وقال الإمام أحمد: حدثنا عمرو بن عاصم، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن جندب، عن حذيفة، عن النبي ﷺ- قال: لا ينبغي لمسلمٍ أن يُذلّ نفسه، قيل: وكيف يُذلّ نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يُطيق.
وكذا رواه الترمذي وابن ماجه –جميعًا- عن محمد بن بشار، عن عمرو بن عاصم، به، وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
الشيخ: هذا الحديث في سنده علي بن زيد بن جدعان، وهو مُضعف في الرِّواية، ولكن المعنى صحيح، المعنى من الأدلة الشَّرعية؛ لأنَّ الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فلا ينبغي للمؤمن أن يتعرض من البلاء لما لا يُطيق، ولكن ينظر ويجتهد ويتحرى في أمره بالمعروف، وفي نهيه عن المنكر، وفي علاجه الأمور التي يرى أن يدخل فيها، ينظر في الإصلاح بين الناس في أمره بالمعروف، وفي نهيه عن المنكر، وفي غير هذا من الأمور التي يرى الدخول فيها، إن كان دخوله فيها يرجو فيه أنَّ الله ينفع به، وأنه يحلّ المشكل، وأنَّه يزول المنكر، أو يكفّ المنكر، فلا بأس، أمَّا إن كان دخولُه فيها يُعرّضه لشيءٍ لا يُطيقه، ويترتب عليه ما هو شرّ منه، فلا يدخل؛ لأنَّ إنكار المنكر له مراتب أربع:
المرتبة الأولى: أن يكون إنكاره للمُنكر يترتب عليه ما هو شرّ منه، فهذا لا يجوز إنكاره، ويدخل في هذا كونه يتعرض لما لا يُطيق من البلاء، فيترتب على دخوله ما هو أنكر.
الثاني: أن يكون إنكاره المنكر يترتب عليه مثله، يزول ويحلّ مثله، فهذا محلّ اجتهادٍ ونظرٍ، لا يدخل إلا على بصيرةٍ: إن كان يرجو أن يزول ويحلّ محله أقلّ منه، أو يزول بالكلية يدخل، وإلا فلينظر ويتأمّل، إذا كان قد يزول، لكن يحلّ مثله، يعقبه مثله، فهذا محل اجتهادٍ ونظرٍ.
الحال الثالث: أن يرجو أنَّه يخفّ المنكر ويقلّ، فهذا يدخل في الأمر وينهى.
الرابع: أن يرجو أنه يزول بالكُلية، وأن دخوله في ذلك يترتب عليه زوال المنكر بالكلية، فهذا أيضًا كالحال الثالث: يجب الدخول وإنكار المنكر؛ عملًا بقوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، وقوله -جلَّ وعلا-: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110]، وقول النبي ﷺ: مَن رأى منكم مُنكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. نعم.
س: إذا خشي أن يُضرب أو يُوبّخ بكلامٍ؟
ج: ما يمنع هذا إذا كان شيئًا يسيرًا، ما يترتب عليه ما هو أكبر، هذا ما يضرّ، أمَّا إذا كان يخشى أن يقع ما هو أكبر لا يدخل، نعم.
س: يدخل في هذا نقل الناس من الأغاني الماجنة إلى الأناشيد؟
ج: عامّ، هذا عامّ، إذا كان يرجو أنه يزول أو يخفّ يدخل، وإلا فلا يدخل، ينظر الأمر .....
س: هل يُنكر على الكفَّار ما يفعلونه؟
ج: بين المسلمين إذا أظهروه.
وقال ابنُ ماجه: حدثنا العباس بن الوليد الدّمشقي: حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي: حدثنا الهيثم بن حميد: حدثنا أبو معبد حفص بن غيلان الرّعيني، عن مكحول، عن أنس بن مالكٍ قال: قيل: يا رسول الله، متى يُترك الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم، قلنا: يا رسول الله، وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالكم.
قال زيد: تفسير معنى قول النبي ﷺ: والعلم في رذالكم إذا كان العلمُ في الفُسَّاق.
الشيخ: انظر في "التقريب": زيد بن يحيى بن عبيد.
الطالب: زيد بن يحيى بن عبيد، الخزاعي، أبو عبدالله، الدّمشقي، ثقة، من التاسعة، مات سنة سبعٍ ومئتين. (أبو داود، والنسائي، وابن ماجه).
الشيخ: انظر العباس بن الوليد الدّمشقي، ..... حدثنا زيد بن يحيى بعده؟
الطالب: حدثنا الهيثم بن حميد قال: حدثنا أبو معبد.
الشيخ: يحتاج إلى تأمّل في السَّند، نعم.
س: ماذا يقصد الصَّحابة بهذا السؤال: متى يُترك الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر؟
ج: إن صحَّ يعني: متى يقع هذا البلاء العظيم.
س: يعني: هذا من علامات السَّاعة؟
ج: يعني: يسألون متى يقع هذا؛ لأنَّ الدِّين يزداد غربةً، كلما تأخّر زاد غربةً، نعم.
وقوله تعالى: تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [المائدة:80] قال مجاهد: يعني بذلك المنافقين.
وقوله: لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ [المائدة:80] يعني بذلك مُوالاتهم للكافرين، وتركهم مُوالاة المؤمنين التي أعقبتهم نفاقًا في قلوبهم، وأسخطت الله عليهم سخطًا مُستمرًّا إلى يوم معادهم؛ ولهذا قال: أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [المائدة:80]، وفسّر بذلك ما ذمَّهم به، ثم أخبر عنهم أنَّهم وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ [المائدة:80] يعني: يوم القيامة.
قال ابنُ أبي حاتم: حدثنا أبي: حدثنا هشام بن عمار: حدثنا مسلم بن علي، عن الأعمش بإسنادٍ ذكره، قال: يا معشر المسلمين، إياكم والزنا، فإنَّ فيه ستّ خصالٍ: ثلاثًا في الدنيا، وثلاثًا في الآخرة، فأمَّا التي في الدنيا: فإنَّه يُذهب البهاء، ويُورث الفقر، وينقص العمر. وأمَّا التي في الآخرة: فإنَّه يُوجب سخط الربّ، وسُوء الحساب، والخلود في النار، ثم تلا رسولُ الله ﷺ: لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ. هكذا ذكره ابنُ أبي حاتم.
وقد رواه ابنُ مردويه من طريق هشام بن عمَّار عن مسلمة، عن الأعمش، عن شقيق، عن حُذيفة، عن النبي ﷺ فذكره.
وساقه أيضًا من طريق سعيد بن غفير، عن مسلمة، عن أبي عبدالرحمن الكوفي، عن الأعمش، عن شقيق، عن حُذيفة، عن النبي ﷺ فذكر مثله.
وهذا حديثٌ ضعيفٌ على كل حالٍ، والله أعلم.
الشيخ: والشَّاهد في هذا قوله -جلَّ وعلا-: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ [الفرقان:68-70]، هذا من باب الوعيد، لو صحَّ من باب الوعيد كما في الآية، وهذه قاعدة في جميع المعاصي: كلّها تحت المشيئة، كلّ المعاصي دون الشِّرك تحت المشيئة.
وهكذا قوله -جلَّ وعلا-: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] هو من باب الوعيد، فقد يُمضيه سبحانه، وقد يعفو، وقد يتوب صاحبه فيسلم، فهو من باب الوعيد والتَّحذير.
والقاعدة الشَّرعية: أنَّ كلَّ ذنبٍ دون الشِّرك فهو تحت مشيئة الله، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وأحاديث الوعيد تمرّ على ظاهرها؛ للزجر، مع الإيمان بأنَّ صاحبها تحت المشيئة ولو تُوعّد بالنار: كالزاني، وشارب الخمر، والعاق لوالديه، وغيرهم ممن جاء فيهم الوعيد، نسأل الله العافية.
س: والد مسلمة: عَلي أو عُلي؟
ج: ما أعرف حاله، يراجع "التقريب".
مداخلة: .......
الشيخ: أيش عندك؟
قارئ المتن: وساقه أيضًا من طريق سعيد بن غفير.
الشيخ: سعيد بن عفير -بالعين.
الطالب: مسلمة بن عُلي، الخشني -بضم الخاء وفتح الشين المعجمة ثم نون-، أبو سعيد، الدّمشقي .....، متروك، من الثامنة.
الشيخ: لا، هذا ابن علي، ما ضبط إلا "الخشني"، الأصل إطلاق علي، معناه بفتح العين: علي.
الطالب: مشكول بالضمِّ.
الشيخ: لا، غلط، ابن علي، لو كان بالضمِّ لضبطه.