قال الإمامُ محمد بن إسحاق بن خُزيمة رحمه الله تعالى في كتابه "التوحيد وإثبات صفات الربِّ ":
الحمد لله العلي العظيم، السميع البصير، الحكيم الكريم، اللطيف الخبير، ذي النعم السوابغ، والفضل الواسع، والحجج البوالغ، تعالى ربنا عن صفات المحدودين، وتقدس عن شبه المخلوقين، وتنزه عن مقالة المُعطلين، عَلَى ربُّنا فكان فوق سبع سماواته عاليًا، ثم على عرشه استوى، يعلم السرَّ وأخفى، ويسمع الكلام والنَّجوى، لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ولا في لجج البحار ولا في الهواء.
والحمد لله الذي أنزل القرآنَ بعلمه، وأنشأ خلق الإنسان من ترابٍ بيده، ثم كونه بكلمته، واصطفى رسوله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بخلته، ونادى كليمه موسى صلوات الله عليه فقرَّبه نجيًّا، وكلَّمه تكليمًا، وأمر نبيه نوحًا عليه الصلاة والسلام بصنعة الفلك على عينه، وخبرنا أن أنثى لا تحمل ولا تضع إلَّا بعلمه، كما أعلمنا أنَّ كل شيءٍ هالك إلا وجهه، وحذَّر عباده نفسه التي لا تُشبه أنفس المخلوقين.
أحمده على ما مَنَّ عليَّ من الإيمان بجميع صفات ربي التي وصف بها نفسه في مُحكم تنزيله، وعلى لسان نبيه ﷺ، حمد شاكرٍ لنعمائه التي لا يُحصيها أحدٌ سواه.
وأشكره شكر مُقرٍّ مُصدِّقٍ بحُسن آلائه التي لا يقف على كثرتها غيره جلَّ وعلا، وأُؤمن به إيمانَ مُعترفٍ بوحدانيته، راغبٍ في جزيل ثوابه وعظيم ذخره بفضله وكرمه وجوده، راهبٍ وَجِلٍ خائفٍ من أليم عقابه؛ لكثرة ذنوبه وخطاياه وحوباته.
وأشهد أن لا إله إلا الله، إلهًا واحدًا، فردًا، صمدًا، قاهرًا، قادرًا، رؤوفًا، رحيمًا، لم يتَّخذ صاحبةً ولا ولدًا ولا شريكًا له في ملكه، العدل في قضائه، الحكيم في فعاله، القائم بين خلقه بالقسط، المُمتن على المؤمنين بفضله، بذل لهم الإحسان، وزيَّن في قلوبهم الإيمان، وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وأنزل على نبيه الفُرقان، علَّم القرآنَ فتمت نعماء ربنا جلَّ وعلا، وعظمت آلاؤه على المُطيعين له، فربنا جلَّ ثناؤه المعبود موجودًا، والمحمود ممجدًا.
وأشهد أنَّ محمدًا ﷺ رسوله المصطفى، ونبيه المُرتضى، اختاره الله لرسالته، ومُستودع أمانته، فجعله خاتم النَّبيين، وخير خلق ربِّ العالمين، أرسله بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كله ولو كره المُشركون، بعثه بالكتاب المسطور في اللوح المحفوظ، فبلَّغ عن الله حقائق الرسالة، وأنقذ به أمته من الرَّدى والضَّلالة، قام بأمر الله تعالى بما استرعاه ربه من حقِّه، واستحفظه من تنزيله، حتى قبضه الله إلى كرامته ومنزلة أهل ولايته الذين رضي أعمالهم حميدًا رضيًّا سعيدًا، كما سبق له من السعادة في اللوح المحفوظ، والإمام المُبين، قبل أن يُنشئ الله نسمته، فعليه صلوات الله وسلامه حيًّا محمودًا، وميتًا مفقودًا، أفضل صلاةٍ وأنماها، وأزكاها وأطيبها، وأبقى الله في العالمين محبته، وفي المُقربين مودته، وجعل في أعلى عليين درجته صلى الله عليه وعلى آله الطيبين.
س: واصطفى إبراهيم بخُلَّته؟
ج: محل نظرٍ، موهم، لكن لعلَّ المراد نفيها عن محمدٍ.
الشيخ: يعني: مذهب أهل السنة والجماعة رحمه الله، هو أحد الأئمة في القرن الثالث، فإنه وُلد سنة عشرٍ أو إحدى عشرة ومئتين، وتوفي سنة ثلاثمئة وعشرٍ أو إحدى عشرة، فهو من مُعاصري النَّسائي وطبقته رحمه الله، وأدرك البخاري وطبقته.
كافٍ عن تصنيف الكتب على صحة مذهبنا وبطلان مذاهب القوم، وغنية عن الإكثار في ذلك، فلما حدث في أمرنا ما حدث مما كان الله قد قضاه وقدر كونه مما لا محيصَ لأحدٍ ولا موئل عما قضى الله كونه في اللوح المحفوظ قد سطره من حتم قضائه؛ فمنعنا من الظهور ونشر العلم وتعليم مُقتبس العلم ما كان الله قد أودعنا من هذه الصناعة، كنتُ أسمع من بعض أحداث طلاب العلم والحديث ممن لعله كان يحضر بعض مجالس أهل الزيغ والضَّلالة من المُعطلة والقدرية المُعتزلة ما تخوَّفتُ أن يميل بعضُهم عن الحقِّ والصواب من القول إلى البهت والضَّلال في هذين الجنسين من العلم؛ فاحتسبتُ في تصنيف كتابٍ يجمع هذين الجنسين من العلم؛ بإثبات القول بالقضاء السابق والمقادير النافذة قبل حدوث كسب العباد، والإيمان بجميع صفات الرحمن الخالق جلَّ وعلا مما وصف الله به نفسه في مُحكم تنزيله الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42]، وبما صحَّ وثبت عن نبينا ﷺ بالأسانيد الثابتة الصحيحة بنقل أهل العدالة موصولًا إليه ﷺ؛ ليعلم الناطر في كتابنا هذا ممن وفَّقه الله لإدراك الحقِّ والصواب، ومَنَّ عليه بالتوفيق لما يُحب ويرضى؛ صحة مذهب أهل الآثار في هذين الجنسين من العلم، وبطلان مذاهب أهل الأهواء والبدع الذين هم في ريبهم وضلالتهم يعمهون.
وبالله ثقتي، وإياه أسترشد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قد بدأتُ كتاب القدر فأمليتُه، وهذا كتاب التوحيد:
إثبات النفس لله من الكتاب
فأول ما نبدأ به من ذكر صفات خالقنا جلَّ وعلا في كتابنا هذا: ذكر نفسه جلَّ ربنا عن أن تكون نفسه كنفس خلقه، وعزَّ أن يكون عدمًا لا نفسَ له، قال الله جلَّ ذكره لنبيه محمدٍ ﷺ: وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54]، فأعلمنا ربنا أنَّ له نفسًا كتب عليها الرحمة، أي: ليرحم بها مَن عمل سُوءًا بجهالةٍ ثم تاب من بعده، على ما دلَّ سياق هذه الآية؛ وهو قوله: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وقال الله جلَّ ذكره لكليمه موسى: ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه:40- 41]، فثبت الله أنَّ له نفسًا اصطنع لها كليمه موسى ﷺ.
وقال جلَّ وعلا: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30]، فثبت الله أيضًا في هذه الآية أنَّ له نفسًا.
وقال روحُ الله عيسى ابن مريم مُخاطبًا ربَّه: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:116]، فروح الله عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام يعلم أنَّ لمعبوده نفسًا.
بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ مِنْ خَبَرِ النَّبِيِّ ﷺ فِي إِثْبَاتِ النَّفْسِ لِلَّهِ عَلَى مِثْلِ مُوَافَقَةِ التَّنْزِيلِ الَّذِي بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ مَسْطُورٌ، وَفِي الْمَحَارِيبِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ وَالسِّكَكِ مَقْرُوءٌ.
الشيخ: على الوجه اللائق به سبحانه، لا يُشابه أنفس المخلوقين ، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].
الشيخ: عليه حواشٍ؟
الطالب: نعم: أخرجه البخاري في كتاب "التوحيد"، باب قول الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:30]، وباب قول الله تعالى: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ [القيامة:16]، وأخرجه مسلمٌ في كتاب "الذكر"، باب الحثِّ على ذكر الله، وباب فضل ذكر الله، والترمذي في كتاب "الدَّعوات" بألفاظٍ مُتقاربةٍ، وبقية السند هم رجال "الصحيحين"، انظر: "الصحيحين".
الشيخ: لمن هذه الحاشية؟
الطالب: عبدالعزيز الشّهوان.
الشيخ: أعد السند.
الطالب: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حدَّثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حدَّثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَقُول اللَّهُ: أَنَا مَعَ عَبْدِي حِينَ يَذْكُرُنِي؛ فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ.
س: المقصود بـ: ملأ خير منهم؟
ج: ما يُخالف منهم ......
س: الملائكة أو ..؟
ج: نعم الملائكة.
س: تفضيل الملائكة على البشر؟
ج: .... أهل السنة يرون أنَّ أهل السنة من الجنِّ والإنس أفضل من الملائكة؛ لأنهم ممتحنون مُكلَّفون.
س: والحديث بارك الله فيك؟
ج: هذا فيه تفضيل خاص على الملأ الذين هم فيهم.
حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَشَجُّ قَالَ: حدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حدَّثنا الْأَعْمَشُ بِهَذَا السَّنَدِ مِثْلَهُ.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: حدَّثنا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ- عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ -وَهُوَ الْأَعْمَشُ- قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: قَالَ اللَّهُ: عَبْدِي عِنْدَ ظَنِّهِ بِي, وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَأَطْيَبَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ابْنَ آدَمَ, اذْكُرْنِي فِي نَفْسِكَ أَذْكُرْكَ فِي نَفْسِي، فَإِنْ ذَكَرْتَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُكَ فِي مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ -أَوْ قَالَ: فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ. فَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ: ذَكَرْتَنِي فِي نَفْسِكَ ذَكَرْتُكَ فِي نَفْسِي.
حَدَّثَنَا عَبْدُالْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاء الْعَطَّارُ قَالَ: حدَّثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ -وَهُوَ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ- عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حِينَ خَرَجَ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ وَجُوَيْرِيَةُ جَالِسَةٌ فِي الْمَسْجِدِ, فَرَجَعَ حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ قَالَ: لَمْ تَزَالِي جَالِسَةً بَعْدِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: قَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِهِنَّ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ، وَرِضَى نَفْسِهِ, وَزِنَةَ عَرْشِهِ.
الشيخ: وقد أخرجه مسلمٌ رحمه الله.
س: هل يقصد هنا بالنَّفس الذَّات، أحسن الله إليك؟
ج: نعم؟
س: يرد على مَن أنكروا أنَّ لله ذاتًا؟
ج: الذات والنفس، النفس نفسه، ذاته جلَّ وعلا، .
س: يعني النفس هي الذات، مُترادفتان؟
ج: الذات وما أراده الله لا يعلم كيفيتها إلا هو ، نؤمن بنفسه؛ أنَّ له نفسًا على الوجه اللائق به جلَّ وعلا، لا يعلم كيفيتها إلا هو .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَبَرُ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ مِنْ هَذَا الْبَابِ خَرَّجْتُهُ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ.
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قال: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنِ الْحَارِثِ -وَهُوَ ابْنُ أَبِي ذُبَابٍ- عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ عَلَى نَفْسِهِ, فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ: أَنَّ رَحْمَتِي نَالَتْ غَضَبِي.
الشيخ: في اللَّفظ الآخر: غلبت غضبي.
قَالَ لَنَا يُونُسُ: قَالَ لَنَا أَنَسٌ: نَالَتْ.
الشيخ: يعني: غلبت ونالت.
س: لكن في الصحيح لفظ: نالت؟
ج: المعروف: سبقت غضبي وغلبت غضبي، نعم التي تغلب غضبي .
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ -يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ بِيَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ: أَنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَثْبَتَ فِي آيٍ مِنْ كِتَابِهِ أَنَّ لَهُ نَفْسًا، وَكَذَلِكَ قَدْ بَيَّنَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ أَنَّ لَهُ نَفْسًا.
الشيخ: أبو بكر هو المؤلف، نعم، أبو بكر هو ابن خزيمة رحمه الله.
الشيخ: هذا من الجهل الصرف، نسأل الله العافية.
قَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ, أَفَيَتَوَهَّمُ مُسْلِمٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَى غَيْرِهِ الرَّحْمَةَ؟! وَحَذَّرَ اللَّهُ الْعِبَادَ نَفْسَهُ, أَفَيَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ اللَّهَ حَذَّرَ الْعِبَادَ غَيْرَهُ؟! أَو يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ لِكَلِيمِهِ مُوسَى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه:41] فَيَقُولُ: مَعْنَاهُ: وَاصْطَنَعْتُكَ لِغَيْرِي مِنَ الْمَخْلُوقِ، أَوْ يَقُول: أَرَادَ رُوحُ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116] أَرَادَ: وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي غَيْرِكَ؟! هَذَا لَا يَتَوَهَّمُهُ مُسْلِمٌ, وَلَا يَقُولُهُ إِلَّا مُعَطِّلٌ كَافِرٌ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حدَّثنا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حدَّثنا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّه قَالَ: الْتَقَى آدَمُ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ والسَّلَامُ, فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ الَّذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ. قَالَ آدَمُ لِمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ والسَّلَامُ: أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ، وَاصْطَنَعَكَ لِنَفْسِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ وَجَدْتَهُ كَتَبَهُ لِي قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ والسَّلَامُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. يُرِيدُ: كَرَّرَ هَذَا الْقَوْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى قَالَ: حدَّثنا عَبْدُالصَّمَدِ قَالَ: حدَّثنا هَمَّامٌ قَالَ: حدَّثنا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَن ابنِ أَسْمَاءَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ .
الشيخ: عن أبي أسماء.
الطالب: عندي: عن ابن أسماء.
الشيخ: عن أبي أسماء الرحبي، عن أبي ذرٍّ، المحشي؟
الطالب: ما تعرَّض له أحسن الله إليك.
الشيخ: لعله عن أبي أسماء.
عَن أبي أَسْمَاءَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ عَلَى نَفْسِي الظُّلْمَ وَعَلَى عِبَادِي فَلَا تَظَالَمُوا، كُلُّ بَنِي آدَمَ يُخْطِئُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ, ثُمَّ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِر لَهُ وَلَا أُبَالِي، وَقَالَ: يَا بَنِي آدَمَ, كُلُّكُمْ كَانَ ضَالًّا إِلَّا مَنْ هَدَيْتُ، وَكُلُّكُمْ كَانَ جَائِعًا إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قال: حدَّثنا أَبُو مُسْهِرٍ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ: حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا, فَلَا تَظَالَمُوا.
الشيخ: غفر الله له.
س: في نشرةٍ بعنوان: "مسائل مهمة في العقيدة الإسلامية" جاء فيها كلمة: ويجوز التَّوسل بحبِّ الله لرسوله ﷺ وأوليائه، وحبنا للرسول ﷺ والأولياء؛ لأن حبَّنا لهم من العمل الصالح، فنقول مثلًا: اللهم بحبك لرسولك وأوليائك انصرنا، وبحبك لرسولك وأوليائك اشفنا.
الشيخ: نعم، لا بأس بالتوسل بحبِّ الله، نعم، من صفاته جلَّ وعلا: اللهم إني أسألك بحبك لأوليائك ولرسولك ولأهل طاعتك، اللهم إني أسألك بحبي لرسولك، بحبي لك، بحبي لأوليائك المتقين. هذا توسل بصفات الله: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180].
س: الثاني ما هو بالعمل الصالح؟
ج: ماذا؟
س: بحبي لرسولك ليس ..؟
ج: هذا عمل صالح.
س: لكن بمحبَّته هو لرسله وأوليائه؟
ج: التوسل بمحبة الله لأوليائه، والتوسل بحبنا لله ولرسوله، كله حقّ، الأول توسل بصفات الله، والثاني توسل بأعمالنا الصالحة، مثل: وسيلة أهل الغار.