الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد.
هذا السؤال فيه إجمال، والنذور قسمان: قسم شرعي، وقربة إلى الله وإن كان أصله ينهى عنه، لقول النبي ﷺ: من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله؛ فلا يعصه لكن جنس النذر ينبغي أن يدعه المؤمن، لقوله -عليه الصلاة والسلام- لما سئل عن النذور قال: لا تنذروا؛ فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئًا، وإنما يستخرج به من البخيل متفق على صحته، وفي لفظ آخر من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي ﷺ: أنه نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل.
هذا يدل على أن جنس النذر لا ينبغي؛ لأن فيه إلزام، وقد يشق على المسلم أداؤه، فينبغي له أن يدع النذر، لكن متى نذر نذر طاعة؛ وجب عليه الوفاء؛ لأن الله سبحانه مدح الموفين بالنذر، فقال : يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7] قال سبحانه: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270] وقال -عليه الصلاة والسلام- من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه.
فإذا قال: لله عليه أن يصوم ثلاثة أيام، أو يصوم شهر شعبان، أو يصوم يوم الإثنين، ويوم الخميس من كل أسبوع، أو ما أشبه ذلك؛ فهذا كله نذر طاعة، يجب عليه الوفاء، أو قال: لله عليه أن يصلي الضحى، أو هذه الليلة ركعتين، أو أربع ركعات، أو ما أشبه ذلك؛ هذا نذر طاعة، أو قال: لله عليه أن يتصدق بكذا وكذا على الفقراء والمساكين؛ هذا نذر طاعة، وإذا كان نوى بذلك أن هذا النذر صدقة عن أبيه، أو أمه، أو نفسه؛ فهو على ما نوى من نيته، أو نواه عن الإمام مالك، أو عن فلان، أو فلان من أهل العلم؛ فهو على نيته.
لكن هنا أمر آخر ينبغي التنبه له، وهو أنه قد يقصد بالنذر غير الله، والتقرب إلى غير الله كما يفعله بعض عباد القبور، عباد الأموات، فيقول: إن شفى الله مريضي؛ فللشيخ البدوي كذا من الطعام، فللشيخ عبدالقادر الجيلاني كذا وكذا من النقود، أو من الشمع، هذا شرك بالله؛ لأن هذا نذر لمخلوق، والنذر عبادة، والعبادة لله وحده: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
فالنذر للمشايخ، وأصحاب القبور، أو للجن، أو للكواكب، والتقرب إليهم، هذا من عبادة غير الله فلا يجوز، بل نص العلماء أنه من الشرك بالله لأنه تقرب بهذه العبادة إلى غير الله من الأموات، أو من الجن، أو من المشايخ الأموات، أو غيرهم ممن يتقرب إليهم بالنذور، فهذا لا يجوز.
أما إذا تقرب به لله قال: لله علي كذا وكذا صدقة بكذا دراهم، بكذا من الطعام، ينويها عن نفسه، أو عن أبيه، أو عن أمه، أو بعض أحبائه، صدقة لله يتقرب إلى الله وحده فهذا لا بأس به، ولكن تركه أولى؛ لأن الرسول ﷺ نهى عن النذر، فينبغي تركه، ويكره النذر مع كونه لله يكره.
أما إذا أراد به النذر لغير الله، إذ يعتقد أن هذا الشيخ يشفي المريض، يرد الغائب بما أعطاه الله من الولاية، أو من الكرامة؛ فلهذا ينذر له، ينذر للبدوي طعامًا، ينذر له عجلًا، ينذر له شاة، أو للشيخ عبد القادرالجيلاني، أو للدسوقي، أو لفلان، أو لفلان ممن يغلو فيهم الصوفية، وغيرهم، هذا كله يكون من الشرك بالله -عز وجل- أو ينذر للجن، أو يسألهم، يستغيث بهم يسأل الجن، يستغيث بهم يستعيذ بهم، أو يستغيث بالأموات، يقول: يا فلان! يا سيدي فلان! انصرني، أو اشف مريضي، أو رد غائبي، أو أنا في حسبك، أو أنا في جوارك، أو ما أشبهه، كما يفعله عباد الأموات، وعباد القبور، وهذا لا يجوز، هذا من الشرك بالله .
ومن النذور الباطلة أيضًا التي تحرم أن ينذر، أن يشرب الخمر، أو يزني، أو يعامل بالربا، هذه نذور معصية، والنبي ﷺ قال: ومن نذر أن يعصي الله؛ فلا يعصه واختلف العلماء هل فيه كفارة، أم لا؟ على قولين، والأرجح أن نذر المعصية فيه كفارة، أنه لا يعصي، ولكن عليه كفارة يمين؛ لأنه جاء في بعض الروايات: لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين.
فينبغي لمن فعل ذلك أن يتوب إلى الله، وعليه كفارة يمين، إذا قال: لله عليه أن يشرب الخمر، أو يزني، أو يسرق، أو يضرب فلانًا بغير حق، هذا نذر باطل، ومنكر، معصية، ولا يجوز له فعله، وعليه كفارة يمين على الصحيح. نعم.