04 من قوله: (وقد ذكرنا من الكتاب والسنة في ذكر وجه ربنا بما فيه الغنية والكفاية)

وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي ذِكْرِ وَجْهِ رَبِّنَا بِمَا فِيهِ الْغُنْيَةُ وَالْكِفَايَةُ، وَنزِيدُهُ شَرْحًا، فَاسْمَعُوا الْآنَ أَيُّهَا الْعُقَلَاءُ مَا نَذْكُرُه مِنْ جِنْسِ اللُّغَةِ السَّائِرَةِ بَيْنَ الْعَرَبِ، هَلْ يَقَعُ اسْمُ الْمُشَبِّهَةِ عَلَى أَهْلِ الْآثَارِ وَمُتَّبِعِي السُّنَنِ؟

نَحْنُ نَقُولُ وَعُلَمَاؤُنَا جَمِيعًا فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ: إِنَّ لِمَعْبُودِنَا عَزَّ وَجَلَّ وَجْهًا كَمَا أَعْلَمَنَا اللَّهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، فَذَوَّاهُ بِالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَحَكَمَ لَهُ بِالْبَقَاءِ، وَنَفَى عَنْهُ الْهَلَاكَ، وَنَقُولُ: إِنَّ لِوَجْهِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنَ النُّورِ وَالضِّيَاءِ وَالْبَهَاءِ مَا لَوْ كَشَفَ حِجَابَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ، مَحْجُوبٌ عَنْ أَبْصَارِ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَا يَرَاهُ بَشَرٌ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ.

الشيخ: وهذا جاء في الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: واعلموا أنه لن يرى أحدٌ منكم ربَّه حتى يموت، ولما سُئل: أرأيتَ ربَّك؟ قال: نور أنَّى أراه؟، وفي اللَّفظ الآخر قال: رأيتُ نورًا.

وَنَقُولُ: إِنَّ وَجْهَ رَبِّنَا الْقَدِيمِ لَا يَزَالُ بَاقِيًا، فَنَفَى عَنْهُ الْهَلَاكَ وَالْفَنَاءَ.

وَنَقُولُ: إِنَّ لِبَنِي آدَمَ وُجُوهًا كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْهَلَاكَ، وَنَفَى عَنْهَا الْجَلَالَ وَالْإِكْرَامَ غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ بِالنُّورِ وَالضِّيَاءِ وَالْبَهَاءِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ، تُدْرِكُ وُجُوهَ بَنِي آدَمَ أَبْصَارُ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَا تَحْرِقُ لِأَحَدٍ شَعْرَةً فَمَا فَوْقَهَا؛ لِنَفْيِ السُّبُحَاتِ عَنْهَا الَّتِي بَيَّنَهَا نَبِيُّنَا الْمُصْطَفَى ﷺ لِوَجْهِ خَالِقِنَا.

وَنَقُولُ: إِنَّ وُجُوهَ بَنِي آدَمَ مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ، لَمْ تَكُنْ، فَكَوَّنَهَا اللَّهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مَخْلُوقَةً، أَوْجَدَهَا بَعْدَمَا كَانَتْ عَدَمًا، وَإِنَّ جَمِيعَ وُجُوهِ بَنِي آدَمَ فَانِيَةٌ غَيْرُ بَاقِيَةٍ، تَصِيرُ جَمِيعًا مَيْتًا، ثُمَّ تَصِيرُ رَمِيمًا، ثُمَّ يُنْشِئُهَا اللَّهُ بَعْدَمَا قَدْ صَارَتْ رَمِيمًا، فَتَلْقَى مِنَ النُّشُورِ وَالْحَشْرِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ خَالِقِهَا فِي الْقِيَامَةِ، وَمِنَ الْمُحَاسَبَةِ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَكَسبهُ فِي الدُّنْيَا مَا لَا يَعْلَمُ صِفَتَهُ غَيْرُ الْخَالِقِ الْبَارِئِ، ثُمَّ تَصِيرُ إِمَّا إِلَى جَنَّةٍ مُنَعَّمَةً فِيهَا، أَوْ إِلَى النَّارِ مُعَذَّبَةً فِيهَا.

فَهَلْ يَخْطِرُ يَا ذَوِي الْحِجَا بِبَالِ عَاقِلٍ مُرَكَّبٍ فِيهِ الْعَقْلُ، يَفْهَمُ لُغَةَ الْعَرَبِ، وَيَعْرِفُ خِطَابَهَا، وَيَعْلَمُ التَّشْبِيهَ: أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ شَبِيهٌ بِذَاكَ الْوَجْهِ؟

وَهَلْ هَاهُنَا أَيُّهَا الْعُقَلَاءُ تَشْبِيهُ وَجْهِ رَبِّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِي هُوَ كَمَا وَصَفْنَا وَبَيَّنَّا صِفَتَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِتَشْبِيهِ وُجُوهِ بَنِي آدَمَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَوَصَفْنَاهَا غَيْرُ اتِّفَاقِ اسْمِ الْوَجْهِ، وَإِيقَاعِ اسْمِ الْوَجْهِ عَلَى وَجْهِ بَنِي آدَمَ، كَمَا سَمَّى اللَّهُ وَجْهَهُ: وَجْهًا؟

وَلَوْ كَانَ تَشْبِيهًا مِنْ عُلَمَائِنَا لَكَانَ كُلُّ قَائِلٍ: إنَّ لِبَنِي آدَمَ وَجْهًا، وَلِلْخَنَازِيرِ وَالْقِرَدَةِ وَالْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ وَالْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ وَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وُجُوهًا، قَدْ شَبَّهَ وُجُوهَ بَنِي آدَمَ بِوُجُوهِ الْخَنَازِيرِ وَالْقِرَدَةِ وَالْكِلَابِ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرْتُ.

وَلَسْتُ أَحْسَبُ أَنَّ أعقل الْجَهْمِيَّةِ الْمُعَطِّلَةِ عِنْدَ نَفْسِهِ، لَوْ قَالَ لَهُ أَكْرَمُ النَّاسِ عَلَيْهِ: وَجْهُكَ يُشْبِهُ وَجْهَ الْخِنْزِيرِ وَالْقِرْدِ وَالدُّبِّ وَالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَنَحْوَ هَذَا إِلَّا غَضِبَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ فِي الْفُحْشِ فِي الْمَنْطِقِ مِنَ الشَّتْمِ لِلْمُشَبَّهِ وَجْهِهِ بِوَجْهِ مَا ذَكَرْنَا، وَلَعَلَّهُ بَعْدُ يَقْذِفُهُ، وَيَقْذِفُ أَبَوَيْهِ.

وَلَسْتُ أَحْسَبُ أَنَّ عَاقِلًا يَسْمَعُ هَذَا الْقَائِلَ الْمُشَبِّهَ وَجْهَ ابْن آدَمَ بِوُجُوهِ مَا ذَكَرْنَا إِلَّا وَيَرْمِيهِ بِالْكَذِبِ وَالزُّورِ وَالْبُهْتِ، أَوْ بِالْعَتَهِ وَالْخَبَلِ، أَوْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِزَوَالِ الْعَقْلِ، وَرَفْعِ الْقَلَمِ؛ لِتَشْبِيهِ وَجْهِ ابْنِ آدَمَ بِوُجُوهِ مَا ذَكَرْنَا.

فَتَفَكَّرُوا يَا ذَوِي الْأَلْبَابِ: أَوُجُوهُ مَا ذَكَرْنَا أَقْرَبُ شَبَهًا بِوُجُوهِ بَنِي آدَمَ، أَوْ وَجْهُ خَالِقِنَا بِوُجُوهِ بَنِي آدَمَ؟

فَإِذَا لَمْ تُطْلِقِ الْعَرَبُ تَشْبِيهَ وُجُوهِ بَنِي آدَمَ بِوُجُوهِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ السِّبَاعِ، وَاسْم الْوَجْهِ قَدْ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ وجُوهِهَا، كَمَا يَقَعُ اسْمُ الْوَجْهِ عَلَى وجُوهِ بَنِي آدَمَ، فَكَيْفَ يَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ لَنَا: أَنْتُمْ مُشَبِّهَةٌ؟ وَوُجُوهُ بَنِي آدَمَ وَوُجُوهُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ السِّبَاعِ وَالْبَهَائِمِ مُحْدَثَةٌ، كُلُّهَا مَخْلُوقَةٌ، قَدْ قَضَى اللَّهُ فَنَاءَهَا وَهَلَاكَهَا، وَقَدْ كَانَتْ عَدَمًا، فَكَوَّنَهَا اللَّهُ وَخَلَقَهَا وَأَحْدَثَهَا.

وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ السِّبَاعِ وَالْبَهَائِمِ لِوُجُوهِهَا أَبْصَارٌ وَخُدُودٌ وَجِبَاهٌ وَأُنُوفٌ وَأَلْسِنَةٌ وَأَفْوَاهٌ وَأَسْنَانٌ وَشِفَاهٌ، وَلَا يَقُولُ مُرَكَّبٌ فِيهِ الْعَقْلُ لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ: وَجْهُكَ شَبِيهٌ بِوَجْهِ الْخِنْزِيرِ، وَلَا عَيْنُكَ شَبِيهٌ بِعَيْنِ قِرْدٍ، وَلَا فَمُكَ فَمُ دُبٍّ، وَلَا شَفَتَاكَ كَشَفَتَيْ كَلْبٍ، وَلَا خَدُّكَ خَدُّ ذِئْبٍ إِلَّا عَلَى الْمُشَاتَمَةِ، كَمَا يَرْمِي الرَّامِي الْإِنْسَانَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ.

فَإِذَا كَانَ مَا ذَكَرْنَا عَلَى مَا وَصَفْنَا ثَبَتَ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ وَأَهْلِ التَّمْيِيزِ: أَنَّ مَنْ رَمَى أَهْلَ الْآثَارِ الْقَائِلِينَ بِكِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ بِالتَّشْبِيهِ فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ وَالزُّورَ وَالْبُهْتَانَ، وَخَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَخَرَجَ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ.

وَزَعَمَتِ الْمُعَطِّلَةُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ: أَنَّ مَعْنَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْآيِ الَّتِي تَلَوْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَفِي الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: وَجْهُ الْكَلَامِ، وَوَجْهُ الثَّوْبِ، وَوَجْهُ الدَّارِ، فَزَعَمَتْ لِجَهْلِهَا بِالْعِلْمِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: "وَجْهُ اللَّهِ" كَقَوْلِ الْعَرَبِ: وَجْهُ الْكَلَامِ، وَوَجْهُ الدَّارِ، وَوَجْهُ الثَّوْبِ، وَزَعَمَتْ أَنَّ الْوُجُوهَ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، وَهَذِهِ فَضِيحَةٌ فِي الدَّعْوَى، وَوُقُوعٌ فِي أَقْبَحِ مَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ يَهْرَبُونَ مِنْهُ.

فَيُقَالُ لَهُمْ: أَفَلَيْسَ كَلَامُ بَنِي آدَمَ وَالثِّيَابُ وَالدُّورُ مَخْلُوقَةً؟ فَمَنْ زَعَمَ مِنْكُمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: "وَجْهُ اللَّهِ" كَقَوْلِ الْعَرَبِ: وَجْهُ الْكَلَامِ، وَوَجْهُ الثَّوْبِ، وَوَجْهُ الدَّارِ، أَلَيْسَ قَدْ شَبَّهَ -عَلَى أَصْلِكُمْ- وَجْهَ اللَّهِ بِوَجْهِ الْمُوتَانِ؟ لِزَعْمِكُمْ -يَا جَهَلَةُ- أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْآثَارِ الْقَائِلِينَ بِكِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ: لِلَّهِ وَجْهٌ وَعَيْنَانِ وَنَفسٌ، وَأَنَّ الله يُبْصِرُ وَيَرَى وَيَسْمَعُ: أَنَّهُ مُشَبِّهٌ عِنْدَكُمْ خَالِقَهُ بِالْمَخْلُوقِينَ، حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ شَبَّهَ خَالِقَهُ بأَحَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ.

الشيخ: وهذا كله واضح رحمه الله، بالغ في هذا وكله واضح، وخطأ الجهمية والمعتزلة أوضح من الشمس في رابعة النهار، قاتلهم الله.

فَإِذَا كَانَ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ بِجَهْلِكُمْ، فَأَنْتُمْ شَبَّهْتُمْ مَعْبُودَكُمْ بِالْمُوتَانِ.

نَحْنُ نُثْبِتُ لِخَالِقِنَا جَلَّ وَعَلَا صِفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى ﷺ مِمَّا ثَبَتَ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ مَوْصُولًا إِلَيْهِ، وَنَقُولُ كَلَامًا مَفْهُومًا مَوْزُونًا، يَفْهَمُهُ كُلُّ عَاقِلٍ، نَقُولُ: لَيْسَ إِيقَاعُ اسْمِ الْوَجْهِ لِلْخَالِقِ الْبَارِئِ بِمُوجِبٍ عِنْدَ ذَوِي الْحِجَا وَالنُّهَى أَنَّهُ يُشَبِّهُ وَجْهَ الْخَالِقِ بِوُجُوهِ بَنِي آدَمَ، قَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي الْآيِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا قَبْلُ أَنَّ لله وَجْهًا، ذَوَّاهُ بِالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَنَفَى الْهَلَاكَ عَنْهُ.

الشيخ: لقوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:27]، وقوله سبحانه: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۝ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:26- 27] .

وَخَبَّرَنَا فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّهُ يَسْمَعُ وَيَرَى، فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا لِكَلِيمِهِ مُوسَى وَلِأَخِيهِ هَارُونَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وسلامه: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعَ وَأَرَى [طه:46]، وَمَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ: كَالْأَصْنَامِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْمُوتَانِ، أَلَمْ تَسْمَعْ مُخَاطَبَةَ خَلِيلِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامه عَلَيْهِ أَبَاهُ: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42]؟

أَفَلَا يَعْقِلُ -يَا ذَوِي الْحِجَا- مَنْ فَهِمَ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذَا أَنَّ خَلِيلَ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ لَا يُوَبِّخُ أَبَاهُ عَلَى عِبَادَةِ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، ثُمَّ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ مَنْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، وَلَوْ قَالَ الْخَلِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وسلامه لِأَبِيهِ: أَدْعُوكَ إِلَى رَبِّي الَّذِي لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، لَأَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَعْبُودِكَ وَمَعْبُودِي؟

وَاللَّهُ قَدْ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ يَسْمَعُ وَيَرَى، وَالْمُعَطِّلَةُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ تُنْكِرُ كُلَّ صِفَةٍ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِجَهْلِهِمْ بِالْعِلْمِ، وَقَالَ : أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ۝ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:43- 44]، فَأَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّ مَنْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يَعْقِلُ كَالْأَنْعَامِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا.

فَمَعْبُودُ الْجَهْمِيَّةِ -عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ- كَالْأَنْعَامِ الَّتِي لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، وَاللَّهُ قَدْ ثَبَّتَ لِنَفْسِهِ: أَنَّهُ يَسْمَعُ وَيَرَى، وَالْمُعَطِّلَةُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ تُنْكِرُ كُلَّ صِفَةٍ لِلَّهِ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ؛ لِجَهْلِهِمْ بِالْعِلْمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي الْقُرْآنِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَسْمَاءً مِنْ أَسْمَاءِ صِفَاتِهِ عَلَى بَعْضِ خَلْقِهِ، فَتَوَهَّمُوا لِجَهْلِهِمْ بِالْعِلْمِ أَنَّ مَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ قَدْ شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ، فَاسْمَعُوا يَا ذَوِي الْحِجَا مَا أُبين مِنْ جَهْلِ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةِ.

أَقُولُ: وَجَدْتُ اللَّهَ وَصَفَ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، فَأَعْلَمَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، فَقَالَ: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وَذَكَرَ الْإِنْسَانَ فَقَالَ: فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:2]، وَأَعْلَمَنَا جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ يَرَى، فَقَالَ: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونِ [التوبة:105]، وَقَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا الصَّلاة والسَّلَامُ: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، فَأَعْلَمَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يَرَى أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ، وَأَنَّ رَسُولَهُ وَهُوَ بَشَرٌ يَرَى أَعْمَالَهُمْ أَيْضًا.

وَقَالَ: أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ [النحل:79]، وَبَنُو آدَمَ يَرَوْنَ أَيْضًا الطَّيْرَ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، وَقَالَ : وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا [هود:37]، وَقَالَ: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر:14]، وَقَالَ: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور:48]، فَثَبَّتَ رَبُّنَا لِنَفْسِهِ عَيْنًا، وَثَبَّتَ لِبَنِي آدَمَ أَعْيُنًا فَقَالَ: تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ [المائدة:83]، فَقَدْ خَبَّرَنَا رَبُّنَا أَنَّ لَهُ عَيْنًا، وَأَعْلَمَنَا أَنَّ لِبَنِي آدَمَ أَعْيُنًا.

وَقَالَ لِإِبْلِيسَ -عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدِي [ص:75], وَقَالَ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64]، وَقَالَ: الْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67].

فَثَبَّتَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا لِنَفْسِهِ يَدَيْنِ، وَخَبَّرَنَا أَنَّ لِبَنِي آدَمَ يَدَيْنِ فَقَالَ: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [آل عمران:182]، وَقَالَ: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ [الحج:10]، وَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10].

وَقَالَ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وَخَبَّرَنَا أَنَّ رُكْبَانَ الدَّوَابِّ يَسْتَوُونَ عَلَى ظهرها، وَقَالَ فِي ذِكْرِ سَفِينَةِ نُوحٍ: وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [هود:44].

أَفَيَلْزَمُ ذَوِي الْحِجَا عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْفَسَقَةِ أَنَّ مَنْ ثَبَّتَ لِلَّهِ مَا ثَبَّتَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيِ أَنْ يَكُونَ مُشَبِّهًا خَالِقَهُ بِخَلْقِهِ؟! حَاشَا لله أَنْ يَكُونَ هَذَا تَشْبِيهًا كَمَا ادَّعَوْا لِجَهْلِهِمْ بِالْعِلْمِ.

نَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ كَمَا أَعْلَمَنَا خَالِقُنَا وَبَارِئُنَا.

وَنَقُولُ: مَنْ لَهُ سَمْعٌ وَبَصَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ فَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَلَا نَقُولُ: إِنَّ هَذَا تَشْبِيهُ الْمَخْلُوقِ بِالْخَالِقِ.

وَنَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَدَيْنِ يَمِينَيْنِ، لَا شِمَالَ فِيهِمَا، قَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ لَهُ يَدَيْنِ، وَخَبَّرَنَا نَبِيُّنَا ﷺ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ، لَا شِمَالَ فِيهِمَا.

الشيخ: هذا خفي عليه الحديث ......، النبي ﷺ قال: وكلتا يديه يمين مباركة، وإن سُميت إحداهما: شمالًا، فهي يمين من جهة الفضل والشرف والبركة: أنه يقبض السَّماوات بيمينه، والأرض بشماله، كما في حديث ابن عمر، ولما قال: المقسطون على منابر من نورٍ عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين مباركة يعني: وإن سُميت إحداهما: شمالًا، فوصف اليمين ثابت لها من جهة الفضل والشرف.

مداخلة: نقل في الحاشية عن الدارمي أنه يُثبت الشمال.

الشيخ: هذا هو الصواب، نعم، لكنها شمال في الاسم، وفي البركة يمين وشرف، وفي سنده بعض المقال اليسير، لكنه مقال لا يمنع؛ لأنَّ في إسناده عمر بن عبيدالله ......

مداخلة: يقول: تفرد بهذه الزيادة عمر؟

الشيخ: نعم.

مداخلة: هنا كلام للدارمي في إثبات الشمال في الحاشية، نقرأه؟

الشيخ: نعم.

الطالب: وقال الدارمي في معرض ردِّه على المريسي العنيد: إنما عنى رسولُ الله ﷺ ما قد أُطلق على الشيء في مقابلة اليمين والشمال، ولكن تأويله: وكلتا يديه يمين أي: مُنَزَّه عن النَّقص والضعف، كما في أيدينا الشمال من النَّقص وعدم البطش، فقال: "كلتا يدي الرحمن يمين" إجلالًا لله وتعظيمًا أن يُوصَف بالشمال، وقد وُصفت يداه بالشمال واليسار.

وكذلك لو لم يجز إطلاق الشمال واليسار لما أطلق رسولُ الله ﷺ، ولو لم يجز أن يُقال: "كلتا يدي الرحمن يَمِين" لم يقله رسولُ الله ﷺ، وهذا قد جوَّزه الناسُ في الخلق، فكيف لا يُجوز ابنُ الثلجي في يدي الله أنَّهما جميعًا يَمِينان، وقد سبق قوله: أنه لا يكون لأحدٍ يمينان، فلا يُوصف أحدٌ بيمينين، ولكن يمين وشمال، وقد سُمِّي من الناس: ذا الشِّمالين .. إلخ.

س: لكن ذكر المُحشي في الصفحة التي قبلها حديثًا عن "صحيح مسلم" أنَّ له شمالًا؟

ج: نعم، هذا في كتاب "التوحيد" في آخر بابٍ؛ باب قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر:67] في كتاب "التوحيد".

س: لكن التَّفرد في إثبات الشمال أحسن الله إليك ما يضرُّ في هذا؟

ج: ما يضرّ في المعنى؛ لأن الرسول قال: كلتا يديه يمين مباركة، خشي أن يُظنَّ بها نقصٌ، عليه الصلاة والسلام.

س: كونه انفرد بها أحدُ الرواة أحسن الله إليك في إثبات الشِّمال؟

ج: قد يقبض الله بشماله وتُسمَّى: يمينًا، في الأحاديث الأخرى: كلتا يديه يمين مباركة، المقسطون على منابر من نورٍ عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، لما سمَّى إحداهما: يمينًا، عُلم أنَّ الأخرى شمال.

س: يكون على هذا له يد يمين وشمال، لكن يُقال: يمينان مباركة؟

ج: يمين مباركة، كلها في الشرف واحد.

س: والتَّفرد ما يضرُّ في هذا؟

ج: نعم.

وَلَا نَقُولُ: إِنَّ يَدَ الْمَخْلُوقِ كَيَدِ الْخَالِقِ، عَزَّ رَبُّنَا عَنْ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ كَيَدِ خَلْقِهِ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ لَنَا نَفْسَهُ: عَزِيزًا، وَسَمَّى بَعْضَ الْمُلُوكِ: عَزِيزًا، فَقَالَ: وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ [يوسف:30]، وَسَمَّى إخوةُ يُوسُفَ أَخَاهُمْ يُوسُفَ: عَزِيزًا، فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا [يوسف:78]، وَقَالَ: قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ [يوسف:88]، فَلَيْسَ عِزَّةُ خَالِقِنَا -الْعِزَّةُ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ- كَعِزَّةِ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِينَ أَعَزَّهُمُ اللَّهُ بِهَا، وَلَوْ كَانَ كُلُّ اسْمٍ سَمَّى اللَّهُ لَنَا بِهِ نَفْسَهُ وَأَوْقَعَ ذَلِكَ الِاسْمَ عَلَى بَعْضِ خَلْقِهِ: كَانَ ذَلِكَ تَشْبِيهَ الْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِ عَلَى مَا تَوَهَّمَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ؛ لَكَانَ كُلُّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَصَدَّقَهُ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ قُرْآنٌ وَوَحْيٌ وَتَنْزِيلٌ، قَدْ شَبَّهَ خَالِقَهُ بِخَلْقِهِ!

وَقَدْ أَعْلَمَنَا رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى أَنَّهُ الْمَلِكُ، وَسَمَّى بَعْضَ عَبِيدِهِ: مَلِكًا، فَقَالَ: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ [يوسف:50]، وَأَعْلَمَنَا جَلَّ جَلَالُهُ أَنَّهُ الْعَظِيمُ، وَسَمَّى بَعْضَ عباده: عَظِيمًا، فَقَالَ: وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31]، وَسَمَّى اللَّهُ بَعْضَ خَلْقِهِ: عَظِيمًا، فَقَالَ: وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة:129]، فَاللَّهُ الْعَظِيمُ، وَأَوْقَعَ اسْمَ الْعَظِيمِ عَلَى عَرْشِهِ، وَالْعَرْشُ مَخْلُوقٌ، وَرَبُّنَا الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ، فَقَالَ: السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر:23]، وَسَمَّى بَعْضَ الْكُفَّارِ مُتَكَبِّرًا جَبَّارًا، فَقَالَ: كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جُبَارٍ [غافر:35].

وَبَارِئُنَا الْحَفِيظُ الْعَلِيمُ، وَخَبَّرَنَا أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلَامُ قَالَ لِلْمَلِكِ: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55].

س: في الكلام السابق هل هو مستقيم في قوله: وسمَّى بعض عبيده: عظيمًا، فقال: وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31]. ثم قال بعده: وسمَّى الله بعض خلقه: عظيمًا، فقال: وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة:129]؟

ج: هذا وصفٌ للعرش، يعني: العرش يُوصف بالعظيم.

وَقَالَ: وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ [الذاريات:28]، وَقَالَ: بِغُلَامٍ حَلِيمٍ [الصافات:101]، فَالْحَلِيمُ وَالْعَلِيمُ اسْمَانِ لِمَعْبُودِنَا جَلَّ وَعَلَا، قَدْ سَمَّى اللهُ بِهِمَا بَعْضَ بَنِي آدَمَ.

وَلَوْ لَزِمَ يَا ذَوِي الْحِجَا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْآثَارِ إِذَا أَثْبَتُوا لِمَعْبُودِهِمْ يَدَيْنِ كَمَا ثَبَّتَهُمَا اللَّهُ لِنَفْسِهِ، وَثَبَّتُوا لَهُ نَفْسًا عَزَّ رَبُّنَا وَجَلَّ، وأنه سَمِيعٌ بَصِيرٌ، يَسْمَعُ وَيَرَى؛ مَا ادَّعَى هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ مُشَبِّهَةٌ، لَلَزِمَ كُلّ مَنْ سَمَّى اللَّهُ مَلِكًا، أَوْ عَظِيمًا، وَرَؤُوفًا، وَرَحِيمًا، وَجَبَّارًا، وَمُتَكَبِّرًا، أَنَّهُ قَدْ شَبَّهَ خَالِقَهُ بِخَلْقِهِ، حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ وَصْفُ اللَّهِ عَزَّ وَعَلَا بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى ﷺ مُشَبِّهًا خَالِقَهُ بِخَلْقِهِ.

الشيخ: هذا هو الحق الذي عليه أهلُ السنة والجماعة، وأما أهل الباطل فقد لُبِّس عليهم وانتكست عقولهم حتى ظنُّوا الباطلَ حقًّا، والحقَّ باطلًا، نسأل الله العافية.

فَأَمَّا احْتِجَاجُ الْجَهْمِيَّةِ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالآثَارِ على هَذَا النَّحْوِ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فَمَنِ الْقَائِلُ: إِنَّ لِخَالِقِنَا مِثْلًا؟

الشيخ: قف على هذا، رحمه الله وغفر له.

س: امرأة مُميزة لعادتها: ثمانية أيام، ولكن بعد أن ولدت وطهرت اضطربت عادتها، وصارت تحيض ثمانية أيام، ثم ينقطع الدم تمامًا لمدة يومين، ثم تُعاودها صفرة وكُدرة لمدة يومين، ثم ترى الطَّهارة بعد ذلك، فكم تكون عادتها؟

ج: عادتها الأولى، اليومان اللَّذان بعد الطهر دم فسادٍ؛ تتوضأ وتُصلي، اليومان اللَّذان بعد الطهر دم فسادٍ؛ تتوضأ وتُصلي.

س: تمكث العادة وإن زادت؟

ج: تمكث العادة المعروفة، وما زاد يُعتبر دم فسادٍ؛ استحاضة. أما هذه فرأت الطَّهارة ثم رأت الدم المتغير.

س: الزيادة المُتصلة بالحيض يعني مثل: الكُدرة و ..؟

ج: الأرجح أنها تكون استحاضةً؛ لأنَّ الرسول قال لجماعةٍ: فاطمة بنت أبي حبيش، ولحمنة، ولغيرهما؛ أمرها أن تمكث قدر ما تحبسها حيضتُها ثم تغتسل.

س: مَن يحضر مجالس البدع: كبدعة المولد ونحوها، فهل يُقال أنه مُبتدع؟

ج: نعم، إذا جلس غير مُنكرٍ معهم، خويًّا لهم.

س: في مسألة الحيض لا بدَّ أن ترى القصة البيضاء؟

ج: ما هو بلزوم، لا، إذا رأت الطهارة يكفي، إذا انقطع الدمُ ورأت الطهر تغتسل ولو ما رأت القصة البيضاء.

س: ولو رأت كُدرةً وصفرةً؟

ج: بعدما رأت الطَّهارة؟

س: لا، ما رأت الطُّهر؟

ج: هذه تصبر حتى تنقطع الصُّفرة.