تفسير قوله تعالى: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ..}

وقوله تعالى: أَوْ كِسْوَتُهُمْ [المائدة:89] قال الشَّافعي رحمه الله: لو دفع إلى كلّ واحدٍ من العشرة ما يصدق عليه اسم الكسوة: من قميصٍ، أو سراويل، أو إزارٍ، أو عمامةٍ، أو مقنعةٍ، أجزأه ذلك.

واختلف أصحابُه في القلنسوة: هل تُجزئ أم لا؟

على وجهين:

فمنهم مَن ذهب إلى الجواز؛ احتجاجًا بما رواه ابنُ أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشجّ وعمار بن خالد الواسطي، قالا: حدثنا القاسم بن مالك، عن محمد بن الزبير، عن أبيه قال: سألتُ عمران بن الحصين عن قوله: أَوْ كِسْوَتُهُمْ قال: لو أنَّ وفدًا قدموا على أميركم فكساهم قلنسوة، قلنسوة، قلتم: قد كسوا.

ولكن هذا إسناد ضعيف؛ لحال محمد بن الزبير هذا، والله أعلم.

وهكذا حكى الشيخ أبو حامد الإسفراييني في الخفِّ وجهين أيضًا، والصحيح عدم الإجزاء.

وقال مالك وأحمد بن حنبل: لا بدَّ أن يدفع إلى كل واحدٍ منهم من الكسوة ما يصحّ أن يُصلِّي فيه إن كان رجلًا أو امرأة، كلٌّ بحسبه، والله أعلم.

الشيخ: وهذا هو الصواب: الكسوة المتعارف عليها التي تُجزئه في الصلاة: كالقميص، والإزار، والرداء، أما القلنسوة، أو الخفّ، أو الطاقية، أو الغُترة، أو الفانيلة ما تكفي، كلّ هذه ما تُسمّى: كسوة، الكسوة: ما يحصل به الخروج إلى الناس والصلاة فيه، هذا يُسمّى كسوة: كالقميص، والإزار، والرداء، هذه هي الكسوة، نعم.

س: والمقنعة ما معناها؟

ج: ما سمعت المقنعة، عندك المقنعة؟ قصده بالمِقنعة ما تحطّه المرأةُ على رأسها، المِقنعة ما تُجزئ، هذه مثل الغُترة.

وقال العوفي: عن ابن عباسٍ: عباءة لكل مسكينٍ، أو شملة.

وقال مجاهد: أدناه ثوب، وأعلاه ما شئتَ.

وقال ليث: عن مجاهد: يُجزئ في كفارة اليمين كل شيءٍ إلا التبان.

وقال الحسن وأبو جعفر الباقر وعطاء وطاوس وإبراهيم النَّخعي وحماد ابن أبي سليمان وأبو مالك: ثوب، ثوب.

وعن إبراهيم النَّخعي أيضًا: ثوب جامع: كالملحفة، والرِّداء، ولا يرى الدِّرع والقميص والخمار ونحوه جامعًا.

وقال الأنصاري: عن أشعث، عن ابن سيرين والحسن: ثوبان، ثوبان.

وقال الثوري: عن داود ابن أبي هند، عن سعيد بن المسيب: عمامة يلفّ بها رأسه، وعباءة يلتحف بها.

وقال ابنُ جرير: حدثنا هناد: حدثنا ابنُ المبارك، عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين، عن أبي موسى: أنَّه حلف على يمينٍ، فكسا ثوبين من معقدة البحرين.

الشيخ: يعني: الإزار والرِّداء. وهذا سند أبي موسى جيد.

س: ما معقدة البحرين؟

ج: يمكن أنَّها نوعٌ يُسمّى: معقدة، المقصود: ثوبين، لكن يمكن أنَّه زيٌّ من البحرين.

مُداخلة: في حاشية: والمعقدة: نوعٌ من برود هجر.

وقال ابنُ مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد: حدثنا أحمد بن المعلى: حدثنا هشام بن عمار: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن مُقاتل بن سليمان، عن أبي عثمان، عن أبي عياض، عن عائشة، عن رسول الله ﷺ في قوله: أَوْ كِسْوَتُهُمْ قال: عباءة لكل مسكينٍ. حديثٌ غريبٌ.

الشيخ: بل ضعيفٌ؛ لأنَّ مقاتل بن سليمان ما يُحتجّ به.

وقوله: أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة:89] أخذ أبو حنيفة بإطلاقها فقال: تُجزئ الكافرة، كما تُجزئ المؤمنة.

وقال الشافعي وآخرون: لا بدَّ أن تكون مؤمنةً.

وأخذ تقييدها بالإيمان من كفَّارة القتل؛ لاتِّحاد الموجب، وإن اختلف السَّبب، ومن حديث معاوية بن الحكم السّلمي الذي هو في "موطأ مالك" و"مسند الشافعي" و"صحيح مسلم": أنَّه ذكر أنَّ عليه عتقَ رقبةٍ، وجاء معه بجاريةٍ سوداء، فقال لها رسولُ الله ﷺ: أين الله؟ قالت: في السَّماء. قال: مَن أنا؟ قالت: رسول الله. قال: أعتقها؛ فإنَّها مُؤمنة الحديث بطوله.

فهذه خصال ثلاث في كفَّارة اليمين، أيّها فعل الحانثُ أجزأ عنه بالإجماع، وقد بدأ بالأسهل فالأسهل: فالإطعام أسهل وأيسر من الكسوة، كما أنَّ الكُسوة أيسر من العتق، فترقَّى فيها من الأدنى إلى الأعلى، فإن لم يقدر المكلَّف على واحدةٍ من هذه الخصال الثلاث كفَّر بصيام ثلاثة أيام، كما قال تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89].

وروى ابنُ جرير، عن سعيد بن جبير والحسن البصري، أنَّهما قالا: مَن وجد ثلاثة دراهم لزمه الإطعام وإلا صام.

الشيخ: هذا إن صحَّ عنهما فهو في وقتهما، كانت الثلاثةُ دراهم تحصل بها كسوة، أو يحصل بها إطعام، هذا إن صحَّ السَّندُ عنهما؛ لأنَّه ما ذكر السند، المقصود أنَّ الثلاثة دراهم قد لا تنفع، لكن لو وجد ثلاثة دراهم يحصل بها تأمين الإطعام، أو تأمين الكسوة؛ لا بأس، وإلا فإنَّه يُجزئه الصوم، إذا عجز ولم يستطع كسوةً، ولا إطعامًا، ولا رقبةً؛ انتقل إلى الصوم.

س: الشَّرط في الرَّقبة؟

ج: مؤمنة، لا بدَّ من مؤمنة، كما نصَّ على ذلك جلَّ وعلا في قوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] في القتل.

مُداخلة: هنا تعليق في ذكر السَّند، يقول: هو من طريق هناد، عن ابن المبارك، عن حماد بن سلمة، عن .....، عن عبدالكريم، عن سعيد بن جبير بمعناه.

وعبدالكريم هو ابن أبي المخارق الضَّعيف، وليس بعبدالكريم بن ..... الجزري الثقة، وكلاهما يروي عن سعيد بن جبير، لكن حماد بن سلمة لم يروِ عن الجزري والحمد لله.

الشيخ: هو مثلما قال: ضعيف، إذا كان ابنُ أبي المخارق فهو ضعيف، ثم لو صحّ عنهما فكلامهما ما هو بحجّة، كلامهما أحسن من اجتهادهما فيما نُقل عنهما.

س: ما الفرق بين القلنسوة والمقنعة؟

ج: القلنسوة: ما يُوضع على الرأس، والمقنعة: على الرأس في المرأة، الخمار والكسوة المجزئة التي تستر الإنسان في الصَّلاة: القميص المقطع المعروف، أو الإزار والرداء، هذه الكسوة التي إذا أُطلقت يُعتمد عليها.

س: لكن ما الفرق بين القلنسوة والمقنعة؟

ج: القلنسوة: شيء يُجعل على الرأس، يلفّه الرجلُ على رأسه، والمقنعة: تجعلها المرأةُ على رأسها، مثل: الخمار، تقتنع بها.

س: هل يرجع ذلك إلى عادة أهل كل بلدٍ وما يلبسونه في بلادهم؟

ج: المقصود ما يُجزئ في الصلاة، لا بدَّ أن يُجزئ في الصلاة: إزار، ورداء، أو قميص.

س: لكن إذا دفع إليه ما لا يلبسه، مثلًا: هو يلبس الإزار والرداء، ودفع إليه القميص؟

ج: ما يُخالف، كسوة، ولو دفع الإزار والرِّداء مثل اليوم، بعض الناس ما يلبس إزارًا ورداءً، ويلبس القميص، لا بأس.

س: ما الحد الأدنى للإطعام؟

ج: مثلما بيّن الله: عشرة مساكين، يُعطى كل واحدٍ منهم ما يسدّ: غداء، أو عشاء، من تمرٍ، أو غيره.

س: إذا ذهب إلى أحد المطاعم؟

ج: إذا عشَّاهم في مطعمٍ من المطاعم، أو غدَّاهم كفى.

س: هل يُشترط في الإطعام أن يكونوا مُكلَّفين؟

ج: ما هو بشرطٍ، إذا لم يكونوا مُكلَّفين يكسوهم؛ لأنَّهم قد لا يأكلون، قد يكونون صغارًا.

س: لو أعطاهم إحرامين هل يكفي في هذا الوقت؟

ج: إزار ورداء؟

س: نعم.

ج: نعم، نعم.

وقال ابنُ جرير حاكيًا عن بعض مُتأخري مُتفقهة زمانه: أنَّه جائزٌ لمن لم يكن له فضلٌ عن رأس مالٍ يتصرف فيه لمعاشه، ومن الفضل عن ذلك ما يُكفّر به عن يمينه.

ثم اختار ابنُ جرير أنَّه الذي لا يفضل عن قُوته وقوت عياله في يومه ذلك ما يُخرج به كفَّارة اليمين.

واختلف العُلماء: هل يجب فيها التَّتابع، أو يُستحبّ ولا يجب، ويُجزئ التَّفريق؟

قولان:

أحدهما: لا يجب. وهذا منصوص الشافعي في كتاب "الأيمان"، وهو قول مالك؛ لإطلاق قوله: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89]، وهو صادقٌ على المجموعة والمفرّقة، كما في قضاء رمضان؛ لقوله: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].

ونصَّ الشافعي في موضعٍ آخر في "الأم" على وجوب التَّتابع، كما هو قول الحنفية والحنابلة؛ لأنَّه قد رُوي عن أبي بن كعب وغيره: أنَّهم كانوا يقرؤونها: "فصيام ثلاثة أيام مُتتابعات".

قال أبو جعفر الرازي: عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب: أنَّه كان يقرأها: "فصيام ثلاثة أيام مُتتابعات".

وحكاها مجاهد والشَّعبي وأبو إسحاق عن عبدالله بن مسعود.

وقال إبراهيمُ في قراءة أصحاب عبدالله بن مسعود: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات".

وقال الأعمش: كان أصحابُ ابن مسعود يقرؤونها كذلك.

وهذه إذا لم يثبت كونها قرآنًا مُتواترًا، فلا أقلّ أن يكون خبرًا واحدًا، أو تفسيرًا من الصحابة، وهو في حكم المرفوع.

الشيخ: والصواب أنَّه تُجزئ ثلاثة أيام مُطلقًا، لكن إذا صامها مُتتابعة يكون أفضل؛ خروجًا من الخلاف؛ لأنَّ الله أطلق: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، كما أطلق في الصيام: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، فإذا صامها مُتتابعةً كان أفضل وأحوط: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، وإن صامها مُتفرقةً أجزأت.

والإطعام يكون إذا كان فاضلًا عن قوت يومه وليلته أطعم، كما هو معروف.

المقصود أنَّ هذا هو الترتيب في كفَّارة اليمين، ثلاثة أشياء مُخيّرة: الإطعام، والكسوة، والعتق، بأيّ الثلاث كفَّر أجزأ، فإذا عجز عنها كلّها انتقل إلى صيام ثلاثة أيام، والأفضل أن تكون مُتتابعةً.

س: لو أخرج الكسوة بنطلونًا وقميصًا؟

ج: إذا ..... مثلما تقدّم: إزار ورداء، أو قميص، كفى.

س: قراءة أبي؟

ج: من باب التَّفسير، ما هو من باب القراءة، تفسير باجتهاده.

س: ليست بقراءة مُتواترة؟

ج: لا.

س: قراءة ابن مسعودٍ: "مُتتابعة"؟

ج: هذا اجتهادٌ منه ، من باب التفسير، من باب الإيضاح.

س: ولا يكون لها حكمُ الرفع؟

ج: ولا يكون لها حكم الرفع، نعم، إلا أن يُصرّح.

وقال أبو بكر ابن مردويه: حدثنا محمد بن علي: حدثنا محمد بن جعفر الأشعري: حدثنا الهيثم بن خالد القرشي: حدثنا يزيد بن قيس، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن جُريج، عن ابن عباسٍ قال: لما نزلت آيةُ الكفَّارات قال حُذيفة: يا رسول الله، نحن بالخيار؟ قال: أنت بالخيار: إن شئتَ أعتقتَ، وإن شئتَ كسوتَ، وإن شئتَ أطعمتَ، فمَن لم يجد فصيام ثلاثة أيام مُتتابعات. وهذا حديثٌ غريبٌ جدًّا.

الشيخ: بل ضعيف، ولو صحَّ لكان كافيًا، لكنه ضعيف؛ لأنَّ ابن جُريج لم يلقَ ابن عباس، ولم يسمع منه، مُنقطع.

مُداخلة: في تعليق يقول: يزيد بن قيس ما وجدتُ له ترجمة، فالحديث ضعيفٌ لعِلَلٍ، منها: ضعف إسماعيل بن يحيى، وهو ابن عبيدالله، قال ابنُ عدي بعد أن ذكر له بضعًا وعشرين حديثًا: عامَّة ما يرويه .....

قلتُ: وفي ترجمته أنَّه يروي عن ابن جُريج، فلعلّ في السَّند سقطًا، ثم إنَّ ابن جريج لم يُدرك في الرِّواية ابن عباس، فإنَّ بينه وبينه مفاوز ..... والمؤلف بقوله: غريبٌ جدًّا.

الشيخ: نعم، الحديث ضعيف.

س: له الخيار أم التَّرتيب؟

ج: الخيار في الثلاث: الطعام، والكسوة، والعتق. فإذا عجز عن الثلاث انتقل إلى الصيام.

وقوله: ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ أي: هذه كفَّارة اليمين الشَّرعية، وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ قال ابنُ جرير: معناه: لا تتركوها بغير تكفيرٍ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ أي: يُوضِّحها ويُفسّرها، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:89].

س: أحسن الله إليك، شخص سافر إلى مكة، وفي الطَّريق جمع الظهر والعصر، ووصل إلى مكّة قبل أداء العصر، فهل يلزمه أن يُصلي معهم العصر؟

ج: لا، إذا جمع في السَّفر ووصل قبل العصر ما يلزمه، صلاة العصر في السفر مُجزئة، وإن صلَّى معهم فهي نافلة.

س: ولو كان يغلب على ظنِّه أنَّه سيصل إلى مكانه؟

ج: ولو، ولو، إذا صلَّى في السفر ثم وصل إلى البلد قبل العصر أو قبل العشاء أجزأته، لكن إذا صلَّى معهم تكون نافلةً.

س: الآيات التي تُقرأ على المريض هل هي توقيفية؟

ج: لا، ما هي بتوقيفية، ما تيسر، من أهمّها: الفاتحة، وآية الكرسي، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]، والمعوذتين، كلّه شفاء: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ [الإسراء:82].

س: قول النبي ﷺ: إذا صلّيتُما في رحالكما وأتيتُما مسجد جماعةٍ فصلّيا، فإنَّها لكما نافلة ألا يدلّ على الوجوب؟

ج: إذا جاءوا المسجد لا يجلسون، أما إذا قعدوا في بيوتهم فليس بلازمٍ، لكن لو جاءوا المسجد لا يجلسون والناس يُصلون، بل يُصلون معهم، فإنها لهم نافلة.

س: إذا كان مُسافرًا، ولم يبقَ على موطنه الذي هو مٌقيمٌ فيه إلا "كيلوات" معدودة، ودخل في المغرب، هل الأفضل أن يجمع المغرب مع العشاء؟

ج: هو مُخيّر: إن شاء جمع قبل الدُّخول، وإن شاء صلَّى المغرب وصلَّى العشاء مع الناس في بلده، نعم، وإن صلَّاهما في السفر أجزأت، والحمد لله.

س: والأفضل؟

ج: الأمر واسع.

س: هل يجوز للمُصلي أن يُصلِّي النافلة على الراحلة في غير السفر؟

ج: النَّافلة على الراحلة في السفر خاصّة، هذا معروفٌ في الأحاديث.

س: ذكر ابن جرير في تفسير: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ قال: لا تتركوها بغير تكفيرٍ؟

ج: هذا من حفظها، من حفظها: تقليلها وعدم الكثرة؛ لأنَّه إذا أكثر منها حنث كثيرًا، ومن حفظها: التَّكفير، المشروع للمؤمن ألا يحلف إلا على بصيرةٍ، وألا يكون كثير الحلف؛ لأنَّه متى أكثر غلط وكذب؛ ولهذا في الحديث المعروف قوله ﷺ: ثلاثٌ لا يُكلِّمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يُزكِّيهم، ولهم عذابٌ أليم: شيخٌ زانٍ، وملكٌ كذَّابٌ، ورجلٌ جعل الله بضاعته: لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه يعني: يُكثر من الأيمان، نسأل الله العافية، وللشاعر:

قليل الألايا حافظٌ ليمينه إذا صدرت منه الأليّة برَّتِ

إذا قلّت الأيمانُ برَّ في الأيمان وصدق، وإذا كثرت وقع له الكذب والحنث. نعم.

س: هل يُقال: الأفضل الاقتصار على ما ورد في الرُّقية؟

ج: الأمر واسع، نعم.

س: بعض الناس يخرج من المدينة مقدار خمسين كيلو، ولكن أدركه المغرب قبل أن يأتي المحلّ الذي فيه، فهل يُصلي المغرب؟

ج: ما عنده ماء؟

س: لا، ما عنده.

ج: إن شاء تيمم وصلَّى، وإن شاء أخَّر المغرب قليلًا وتوضأ، أو جمع، هل هو مُسافر؟

س: لا، ما هو بمسافر، خرج بمقدار خمسين كيلو.

ج: الأمر واسع، إن كان ما عنده ماء وصلَّى بالتيمم فلا بأس، وإن تقدّم إذا كان يمكن أن يحصل الماء في الوقت تقدّم، وإلا فالأمر واسع، والحمد لله.

س: في الحديث: المؤمن إذا حُلِفَ له صدّق؟

ج: «مَن حُلِفَ له بالله فليرضَ»، هذا من كلام العامّة: المؤمن إذا حُلِفَ له صدّق، أما الحديث: «مَن حَلَفَ بالله فليصدق، ومَن حُلِفَ له بالله فليرضَ، ومَن لم يرضَ فليس من الله».

س: وإذا كان يعلم عن حال الحالف أنَّه كاذب؟

ج: ولو، يرضى بحكم الله، وإن اعتقد أنَّه كاذب، لو أنَّ واحدًا أخذ منك مالًا، أو جحد لك مالًا، سلّفته وجحد، وليس عندك بينة، وحضرت عند القاضي، قال: هاتِ البينة. قلت له: ما عندي شيء. قال القاضي: ما لك إلا اليمين. فترضى، يلزمك الرِّضا بحكم الله وإن كنت تعلم أنَّ صاحبك كاذب.

س: لكن عند غير القاضي، إذا حلف له عند غير القاضي في مكانٍ آخر؟

ج: إذا حلف له وما عنده بينة يرضى، ولا يحتاج أن يُكلّفه القضاء، يرضى بحكم الله، ما هو بتصديقه، ما يُصدّقه، لكن يرضى بحكم الله.