الجواب:
هذه المسألة قد وقع فيها جم غفير ممن ينتسب إلى الإسلام جهلًا منهم، وتقليدًا لآبائهم وأسلافهم، فالذي يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويصلي ويصوم، ولكنه مع ذلك يتقرب إلى أصحاب القبور بالذبائح، ويستغيث بهم، وينذر لهم، أو للجن أو إلى الأصنام هذا مشرك، وصلاته باطلة، وشهادته باطلة؛ لأنه نقضها بأفعاله الشركية، مثل المنافقين الذين يصلون مع الناس، ويصومون، ويشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ولكن يقولون: محمد ما هو صادق في باطنهم، وينكرون البعث والنشور في الباطن، هؤلاء في الدرك الأسفل من النار، كما قال الله -جل وعلا-: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145] وقال عنهم سبحانه: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ [النساء:142-143] لا مع المسلمين، ولا مع الكفار، وقال في الآية الأخرى: وَمَا مَنَعَهُمْ يعني: المنافقين، أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة: 54-55] فسماهم كفرة، ولم يقبل منهم أعمالهم، مع أنهم يصلون لماذا؟ لأنهم في الداخل والباطن قد كذبوا الرسول ﷺ، وأنكروا البعث والنشور، فلهذا صاروا كفارًا باعتقادهم الباطن، فلا ينفعهم صلواتهم وشهاداتهم الظاهرة؛ لأن باطنهم يخالف ذلك.
فهكذا الذي يتقرب للقبور بالذبائح والنذور، ويستغيث بهم، ويذبح لهم، هذا ليس بمسلم يكون كافرًا، وإن صلى وصام، وإن شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله عند أهل العلم، عند جميع أهل السنة والجماعة ليس في هذا خلاف بحمد لله؛ لأن نواقض الإسلام متى وجد منها ناقض بطلت أعمال العبد، ومن ذلك لما يبين هذا الأمر، لو أن إنسانًا يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله ويصلي ويصوم، ولكنه يسب الله، ويلعن الله، ويلعن الرسول ﷺ فهذا كافر عند جميع العلماء، ولو شهد، لو لعن الله، أو لعن الرسول ﷺ كفر بإجماع المسلمين، أو قال: إن الرسول ﷺ بخيل، ذمه قال: بخيل، أو قال: جبان، كفر عند جميع العلماء، ولو شهد أن محمدًا رسول الله، وهكذا لو سب الله كفر إجماعًا، أو قال كما قالت اليهود: (إن الله بخيل) كفر إجماعًا، أو قال: (يداه مغلولتان) كفر بإجماع المسلمين، ولو صلى وصام، أو قال في باطن الأمر: إن ما هناك جنة، ولا نار كذب، كما يقول المنافقون كفر بالإجماع، ولو شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، هذه مسألة مهمة عظيمة، وهكذا لو أن إنسانًا يصلي ويصوم، ويشهد أن لا إله الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقول: إن الزنا حلال، ما في حرج أن الإنسان يزني، أو ما في حرج أنه يشرب الخمر، أو ما في حرج أنه يعق والديه، ما في بأس، ما في حرج صار كافرًا بإجماع المسلمين.
فينبغي للعاقل أن ينتبه لهذا، ينبغي له أن ينتبه لهذا، وهكذا كل مسلم ومسلمة يجب الانتباه لهذا الأمر، فالتقرب للقبور بالذبائح والنذور والاستغاثة بأهل القبور شرك أكبر، كما يفعله بعض الناس عند قبر ابن علوان في اليمن، أو عند العيدروس في اليمن، أو عند ابن عربي في الشام، أو عند الشيخ عبدالقادر الجيلاني في العراق، أو عند قبر أبي حنيفة في العراق، أو يفعله مع البدوي في مصر، أو مع الحسين في مصر، أو مع غيرهم، كل هذا كفر أكبر شرك أكبر، الذي يستغيث بهؤلاء، وينذر لهم، ويذبح لهم، ويسألهم الغوث والنصر والشفاء، كافر عند جميع أهل السنة والجماعة، ولا تنفعه صلاته، ولا صومه، ولا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، كالمنافقين الذين يقولونها وهم يسبون الرسول، ويكذبون الله في الباطن.
فهذه المسائل العظيمة يجب التنبه لها من جميع المسلمين، ويجب على العلماء في أي قطر وفي أي مكان أن ينبهوا الناس على هذا الأمر، حتى يتبصر المسلمون، وحتى يتبصر عباد القبور وغيرهم، وحتى يكونوا على بينة، وحتى يقلعوا من هذا العمل السيئ، وحتى يتوبوا إلى الله من ذلك.
هذا هو واجب العلماء أينما كانوا في هذه المملكة وفي الشام وفي مصر وفي أفريقيا وفي العراق، وفي كل مكان، يجب على علماء الشريعة علماء السنة أن يبينوا للناس أحكام هذه الأمور، وأن يرشدوهم إلى توحيد الله والإخلاص له، كما قال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] وقال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وقال : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقال عن الكفار من قريش وغيرهم: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] جعل شفاعتهم، طلبهم الشفاعة من آلهتهم جعلها كفرًا، شركًا أكبر، جعلها كفرًا وشركًا أكبر، فكيف بالذي يذبح لهم، وينذر لهم، ويستغيث بهم أعظم وأعظم.
فالواجب على جميع المسلمين وعلى جميع من وقع في هذه الأمور أن ينتبه، وأن يتوب إلى الله، وأن يخلص العبادة لله وحده، وألا يذبح إلا لله، وألا يستغيث إلا بالله، وألا ينذر إلا لله، يقول سبحانه في سورة الأنعام في آخرها: قُلْ إِنَّ يعني: قل: يا محمد! قُلْ إِنَّ صَلاتِي يعني: قل يا محمد! للناس، إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي يعني: ذبحي، وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] ويقول سبحانه يخاطب نبيه ﷺ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:1-2] فالصلاة لله والذبح لله -جل وعلا-، ويقول -جل وعلا-: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14] قال -جل وعلا-: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] فهذا يعم الأنبياء وغيرهم، وقال سبحانه: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] يعني: المشركين، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ويقول النبي ﷺ: حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا، ويقول لـابن عباس: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله فالعبادة حق الله وحده، هو الذي يستعان به، ويستغاث به.
أما المخلوق إذا كان حيًا فلا بأس أن يستعان به في الحي الحاضر، تقول له: أعني على إصلاح سيارتي، لا بأس، أعني على تعمير بيتي، لا بأس، حاضر يسمع كلامك، ويعينك.
أما سؤال الأموات والاستغاثة بالأموات، أو بالأحجار أو بالأصنام أو بالأشجار أو بالجن هذا كفر أكبر، وشرك أعظم، نسأل الله العافية، نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.