12 من قوله: (باب إثبات الأصابع لله عز وجل)

بَابُ إِثْبَاتِ الْأَصَابِعِ لِلَّهِ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ قِيلًا لَهُ لَا حِكَايَةً عَنْ غَيْرِهِ، كَمَا زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْعِنَادِ أَنَّ خَبَرَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ضَحِكُ النَّبِيِّ ﷺ تَصْدِيقًا لِلْيَهُودِيِّ.

حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْجَرْجَرَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَكِّيُّ، قَالُوا: حدَّثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ: حدَّثنا الْمَكِّيُّ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ الْكِلَابِيُّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ تَعَالَى، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ.

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ، يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ هَذَا حَدِيثُ الْبَاهِلِيِّ.

وَقَالَ الْآخَرُونَ: فَإِذَا شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِذَا شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ: أَوْ قَالَ: يَضَعُ وَيَخْفِضُ بِالشَّكِّ.

وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ: قال: حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ الْأَزْدِيُّ. وَقَالَ هُوَ وَالْجَرْجَرَائِيُّ أَيْضًا: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ.

وَقَالَ لَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ مَرَّةً: مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَإِذَا شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بِهَذَا الْخَبَرِ اسْتُدِلَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي خَبَرِ أَبِي مُوسَى: يَرْفَعُ الْقِسْطَ وَيَخْفِضُهُ أَرَادَ بِالْقِسْطِ: الْمِيزَانَ، كَمَا أَعْلَمَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الْمِيزَانَ بِيَدِ الرَّحْمَنِ، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ، فَقَالَ اللَّهُ: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [الأنبياء:47]، قَدْ أَمْلَيْتُ هَذَا الْبَابَ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ.

وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَشِيطٍ الْوَعْلَانِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ -وَهُوَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيُّ- عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنها تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُكْثِرُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ الْقُلُوبَ لَتَتَقَلَّبُ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا مِنْ خَلْقٍ لِلَّهِ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَإِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ، فَنَسْأَلهُ أَنْ لَا يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَهِبَ لَنَا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً، إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّابُ.

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ قَالَ: حدَّثنا عَمِّي. وَرَوَى عَبْدُاللَّهِ بْنُ شَرَاحِيلَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ نَائِلٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ صَرَّفَهُ، وَإِذَا شَاءَ بَصَّرَهُ، وَإِذَا شَاءَ نَكَّسَهُ، وَلَمْ يُعْطِ اللَّهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ شَيْئًا هُوَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُسْلِكَ فِي قَلْبِهِ الْيَقِينَ، وَعِنْدَ اللَّهِ مَفَاتِيحُ الْقُلُوبِ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا فَتَحَ لَهُ قُفْلَ قَلْبِهِ وَالْيَقِينِ وَالصِّدْقِ، وَجَعَلَ قَلْبَهُ وِعَاءً، وَعْيًا لِمَا سَلَكَ فِيهِ، وَجَعَلَ قَلْبَهُ سَلِيمًا، وَلِسَانَهُ صَادِقًا، وَخَلِيقَتَهُ مُسْتَقِيمَةً، وَجَعَلَ أُذُنَهُ سَمِيعَةً، وَعَيْنَهُ بَصِيرَةً، وَلَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ شَيْئًا –يَعْنِي: هُوَ شَرٌّ- مِنْ أَنْ يُسْلِكَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الرِّيبَةَ، وَجَعَلَ نَفْسَهُ شِرَّةً شَرِهَةً، مُشْرِفَةً مُتَطَلِّعَةً، لَا يَنْفَعُهُ الْمَالُ وَإِنْ أَكْثَرَ لَهُ، وَغَلَّقَ اللَّهُ الْقُفْلَ عَلَى قَلْبِهِ، فَجَعَلَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ.

حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّبَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا أَبْرَأُ مِنْ عُهْدَةِ شَرَاحِيلَ بْنِ الْحَكَمِ وَعَامِرِ بْنِ نَائِلٍ، وَقَدْ أَغْنَانَا اللَّهُ فَلَهُ الْحَمْدُ كَثِيرًا عَنْ الِاحْتِجَاجِ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَمْثَالِهَا، فَتَدَبَّرُوا يَا أُولِي الْأَلْبَابِ مَا نَقُولُهُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي ذِكْرِ الْيَدَيْنِ، كَنَحْوِ قَوْلِنَا فِي ذِكْرِ الْوَجْهِ وَالْعَيْنَيْنِ، تَسْتَيْقِنُوا بِهِدَايَةِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ، وَشَرْحِهِ جَلَّ وَعَلَا صُدُورَكُمْ لِلْإِيمَانِ بِمَا قَصَّهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، وَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ مِنْ صِفَاتِ خَالِقِنَا ، وَتَعْلَمُوا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَنَّ الْحَقَّ وَالصَّوَابَ وَالْعَدْلَ فِي هَذَا الْجِنْسِ مَذْهَبُنَا؛ مَذْهَبُ أَهْلِ الْآثَارِ وَمُتَّبِعِي السُّنَنِ، وَتَقِفُوا عَلَى جَهْلِ مَنْ يُسَمِّيهِمْ: مُشَبِّهَةً، إِذِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ جَاهِلُونَ بِالتَّشْبِيهِ.

نَحْنُ نَقُولُ: لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا يَدَانِ كَمَا أَعْلَمَنَا الْخَالِقُ الْبَارِئُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى ﷺ.

وَنَقُولُ: كِلْتَا يَدَيْ رَبِّنَا يَمِينٌ عَلَى مَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ.

وَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ الْأَرْضَ جَمِيعًا بِإِحْدَى يَدَيْهِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، لَا شِمَالَ فِيهِمَا.

ونَقُولُ: مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي آدَمَ سَلِيمَ الْأَعْضَاءِ وَالْأَرْكَانِ، مُسْتَوِيَ التَّرْكِيبِ، لَا نَقَصَ فِي يَدَيْهِ، أَقْوَى بَنِي آدَمَ، وَأَشَدّهُمْ بَطْشًا، لَهُ يَدَانِ، عَاجِزٌ عَنْ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى قَدْرٍ أَقَلَّ مِنْ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءٍ كَثِيرَةٍ، عَلَى أَرْضٍ وَاحِدَةٍ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ، وَلَوْ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ خَلَقَهُمُ اللَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا، وَقَضَى خَلْقَهُمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَعُونَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَحَاوَلُوا عَلَى قَبْضِ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ بِأَيْدِيهِمْ كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ ذَلِكَ، غَيْرَ مُسْتَطِيعِينَ لَهُ.

وَكَذَلِكَ لَوِ اجْتَمَعُوا جَمِيعًا عَلَى طَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ سَمَاءٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا، وَكَانُوا عَاجِزِينَ عَنْهُ.

فَكَيْفَ يَكُونُ يَا ذَوِي الْحِجَا مَنْ وَصَفَ يَدَ خَالِقِهِ بِمَا بَيَّنَّا مِنَ الْقُوَّةِ وَالْأَيْدِي، وَوَصَفَ يَدَ الْمَخْلُوقِينَ بِالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ مُشَبِّهًا يَدَ الْخَالِقِ بِيَدِ الْمَخْلُوقِينَ؟! أَوْ كَيْفَ يَكُونُ مُشَبِّهًا مَنْ يُثْبِتُ أَصَابِعَ عَلَى مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى ﷺ لِلْخَالِقِ الْبَارِئِ؟!

وَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أصْبعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى أصْبعٍ. تَمَام الْحَدِيثِ.

وَنَقُولُ: إِنَّ جَمِيعَ بَنِي آدَمَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى أَنْ يُنْفَخَ فِي الصُّورِ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى إِمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءٍ كَثِيرَةٍ مِنْ سَمَاءٍ مِنْ سَمَاوَاتِهِ، أَوْ أَرْضٍ مِنْ أَرَاضِيهِ السَّبْعِ بِجَمِيعِ أَبْدَانِهِمْ كَانُوا غَيْرَ قَادِرِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا مُسْتَطِيعِينَ لَهُ، بَلْ عَاجِزِينَ عَنْهُ، فَكَيْفَ يكون مَنْ يُثْبِتُ لِلَّهِ يَدَيْنِ عَلَى مَا ثَبَّتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ، وَأَثْبَتَهُ لَهُ ﷺ مُشَبِّهًا يَدَيْ رَبِّهِ بِيَدَيْ بَنِي آدَمَ؟!

نَقُولُ: لِلَّهِ يَدَانِ مَبْسُوطَتَانِ، يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ، بِهِمَا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلَامُ، وَبِيَدِهِ كَتَبَ التَّوْرَاةَ لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلَامُ، وَيَدَاهُ قَدِيمَتَانِ لَمْ تَزَالَا بَاقِيَتَيْنِ، وَأَيْدِي الْمَخْلُوقِينَ مخلوقة مُحْدَثَةٌ غَيْرُ قَدِيمَةٍ، فَانِيَةٌ غَيْرُ بَاقِيَةٍ، بَالِيَةٌ تَصِيرُ مِيتَةً، ثُمَّ رَمِيمًا، ثُمَّ يُنْشِئُهُ اللَّهُ خَلْقًا آخَرَ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.

فَأَيُّ تَشْبِيهٍ يَلْزَمُ أَصْحَابَنَا أَيُّهَا الْعُقَلَاءُ إِذَا أَثْبَتُوا لِلْخَالِقِ مَا أَثْبَتَهُ الْخَالِقُ لِنَفْسِهِ، وَأَثْبَتَهُ لَهُ نَبِيُّهُ الْمُصْطَفَى ﷺ.

وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةِ يُوجِبُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ وَيُؤْمِنُ بِهِ إِقْرَارًا بِاللِّسَانِ وَتَصْدِيقًا بِالْقَلْبِ فَهُوَ مُشَبِّهٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ مَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ بِزَعْمِ هَذِهِ الْفِرْقَةِ، وَمَنْ وَصَفَ يَدَ خَالِقِهِ فَهُوَ يُشَبِّهُ الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ.

الشيخ: كل هذا من عمى قلوبهم، فلما عميت القلوبُ هكذا، والله يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، أثبت أسماءه وصفاته وقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل:74]، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، ولكن فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]، نسأل الله العافية من عمى القلوب، نعم.

فَيَجِبُ عَلَى قَوْدِ مَقَالَتِهِمْ أَنْ يَكْفُرَ بِكُلِّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ، عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ.

الشيخ: يعني على قود مقالتهم: على إمرارها وتنفيذها.

س: على قود بالدال؟

ج: كأنها.

س: في المطبوعة: على قول.

ج: يعني: على قول هذا المقصود، يعني: على إمضائه، وعلى تنفيذ قولهم، وعلى العمل به، نسأل الله العافية.

فَيَجِبُ عَلَى قَوْدِ مَقَالَتِهِمْ أَنْ يَكْفُرَ بِكُلِّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ، عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ؛ إِذْ هُمْ كُفَّارٌ مُنْكِرُونَ لِجَمِيعِ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ، غَيْرُ مُقِرِّينَ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا مُصَدِّقِينَ بِشَيْءٍ مِنْهُ.

نَقُولُ: لَوْ شَبَّهَ بَعْضُ النَّاسِ يَدَ قَوِيِّ السَّاعِدَيْنِ، شَدِيدِ الْبَطْشِ، عَالِمٍ بِكَثِيرٍ مِنَ الصِّنَاعَاتِ، جَيِّدِ الْخَطِّ، سَرِيعِ الْكِتَابَةِ: بِيَدِ ضَعِيفِ الْبَطْشِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ، خِلْوٍ مِنَ الصِّنَاعَاتِ وَالْمَكَاسِبِ، أَخْرَقَ، لَا يُحْسِنُ أَنْ يَخُطَّ بِيَدِهِ كَلِمَةً وَاحِدَةً. أَوْ شَبَّهَ يَدَ مَنْ ذَكَرْنَا أَوَّلًا بِالْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ الشَّدِيدِ: بِيَدِ صَبِيٍّ فِي الْمَهْدِ، أَوْ كَبِيرٍ هَرِمٍ يَرْعَشُ، لَا يَقْدِرُ عَلَى قَبْضٍ، وَلَا بَسْطٍ، وَلَا بَطْشٍ. أَوْ نَقُولُ لَهُ: يَدُكَ شَبِيهَةٌ بِيَدِ قِرْدٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ دُبٍّ، أَوْ كَلْبٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِنَ السِّبَاعِ، أمَا يَقُولُهُ سَامِعُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ -إِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْحِجَا وَالنُّهَى: أَخْطَأْتَ يَا جَاهِلُ التَّمْثِيلَ، وَنَكَّسْتَ التَّشْبِيهَ، وَنَطَقْتَ بِالْمُحَالِ مِنَ الْمَقَالِ؟

لَيْسَ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْيَدِ جَازَ أَنْ يُشَبَّهَ وَيُمَثَّلَ إِحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَكُلُّ عَالِمٍ بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَالْعِلْمُ عِنْدَهُ مُحِيطٌ: أَنَّ الِاسْمَ الْوَاحِدَ قَدْ يَقَعُ عَلَى الشَّيْئَيْنِ مُخْتَلِفِي الصِّفَةِ، مُتَبَايِنِي الْمَعَانِي، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ إِطْلَاقُ اسْمِ التَّشْبِيهِ إِذَا قَالَ الْمَرْءُ: لِابْنِ آدَمَ وَلِلْقِرْدِ يَدَانِ، وَأَيْدِيهِمَا مَخْلُوقَتَانِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى: مُشَبِّهًا مَنْ يَقُولُ: لِلَّهِ يَدَانِ، عَلَى مَا أَعْلَمَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ؟!

وَنَقُولُ: لِبَنِي آدَمَ يَدَانِ. وَنَقُولُ: وَيَدَا اللَّهِ بِهِمَا خلق آدَم، وَبِيَدِهِ كَتَبَ التَّوْرَاةَ لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلَامُ، وَيَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ، وَأَيْدِي بَنِي آدَمَ مَخْلُوقَةٌ عَلَى مَا بَيَّنْتُ وَشَرَحْتُ قَبْلُ فِي بَابِ الْوَجْهِ وَالْعَيْنَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ.

وَزَعَمَتِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] أَيْ: نِعْمَتَاهُ.

وَهَذَا تَبْدِيلٌ، لَا تَأْوِيلٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى نَقْضِ دَعْوَاهُمْ هَذِهِ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ كَثِيرَةٌ، لَا يُحْصِيهَا إِلَّا الْخَالِقُ الْبَارِئُ، وَلِلَّهِ يَدَانِ لَا أَكْثَرَ مِنْهُمَا, كَمَا قَالَ لِإِبْلِيسَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ.

الشيخ: أمَّا نعم الله فلا تُحصى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [النحل:18]، هذا من جهلهم وضلالهم.

وَالدَّلِيلُ عَلَى نَقْضِ دَعْوَاهُمْ هَذِهِ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ كَثِيرَةٌ، لَا يُحْصِيهَا إِلَّا الْخَالِقُ الْبَارِئُ، وَلِلَّهِ يَدَانِ لَا أَكْثَرَ مِنْهُمَا، كَمَا قَالَ لِإِبْلِيسَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدِي [ص:75]، فَأَعْلَمَنَا جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ بِيَدَيْهِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ بِنِعْمَتِهِ كَانَ مُبَدِّلًا لِكَلَامِ اللَّهِ، وَقَالَ اللَّهُ : وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67]، أَفَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ الْإِيمَانِ أَنَّ الْأَرْضَ جَمِيعًا لَا تَكُونُ قَبْضَةَ إِحْدَى نِعْمَتَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا أَنَّ السَّمَاوَاتِ مَطْوِيَّاتٌ بِالنِّعْمَةِ الْأُخْرَى؟ أَلَا يَعْقِلُ ذَوُو الْحِجَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى الَّتِي يَدَّعِيهَا الْجَهْمِيَّةُ جَهْلٌ، أَوْ تَجَاهُلٌ شَرٌّ مِنَ الْجَهْلِ؟ بَلِ الْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَةُ رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا بإِحْدَى يَدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، وَهِيَ الْيَدُ الْأُخْرَى، وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّنَا يَمِينٌ، لَا شِمَالَ فِيهِمَا، جَلَّ رَبُّنَا وَعَزَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ يَسَارٌ؛ إِذْ كَوْنُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ يَسَارًا إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، جَلَّ رَبُّنَا وَعَزَّ عَنْ شِبْهِ خَلْقِهِ.

وَافْهَمْ مَا أَقُولُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ تَفْهَمْ وَتَسْتَيْقِنْ أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ مُبَدِّلَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ، لَا مُتَأَوِّلَةٌ قَوْلَهُ، بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ، لَوْ كَانَ مَعْنَى الْيَدِ: النِّعْمَةَ، كَمَا ادَّعَتِ الْجَهْمِيَّةُ لَقُرِئَتْ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَةٌ، أَوْ مُنْبَسِطَةٌ؛ لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَمُحَالٌ أَنْ تَكُونَ نِعْمَةٌ نِعْمَتَيْنِ لَا أَكْثَرَ، فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64].

س: قوله: كون إحدى اليدين يسارًا من علامات المخلوقين؟

ج: هذا خفي على المؤلف كما تقدم التَّنبيه على هذا، ورواية الشمال فيها بعض الضعف اليسير، وقد قال ﷺ: وكلتا يديه يمين مباركة، وإن سُميت: شمالًا، فهي يمين في الشرف والفضل، ولو سُميت: شمالًا.

فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ كَانَ الْعِلْمُ مُحِيطًا أَنَّهُ ثَبَّتَ لِنَفْسِهِ يَدَيْنِ لَا أَكْثَرَ مِنْهُمَا، وَأَعْلَمَ أَنَّهُمَا مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ.

وَالْآيَةُ دَالَّةٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ مَعْنَاهُ النِّعْمَةَ، حَكَى اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَوْلَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، فَقَالَ اللَّهُ رَدًّا عَلَيْهِمْ: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64].

وَبِيَقِينٍ يَعْلَمُ كُلُّ مُؤْمِنٍ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ أَيْ: غُلَّتْ نِعَمُهُمْ، لَا، وَلَا الْيَهُودُ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، وَإِنَّمَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَقَالَتَهُمْ، وَكَذَّبَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، وَأَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ يَدَيْهِ مَبْسُوطَتَانِ، يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ إِنْفَاقِ اللَّهِ بِيَدَيْهِ فِي خَبَرِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى، سَحَّاءُ، لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، فَأَعْلَمَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ اللَّهَ يُنْفِقُ بِيَمِينِهِ، وَهُمَا يَدَاهُ الَّتِي أَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ يُنْفِقُ بِهِمَا كَيْفَ يَشَاءُ.

وَزَعَمَ بَعْضُ الْجَهْمِيَّةِ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ بِيَدَيْهِ أَيْ: بِقُوَّتِهِ، فَزَعَمَ أَنَّ الْيَدَ هِيَ الْقُوَّةُ، وَهَذَا مِنَ التَّبْدِيلِ أَيْضًا، وَهُوَ جَهْلٌ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَالْقُوَّةُ إِنَّمَا تُسَمَّى: الْأَيْد في لُغَةِ الْعَرَبِ، لَا الْيَدُ.

الشيخ: كما قال تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات:47].

وَالْقُوَّةُ إِنَّمَا تُسَمَّى: الْأَيْد في لُغَةِ الْعَرَبِ، لَا الْيَدُ، فَمَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْيَدِ وَالْأَيْدِ فَهُوَ إِلَى التَّعْلِيمِ وَالتَّسْلِيمِ إِلَى الْكَتَاتِيبِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى التَّرَأُّسِ وَالْمُنَاظَرَةِ، قَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاءَ بِأَيْدٍ، وَالْيَدُ وَالْيَدَانِ غَيْرُ الْأَيْدِ، إِذْ لَوْ كَانَ اللَّهُ خَلَقَ آدَمَ بِأَيْدٍ كَخَلْقِهِ السَّمَاءَ دُونَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَصَّ خَلْقَ آدَمَ بِيَدَيْهِ لَمَا قَالَ لِإِبْلِيسَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ خَلَقَ إِبْلِيسَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ أَيْضًا بِقُوَّتِهِ، أَيْ: إِذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَى خَلْقِهِ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدِي عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةِ؟ وَالْبَعُوضُ وَالنَّمْلُ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ فَاللَّهُ خَلَقَهُمْ عِنْدَهُ بِأَيْدٍ وَقُوَّةٍ.

وَزَعَمَ مَنْ كَانَ يُضَاهِي بَعْضُ مَذْهَبِهِ مَذْهَبَ الْجَهْمِيَّةِ فِي بَعْضِ عُمْرِهِ لَمَّا لَمْ يَقْبَلْهُ أَهْلُ الْآثَارِ، فَتَرَكَ أَصْلَ مَذْهَبِهِ عَصَبِيَّةً، وزَعَمَ أَنَّ خَبَرَ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيُّ أَنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أصْبُعٍ .. الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ ضَحِكَ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا هَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِنَّمَا ضَحِكَ تَعَجُّبًا لَا تَصْدِيقًا لِلْيَهُودِيِّ.

وَقَدْ كَثُرَ تَعَجُّبِي مِنْ إِنْكَارِهِ وَدَفْعِهِ هَذَا الْخَبَرَ، وَكَانَ يُثْبِتُ الْأَخْبَارَ فِي ذِكْرِ الْأصْبُعَيْنِ قَدِ احْتَجَّ فِي غَيْرِ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِهِ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ ﷺ: مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ أصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَإِذَا كَانَ هَذَا عِنْدَهُ ثَابِتًا يُحْتَجُّ بِهِ، فَقَدْ أَقَرَّ وَشَهِدَ أَنَّ لِلَّهِ أَصَابِعَ؛ لِأَنَّ مَفْهُومًا فِي اللُّغَةِ إِذَا قِيلَ: أصْبُعَيْنِ مِنَ الْأَصَابِعِ: أَنَّ الْأَصَابِعَ أَكْثَرُ مِنْ إِصْبَعَيْنِ، فَكَيْفَ يَنْفِي الْأَصَابِعَ مَرَّةً وَيُثْبِتُهَا أُخْرَى؟ فَهَذَا تَخْلِيطٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَقَدْ حَكَيْتُ مِرَارًا عَنْ بَعْضِ مَنْ كَانَ يُطِيلُ مُجَالَسَتَهُ أَنَّهُ قَدِ انْتَقَلَ فِي التَّوْحِيدِ مُنْذُ قَدِمَ نَيْسَابُورَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَدْ وَصَفْتُ أَقَاوِيلَهُ الَّتِي انْتَقَلَ مِنْ قَوْلٍ إِلَى قَوْلٍ، وَقَدْ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ يَحْتَجُّ بِخَبَرِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وبخبر خَالِدِ بْنِ اللَّجْلَاجِ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أنه قَالَ: رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَيَحْتَجُّ مَرَّةً بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ الضِّعَافِ الْوَاهِيَةِ الَّتِي لَا تَثْبُتُ عِنْدَ أَحَدٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِصِنَاعَةِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى أَخْبَارٍ ثَابِتَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ مِمَّا هُوَ أَقَلُّ شَنَاعَةً عِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ الْمُعَطِّلَةِ مِنْ قَوْلِهِ: رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَيَقُولُ: هَذَا كُفْرٌ بِإِسْنَادٍ، وَيُشَنِّعُ عَلَى عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ بِرِوَايَتِهِمْ تِلْكَ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ الصَّحِيحَةَ، وَالْقَوْلُ بِهَا قِلَّةُ رَغْبَةٍ، وَجَهْلٌ بِالْعِلْمِ، وَعِنَادٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فَاللَّهُ يَرْحَمُنَا وَإِيَّاهُ.

س: ....... أنَّ الله له خمسة أصابع، هل ثبت هذا؟

ج: ظاهر الأحاديث إطلاقها، ظاهره هكذا، ولقصة ابن مسعودٍ، اليهودي ذكر خمسة.

س: والحديث: رأيتُ ربي في أحسن صورةٍ، يقول: بأسانيد ضعاف. هذه الأسانيد الضعاف الواهية، ما هو ثابت الحديث؟

ج: لابن رجب فيه رسالة تُراجع، وهذه رؤيا منام.

الطالب: علَّق عليه ابنُ القيم في "زاد المعاد": سألتُ عنه محمد بن إسماعيل البخاري فقال: حديث صحيح.

الشيخ: نعم، الذي يظهر أنه صحيح، نعم، رؤيا منام، نعم.

س: أثبت هذه الأحاديث شيخُ الإسلام: هادم اللَّذات، وقد رأيتُ ربي في أحسن صورةٍ، وقال أنَّ في أسانيدها ضعفًا.

الشيخ: نعم رحمه الله.

س: ..............؟

ج: ما أدري، الله أعلم، ما أتذكر.