وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون: أنبأنا شريك، عن أبي إسحاق، عن المنذر بن جرير، عن أبيه قال: قال رسولُ الله ﷺ: ما من قومٍ يكون بين أظهرهم مَن يعمل بالمعاصي، هم أعزّ منه وأمنع ولم يُغيّروا؛ إلا أصابهم اللهُ منه بعذابٍ. تفرّد به أحمد من هذا الوجه.
ورواه أبو داود عن مسدد، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن المنذر بن جرير، عن جريرٍ قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: ما من رجلٍ يكون في قومٍ يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون أن يُغيّروا عليه، فلا يُغيّرون؛ إلا أصابهم اللهُ بعقابٍ قبل أن يموتوا.
وقد رواه ابنُ ماجه عن علي بن محمد، عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيدالله بن جرير، عن أبيه، به.
قال الحافظ المزي: وهكذا رواه شُعبة، عن أبي إسحاق، به.
الشيخ: وهذا الحديث يشهد له شواهد كثيرة بوجوب الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وإن كان في سنده أبو إسحاق، وقد عنعن، ومداره عليه، لكن على كل حالٍ الأدلة الكثيرة تشهد له بأنَّ الواجبَ على جميع المسلمين التَّعاون على البرِّ والتَّقوى، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، وقال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110].
ولما تولّى الصديقُ خطب الناس، وتلا عليهم هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وأخبر أنَّه سمع النبيَّ يقول: إذا ظهر منكرٌ في قومٍ ولم يُنكروه حلَّ عليهم عقابُ الله، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام.
المقصود أنَّ ظهور المنكرات من أسباب غضب الله وعقابه، والواجب على المسلمين التَّعاون والتَّناصح في إزالة المنكر والقضاء عليه ..... مثلما قال ﷺ: مَن رأى منكم مُنكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
فالواجب على المؤمنين التَّعاون في إزالة المنكرات، والتَّواصي والتَّناصح حتى يُقضى على المنكر بينهم، وهذا هو طريق المؤمنين، هذا هو سبيلهم، ولا يجوز التَّخاذل في هذا والتَّساهل: لا مع أهل البيت، ولا مع أهل الحارة، ولا مع الزملاء، ولا مع غيرهم، يجب التَّواصي بالحقِّ والتَّناصح، نعم.
س: رواية شُعبة، عن أبي إسحاق ..... تدليسه؟
ج: المعروف من رواية أبي إسحاق أنَّه إذا عنعن يُخشى منه التَّدليس، لكن على كل حالٍ شواهد الحديث كثيرة.
وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ [المائدة:64-66].
يُخبر تعالى عن اليهود -عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة- أنَّهم وصفوا الله وتعالى عن قولهم عُلُوًّا كبيرًا- بأنَّه بخيلٌ، كما وصفوه بأنَّه فقير وهم أغنياء، وعبَّروا عن البُخل بأن قالوا: يدُ الله مغلولة.
قال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أبو عبدالله الطّهراني.
الشيخ: الطّهراني نسبة إلى طهران عاصمة إيران، طِهران بكسر الطَّاء.
حدثنا حفص بن عمر العدني: حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: قال ابنُ عباسٍ: مَغْلُولَةٌ أي: بخيلة.
وقال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ في قوله.
الشيخ: انظر "القاموس": طهران في "القاموس"، نعم.
الشيخ: وهذه جرأة شنيعة من اليهود -قبَّحهم الله-، كفَّار اليهود: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181]، يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، كيف يستطيع مَن له عقل أن يقول هذا الكلام؟! أعوذ بالله! هذه الشَّناعة العظيمة والجرأة الشَّديدة على جانب الربوبية: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة:30]، ما أشدّ كفرهم! صدق الله العظيم: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82]، يتجرؤون ويقولون هذا الكلام الشَّنيع! بئس الحال حالهم، أعوذ بالله! وما أشدّ كفر مَن كفر منهم! نعوذ بالله، نعم.
ولفظ الصّديق في قراءة هذه الآية: تلا هذه الآية، وهي قوله -جلَّ وعلا-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، تلاها عليهم بعد أن تولّى الخلافة، وقال: إني سمعتُ النبي يقول: إنَّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيّروه أوشك أن يعمّهم الله بعقابه. رواه الإمامُ أحمد وجماعة بإسنادٍ صحيحٍ عن الصّديق .
س: هل الأصل في تغيير المنكر .....؟
ج: الأصل الشَّرع في كل شيءٍ، ما هو في هذا فقط، الأصل الشَّرع في كل شيءٍ، ولكن إذا قيّد وليُّ الأمر الأشياء بشيءٍ له فيه محلّ اجتهادٍ فيُسمع له؛ عليكم السَّمع والطَّاعة فيما أحبّ العبدُ وكره ما لم يُؤمر بمعصيةٍ، فإذا قبلت الدولةُ أشياء وأمرت بأشياء لا تُخالف الشَّرع، بل فيها مصالح للمسلمين؛ وجبت، وجب السَّمع والطَّاعة، مثلما قال النبي ﷺ: عليكم السَّمع والطَّاعة فيما أحبَّ العبد وكره ما لم يُؤمر بمعصية الله، فإذا أُمِرَ بمعصية الله فلا سمعَ ولا طاعةَ، إنما الطَّاعة في المعروف، نعم.
مُداخلة: في "التقريب" ذكر محمد بن حماد الطّهراني: بكسر المهملة، وسكون الهاء.
الشيخ: في "التقريب" نعم، وفي "القاموس"؟
الطالب: في "القاموس" قال: طِهران –بالكسر- بلدة بأصفهان، وبلدة بالري.
الشيخ: المقصود أنَّهم ما ذكروا فيها إلا الكسر: طِهران، أيش قال في "التقريب"؟
الطالب: يقول: محمد بن حماد الطِّهراني -بكسر المهملة، وسكون الهاء-، ثقة، حافظ، لم يُصب مَن ضعَّفه، من العاشرة، مات سنة إحدى وسبعين. (ابن ماجه).
الشيخ: طيب، نعم، هذه العاصمة المعروفة في جمهورية إيران، لكن ينطق بها الناس في الغالب بالفتح، وهي بالكسر.
وقال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ في قوله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ قال: لا يعنون بذلك أنَّ يد الله موثّقة، ولكن يقولون: بخيل، يعني: أمسك ما عنده بخلًا، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.
وكذا رُوي عن مجاهد وعكرمة وقتادة والسّدي والضَّحاك، وقرأ: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا [الإسراء:29] يعني: أنَّه ينهى عن البخل، وعن التَّبذير، وهو زيادة الإنفاق في غير محلِّه، وعبَّر عن البخل بقوله: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ، وهذا هو الذي أراد هؤلاء اليهود -عليهم لعائن الله.
وقد قال عكرمة: إنها نزلت في فنحاص اليهودي -عليه لعنة الله. وقد تقدّم أنَّه الذي قال: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ، فضربه أبو بكر الصّديق .
وقال محمد بن إسحاق: حدَّثنا محمد ابن أبي محمد، عن سعيد أو عكرمة، عن ابن عباسٍ قال: قال رجلٌ من اليهود يُقال له: شاس بن قيس: إنَّ ربَّك بخيلٌ لا يُنفق. فأنزل الله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ.
وقد ردَّ الله عليهم ما قالوه، وقابلهم فيما اختلقوه وافتروه وائتفكوه، فقال: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا، وهكذا وقع لهم، فإنَّ عندهم من البُخل والحسد والجبن والذِّلة أمرٌ عظيمٌ، كما قال تعالى: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:53-54]، وقال تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ [آل عمران:112].
الشيخ: ومهما كان عندهم من المال فهم فُقراء، فقراء القلوب، قد أصابهم الفقرُ في قلوبهم، مهما ملكوا من المال فهم أذلّاء، فقراء، فقراء القلوب، أذلّاء، جُبناء، إلا من وراء جُدُر، وبأسهم بينهم شديد، هذه حالهم وصفاتهم الذَّميمة.
مَن الذي أعطاهم النِّعَم؟ مَن الذي أعطاهم ما هم فيه من النِّعَم في أي مكانٍ هم أو غيرهم: نِعَم الثِّمار واللِّباس والسَّكن والمطر وغير ذلك؟ مَن الذي أعطاهم هذه النِّعَم التي في أيديهم: الحيوان الذي عليه يركبون، والذي منه يشربون؟ لكنَّهم لا يعقلون، يُكابرون حسدًا وبغيًا وجرأةً على الله وعلى .....! نسأل الله العافية.
وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53]، جميع النِّعَم من الله ، أنت نفسك الذي أعطاك السَّمع والبصر والفؤاد واللِّسان والصحّة مَن؟! كلّه من نِعم الله عليك، نسأل الله العافية.
الشيخ: كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر:21]، له الحكمة البالغة: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، ، نعم.
الذي خلق لنا كلَّ شيءٍ مما نحتاج إليه في ليلنا ونهارنا، وحضرنا وسفرنا، وفي جميع أحوالنا، كما قال: وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، والآيات في هذا كثيرة.
وقد قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا عبدالرزاق: حدثنا معمر، عن همام بن مُنبّه قال: هذا ما حدَّثنا أبو هريرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: أنَّ يمين الله ملأى، لا يغيضها نفقة، سحَّاء الليل والنَّهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السَّماوات والأرض، فإنَّه لم يغض ما في يمينه، قال: وعرشه على الماء.
الشيخ: غاض ..... يعني: نقص. غاض الماء: ذهب الماء.
وفي يده الأخرى القبض، يرفع ويخفض.
وقال: يقول الله تعالى: أَنْفِق أُنْفِق عليك. أخرجاه في "الصَّحيحين": البخاري في "التوحيد" عن علي بن المديني، ومسلم فيه عن محمد بن رافع –كلاهما-، عن عبدالرزاق، به.
مُداخلة: في نسخةٍ عندنا: في يده الأخرى الخير.
الشيخ: لا، القبض، يقبض ويبسط .....، وفي الأخرى القسط، يعني: الميزان.
وقوله تعالى: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا أي: يكون ما أتاك الله يا محمد من النِّعمة نِقمة في حقِّ أعدائك من اليهود وأشباههم، فكما يزداد به المؤمنون تصديقًا وعملًا صالحًا وعلمًا نافعًا، يزداد به الكافرون الحاسدون لك ولأمّتك طُغْيَانًا، وهو المبالغة والمجاوزة للحدِّ في الأشياء، وَكُفْرًا أي: تكذيبًا، كما قال تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [فصلت:44]، وقال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82].
وقوله تعالى: وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يعني: أنَّه لا تجتمع قلوبهم، بل العداوة واقعةٌ بين فِرَقهم، بعضهم في بعضٍ دائمًا؛ لأنَّهم لا يجتمعون على حقٍّ، وقد خالفوك وكذَّبوك.
وقال إبراهيمُ النَّخعي: وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ قال: الخُصومات والجدال في الدِّين. رواه ابنُ أبي حاتم.
الشيخ: يعني: هذا من آثارها، الخصومات والجدال هذا من آثار البغضاء، نسأل الله العافية.
وقوله: كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ أي: كلما عقدوا أسبابًا يكيدونك بها، وكلما أبرموا أمورًا يُحاربونك بها، أبطلها الله وردَّ كيدهم عليهم، وحاق مكرهم السّيئ بهم.
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ أي: من سجيّتهم أنَّهم دائمًا يسعون في الإفساد في الأرض، والله لا يُحبّ مَن هذه صفته.
ثم قال -جلَّ وعلا-: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا أي: لو أنَّهم آمنوا بالله ورسوله واتَّقوا ما كانوا يتعاطونه من المآثم والمحارم لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ أي: لأزلنا عنهم المحذور، وأنلناهم المقصود، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ قال ابنُ عباسٍ وغيره: هو القرآن، لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ أي: لو أنَّهم عملوا بما في الكتب التي بأيديهم عن الأنبياء على ما هي عليه من غير تحريفٍ ولا تبديلٍ ولا تغييرٍ لقادهم ذلك إلى اتِّباع الحقِّ، والعمل بمُقتضى ما بعث اللهُ به محمدًا ﷺ، فإنَّ كتبهم ناطقة بتصديقه والأمر باتِّباعه حتمًا لا محالةَ.
وقوله تعالى: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ يعني بذلك: كثرة الرِّزق النَّازل عليهم من السَّماء، والنَّابت لهم من الأرض.
وقال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ يعني: لأرسل السَّماء عليهم مدرارًا، وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ يعني: يُخرج من الأرض بركاتها.
وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والسّدي، كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:96]، وقال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41].
الشيخ: وهذا واضحٌ في أنَّ العباد إذا اتَّقوا ربَّهم وأقاموا دينَه رزقهم كلّ ما يحتاجون إليه، ولكنَّه يبتليهم بالسَّراء والضَّراء؛ ليُنيبوا إليه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96]، فالعقوبات بأسباب كسبهم الرَّديء وأعمالهم الخبيثة، كما جرى للأمم الماضية.
وقد يُملي سبحانه، قد يُملي للعباد ويُنظرهم ويُدرّ عليهم الأرزاق وهم ظالمون؛ ابتلاءً وامتحانًا.
وهنا يقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ وهو القرآن لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ يأكلون من النِّعَم التي فوقهم من الأشجار والثِّمار التي فوقهم وما ينزل من السَّماء، وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ من الزروع والنباتات والثِّمار الأرضية، مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ، نسأل الله العافية.
ولهذا قال تعالى: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ [العنكبوت:17] بطاعته واتِّباع شريعته، فهو سبحانه المنعم المتفضّل، يُعطي لحكمةٍ، ويمنع لحكمةٍ، وقد يُدرّ الأرزاق على قومٍ يستدرجهم، ثم تكون لهم العاقبة الوخيمة، كما قال تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42]، قال تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:182-183]، ولو عاجل كل قومٍ بالعقوبة لما بقي أحدٌ، لهلك الناسُ جميعًا، ولكنَّه يُملي ولا يغفل .
الشيخ: كما يأكل أهلُ الجنة من نعمها، يأكل وهو ماشٍ، وهو على فراشه من نعيم الجنة، الله المستعان، الله أكبر. نعم.
وقال ابنُ جرير: قال بعضُهم: معناه: لكانوا في الخير، كما يقول القائل: هو في الخير من قرنه إلى قدمه. ثم ردّ هذا القول لمخالفته أقوال السَّلف.
وقد ذكر ابنُ أبي حاتم عند قوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ حديث علقمة، عن صفوان بن عمرو، عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه: أنَّ رسول الله ﷺ قال: يُوشِك أن يُرفع العلم، فقال زياد بن لبيد: يا رسول الله، وكيف يُرفع العلم وقد قرأنا القرآنَ وعلَّمناه أبناءنا؟! فقال: ثكلتك أمك يا ابن لبيد! إن كنتُ لأراك من أفقه أهل المدينة، أوليست التَّوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنَّصارى؟! فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله؟! ثم قرأ: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ. هكذا أورده ابنُ أبي حاتم حديثًا مُعلَّقًا من أول إسناده، مُرسلًا في آخره.
الشيخ: لأنَّ جبير بن نفير تابعي، نعم.
الشيخ: قوله: "حديث علقمة" هذا تعليق؛ لأنَّه ما أدرك علقمة، نعم.
الشيخ: مثل الواقع الآن، هذا القرآن بين أيدي الناس، وكثيرٌ منهم يُخالف نصَّه وما دلَّ عليه وجود القرآن، ووجود الكتب ليست هي الهادية، الهادي هو الله وحده، وإنما هي أسباب، فمَن هداه الله انتفع بها، ومَن أضلّه الله لم ينتفع بها، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، نعم، نسأل الله العافية.
س: عبدالرحمن بن جبير يُحدِّث عن أبيه؟
ج: أبوه تابعي، جبير تابعي، نعم.
س: قول المؤلف: إسناده صحيح؟
ج: وقد رواه أحمد؟ حدَّثنا؟
الشيخ: ظاهره أنَّ سالـمًا سمع من زياد، انظر: سالم ابن أبي الجعد.
مُداخلة: في حاشية يقول: أخرجه ابن ماجه، وقال البُوصيري في "الزوائد": رجال إسناده ثقات، إلا أنَّه مُنقطع. قال البخاري في "التاريخ الصغير": لم يسمع سالم ابن أبي الجعد من زياد بن لبيد.
الشيخ: محلّ نظرٍ، ظاهر كلام المؤلف أنَّه سمع منه، انظر "التقريب".
الطالب: سالم ابن أبي الجعد رافع الغطفاني، الأشجعي مولاهم، الكوفي، ثقة، وكان يُرسل كثيرًا، من الثالثة، مات سنة سبعٍ أو ثمانٍ وتسعين، وقيل: مئة، أو بعد ذلك، ولم يثبت أنَّه جاوز المئة. (ع).
الشيخ: انظر زياد بن لبيد، قد يكون سمع منه ما دام من الثالثة، من كبار التابعين، وظاهر كلام المؤلف أنَّه سمع منه؛ ولهذا قال: صحيح. انظر: زياد بن لبيد، نعم.
مُداخلة: في حاشية يقول: الحديث ضعيفٌ بهذا السَّند، لكنَّه صحَّ من غير هذا الوجه، والحديث عند أحمد وابن ماجه، وفيه عندهما الأعمش، وهو مُدلّس، وقد عنعن، وسالم لم يسمع من زياد بن لبيد. قاله البخاري، وتبعه الذَّهبي.
ورواه أحمد من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سالم، به، فارتفع بذلك ما كان يُخشى من عنعنة الأعمش.
ورواه ابنُ المديني من طريق عبدالله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن عبدالرحمن بن جبير .....، عن أبيه، عن أبي الدَّرداء .....
ورواه النَّسائي في "الكبرى"، كما في "تحفة الأشراف"، قال: حدَّثنا الربيع بن سليمان، عن ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن إبراهيم ابن أبي عبدة، عن الوليد بن عبدالرحمن الجرشي، عنه -أي: جبير بن نفير-، عن أبي الدَّرداء.
ورواه أحمد، فارتفع بهذه الطُّرق ما كان يخشى من انقطاعٍ بين سالم وزياد بن لبيد، والحديث لفظه عند الترمذي أحسن سياقًا، وأتمّ لفظًا منه هاهنا، والله أعلم.
الشيخ: لمن الحاشية؟
الطالب: أحد تلاميذ الشيخ مُقبل.
الشيخ: هذه طُرق يشدّ بعضُها بعضًا.
الطالب: وقال أبو جعفر الطَّحاوي في "مشكل الآثار" بعد ذكر الحديث .....، وردّ عليه قال: جوابنا له في ذلك أنَّ هذا الحديث من أحسن الأحاديث وأصحّها ... إلى آخر جوابه -رحمه الله تعالى.
الشيخ: ولعلّ الحافظ قال فيه: صحيح؛ لكثرة طرقه، أو لأنَّه يرى قول مَن قال: أنَّ سالـمًا سمع لبيد لهذا أو لهذا.
س: تجوّدون إسناده؟
ج: ما في شكّ، فقط لولا سالم، يُخشى أنَّه لم يسمع من زياد، لكن الطُّرق الأخرى تُقوّيه، يشدّ بعضُها بعضًا.
الطالب: زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن ..... بن عامر بن عدي بن أمية .....، أبو عبدالله، شهد بدرًا، وهاجر إلى مكّة، ثم إلى المدينة مع النبي ﷺ، وعمل على حضرموت وغيرها، وعنه: عوف بن مالك وسالم ابن أبي الجعد، وعنده حديث، مات في أول خلافة معاوية. (ابن ماجه).
الشيخ: ممكن، أدرك سالـمًا وسمع منه .....
الطالب: زياد بن لبيد بن ثعلبة، الأنصاري، الخزرجي، أبو عبدالله، صحابي، شهد بدرًا، وكان عاملًا على حضرموت لما مات النبي ﷺ، مات سنة إحدى وأربعين. (ق).
الشيخ: ..... في أول خلافة معاوية، سماع سالم ممكن ومُتَيَسَّر، نعم، ومعناه واضحٌ، وجود الكتاب بين الناس، ووجود القرآن والسُّنة ما هو بمُوجب للهداية، هي أسباب الهداية، فالهداية بيد الله -جلَّ وعلا-، فاليهود عندهم التَّوراة، وضلَّ الكثير منهم، والنَّصارى عندهم الإنجيل، وضلَّ الكثير منهم، ولما بُعِثَ محمدٌ كفروا به، إلا مَن هدى الله منهم، وهم القليل، لا سيّما اليهود، وهكذا القرآن هو أعظم كتابٍ بين المسلمين، وكثيرٌ من المسلمين يُخالف أوامره، ويرتكب محارمه، والله المستعان. نعم.
الشيخ: ومنهم الظَّالم لنفسه، هو أدناهم، الظالم لنفسه هو العاصي، قد يدخل الجنةَ من أول وهلةٍ ويُعفا عنه، وقد يُعذَّب ثم بعد التَّطهير يصير إلى الجنة، والمقتصد مَن أدَّى الواجبات وترك المحارم، ولكن ليس عنده نشاطٌ في السَّبق إلى الخيرات والمسابقة إلى الفضائل، والسَّابق إلى الخيرات هو الدَّرجة العُليا، وهم السَّابقون إلى الطَّاعات: واجب، ومُستحبّ، والبعيدون عن السّيئات، وعن المكروهات، مع ما عندهم من فضائل الأعمال، كما قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ [التوبة:100]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:57-61].
فطبقات أهل الجنَّة، طبقات المسلمين ثلاثة:
ظالمٌ لنفسه: قد يُعذّب، وقد يُعفا عنه ويدخل الجنة، ومصيره الجنة، حتى ولو دخل النار مُنتهاه إلى الجنة؛ لأنَّه مات على التوحيد والإيمان، لكنَّه ظلم نفسه بشيءٍ من المعاصي.
والثاني: مُقتصد، وهو مَن أدّى الواجبات، وترك المحارم.
والثالث: السَّابق إلى الخيرات، وهو الذي ترك المعاصي، وأدَّى الواجبات، وسابق إلى أنواع الخيرات. نعم.
س: قوله تعالى: وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ [المائدة:64] المقصود بين اليهود والنَّصارى؟
ج: بين اليهود، نعم.
الشيخ: يعني: المجتمعون على الحقِّ، الثابتون على الحقِّ، المتواصون به، الدَّاعون إليه، وفي اللَّفظ الآخر: ما أنا عليه وأصحابي، نعم، والله المستعان.
الشيخ: ومثل هذا قوله تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقوله تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، وقوله تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13]، وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ [ص:24]، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، نعم.
س: الرِّوايات التي وردت بأنها السَّواد الأعظم هل يصحّ فيها شيء؟
ج: ما أعرف حالها، لكن معنى السَّواد الأعظم من جهة الإيمان والتَّقوى، ما هو من جهة الكثرة، لو صحَّ، نعم.
س: حديث الرسول ﷺ في افتراق الأمّة إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة، هل ..... الجماعات الموجودة تحت هذا القياس؟
ج: تفرّقهم في الدِّين، يعني: جهمية، ومُعتزلة، ورافضة، وغيرهم، وأهل بدعٍ، ألَّف فيهم أهلُ العلم مُؤلّفات كثيرة في بيان الفرق، نعم، والضَّابط في هذا: مَن كان على مثل ما عليه النبي وأصحابه، واستقام على دين الله، فهو من الفرقة النَّاجية، نعم.
س: المراد بالسَّواد الأعظم لو صحَّ؟
ج: لو صحَّ: أهل الإيمان والتَّقوى هم السَّواد الأعظم، هم القُدوة.
س: ما يدلّ على الكثرة؟
ج: لا، ما هو المراد بالكثرة، السَّواد الأعظم: أهل التَّقوى والإيمان الذين يُقتدى بهم، ويسلك طريقهم.
س: ولو وردت عدّة آثار في هذا؟
ج: على كل حالٍ، السواد الأعظم قد يُوهم بعض الناس أنَّه الكثرة، والكثرة الغالب أنها في الضَّلالة، الكثرة هم أهل الضَّلالة.
س: قول المؤلف: فجعل أعلى المقامات هو الاقتصاد؟
ج: أعلى المقامات هو السَّبق إلى الخيرات، الاقتصاد وسط.
س: الأمم السَّابقة جعل أعلى المقامات .....؟
ج: يعني: اليهود.
س: هل يقتضي أنَّه ليس فيهم سابقٌ إلى الخيرات؟
ج: نعم.
س: أحسن الله إليك يا شيخ، بعض العلماء حدد الفرق الضَّالة؟
ج: نهايتهم إلى ثنتين وسبعين، نعم.
س: ما صحّة هذا الحديث؟
وهذا حديثٌ غريبٌ جدًّا من هذا الوجه، وبهذا السياق.
وحديث افتراق الأمم إلى بضعٍ وسبعين مروي من طرقٍ عديدةٍ، وقد ذكرناه في موضعٍ آخر، ولله الحمد والمنَّة.
س: هذا الحديث الأخير يا شيخ يصحّ؟
ج: الطّرق الصَّحيحة تكفي عنه.
س: الأمم السَّابقة أليس فيها سابقٌ إلى خيرات؟
ج: الله أعلم، ظاهر قوله: مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ هذا في اليهود، أمَّا غيرهم فقد يكون فيهم السَّابق إلى الخيرات، ما أعلم مانعًا، كما يوجد في هذه الأمّة، كما وُجد في أمّة محمدٍ، لكن هنا ذكر اليهود: مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ، وفي سورة آل عمران: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:113-114]، ظاهره أنَّه يوجد فيهم أيضًا مَن يُسابق إلى الخيرات، كما في سورة آل عمران، لكن هنا ذكر: مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ يعني: اليهود خاصّة، وقد يكون من أهل الكتاب من غير اليهود، من النَّصارى؛ لأنَّ الآية عامَّة: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، آية آل عمران عامّة، تعمّ اليهود والنَّصارى، نعم.
............
س: قول مَن قال بأنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر فرض عينٍ؟
ج: لا، هو فرض كفايةٍ بنصِّ القرآن، لكن إذا كان في محلٍّ مُعينٍ لم يقم به واحدٌ فهو فرضٌ على الجميع حتى يزول المنكر، فإذا قام به البعضُ سقط عن الباقين، المقصود زوال المنكر، فإذا قام البعضُ سقط عن الباقين، المقصود زواله. نعم.