الجواب:
الواجب على الخادمة وعلى غير الخادمة هو التحجب والحذر من الخلوة من الأجنبي سواء كان مخدومًا لها أو ابن عمها أو ابن خالها أو أحد جيرانها أو أخا زوجها أو ابن عم زوجها أو عم زوجها أو ما أشبه ذلك.
الواجب على المرأة الاحتجاب عن كل من ليس محرمًا لها من الرجال؛ لأنها عورة وفتنة والله سبحانه يقول: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].
فقد أوضح سبحانه وجوب الحجاب، ولم يستثن وجهًا ولا غيره، وبين سبحانه أن هذا أطهر للجميع أطهر لقلوب هؤلاء وهؤلاء للرجال والنساء، فدل ذلك على أن عدم الحجاب فيه خبث وفيه خطر وهكذا قوله : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية، هذه آية صريحة في منع إبداء الزينة لغير المحارم وأعظم الزينة الوجه؛ لأنه عنوان جمال المرأة أو دمامتها.
فكما لا يجوز إظهار الشعر والساق والساعد والصدر ونحو ذلك فهكذا الوجه من باب أولى واليد والقدم وسائر بدنها كلها عورة إلا العجوز-القواعد- فقد قال الله تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] فالعجوز التي لا ترجو النكاح ولا تتزين لا بكحل ولا بغيره من أنواع الزينة يجوز لها طرح الحجاب عن وجهها وترك ذلك والتعفف والتستر أولى وأفضل لها؛ لأن كل ساقطة لها لاقطة، خطر، فالتعفف والاستعفاف والتستر أولى ولو كانت عجوزًا لا تشتهى ولو كانت كبيرة لا تتزين، فالاستعفاف خير لها ولهذا قال سبحانه: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] فإذا كانت العجوز التي لا ترجو النكاح ومع هذا لا تتزين لا بكحل ولا بمكياج ولا غير ذلك ولا بملابس ولا غير هذا تعففها وتسترها أولى فالشابة والمتزينة من باب أولى في وجوب التحجب والحذر من أسباب الفتنة.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما تخلفت في غزوة الإفك ورآها صفوان المعطل واسترجع قالت: "فلما سمعت صوته خمرت وجهي وكان قد رآني قبل الحجاب" فدل ذلك على أنهم بعد الحجاب لا يكشفون الوجوه، وإنما كانوا يكشفونها قبل الحجاب عند الرجال، فلما جاء الحجاب وأنزل الله الحجاب تسترن.
أما حديث أسماء بنت أبي بكر الذي روته عائشة عن النبي ﷺ وهو ما رواه أبو داود في السنن عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما وعليها ثياب رقاق فلما رآها النبي ﷺ أعرض عنها وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه، هذا الحديث ضعيف من وجوه لا يصح أن يحتج به، وقد تعلق به بعض الناس جهلًا وغلطًا، والصواب أنه حديث ضعيف من وجوه كثيرة لا يجوز التعلق به ولا أن تعارض به الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
وإليك أيها المستمع بيان ذلك؛ بيان أسباب ضعفه:
أولًا: أنه من رواية خالد بن دريك عن عائشة وهو لم يسمع منها فهو منقطع والمنقطع عند أهل العلم ضعيف لا يحتج به عند جميع أئمة الحديث.
العلة الثانية: أنه من رواية قتادة عن خالد بالعنعنة، وقتادة مدلس ولا يحتج به إذا عنعن في غير الصحيحين.
العلة الثالثة: أن في سنده سعيد بن بشير وهو ضعيف عند أهل الحديث لا يحتج به.
العلة الرابعة: أنه يحتمل أن يكون قبل الحجاب، أنه كان قديمًا، والحديث إذا احتمل أن يكون قبل الحجاب أو بعد الحجاب لا يحتج به؛ لأنه محتمل أن هذا لو صح أن يكون قبل الحجاب، قبل أن يحرم على المرأة حجب وجهها وكفيها، وكانت النساء قبل الحجاب يبدين وجوههن وأيديهن فلما نزل الحجاب منعن من ذلك.
العلة الخامسة: أن هذا لا يليق بمثل أسماء ولا يظن بها ذلك؛ لأنها امرأة صالحة وهي أسن من عائشة وهي زوجة الزبير بن العوام أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وحواري الرسول ﷺ، فكيف يظن بها أن تدخل على النبي ﷺ في ثياب رقيقة ترى منها العورة؟ كيف يظن ظان أن هذا يقع من هذه المرأة الصالحة العظيمة الشأن؟ فهذا شاذ ومتن منكر لا يليق من أسماء أن تفعله رضي الله عنها.
ولو فرضنا صحته ولو فرضنا وقوعه منها لكان محتملًا أن يكون قبل الحجاب مع أنك عرفت أنه ضعيف لا يصح من وجه من الوجوه، فهو ضعيف من هذه الوجوه كلها، والله ولي التوفيق. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا ونفع بعلمكم.