الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن الله -جل وعلا- شرع لعباده ما فيه صلاحهم، وما فيه نجاتهم في الدنيا والآخرة، ونهاهم عن كل ما يضرهم في الدنيا والآخرة، وبعث الرسل مبشرين ومنذرين -عليهم الصلاة والسلام-، مبشرين من أطاعهم واستقام على ما دعوا إليه؛ بالجنة والسعادة، والنصر في الدنيا والنجاة من الآخرة، ومنذرين من عصاهم بالذل في الدنيا والشقاء في الآخرة.
وأعظم ما بعث الله به الرسل وأهمه وأفرضه: توحيد الله، والإخلاص له، وصرف العبادة له -جل وعلا-، هذا أهم دعوة الرسل، وهذا زبدتها، إخلاص العبادة لله وحده، كما قال -جل وعلا-: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[الأنبياء:25] وقال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] فهذه أعظم دعوة الرسل وأهمها، وهذا أساسها، توحيد الله، والإخلاص له، وألا يعبد معه سواه، لا نبي ولا ملك ولا شجر، ولا حجر، ولا صنم، ولا غير ذلك.
واتخاذ القباب على القبور، والمشاهد على القبور من وسائل الشرك؛ لأن هذا من تعظيم القبور، فإذا بني عليها القباب، وجعل عليها المساجد، عظمها العامة، ودعوها من دون الله، واستغاثوا بها، ونذروا لها، وهذا هو الشرك الأكبر، فدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم، هذا هو الشرك الأكبر، هذا ضد دعوة الرسل، ضد التوحيد الذي بعث الله به الرسل.
ولما بعث الله نبيه محمد ﷺ، قال لقومه يا قوم قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا ونهاهم أن يعبدوا مع الله سواه، نهاهم أن يعبدوا مع الله العزى، أو مناة، أو اللات، أو غير ذلك، وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده، وأنزل الله عليه في ذلك: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].
فالواجب عبادة الله وحده، ولا يجوز اتخاذ القباب على القبور، ولا المساجد عليها، بل يدفن الميت، ويرفع قبره قدر شبر من الأرض حتى يعلم أنه ميت حتى لا يمتهن، ولا يجوز أن يدعى من دون الله، ولا أن يبنى عليه قبة، ولا مسجد، ولكن يترك ضاحيًا بارزًا كما كانت قبور الصحابة في المدينة في عهد النبي ﷺ وبعده.
ولا يجوز أن يدعى الميت مع الله، ولا أن يستغاث به، ولا يقال: يا سيدي، يا فلان أغثني، أو انصرني، أو أنا في حسبك أو جوارك، أو يطلب منه الرحمة، أو المغفرة، أو شيء من أمور الخير، كالرزق، أو الزواج، أو النجاة من النار، أو دخول الجنة، أو ما أشبه ذلك، كل هذا كفرٌ بالله، كله شرك أكبر، قال الله -جل وعلا-: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] معنى: ليعبدون: ليوحدوني بالعبادة، يقصدوني بالعبادة، وحده ، وقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] يعني: أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وقال سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] وقال سبحانه: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] يعني: المشركين، وقال سبحانه: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] فسماهم كفارًا، وقال : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:2-3].
فأمر سبحانه بعبادته وحده -جل وعلا-، وإخلاص العبادة له ، وأخبر أن المشركين اتخذوا من دونه أولياء، يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى[الزمر:3] فهم يعبدون اللات والعزى والأصنام، ويدعونها، ويستغيثون بها، ويقولون:ما نقصد إلا أنهم يقربونا إلى الله زلفى، يشفعون لنا عند الله، كما في آية يونس، يقول سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ[يونس:18] فكذبهم سبحانه بقوله: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس:18] وفي آية الزمر، يقول -جل وعلا-: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ [الزمر:3] يعني: يقولون: ما نعبدهم إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] فكذبهم سبحانه بقوله: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3].
فبين أنهم لا يقربونهم إلى الله، بل هم كفار بهذا كاذبون، فالقرب من الله بدعوته سبحانه، وعبادته وحده، وسؤاله، هذا هو الذي يقربهم إلى الله، وينجيهم بفضله سبحانه، يا رب أغثني، يا رب انصرني، يا رب يسر لي الزواج من المرأة الصالحة، يا رب اقض ديني، يا رب أدخلني الجنة، يا رب اغفر لي، يا رب ارحمني، هذا هو الذي شرعه الله، وهذا هو العبادة لله وهذا هو التوحيد.
أما أن تقول: يا سيدي البدوي ارحمني، أو أنا في جوارك، أو أغثني، هذا هو الشرك الأكبر، أو يا سيدي الحسين، أو يا سيدي علي بن أبي طالب، أو يا سيدي الحسن، أو يا فاطمة، أو ما أشبه ذلك، هذا هو الشرك الأكبر، هذا عبادة غير الله، التي أنكرها الرسل، وأنكرها نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-، ولما خطبهم ﷺ في مكة، في بعض الأيام، قال: يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب اشتر نفسك من الله، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئًا فأخبرهم -عليه الصلاة والسلام-: أنه لا يغني عنهم من الله، بل لا بد من شرائهم أنفسهم من الله بالتوحيد، والإيمان، والطاعة.
هؤلاء أقرب الناس إليه، بنته، وعمه، وعمته، أخبرهم أنه لا يخلصهم من الله، ولا ينجيهم من عذاب الله، ولا يغني عنهم من الله شيئًا، إلا أن يوحدوا الله، ويعبدوه وحده، حتى فاطمة بنته، قال: سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئًا.
فالواجب على الجميع عبادة الله وحده، وسؤاله وحده سبحانه، والاستغاثة به وحده، وأداء حقه من صلاة، وزكاة، وصيام، وحج، وبر والدين، وصلة رحم، وصدق الحديث، وترك ما حرم الله من سائر المعاصي، كالزنا، وشرب الخمر، واللواط، والعقوق للوالدين، القطيعة للرحم، وشهادة الزور، إلى غير هذا من المعاصي، يجب تركها طاعة لله، وتعظيمًا لله، وتقربًا إليه .
هذا هو الدين، وهذا الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب، وبعث به خاتم الرسل محمدًا -عليه الصلاة والسلام-، بعثه الله يدعو الناس إلى توحيد الله، والإخلاص له، وإلى طاعة أوامره، التي أمر بها عباده، من صلاة، وصوم، وزكاة، وحج، وغير ذلك، وبعثه ينهاهم عما حرم الله عليهم؛ ولهذا صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: يا رسول الله من يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى فمن أطاع الرسول، واتبع الشريعة، فله الجنة، ومن عصاه فله النار، نسأل الله العافية.
فنصيحتي لكل من يخاف الله، لكل من يرجو الله، أن يعبد الله وحده، وأن يخصه بدعائه، واستغاثته، ونذره، وذبحه، وغير ذلك، كما يخصه بصلاته، وصومه، وسائر عباداته، لله وحده.
هذا هو التوحيد، وهذا هو الإيمان، وهذا معنى قوله -جل وعلا-: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ومعنى قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] يعني: وحدوه، خصوه بالعبادة، بدعائكم، وخوفكم، ورجائكم، وذبحكم، ونذركم، وصلاتكم، وصومكم.
أما من يأتي أصحاب القباب، يدعوهم مع الله، هذا هو الشرك الأكبر، سواء كانوا أنبياء، أو غيرهم، من يقول: يا رسول الله أغثني، هذا شرك أكبر، بعد وفاته ﷺ، أما في حياته، يقول: أعطني كذا، أعطني من مال الله الذي عندك، ساعدني من كذا، لا بأس في حياته ﷺ، كما يقال للملوك وغيرهم، ساعدونا في حياتهم، لكن بعد وفاته يقال: أغثنا يا رسول الله، أو انصرنا، أو اشفع لنا لا، يطلب من الله، يقول: يا رب، شفع في نبيك، يا رب، أغثني، يا رب! أنجني من النار.
وهكذا لا يدعى عمر ، ولا الصديق، ولا عثمان، ولا علي ولا غيرهم، وهكذا من بعد الصحابة من باب أولى لا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم هذا حق الله، الأموات يترضى عنهم، ويدعى لهم، والأنبياء يتبعون، ويدعى لهم، لا يدعون مع الله، العبادة حق الله، وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّاا إِيَّاهُ[الإسراء:23]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5].
يقول النبي ﷺ: من مات وهو يدعو لله ندًا دخل النار يعني: شبيهًا أو نظيرًا، يدعوه مع الله، يستغيث به، ينذر له، ويقول ﷺ: من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار.
فالواجب الحذر من هذا الشرك، والواجب البصيرة والتفقه في الدين، هذا واجب على جميع المسلمين، في كل مكان، وعلى جميع المكلفين في كل مكان، في البلاد العربية وغيرها، في أوروبا، في أمريكا، في أفريقيا، في آسيا في كل مكان، يجب على المكلفين أن يعبدوا الله وحده، يجب أن يخصوه بدعائهم، ونذرهم، واستغاثتهم ونحو ذلك؛ لأنهم لهذا خلقوا، خلقهم الله ليعبدوه، ليعظموه، ليخصوه بالعبادة وبه أمروا.
وبهذا تعرف -أيها السائل- أن اتخاذ القباب منكر، ومن وسائل الشرك، وهكذا بناء المساجد على القبور، يقول النبي ﷺ: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة: "يحذر ما صنعوا" متفق على صحته، وقال -عليه الصلاة والسلام- في حديث جندب بن عبدالله البجلي، يقول : ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم، وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك رواه مسلم في الصحيح، فبين ﷺ أن الناس السابقين، يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، يعظمونها يصلون عندها، يدعون عندها يقرؤون عندها، فنهاهم عن هذا، نهاهم أن يفعلوا هذا الفعل، فوجب على العباد أن يتركوا هذا الفعل؛ لأنه وسيلة للشرك، إذا بني عليها المسجد أو القبة، جاء الجاهل والعامي، وقال: هذا ولي، وهذا ينفع، وهذا يشفع، فجعل يدعوه من دون الله، ويستغيث به، وهذا هو الشرك الأكبر، نعوذ بالله.
وهكذا البناء على القبور حتى غير المساجد، يقول جابر : "نهى رسول الله ﷺ؛ أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه" رواه مسلم في الصحيح، زاد الترمذي وغيره: "وأن يكتب عليه".
فالرسول ﷺ نهى عن تجصيص القبور، وعن البناء عليها، وهذا يشمل القباب وغير القباب، لا يبنى عليها شيء، ونهى أن يجلس عليه أيضًا؛ لأنه امتهانًا له، فلا يجلس عليه؛ لأنه امتهان، ولا يبنى عليه، ولا يجصص؛ لأن تجصيصه والبناء عليه من وسائل التعظيم، فإذا جصص أو بني عليه عظمه الناس حتى يقع الشرك، يدعونه من دون الله، ويعظمونه.
فالواجب أن يكون مكشوفًا كسائر القبور، ولو كان قبر نبي أو صالح، حتى لا يدعى من دون الله، وحتى لا يخص بشيء من العبادة، لكن لما خاف الصحابة على النبي ﷺ أن يدعى وأن يعبد دفنوه في حجرة عائشة في بيت عائشة، حمايةً له لئلا يعبد من دون الله، ولكن أهل الغلو ما تركوا ذلك عبدوه خارج الحجرة، وفي كل مكان، يستغيثون به، وينذرون له، وهذا هو الشرك الأكبر الذي نهى عنه -عليه الصلاة والسلام-، وحذر منه، وقال: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبدالله ورسوله.
فلا يجوز لأحد أن يغلو فيه بالدعاء، فيدعوه يدعوه من دون الله، أو ينذر له، أو يستغيث به، أو يذبح له، كل هذا شرك أكبر.
وهكذا غيره من الأنبياء والصالحين، لا يدعون مع الله، ولا يستغاث بهم؛ لأن ذلك مما حرمه الله .
فينبغي لك -يا عبد الله- أن تكون على غاية من الحذر من هذا الشرك، دقيقه وجليله، وقد عمت به البلوى في بلدان كثيرة، في البلاد العربية وغيرها، كما لا يخفى على من له أدنى دراية بأحوال الناس، ما يقع عند قبر البدوي، والحسين، والست زينب، ونفيسة في مصر، وعند العيدروس في الجنوب اليمني، وعند قبر ابن علوان، وعند غيرها من القبور، وعند قبور كثيرة، عند قبر ابن عربي في الشام، وعند قبورٍ كثيرة في العراق، وفي غيرها، تدعى من دون الله، ويستغاث بها.
فيجب الحذر، وهكذا من يأتي من بعض الحجاج عند قبر النبي ﷺ، أو عند قبور البقيع من الصحابة، يدعوهم من دون الله هذا منكر وشرك أكبر يجب الحذر من ذلك، ويجب على أهل العلم أن يبينوا، يجب على العلماء في كل مكان -وفقهم الله- أن يبينوا للناس؛ لأن الناس قد يغلب عليهم الجهل يحسبونه دين.
فوجب على العلماء -وفقهم الله- أن يوضحوا للناس أن الواجب عبادة الله وحده، وإخلاص العبادة لله وحده، وأن أصحاب القبور لا يدعون مع الله، ولا يستغاث بهم، ولا ينذر لهم، ولا يذبح لهم، ولا يبنى على قبورهم، ولا يتخذ عليها مساجد، فالناس في ذمة العلماء، فيجب على العلماء أن يبينوا، وأن يوضحوا للناس شرع الله، ولا سيما ما يتعلق بالتوحيد، فهو أعظم الأمور وأهمها، كما أن الشرك أعظم الذنوب، وليس عليهم إلا البلاغ على العلماء البلاغ مثلما على الرسل، والله يهدي من يشاء، وعلى ولاة الأمور التنفيذ على الحكام الرؤساء، الملوك، رؤساء الجمهوريات، ومن له قدرة على التنفيذ، أن يمنع العامة من الشرك بالله، ويدعوهم إلى توحيد الله، والإخلاص له، ويبين لهم أن هذا لا يجوز، وأن الواجب عبادة الله وحده، الذبح يكون لله، الاستغاثة بالله وحده، لا بالقبور، والنذر يكون لله وحده، لا لأهل القبور، القبور يزارون للدعاء لهم، والترحم عليهم، هم محتاجين للدعاء لهم، يزورهم، يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين يدعو لهم، كما كان النبي ﷺ يزور القبور، ويدعو لهم -عليه الصلاة والسلام-، وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور، يقولوا: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا -إن شاء الله- بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وذكر ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ لما زار قبور المدينة، قال: السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر وكان يعلم أصحابه هذا، -عليه الصلاة والسلام-، كما رواه مسلم في الصحيح، كان يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا -إن شاء الله- بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية وفي الحديث الآخر: يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين.
فالواجب على أهل الإسلام التمسك بما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه، والسير عليه، في زيارة القبور، وفي غيرها في جميع الأمور، كما قال الله سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] قال سبحانه: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور:54] فالهداية في طاعته -عليه الصلاة والسلام-، وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54] وقال سبحانه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] قال : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] فالخير كله في طاعة المصطفى ﷺ، واتباع شريعته، وتعظيم أمره ونهيه؛ وذلك بتعظيم كتاب الله -القرآن- والتمسك به، والأخذ بما فيه، وتعظيم السنة، التي جاء بها ﷺ، فإن الله أعطاه القرآن ومثله معه، وهي السنة.
فالواجب على أهل الإسلام التفقه في كتاب الله، والتفقه في سنة رسول الله ﷺ، والعمل بهما، في جميع الأحوال، ولا سيما في أصل التوحيد، وأصل الدين وأساسه، وهو أعظم الأمور، وهو رأس المال، نسأل الله لجميع المسلمين ولنا التوفيق والهداية والفقه في الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.