شرح كتاب التبصير في معالم الدين للطبري 5

القول في الاختلاف السادس:

قال أبو جعفر: ثم كان الاختلافُ السادس، وذلك الاختلاف في زيادة الإيمان ونقصانه:

(أ) فقال بعضهم: الإيمان يزيد وينقص، وزيادته بالطاعة، ونقصانه بالمعصية.

قالوا: وإنما جازت الزيادةُ والنقصان عليه؛ لأنه معرفةٌ وقولٌ وعملٌ، فالناس مُتفاضلون بالأعمال، فأكثرهم له طاعةً أكثرهم إيمانًا، وأقلهم طاعةً أقلهم إيمانًا.

(ب) وقال آخرون: يزيد ولا ينقص.

وقالوا: زيادته الفرائض، وذلك أنَّ العبد في أول حالٍ تلزمه الفرائض إنما يلزمه الإقرار بتوحيد الله جلَّ ثناؤه دون غيره من الأعمال، وذلك بلوغ نوع من أنواع الإيمان. ثم فرض الطَّهارة للصلاة، والغسل من جنابةٍ إن كان أجنب مثل ذلك. ثم الصلاة، ثم كذلك سائر الفرائض، إنما يلزمه كل فرضٍ منها بمجيء وقته.

قالوا: وإنما يزداد إيمانُه وفرائضه بمجيء أوقاتها ولا ينتقص.

قالوا: فلا معنى لقول القائل: الإيمان ينقص؛ لأنه لا يسقط عنه فرضٌ لزمه بعد لزومه إياه وهو بالحال التي لزمه فيها إلا بأدائه.

قالوا: فالزيادة معروفةٌ، ولا يُعرف نقصانه.

(ج) وقال آخرون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص.

حاشية: وهذا قول المرجئة المحضة، وهم الجهمية.

وذلك أنَّ الإيمان: معرفة الله وتوحيده، والإقرار بذلك بعد المعرفة، وبما فرض عليه من فرائضه.

قالوا: والجهل بذلك وجحود شيءٍ منه كفرٌ، فلا وجهَ للزيادة فيما لا يكون إيمانًا إلا بتمامه وكماله، ولا للنُّقصان فيما النُّقصان عنه كفرٌ.

قالوا: فقول القائل: الإيمان يزيد وينقص كفرٌ وجهلٌ؛ لما وصفنا.

حاشية: وهذا هو قول المرجئة المحضة، وهم الجهمية، وهو قول باقي طوائف المرجئة، ومن جمهور الأشاعرة والماتريدية، وهو قول مُرجئة الفقهاء من وجهٍ.

قال أبو جعفر: والحق في ذلك عندنا أن يُقال: الإيمان يزيد وينتقص؛ لما وصفنا قبل من أنه معرفةٌ وقولٌ وعملٌ. وأنَّ جميع فرائض الله تعالى ذكره التي فرضها على عباده من المعاني التي لا يكون العبدُ مستحقًّا اسم مؤمنٍ بالإطلاق إلا بأدائها.

وإذا كان ذلك كذلك، وكان لا شكَّ أنَّ الناس مُتفاضلون في الأعمال، مقصرٌ وآخر مُقتصد، مُجتهد ومَن هو أشدّ منه اجتهادًا، كان معلومًا أن المُقصر أنقص إيمانًا من المُقتصد، وأنَّ المُقتصد أزيد منه إيمانًا، وأن المُجتهد أزيد إيمانًا من المُقتصد والمُقصر، وأنهما أنقص منه إيمانًا؛ إذ كان جميعُ فرائض الله كما قلنا قبل.

فكل عاملٍ فمُقصر عن الكمال، فلا أحدَ إلا وهو ناقص الإيمان غير كامله؛ لأنَّه لو كمل لأحدٍ منهم كمالًا تجوز له الشَّهادة به؛ لجازت الشَّهادة له بالجنة؛ لأنَّ مَن أدَّى جميع فرائض الله فلم يبقَ عليه منها شيءٌ، واجتنب جميع معاصيه فلم يأتِ منها شيئًا، ثم مات على ذلك، فلا شكَّ أنه من أهل الجنة؛ ولذلك قال عبدالله بن مسعود في الذي قيل له: إنه قال: إني مؤمنٌ: ألا قال: "إني من أهل الجنة"؛ لأنَّ اسم الإيمان بالإطلاق إنما هو للكمال، ومَن كان كاملًا كان من أهل الجنة، غير أنَّ إيمان بعضهم أزيد من إيمان بعضٍ، وإيمان بعضٍ أنقص من إيمان بعضٍ؛ فالزيادة فيه بزيادة العبد بالقيام باللازم له من ذلك.

قال أبو جعفر: وقد دللنا على خطأ قول مَن زعم أنَّ الإيمان: معرفةٌ وإقرارٌ دون العمل، وعلى فساد قول الزَّاعم أنه المعرفة دون الإقرار والعمل، وقول الزاعم أنه الإقرار دون المعرفة والعمل، بما أغنى عن تكراره في هذا الموضع.

وفي فساد ذلك القول فساد علَّة الزاعمين أنه لا يجوز الزيادة والنُّقصان في الإيمان، وصحَّة القول الذي اخترناه.

الشيخ: والمقصود من هذا أنَّ أهل السنة يرون أنَّ الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، ويزول بنواقض الإسلام، خلافًا للمُرجئة، وخلافًا لمن قال: إنه يزيد ولا ينقص، بل يزيد وينقص، فالطاعات تزيده، والمعاصي تنقصه، وقد يزول بالكلية إذا وُجد ناقضٌ من نواقض الإسلام، وقد لا يزول إذا كان معصيةً: كالغيبة، كالربا، كالخمر، كالعقوق، كله ينقص به الإيمان، وبالحج والجهاد والأعمال الصَّالحة الأخرى والصَّدقات يزداد الإيمان، ولن يزول إلا بناقضٍ من نواقض الإسلام.

القول في الاختلاف في أمر القرآن:

قال أبو جعفر: ثم كان الاختلافُ الحادث بعد ذلك في أمر القرآن:

(أ) فقال بعضُهم: هو مخلوقٌ.

(ب) وقال آخرون: ليس بمخلوقٍ ولا خالقٍ.

(ج) وقال آخرون: لا يجوز أن يُقال: هو مخلوقٌ، ولا غير مخلوقٍ.

قال أبو جعفر: والصواب في ذلك من القول عندنا قول مَن قال: ليس بخالقٍ ولا مخلوقٍ؛ لأنَّ الكلام لا يجوز أن يكون كلامًا إلا لمُتكلمٍ؛ لأنه ليس بجسمٍ فيقوم بذاته قيام الأجسام بأنفسها.

فمعلومٌ إذ كان ذلك كذلك أنه غير جائزٍ أن يكون خالقًا، بل الواجب إذ كان ذلك كذلك أن يكون كلامًا للخالق، وإذ كان كلامًا للخالق، وبطل أن يكون خالقًا؛ لم يكن أن يكون مخلوقًا؛ لأنه لا يقوم بذاته، وأنه صفةٌ، والصِّفات لا تقوم بأنفسها، وإنما تقوم بالموصوف بها: كالألوان والطعوم والأراييح والشَّم، لا يقوم شيءٌ من ذلك بذاته ونفسه، وإنما يقوم بالموصوف به، فكذلك الكلامُ صفةٌ من الصِّفات لا تقوم إلا بالموصوف بها.

وإذ كان ذلك كذلك صحَّ أنه غير جائزٍ أن يكون صفةً للمخلوق والموصوف بها الخالق؛ لأنه لو جاز أن يكون صفةً لمخلوقٍ والموصوف بها الخالق؛ جاز أن يكون كل صفةٍ لمخلوقٍ فالموصوف بها الخالق، فيكون إذ كان المخلوق موصوفًا بالألوان والطعوم والأراييح والشم والحركة والسكون أن يكون الموصوفُ بالألوان وسائر الصِّفات التي ذكرنا الخالق دون المخلوق، في اجتماع جميع المُوحدين من أهل القبلة وغيرهم على فساد هذا القول ما يُوضح فساد القول بأن يكون الكلامُ الذي هو موصوفٌ به ربّ العزة كلامًا لغيره.

فإذا فسد ذلك وصحَّ أنه كلامٌ له، وكان قد تبين ما أوضحنا قبل أن الكلام صفةٌ لا تقوم إلا بالموصوف بما صحَّ أنه صفةٌ للخالق. وإذ كان ذلك كذلك صحَّ أنه غير مخلوق.

ومَن أبى ما قلنا في ذلك قيل له: أخبرنا عن الكلام الذي وصفت أنَّ القديم به مُتكلمٌ مخلوقٌ، أخلقه إذ كان عنده مخلوقًا في ذاته، أم في غيره، أم قائمٌ بنفسه؟

فإن زعم خلقه في ذاته فقد أوجب أن تكون ذاته محلًّا للخلق، وذلك عند الجميع كفرٌ.

وإن زعم أنه خلقه قائمٌ بنفسه، قيل له: أفيجوز أن يخلق لونًا قائمًا بنفسه وطعمًا وذواقًا؟

فإن قال: لا. قيل له: فما الفرق بينك وبين مَن أجاز ما أبيت من قيام الألوان والطعوم بأنفسها، وأنكر ما أجزتَ من قيام الكلام بنفسه؟!

ثم يسأل الفرق بين ذلك، ولا فرق.

وإن قال: بل خلقه قائمًا بغيره. قيل له: فخلقه قائمٌ بغيره وهو صفةٌ له؟!

فإن قال: بلى. قيل له: أفيجوز أن يخلق لونًا في غيره فيكون هو المُتلون، كما خلق كلامًا في غيره فكان هو المُتكلم به، وكذلك يخلق حركةً في غيره فيكون هو المُتحرك بها؟

فإن أبى ذلك سُئل الفرق.

وإن أجاز ذلك أوجب أن يكون تعالى ذكره إذا خلق حركةً في غيره فهو المُتحرك، وإذا خلق لونًا في غيره فهو المُتلون به. وذلك عندنا وعندهم كفرٌ وجهلٌ.

وفي فساد هذه المعاني التي وصفنا الدلالة الواضحة؛ إذ كان لا وجهَ لخلق الأشياء إلا بعض هذه الوجوه، صحَّ أنَّ كلام الله صفةٌ له، غير خالقٍ ولا مخلوقٍ، وأنَّ معاني الخلق عنه مُنتفيةٌ.

الشيخ: وهذا قول أهل السنة والجماعة: أنه منزلٌ، غير مخلوقٍ، منه بدأ، وإليه يعود، فكلام الله جلَّ وعلا -كرضاه وغضبه وعلمه- كلها صفات له جلَّ وعلا غير مخلوقةٍ، وبذاته وصفاته غير مخلوقةٍ، بل هو الخالق، وما سواه هو المخلوق؛ ولهذا قال السلفُ: كلام الله منزل غير مخلوقٍ، منه بدأ، وإليه يعود.

القول في الاختلاف في عذاب القبر:

قال أبو جعفر: ثم كان الاختلافُ بعد ذلك في ألفاظ العباد بالقرآن، وقد بينا ذلك فيما مضى من كتابنا هذا.

واختلف في عذاب القبر، وهل يُعذِّب اللهُ تعالى أحدًا في قبره أو يُنعمه فيه؟

(أ) فقال قومٌ: جائزٌ أن يكون الله جلَّ ذكره يُعذب في القبر مَن شاء من أعدائه وأهل معصيته.

(ب) وقال آخرون: بل ذلك كائنٌ لا محالة؛ لتواتر الأخبار عن رسول الله ﷺ بأنَّ الله جلَّ جلاله يُعذب قومًا في قبورهم بعد مماتهم.

(ج) وقال آخرون: ذلك من المُحال، ومن القول خطأٌ، وذلك أن الميت قد فارقه الروح، وزايلته المعرفة، فلو كان يألم وينعم لكان حيًّا لا ميتًا. والفرق بين الحيِّ والميت الحسّ، فمَن كان يحس الأشياء فهو حيٌّ، ومَن كان لا يحسّها فهو ميتٌ.

قالوا: ومُحالٌ اجتماع الحسّ وفقد الحسّ في جسمٍ واحدٍ؛ فلذلك كان عندهم مُحالًا أن يُعذب الميت في قبره.

قال أبو جعفر: والحق في ذلك عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله ﷺ أنه قال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، فإنَّ عذاب القبر حقٌّ.

ويُقال لمَن أنكر ذلك: أتُجيزون أن يُحدث الله حياةً في جسمٍ ويعدمه الحسّ؟

فإن أنكروا ذلك قيل لهم: وما المعنى الذي دعاكم إلى الإنكار لذلك؟

فإن زعموا أنَّ الذي دعاهم إلى ذلك هو أنَّ الحياة علّةٌ للحسِّ وسببٌ له، وغير جائزٍ أن يُوجد سبب شيءٍ ويعدم مُسببه. وأوجبوا أن يكون المبرسم والمُغمى عليه يحسّان الآلام في حال زوال أفهامهما.

فيُقال لهم: أتُنكرون جواز فقد الآلام واللَّذات مع وجود الحياة؟

فإن أنكروا جواز ذلك وقالوا: لا يكون حيٌّ إلا مَن يألم ويلذ.

قلنا لهم: أفتُحيلون أن يكون حيًّا إلا مُطيعًا أو عاصيًا أو فاعلًا أو تاركًا؟

فإن قالوا: نعم. خرجوا من حدِّ المُناظرة؛ لدفعهم الموجود المحسوس؛ وذلك أنَّ الأطفال والمجانين موجودون أحياء، لا مطيعين ولا عاصين، وأنَّ المُغمى عليه والمُبرسم لا فاعلٌ ولا تاركٌ اختيارًا.

الشيخ: هذا الذي قاله المؤلفُ هو قول أهل السنة والجماعة؛ يؤمنون بعذاب القبر ونعيمه، وهو محل إجماعٍ من أهل السنة والجماعة، فالمسلم المطيع ينعم، والعاصي على خطرٍ، والكافر يُعذَّب، وهذا محل إجماعٍ من أهل السنة والجماعة؛ ولهذا شرع الله لنا في آخر الصلاة الدعاء: "اللهم قنا عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"، ومرَّ النبيُّ ﷺ على قبرين يُعذَّبان، فقال: إنهما ليُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كبيرٍ، ثم قال: بلى، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يسعى بالنَّميمة، المقصود من هذا أنه أمر مجمع عليه بين أهل السنة والجماعة.

س: منكر عذاب القبر هل يكون كافرًا يُستتاب؟

ج: يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتل؛ لأنه مكذب للرسول ﷺ، وإذا كان جاهلًا يُعلَّم، وإذا أصرَّ يكفر بذلك.

وإن قالوا: بل لا نُحيل ذلك، ونقول: جائزٌ وجود حيٍّ لا مطيعًا، ولا عاصيًا، ولا فاعلًا، ولا تاركا.

قيل لهم: فأجيزونا وجود حيٍّ لا حاسٍّ ولا مُدركٍ كما أجزتم وجوده لا فاعلًا ولا تاركًا.

فإن أبو سُئلوا الفرق بينهما، وإن أجازوا وجود حيٍّ لا حاسٍّ ولا مُدركٍ قيل لهم: فإذ كان جائزًا عندكم وجود حيٍّ لا حاسٍّ ولا مُدركٍ، فقد جاز وجود الحياة في جسمٍ، وارتفاع الحسّ عندكم منه، فإذا جاز ذلك عندكم فما أنكرتم من وجود الحسِّ في جسمٍ مع ارتفاع الحياة منه؟! ويُسألون الفرق بين ذلك.

الشيخ: الميت تُعاد إليه حياته بعد الممات، ولكن حياة برزخية، الله أعلم بكيفيتها، فالميت لا تُعاد إليه الحياة الدنيوية، تُعاد له حياة خاصة يحسّ معها بالعذاب والنَّعيم، فالمؤمن بروحه في الجنة، والكافر في النار، قال تعالى في آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا يعني: وهي في البرزخ في قبره: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] يعني: يوم القيامة.

في الحديث الصحيح: أن أرواح المؤمنين تطير وتسرح في الجنة حيث شاءت، وأرواح الشُّهداء في أجواف طيرٍ خضرٍ تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم ترجع إلى قناديل معلقة في العرش، فالجسد له نصيبه، لكن معظم العذاب والنَّعيم للروح، والجسد يناله نصيبه.

ويُقال لهم: أليس من قولكم: إنه جائزٌ وجود الحياة في جسمٍ، وفقد العلم منه في حالٍ واحدةٍ؟

فإن قالوا: نعم. قيل لهم: فما أنكرتم من وجود العلم في جسمٍ مع فقد الحياة؟ وهل بينكم وبين مَن أنكر وجود الحياة في جسمٍ مع فقد العلم، فأجازوا وجود العلم مع فقد الحياة؟!

فإن قالوا: الفرق بيننا وبينه أنا لم نجد عالمًا إلا حيًّا، وقد نجد حيًّا لا عالمًا.

قيل لهم: أوكل ما لم تُشاهدوه أو تُعاينوه أو مثله فغير جائزٍ كونه عندكم؟

فإن قالوا: نعم. قيل لهم: أفشاهدتم جسمًا حيًّا له حياةٌ لا تُفارقه الحياة بالاحتراق بالنار؟

فإن زعموا أنهم قد شاهدوا ذلك وعاينوه أكذبتهم المُشاهدة مع ادعائهم ما لا يخفى كذبهم فيه.

وإن زعموا أنَّهم لم يُعاينوا ذلك ولن يُشاهدوه. قيل لهم: أفتُقِرُّون بأنَّ ذلك كائنٌ، أم تُنكرونه؟

فإن زعموا أنَّهم يُنكرونه خرجوا من ملة الإسلام بتكذيبهم مُحكم القرآن؛ وذلك أنَّ الله تعالى ذكره قال فيه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [فاطر:36].

فإن قالوا: بل نُقرُّ بأنَّ ذلك كائنٌ.

قيل لهم: فما أنكرتم من جواز وجود العلم وحسّ الألم واللَّذة مع فقد الحياة، وإن لم تكونوا شاهدتم ولا عاينتم عالمًا ولا حاسًّا إلا حيًّا له حياةٌ، كما جاز عندكم وجود الحياة في جسمٍ تحرقه النار، وإن لم تكونوا عاينتم جسمًا تتعاقبه الحياةُ مع احتراقه بالنار؟

فإن قالوا: إنما أجزنا ما أجزنا من بقاء الحياة في الجسم الذي تحرقه النار في حال إحراقه النار تصديقًا منا بخبر الله جلَّ ثناؤه.

قيل لهم: فصدقتم بخبر الله جلَّ ثناؤه بما هو ممكنٌ في العقول كونه، أو بما هو غير ممكنٍ فيها كونه؟

فإن زعموا أنَّهم أجازوا ما هو غير ممكنٍ في العقول كونه، زعموا أنَّ خبر الله بذلك تكذب به العقول وترفع صحَّته، وذلك بالله كفرٌ عندنا وعندهم، ولا إخالهم يقولون ذلك.

الشيخ: هذا تساهل وتنازل من المؤلف، وينبغي للمؤلف ألا يتنازل مع هؤلاء، هؤلاء ليسوا أهلًا بأن يبحث معهم، مَن خالف النصوص وكابر المعقول والمنقول ليس بأهلٍ أن يُناقش، بل ينبغي أن يُرفض ولا يُلتفت إليه، ويُبين حاله للقارئ ما جاءت به النصوص وما جاء به الكتاب ويكفي عن وجود شبه المشبهين المبطلين، والله المستعان.

فإن زعموا أنه تعالى ذكره أخبر من ذلك بما تُصدقه العقول. قيل لهم: فإذ كان خبره بذلك خبرًا يصدقه العقل -وإن لم تكونوا عاينتم مثله- فأجيزوا كذلك أنَّ عذاب الله تعالى ذكره ألمًا ولذةً وعلمًا في جسمٍ لا حياةَ فيه، وإن لم تكونوا عاينتم مثله فيما شاهدتم.

الشيخ: وهذا ليس بصحيحٍ، بل فيه حياة الميت، ترد له حياته حياةً برزخيةً، الله أعلم بكيفيتها، يحسّ معها بالعذاب والنَّعيم، غير حياة الدنيا، وغير حياة أهل الجنة والنار، فالحياة أنواع: حياة في الدنيا، وحياة في البرزخ، وحياة الآخرة، فأكملها حياة الآخرة، هي أكملها.

أما حياة الدنيا فحياة ناقصة، وحياة البرزخ كذلك، لكن معها الإحساس بالعذاب والنَّعيم، ولكن كمال النعيم وكمال العذاب في الآخرة، نسأل الله العافية.

ولا صحَّ بذلك عندكم خبرٌ عن الله تعالى ذكره أو عن رسوله ﷺ، كما كان غير محالٍ عندكم في العقل وجود الحياة في جسمٍ قد أحرقته النار قبل مجيء الخبر به، وإن كان الخبرُ قد حقق صحَّة كون ذلك حتى يصحّ به عندكم خبرٌ من الله أو من رسوله عليه الصلاة والسلام.

القول في الاختلاف في الرؤية:

قال أبو جعفر: اختلف أهلُ القبلة في جواز رؤية العباد صانعهم:

(أ) فقال جماعة القائلين بقولهم جهم: لا تجوز الرؤية على الله تعالى ذكره، ومَن أجاز الرؤية عليه فقد حدَّه، ومَن حدَّه فقد كفر.

(ب) وقال ضرار بن عمرو: الرؤية جائزةٌ على الله تعالى ذكره، ولكنَّه يُرى في القيامة بحاسَّةٍ سادسةٍ.

(ج) وقال هشامٌ وأصحابه وأبو مالك النَّخعي ومقاتل بن سليمان: الرؤية على الله جلَّ ثناؤه جائزةٌ بالأبصار التي هي أبصار العيون.

(د) وقال جماعةٌ متصوفةٌ، ومَن ذُكر ذلك عنه مثل: بكر ابن أخت عبد الواحد: الله جلَّ وعزَّ يُرى في الدنيا والآخرة. وزعموا أنهم قد رأوه، وأنهم يرونه كلما شاءوا، إلا أنهم زعموا أنه يراه أولياؤه دون أعدائه.

ومنهم مَن يقول: يراه الولي والعدو في الآخرة، إلا أنَّ الولي يُثبته إذا هو رآه؛ لأنه يتراءى في صورةٍ إذا رآه بها عرفه، وأنَّ العدو لا يُثبته إذا رآه.

(هـ) وقال بعضُ أهل الأثر: يراه المؤمنون يوم القيامة بأبصارهم، ويُدركونه عيانًا، ولا يُحيطون به.

الشيخ: هذا هو الحق، ما كان ينبغي للمؤلف أن يذكر هذه الأقوال الباطلة إلا على سبيل الرد لها وإبطالها، فالله جلَّ وعلا أخبر سبحانه أنه يُرى يوم القيامة، وبيَّن أن الكافرين لا يرونه، فقال جلَّ وعلا: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] أخبر النبيُّ ﷺ أنَّ الزيادة النظر إلى وجه الله، قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22- 23]، عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ [المطففين:23]، فالله جلَّ وعلا أخبر أنهم ينظرونه.

أما الكفَّار فلا: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، وقد تواترت الأخبارُ عن رسول الله ﷺ أنه قال: إنَّ ربنا جلَّ وعلا يُرى يوم القيامة، يراه المؤمنون؛ يكشف لهم الحجابَ ويرونه جلَّ وعلا في المحشر، ثم يرونه في الجنة كما يشاء ، أما الكفار فهم محجوبون.

هذا هو قول أهل السنة والجماعة، وقول أصحاب النبي ﷺ وأتباعهم بإحسانٍ، وهو الحقّ الذي لا ريبَ فيه، خلافًا للخوارج والمعتزلة والجهمية وسائر أهل البدع، فأهل السنة والجماعة مُجمعون على أنه يُرى يوم القيامة، ويُرى في الجنة؛ يراه المؤمنون، ويُحجب عنه الكافرون، فكان يليق بالمؤلف أن يضرب عن أقوال المبطلين صفحًا بإبطالها، ثم بيان ما هو الحق.

وقال آخرون منهم: يراه المؤمنون بأبصارهم ولا يُدركونه.

الشيخ: وهذا هو الصواب، قال تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام:103]، يرونه من غير إحاطةٍ، والله أجل وأعظم من أن تُحيط به أبصار الخلق؛ ولهذا قال سبحانه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ يعني: لا تُحيط به، قال جلَّ وعلا: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61]، فالإدراك غير التَّرائي، وهو يُرى جلَّ وعلا، لكن من غير أن تُحيط به أبصار الخلق، يكشف لهم الحجاب عن وجهه الكريم، ليس بينه وبين رؤيته إلا كشف الحجاب.

قالوا: وإنما زعمنا أنَّهم لا يُدركونه لأنه قد نفى الإدراكَ عن نفسه بقوله: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام:103].

فهذه جملة أقاويلهم.

واعتلَّ الذين نفوا الرؤيةَ عنه بأن قالوا: إنَّ كل مَن رأى شيئًا فلن يخلو في حال رؤيته إياه من أن يكون يراه مُباينًا لبصره أو مُلاصقًا.

قالوا: وغير جائزٍ أن يرى الرائي ويُبصر المُبصر ما لاصق بصره؛ لأنَّ ذلك لو كان جائزًا لوجب أن يرى الرائي عينَ نفسه.

فلما كان ذلك غير جائزٍ في الدنيا، كان كذلك غير جائزٍ في الآخرة؛ لأنَّ ذلك إن جاز في الآخرة وهو غير جائزٍ في الدنيا جاز أن يرى بسمعه في الآخرة ويسمع ببصره، فإذا كان ذلك في الدنيا محالًا، وكان ذلك غير جائزٍ؛ كان كذلك رؤية البصر ما لاصقه في الآخرة محالًا كما كان في الدنيا محالًا.

الشيخ: وهذا غلط؛ لأنَّ ما في الآخرة لا يُرى في الدنيا إلا ما أراه الله لعباده فقط؛ فالجنة في الآخرة، والنار في الآخرة، لا يراها أهلُ الدنيا، وإنما يراها أهلُ الجنة إذا دخلوها، وأهل النار إذا دخلوها، فلا يُستنكر أن يكون جلَّ وعلا احتجب عن عباده في الدنيا ثم يُريهم نفسه في الآخرة، يُرِي نفسه لأوليائه المؤمنين دون غيرهم.

قالوا: وإذا فسد ذلك لم يبقَ إلا أن يُقال: إنَّ العبد في الآخرة يرى ربَّه مُباينًا ببصره، إذ كانت الأبصارُ في الدنيا لا ترى إلا ما باينها، فكذلك الواجبُ في الآخرة مثلها في الدنيا، لا ترى إلا ما باينها؛ وجب أن يكون العبدُ إذا رآه في الآخرة مُباينًا ببصره أن يكون بينه وبينه فضاءٌ.

وإذا كان ذلك كذلك، كان معلومًا أن ذلك الفضاء لو كان الصانع فيه كان أعظم مما مرَّ به، وليس هو فيه. قالوا: وفي وجوب ذلك كذلك وجوب حدّ له.

والقول بأنه يحد لو توهم بأكثر من ذلك الحدّ كان أعظم مما هو به.

قالوا: وذلك صفةٌ لله باللطف والصِّغر، وإيجاب الحدود له، وذلك عندهم خروجٌ من الإسلام.

قالوا: وبعد، بعض مَن يُخالفنا من أهل هذه المقالات ينفون الحدود عنه ويُوافقوننا على ذلك.

مداخلة: حاشية: يُشيرون إلى الأشاعرة؛ بأنَّ الله تعالى يُرى لا في جهةٍ، فأثبتوا أصل الرؤية، ونفوا أن يُرى في جهةٍ؛ لأنه سبحانه لا تحده الجهات؛ ولهذا كان قول أهل السنة هو الصحيح بأنه يُرى في جهة العلو التي هو متَّصفٌ بها، وهي من صفات ذاته ؛ لقوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18]، المستوي على عرشه، الذي أحاط كل شيءٍ علمًا.

الشيخ: هذا هو الحقّ، يُرى سبحانه وهو في العلو، يرونه يوم القيامة في جهة العلو، ويرونه -أهل الجنة- في جهة العلو، يرونه من فوقهم، يكشف الحجاب يوم القيامة فيرونه من فوقهم ، وهو في العلو دائمًا جلَّ وعلا.

س: هل الكفار يرونه ؟

ج: ما يراه إلا المؤمنون: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15].

س: وفي الموقف مَن قال أنهم يرونه من غير جهةٍ؟

ج: هذا غلط، الاتجاه هذا غلط، الاتجاه غلط، غلط في سمعه، ظنَّ أنه مُصيب غلط، الآية المحكمة: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، يكشف الحجاب يوم القيامة حتى يراه المؤمنون في الموقف، وفي بعض الروايات يأتي إليهم، والأمة فيها مُنافقوها، لكن ما يلزم من وجود المنافق أن يرونه، يراه المؤمن، ولا يراه الكافر.

س: حديث أبي سعيدٍ: يتصور في غير الصورة التي يعرفونها؟

ج: يعني: المؤمنون، هذا المقصود، يعني: يبدو لهم بالصورة التي يعرفونها؛ حتى يعرفوه، يبدو لهم ما يعرفون دون ما يُشوش عليهم.

س: رؤية الله في المنام حسيًّا هل ثبت فيها شيء؟

ج: رآه النبيُّ ﷺ في حديث الرؤية، رآه النبيُّ عليه الصلاة والسلام في المنام، وصنَّف في ذلك ابنُ رجبٍ رحمه الله تعالى كتابًا.

قالوا: وفي نفيهم ذلك عنه -مع إجازتهم الرؤية عليه- نقضٌ منهم لقولهم: إذا أثبتوه مرئيًّا.

الشيخ: الرؤية لا يلزم عليها تشبيهٌ: كأن يسمع صوتًا، أو يرى نورًا، أو ما أشبه ذلك.

قالوا: وفي نفيهم ذلك عنه -مع إجازتهم الرؤية عليه- نقضٌ منهم لقولهم، إذا أثبتوه مرئيًّا على المُباينة التي وصفنا نقضوا قولهم بذلك أنه غير محدودٍ.

وفي قولهم: إنه غير محدودٍ نقضٌ منهم لقولهم: إنه يُرى؛ لأنه إذا كان مُرئيًّا لم يكن مرئيًّا إلا على المُباينة التي وصفنا، وذلك إيجاب حدٍّ لله تعالى ذكره.

قالوا: فكل قولٍ من ذلك ناقضٌ لصاحبه، ولن يسلم مُخالفنا من المُناقضة.

قالوا: وفي تناقض القولين الدلالة الواضحة على فساد قول مُخالفنا القائل برؤية الصانع، وصحة قولنا.

الطالب: حاشية: إلى هنا تنتهي المخطوطة، وهو خرم في آخرها يُقدر بنحو ستِّ ورقات، وللأسف جاء خرمها بإيراد شبهة نُفاة الرؤية دون الجواب عليها، ولكن ولله الحمد من كلام ابن جرير رحمه الله ما يدفع به هذه الشبهة في تفسيره عند آية الأنعام: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103]، فقال رحمه الله: والصواب من القول في ذلك عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله ﷺ أنه قال: سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر، وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب، فالمؤمنون يرونه، والكافرون يومئذٍ محجوبون عنه، كما قال جلَّ وعلا ثناؤه: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15].

فأما ما اعتلَّ به مُنكروا رؤية الله يوم القيامة بالأبصار لما كانت لا ترى إلا ما باينها، وكان بينها وبينه قضاء وفرجة، وكان ذلك عندهم غير جائزٍ أن تكون رؤيةُ الله بالأبصار كذلك؛ لأنَّ في ذلك إثبات حدٍّ له ونهاية؛ فباطل عندهم لذلك جواز الرؤية عليه، وأنه يُقال لهم: هل علمتم موصوفًا بالتدبير سوى صانعكم إلا مماسًّا لكم أو مُباينًا؟ فإن زعموا أنهم يعلمون كُلِّفوا تبينه، ولا سبيلَ إلى ذلك.

وإن قالوا: لا نعلم ذلك. قيل لهم: أوليس قد علمتُوه لا مماسًّا لكم ولا مُباينًا، وهو موصوف بالتدبير والفعل، ولم يجب عندكم إذ كنتم لم تعلموا موصوفًا بالتدبير والفعل غيره مماسًّا لكم أو مُباينًا أن يكون مستحيلًا العلم به، وهو موصوف بالتدبير والفعل، لا مماسًّا ولا مُباينًا؟

فإن قالوا: ذلك كذلك. قيل لهم: فما تُنكرون أن تكون الأبصارُ كذلك لا ترى إلا ما بينها، وكانت بينه وبينه فرجة قد تراه وهو غير مُباينٍ لها، ولا فُرجة بينها وبينه، ولا فضاءَ، كما لا تعلم القلوب موصوفًا بالتدبير إلا مماسًّا لها أو مُباينًا، وقد علمته عندكم لا كذلك؟ وهل بينكم وبين مَن أنكر أن يكون موصوفًا بالتدبير والفعل معلومًا إلا مماسًّا للعالم به أو مُباينًا، وأجاز أن يكون موصوفًا برؤية الأبصار لا مماسًّا لها ولا مُباينًا فرق؟ ثم يُسألون الفرق بين ذلك، فلن يقولوا في شيءٍ من ذلك إلا أُلزموا في الآخر مثله.

وكذلك يُسألون فيما اعتلوا به في ذلك أنَّ من شأن الأبصار إدراك الألوان، كما أنَّ من شأن الأسماع إدراك الأصوات، من شأن المتنسم إدراك الأعراف، فمن الوجه الذي فسد أن يقتضي السمع لغير درك الأصوات فسد أن تقتضي الأبصار لغير درك الألوان، فيُقال لهم: ألستم لم تعلموا فيما شاهدتهم وعاينتم موصوفًا بالتدبير والفعل إلا ذا لونٍ، وقد علمتُموه موصوفًا بالتدبير لا ذا لونٍ؟

فإن قالوا: نعم، لا يجدون من الإقرار لذلك بدًّا إلا أن يكذبوا فيزعموا أنهم قد رأوه وعاينوه موصوفًا بالتدبير والعقل غير ذا لونٍ، فيُكلفون بيان ذلك، ولا سبيلَ إليه، فيُقال لهم: فإذا كان ذلك كذلك، فما أنكرتم أن تكون الأبصارُ فيما شاهدتم وعاينتم لم تجدوها تُدرك إلا الألوان، كما لم تجدوا أنفسكم تعلم موصوفًا بالتدبير إلا ذا لونٍ، وقد وجدتموها علمته موصوفًا بالتدبير غير ذا لونٍ؟ ثم يُسألون الفرق بين ذلك، فلن يقولوا في أحدهما شيئًا إلا إذا ألزموا في الآخر مثله.

ولأهل هذه المقالات تلبيسات كرهنا ذكرها وإطالة الكتاب بها وبالجواب عنها؛ إذ لم يكن قصدنا في كتابنا هذا قصد الكشف عن تمويهاتهم، بل قصدنا فيه البيان عن تأويل آي الفرقان، ولكن ذكرنا القدر الذي ذكرنا ليعلم الناظرُ في كتابنا هذا أنهم لا يرجعون عن قولهم إلا إلى ما لبَّس عليهم الشيطان مما يسهل على أهل الحق البيان عن فساده، وأنهم لا يرجعون في قولهم إلى آيةٍ من التَّنزيل محكمة، ولا رواية عن رسول الله ﷺ صحيحة أو سقيمة، فهم في الظلمات يتخبطون، وفي العمياء يترددون، نعوذ بالله من الحيرة والضَّلالة. انتهى.

الشيخ: وهذا هو الحق؛ فإنَّ مَن خالف الشريعة ليس عنده إلا الضَّلالة والعمى، وليس عنده إلا التَّردد في الظُّلمات التي فتحها على نفسه في تأويلاته ما يُملي عليه شيطانه وعقله، وإنما الواجب على المكلَّف وعلى المؤمن تلقي ما جاء في الكتاب والسنة، ورفض ما يُخالف ذلك من آراء الناس وشُبهاتهم وتلبيساتهم، لا فيما يتعلق بصفات الله، ولا فيما يتعلق بغير ذلك.

فالواجب هو التَّمسك بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، والعمل بمُقتضاهما في صفات الله جلَّ وعلا، وفي أمر الجنة والنار والحساب والجزاء، وغير هذا من أخبار القيامة وأخبار الساعة، فإذا كان المخلوقُ لا يعلم إلا ما وصل إليه علمه بأذنه أو رآه ببصره؛ فالواجب عليه أن يكفَّ عما لا يُحيط به علمًا، والواجب عليه أن يقول فيما لا يعلم: الله أعلم. فكم غاب عليه؟ وكم خفي عليه من أمور الدنيا، من أمور بيته، من أمور بلده؟ فكيف بغير ذلك؟ فكان تحكمه في الله أو في الجنة أو في النار بغير ما يعلم كله باطل، كله ضلال، وإنما الواجب تلقي هذه الأمور عن الكتاب والسنة كما فعل أصحابُ النبي ﷺ وأتباعهم بإحسانٍ، فالله له الأسماء الحسنى، وله الصِّفات العُلى، ويُرى في الآخرة، ويراه المؤمنون في الجنة كما يشاء .

س: ...............؟

ج: ما يُرى في الدنيا، يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: واعلموا أنَّه لن يرى أحدٌ منكم ربَّه حتى يموت، والنبي ﷺ قال لما سُئل: هل رأيتَ ربَّك؟ قال: لا، رأيتُ نورًا، هذا هو قول أهل السنة؛ لا يُرى في الدنيا، كما قال تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103]، وإنما يُرى في الآخرة، يراه المؤمنون دون الكافرين.

س: ................؟

ج: خاتم الذهب لا يجوز للرجال ...... لا بأس به، والحديث فيه ضعيف، النبي ﷺ قال للخاطب: التمس ولو خاتمًا من حديدٍ، لا باس بخاتم الحديد للمرأة والرجل جميعًا.

س: .............؟

ج: كلها ضعيفة، وفي "الصحيحين" أنَّ النبي قال للرجل: التمس ولو خاتمًا من حديدٍ.

س: رؤية النبي ﷺ، مَن زعم أنه رأى النبيَّ ﷺ يقظةً في الدنيا؟

ج: لا، لا يُرى إلا في النوم، رآه الصحابةُ يقظةً في حياته، أما بعد موته لا يُرى إلا في النوم.

س: مَن زعم ذلك؟

ج: كله باطل، مبطل، مُلبس عليه.

س: سنة الضُّحى متى وقتها؟

ج: إذا ارتفعت الشمسُ إلى وقوفها، هذه سنة الضحى، من ارتفاع الشمس إلى وقوف الشمس.