الجواب:
نعم صدر من مجلس هيئة كبار العلماء قرار بجواز التأمين التعاوني: وتحريم التأمين التجاري، وأنا أشرح للمستمع حقيقة هذا وهذا، فالذي صدر من المجلس جوازه هو التأمين التعاوني وهو أن يجتمع جماعة من الناس فيشتركون في تأمين تعاوني، كل واحد يبذل مالًا معينًا على أن يكون هذا المال لمصالح محدودة، كأن يشتركوا على أن هذا المال يكون لما قد يقع من كوارث بينهم، فينفقون من هذا المال فيها، وكأن يفتقر أحدهم فينفق عليه من هذا المال، ونحو ذلك مما يصرفونه في وجوه البر والتعاون بينهم، وليس للتجارة وتحصيل الأرباح، وإنما ذلك للإحسان فيما بينهم لفقيرهم ومن يصاب بكارثة منهم، ونحو ذلك من المسلمين لمساعدتهم لا لقصد الربح والنماء، هذا هو التأمين التعاوني.
أن يجتمع أهل قرية أو قبيلة أو جماعة من الموظفين على مال معين منهم، كل واحد يبذل كل شهر كذا، أو كل سنة كذا، ويتفقون على أن هذا المال ينفق فيما قد يصابون به من أسباب: صدام سيارات، انقلاب سيارات، كوارث تصيب بعضهم، فينفق على من أصيب من هذا المال، ويؤدى عنه الدين أو الدية، ويواسى فقره، ويشترى له حاجته من هذا المال، ليس هذا مالًا لهم، بل هو لوجوه البر وأعمال الخير فيما بينهم، وليس المقصود منه الربح والتجارة حتى يؤمنوا على سيارة فلان، أو سيارة فلان، لا. وإنما المقصود أن ينتفعوا به.
ولا مانع من أن يجعلوا فيه وكيلًا يتجر فيه والربح لهذه المصلحة، ولهذا المشروع، ليس لهم، بل الربح لهذا المشروع، هذا هو التأمين التعاوني الذي أقره مجلس هيئة كبار العلماء، وصدر به قرار رفع للمقام السامي، لمقام خادم الحرمين الشريفين.
وليس هو التأمين الذي يعرفه الناس بالتأمين التجاري، وهو أن تؤمن على سيارتك عند الشركة أو على بيتك، أو على عينك، أو على رجلك أو على ولدك أو كذا، هذا محرم، وهذا هو النوع الثاني، وهو الذي يقال له: التأمين التجاري، وهو أن يتقدم إنسان إلى شركة أو إلى تاجر فيعطيه مالًا معينًا كل شهر، أو كل سنة على أنه يغرم له ما قد يصيب سيارته، أو ما قد يصيبه هو إذا مات، أو ما أشبه ذلك في مقابل ما أعطاه من المال، فهذا يقال له: التأمين التجاري، تارة يكون على الحياة، وتارة يكون على نفس الإنسان إذا أصابه شيء من صدم أو غيره، وتارة يكون على سيارته، وتارة يكون على بيته، إلى غير هذا، هذا هو المحرم، هذا هو التأمين التجاري، وهو محرم لما فيه من الغرر، ولما فيه من الربا؛ لأنه يدفع مالًا قليلًا ويأخذ مالًا كثيرًا، وربما أنفق أموالًا كثيرة ولم يصب بكارثة فضاع عليه ماله، فصار غررًا وربا، وربما دفع مائة وأخذ آلافًا بسبب ما قد يصيبه.
فالحاصل أنه محرم لما فيه من الغرر، ولما فيه من الربا ويسمى هذا التأمين التجاري، وهذا صدر به القرار بتحريمه، بهذا يتضح الفرق بين النوعين، التأمين التجاري لمصلحة الشخص، يريد منه أن يغرم له ما قد يتلف عليه من سيارة، أو بيت، أو مزرعة، أو دابة أو غير ذلك، ولو نفسه، قد يسلم حتى لو مات يسلم لورثته كذا وكذا، أو صدم ومات، أو انكسر أو كذا يسلم له كذا وكذا، فهذا هو التأمين التجاري، وهذه الشركة التي أعلن عنها إن كان مقصودها هذا فهذا ليس بالتأمين التعاوني، وهذا العنوان يكون تلبيسًا، ولا يجوز هذا، أما إن كان مقصودهم أنهم يحسنون فيما بينهم فيما قد يصيبهم إذا تلفت سيارة أحدهم، أو أصيب بصدمة أو دين أو فقر فيما بينهم وليس قصدهم الربح وإنما قصدهم التعاون فيما بينهم من هذا المال المزبور الذي قد يجعلون فيه من يتصرف فيه حتى ينميه، وحتى يستفاد منه، لكن ليس لقصد التجارة، وإنما القصد تعاونهم فيما بينهم لرفع مستوى فقيرهم ومواساته، وتسديد الدين عنه، وتعويضه عما قد يصيبه في سيارته أو يصيبه في نفسه، أو يصيبه في بيته أو ما أشبه ذلك، ليس لقصد الربح والفائدة، والله أعلم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا. سماحة الشيخ! الملاحظ أن مثل هذا الإعلان قد صنع الفتوى لتتكيف مع تجارته، فهؤلاء فيما يظهر من الإعلان أنه تجاري بحت، فهم يؤمنون عن الحوادث وعن النقد وعن خيانة الأمانة، وعن السرقة، وعن المسئولية المدنية وكل الأخطار.
الشيخ: سنطلب إن شاء الله نظامهم، ونعمل ما يلزم من جهة ما يستحقون في هذا الإعلان إذا كان مخالفًا لما صدر به القرار، نسأل الله أن يهدي الجميع.
المقدم: اللهم آمين. الملاحظ أنه مخالف تمامًا للفتوى سماحة الشيخ؟
الشيخ: هذا هو ظاهر الإعلان.
المقدم: نعم أنه مخالف تمامًا؟
الشيخ: نسأل عنه زيادة، أقول: نسأل عنه إن شاء الله.
المقدم: إذًا: سأبقي الإعلان لديكم سماحة الشيخ؟
الشيخ: إن شاء الله. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.