاظ التي يرجى من ورائها قبول الحق. نعم.
المقدم: إذا كان المنكر الذي تراه هذه الأخت هو الاختلاط وعدم الحجاب كيف تنصحونها شيخ عبد العزيز ؟
الشيخ: تنصحهم تقول لأختها في الله: الواجب عليك كذا، عدم الاختلاط، الواجب عليك عدم السفور، التحجب عن الرجال الذين ليسوا محارم، قال الله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] قال الله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية، وهكذا تخاطبهم بالآيات والنصوص، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] يا أختي في الله! الأمر عظيم، فإن السفور يترتب عليه كذا وكذا، والاختلاط بالرجال يترتب عليه كذا وكذا، فالواجب علينا جميعاً أن نحذر ما حرم الله، وأن نتعاون على البر والتقوى، وأن نتواصى بالحق ونتناصح، وهكذا .... تكون عبارات حسنة. نعم.
المقدم: مقاطعة مرتكب الخطيئة يا شيخ عبد العزيز ! ما موقف الداعية منها، ولاسيما إذا كان من الأقارب؟
الشيخ: هذا فيه تفصيل، مقاطعة صاحب المنكر وهجره فيه تفصيل:
يشرع هجره ومقاطعته إذا أعلن المنكر وأصر ولم ينفع فيه النصح، شرع لقريبه أو جاره أو غيرهم هجره وعدم إجابة دعوته وعدم السلام عليه حتى يتوب إلى الله من هذا المنكر، هكذا فعل النبي ﷺ والصحابة لما تخلف كعب بن مالك الأنصاري وصاحباه عن غزوة تبوك بغير عذر شرعي، أمر النبي ﷺ بأن لا يكلموا ويهجروا، فهجروا جميعًا وتركوا جميعًا، لا يسلم عليهم ولا يدعون لوليمة ولا يرد عليهم السلام إذا سلموا، حتى تابوا فتاب الله عليهم.
أما إن كان هجر الشخص قد يترتب عليه ما هو أنكر؛ لأنه ذو شأن في الدولة أو ذو شأن في القبيلة تترك هجره ويعامل بالتي هي أحسن ويرفق به حتى لا يترتب على هجره ما هو أشر من فعله وما هو أقبح من عمله، والدليل على هذا: أنه ﷺ لم يعامل عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين لم يعامله مثلما عامل الثلاثة، بل تلطف به ولم يهجره ولم يزل يرفق به؛ لأنه رئيس قومه، ويخشى من قتله أو سجنه أو هجره فتنة للجماعة في المدينة، فلهذا كان النبي ﷺ يرفق به حتى مات على نفاقه، نسأل الله العافية.
وهنا مواضع أخرى جرت له صلى الله عليه وسلم مع بعض الناس لم يهجرهم بل رفق بهم عليه الصلاة والسلام حتى هداهم الله. نعم.
المقدم: إذاً الرفق هو ما يدعو إليه الشيخ عبد العزيز ؟
الشيخ: نعم.
المقدم: بارك الله فيكم.
الشيخ: يهجر إذا كان الهجر أصلح، ويترك الهجر إذا كان الترك أصلح مع إنكار المنكر ومع إظهار كراهة المنكر وأن صاحبه ليس صديقاً ولا صاحباً ولكن من أجل كذا وكذا ترك الهجر، ولكن بالكلام الطيب والحكمة والإنكار السري والوصية عليه من خواصه لعله يستجيب إلى غير هذا من وجوه النصيحة ووجوه الإنكار الرافض.