الجواب:
النبي ﷺ هو المشرع عن الله والمبلغ عن الله، وهو الذي قال: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وقال -عليه الصلاة والسلام-: إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها فقال بعض أبناء عبدالله بن عمر: والله لنمنعهن، يعني لما رأى من تغير الأحوال، فأقبل عليه عبدالله والده وسبّه سبًّا شديدًا؛ لأنه عارض السنة برأيه.
فالسنة دلت على أنه لا تمنع النساء المساجد، ولكن بشروط، قال ﷺ: أي امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء وحث على الستر والجلباب وغير ذلك، فالمرأة لا تمنع لكن بشروط، بشرط أن تكون على الطريقة الحسنة، وعلى السيرة الحميدة، وعلى التستر التام.
أما إذا كانت تفتن الناس بإبراز زينتها، ومفاتنها وبخروجها بالطيب تمنع كما دل عليه قول النبي ﷺ: أي امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء فهذا يدل على أنها لا تخرج بالطيب، لا بالبخور، ولا بغيره الذي يظهر للناس، ولا بدّ أن تكون متسترة متحجبة، ولا بدّ أن تكون ليست ذات ريبة، فإذا كانت ذات ريبة تستغل خروجها للصلاة، وتستغل هذا لأمر آخر مما يضر زوجها وأهلها تمنع.
فالحاصل: أنها لا تمنع إذا كانت سليمة، إذا كانت طيبة، إذا كانت متسترة، إذا كانت متباعدة عما حرم الله، وخروجها ينفعها ولا يضر الناس فلا بأس.
وأما قول عائشة: لو علم النبي ما أحدث النساء لمنعهن من الخروج، فجواب ذلك: أن الله -جل وعلا- يعلم كل شيء، والرسول المشرع عن الله ما ينطق عن الهوى، فالله يعلم ذلك، يعلم ما يحدث اليوم، وما حدث قبلًا، ومع هذا شرع لنا أن لا نمنعهن، فقول عائشة هنا ليس بجيد، وليس بمعتمد، وإنما العمدة على سنة رسول الله، عليه الصلاة والسلام.
فالله يعلم كل شيء، ربنا يعلم ما يكون في القرن الرابع عشر، والقرن الخامس عشر، والقرن السادس عشر وما بعده، إن عاش الناس إلى ذلك يعلم كل شيء، فالشريعة عامة، شريعة للصحابة ولأهل هذا القرن، ولمن يأتي بعدهم، شريعة عامة، فقول عائشة هنا ليس بجيد في هذا المقام، وإنما قالت هذا من اجتهادها وظنها، والظن يخطئ ويصيب.