الجواب: هذا معناه: بيان حجه ﷺ، وعمدة المؤمنين وعمدة الفقهاء في كل مذهب من المذاهب المعروفة هو عمدتهم حج النبي عليه الصلاة والسلام في بيان أحكام الحج؛ لأنه ﷺ حج وقال: خذوا عني مناسككم، فالمسلمون اعتمدوا في بيان أعمال الحج وسننه وما ينهى عنه؛ اعتمدوا على حجته ﷺ حجة الوداع، وهي حجة واحدة لم يحج بعدما هاجر سوى حجة واحدة، وهي الحجة الأخيرة التي حجها عام عشر ولم يعش بعدها إلا قليلاً.. قريباً من ثلاثة أشهر، قريبًا من ثمانين يومًا تزيد قليلًا، ثم توفي عليه الصلاة والسلام ونقله الله إلى الرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام، وقيل لها: حجة الوداع؛ لأنه ودع الناس فيها وقال: خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا.
فهو ﷺ خرج من المدينة لخمس بقيت من ذي القعدة عام عشر من الهجرة ونزل ذا الحليفة -ميقات أهل المدينة- يوم السبت بعد صلاة الظهر، صلى بالناس الظهر في المدينة وذكرهم ووعظهم وعلمهم كيفية مناسك الحج، ثم ارتحل فنزل في ذي الحليفة بالناس وصلى فيها العصر ركعتين والمغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين، وصلى فيها الفجر يوم الأحد، وصلى فيها الظهر يوم الأحد ركعتين حتى تلاحق الناس، ثم توجه من ذي الحليفة بعد الظهر أحرم بعدما صلى الظهر عليه الصلاة والسلام، أحرم بالحج والعمرة جميعاً قارناً، وساق معه ثلاثاً وستين بدنة، وجاء علي من اليمن ببقية الهدي سبعة وثلاثين صار الجميع مائة بدنة، ساقها عليه الصلاة والسلام، وكان بعدما صلى الظهر وبعدما لبس الإزار والرداء وبعد الغسل والتطيب لبى بقوله اللهم لبيك عمرة وحجة عليه الصلاة والسلام، بعدما اغتسل وبعدما لبس الإزار والرداء وبعدما طيبته عائشة بطيب طيب من المسك بعد ذلك لبى بعدما ركب دابته، هذا هو السنة إذا أتى الميقات: يغتسل ويتطيب ويلبس إزاره ورداءه إن كان رجلًا، وتلبس ملابسها المرأة التي تريد والأفضل أن تكون ملابس ما تلفت النظر ملابس غير جميلة حتى لا تلفت النظر، فإذا فرغ كل منهما من ذلك ركب دابته أو السيارة ثم لبى، هذه السنة، يلبي بعدما يركب بعدما يفرغ من حاجاته كلها، كما فعله النبي ﷺ، وإذا كان بعد فريضة كان أفضل؛ لأن الرسول أحرم بعد فريضة الظهر عليه الصلاة والسلام، وإن كان في غير فريضة كالضحى فلا بأس، وذكر جمهور العلماء أنه يستحب له أن يتوضأ ويصلي ركعتين قبل أن يحرم كما صلى النبي ﷺ الظهر وأحرم بعدها، يستحب للمسلم والمسلمة عند الإحرام في غير وقت الصلاة أن يصلي ركعتين مثل الضحى فيحرم بعدهما هكذا قال الجمهور، ولا أعلم نصاً واضحاً في ذلك إلا أنهم أخذوا بفعله ﷺ لما أحرم بعد صلاة الظهر، ولأنه جاء في حديث صحيح رواه البخاري أن النبي ﷺ قال: أتاني آت من ربي فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة قال بعض أهل العلم: إن هذا بعمومه يدل على شرعية الصلاة عند الإحرام، ولكنه ليس بصريح لأنه يحتمل أن المراد صلوات الفريضة التي صلاها عليه الصلاة والسلام.
فالحاصل أن الأمر في هذا واسع، إن كان بعد فريضة فهو أفضل إذا وافق فريضة فهو أفضل، وإن لم يوافق فريضة بأن كان إحرامه مثلا في الضحى فإذا توضأ وصلى ركعتين وأحرم بعدهما كان حسنًا إن شاء الله كما قال جمهور أهل العلم، ولأن الوضوء له سنة فإذا توضأ الإنسان شرع له سنة الوضوء فيلبس إزاره ورداءه ويتطيب ويستكمل كل شيء، مثلا: إن كان شاربه طويل قصه، إن كان عنده أظفار طويلة قلمها، وهكذا إبطه وهكذا عانته، هذا من باب السنة، وإذا فعل هذا في بيته قبل ذلك كفى ذلك والحمد لله.
ولما كانت أسماء بنت عميس قد ولدت في ذي الحليفة ابنها محمد بن أبي بكر واستفتت النبي ﷺ أمرها أن تغتسل وتلبي وهي في نفاسها، فدل ذلك على أن المرأة إذا كانت في النفاس تلبي وهي في النفاس لا بأس، وهكذا الحائض إذا جاءت الميقات وهي حائض تلبي، تغتسل، الرسول ﷺ أمرهما بالاغتسال؛ أمر أسماء بالاغتسال وأمر عائشة لما حاضت وأرادت التلبية بالحج ثم بمكة أمرها أن تغتسل.
ثم سار النبي ﷺ من ذي الحليفة ملبياً وسار معه المسلمون يلبون: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)، حتى وصل مكة في يوم الأحد الدائر الذي هو دور الأحد الذي أحرم فيه عليه الصلاة والسلام، وصل مكة صباح يوم الأحد ونزل بذي طوى في طرف مكة، وصلى بها الفجر وبات بها عليه الصلاة والسلام، واغتسل فيها أيضاً عند دخوله مكة فهو أفضل عند دخول مكة إذا تيسر أن يغتسل، هذا إذا تيسر وليس بلازم، ثم لما اغتسل دخل مكة ﷺ وطاف عليه الصلاة والسلام وسعى يوم الأحد عليه الصلاة والسلام رابع شهر ذي الحجة عام عشر من الهجرة، طاف وسعى وبقي على إحرامه؛ لأنه قارن ومعه الهدي فلم يحل إلا يوم النحر عليه الصلاة والسلام، وأما الصحابة الذين معه؛ فمن كان معه الهدي فعل فعله طاف وسعى وبقي على إحرامه فلم يحل إلا يوم النحر، وأما الذين ليس معهم هدي وقد لبوا بالحج أو بالحج والعمرة جميعًا فإنه ﷺ أمرهم أن يجعلوها عمرة وأن يفسخوا إحرامهم بالحج والعمرة إلى العمرة، أمرهم أن يجعلوها عمرة مفردة؛ فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا بأمره عليه الصلاة والسلام، ومن كان معه الهدي بقي على إحرامه مع النبي ﷺ.
هذه صفة دخوله مكة عليه الصلاة والسلام وسيره من ذي الحليفة إلى أن وصل مكة عليه الصلاة والسلام على هذا النحو، والمسلمون تابعوه بهذا عليه الصلاة والسلام واحتجوا بعمله هذا على ما ذكر من هذه الأمور لأنه ﷺ المشرع المبين للناس، ولأنه قال للناس: خذوا عني مناسككم فهذا هو المشروع كما ذكرنا عنه عليه الصلاة والسلام، ويأتي إن شاء الله بيان بقية أعماله صلى الله عليه وسلم لما توجه إلى منى وتوجه المسلمون يأتي إن شاء في حلقات أخرى. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً.