وَسُئِلَ شَيْخُ الإسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيةَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
هَلْ تُقْضَى السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ؟
فَأَجَابَ:
أَمَّا إذَا فَاتَتْ السُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ: مِثْلَ سُنَّةِ الظُّهْرِ، فَهَلْ تُقْضَى بَعْدَ الْعَصْرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد: أَحَدُهُمَا: لَا تُقْضَى وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ. وَالثَّانِي: تُقْضَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَقْوَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: هذا قول ضعيف، قول المؤلف رحمه الله (هو أقوى) ضعيف، الصواب أنها لا تقضى لأنها من خصائص النبي ﷺ، وقد سألته أم سلمة قالت: يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا، فهو من خصائص النبي ﷺ، فلعل الشيخ خفي عليه الحديث هذا ولم يحضره حين قوى هذا القول، والصواب: أنها إذا فاتت لا تقضى بعد العصر، تقضى بعد الظهر، إذا فاتت سنة الظهر قبلها يقضيها بعد الصلاة، أما سنة الظهر البعدية فلا تقضى بعد العصر إذا فاتت فاتت، هذا من خصائص النبي ﷺ.
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
عَمَّنْ لَا يُوَاظِبُ عَلَى السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ؟
فَأَجَابَ:
مَنْ أَصَرَّ عَلَى تَرْكِهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى قِلَّةِ دِينِهِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا.
الشيخ: وهذا فيه نظر أيضا، والغالب أن المؤمن لا يحافظ على تركها، إنما يحافظ عليها جاهل، وقليل العلم هو الذي يتركها، الرواتب: سنة الظهر، والمغرب، والعشاء، والفجر، هو الغالب وهي نافلة ما هي فريضة، لكن الغالب على أهل الإيمان المسارعة إليها والمواظبة عليها كما واظب عليها النبي ﷺ، فالذي يتركها ولا يواظب عليها دليل على جهله.
س: النصوص عن الإمام أحمد في ترك الوتر من داوم عليه فإنه رجل سوء؟
الشيخ: محل نظر، أقول محل نظر الصواب أنه لا شيء في ذلك، ولكن المؤمن يدعوه إيمانه إلى أن يحافظ ويجتهد، لأن إيمانه يدعوه إلى الفضائل، والوتر من آكد الفضائل والنوافل، لكن كونه يكون عاصيا أو رجل سوء ليس الأمر كذلك، قد يعوقه عائق، وقد يمنع مانع من المحافظة في بعض الأحيان.
س:.....؟
الشيخ: لا تقضى، سنة فات محلها.
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
عَنْ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ: هَلْ لَهَا سُنَّةٌ؟ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الرُّبَاعِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ رَحْمَةً مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ فَمَا حُجَّةُ مَنْ يَدَّعِي السُّنَّةَ؟ وَقَدْ أَنْكَرَ عُمَرُ عَلَى مَنْ سَبَّحَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ. فَهَلْ فِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ تَأَكُّدُ السُّنَّةِ فِي السَّفَرِ كَأَبِي حَنِيفَةَ؟ وَهَلْ نُقِلَ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ:
أَمَّا الَّذِي ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ مِنْ التَّطَوُّعِ فَهُوَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ حَتَّى إنَّهُ لَمَّا نَامَ عَنْهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ مُنْصَرَفَهُ مِنْ خَيْبَرَ قَضَاهُمَا مَعَ الْفَرِيضَةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَكَذَلِكَ قِيَامُ اللَّيْلِ وَالْوِتْرِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ: (أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهةٍ تَوَجَّهَتْ بِهِ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ).
وَأَمَّا الصَّلَاةُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهَا: فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، وَلَمْ يُصَلِّ مَعَهَا شَيْئًا، وَكَذَلِكَ كَانَ يُصَلِّي بِمِنَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَحَدٌ أَنَّهُ صَلَّى مَعَهَا شَيْئًا. وَابْنُ عُمَرَ كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالسُّنَّةِ وَأَتْبَعَهُمْ لَهَا، وَأَمَّا الْعُلَمَاءُ فَقَدْ تَنَازَعُوا فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: هذا هو الصواب في السفر، لا يصلى الرواتب لا سنة الظهر ولا المغرب ولا العشاء ولا العصر، أما الفجر فكان يحافظ عليها في السفر والحضر، وهكذا الوتر والتهجد بالليل في السفر والحضر، وهكذا صلاة الضحى إن صلاها في السفر فلا بأس كما صلاها النبي ﷺ يوم الفتح.
وَسُئِلَ:
عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ؟
فَأَجَابَ:
كَانَ بِلَالٌ كَمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ يَفْصِلُ بَيْنَ أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ حَتَّى يَتَّسِعَ لِرَكْعَتَيْنِ، فَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ يُصَلِّي بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَرَاهُمْ وَيُقِرُّهُمْ، وَقَالَ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ مَخَافَةَ أَنْ تُتَّخَذَ سُنَّةً. فَإِذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ مِقْدَارَ ذَلِكَ فَهَذِهِ الصَّلَاةُ حَسَنَةٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ يَصِلُ الْأَذَانَ بِالْإِقَامَةِ فَالِاشْتِغَالُ بِإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ هُوَ السُّنَّةُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ. وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ يَدَعَ إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ وَيُصَلِّي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنَّ السُّنَّةَ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ: مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ إلَى آخِرِهِ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدَ ذَلِكَ.
الشيخ: وهذا هو السنة، السنة ألا يعجل، إذا أذن المؤذن لا يعجل حتى يتلاحق الناس، والسنة أن يصلوا ركعتين، قال النبي ﷺ: بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، وفي اللفظ الآخر: صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، ثم قال في الثالثة: لمن شاء، وكان الصحابة إذا أذن بادروا وصلوا ركعتين بعد أذان المغرب، ثم تقام الصلاة بعد ذلك، هذا هو السنة، السنة ألا يعجل بعد الأذان بل يؤخر قليلا حتى يتلاحق الناس، والذين في المسجد يصلوا ركعتين هذا هو الأفضل.
وَسُئِلَ:
عَنْ امْرَأَةٍ لَهَا وِرْدٌ بِاللَّيْلِ تُصَلِّيهِ فَتَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ. فَقِيلَ لَهَا: إنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ، فَهَلْ هُوَ صَحِيحٌ؟
فَأَجَابَ:
نَعَمْ، صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ. لَكِنْ إذَا كَانَ عَادَتُهُ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا وَإِنَّمَا قَعَدَ لِعَجْزِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِيهِ أَجْرَ الْقَائِمِ لِقَوْلِهِ ﷺ: إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الصَّلَاةِ كُلِّهَا لِمَرَضِ كَانَ اللَّهُ يَكْتُبُ لَهُ أَجْرَهَا كُلَّهُ؛ لِأَجْلِ نِيَّتِهِ وَفِعْلِهِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ إذَا عَجَزَ عَنْ أَفْعَالِهَا.
الشيخ: هذا هو الصواب، وما دل عليه الحديث المتنفل يعطى النصف إذا صلى قاعدا نافلة وهو يستطيع القيام يعطى النصف، أما إذا كان عاجزا فالله يكتب له أجره كاملا كالقائم، كما قال ﷺ: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم رواه البخاري رحمه الله، فإذا كان العادة يصوم يوما ويفطر يوما، أو يصوم الإثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر، وسافر وترك من أجل السفر كتب الله له أجره، وهكذا إذا كان يتنفل قائما فلما كبرت سنه أو أصابه مرض جلس كتب الله له أجر المصلي قائما من أجل العذر، ويقول ﷺ وهو في غزوة تبوك: إن في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم حبسهم العذر.
وَسُئِلَ:
عَنْ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا؟
فَأَجَابَ:
وَأَمَّا لَفْظُ الْحَدِيثِ اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَإِذَا لَمْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا كُنْتُمْ كَالْمَيِّتِ وَكَانَتْ كَالْقُبُورِ؛ فَإِنَّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَاَلَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ كَمَثَلِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، وَفِي لَفْظٍ مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَاَلَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ.
الشيخ: وهذا يبين أنه ينبغي للمؤمن أن يكون لبيته حظ من صلاته وقراءته، ولهذا قال ﷺ: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا لأن القبور ما يصلى عندها ولا يتخذ محل للقراءة، فالمشروع للمؤمن أن يكون لبيته حظ من صلاة النافلة من قراءته، يصلي في بيته الضحى، يصلي النوافل، يتهجد بالبيت، يكثر القراءة في البيت.
وَسُئِلَ:
عَنْ صَلَاةِ نِصْفِ شَعْبَانَ؟
فَأَجَابَ:
إذَا صَلَّى الْإِنْسَانُ لَيْلَةَ النِّصْفِ وَحْدَهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ خَاصَّةٍ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ فَهُوَ أَحْسَنُ. وَأَمَّا الِاجْتِمَاعُ فِي الْمَسَاجِدِ عَلَى صَلَاةٍ مُقَدَّرَةٍ كَالِاجْتِمَاعِ عَلَى مِائَةِ رَكْعَةٍ بِقِرَاءَةِ أَلْفٍ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ دَائِمًا. فَهَذَا بِدْعَةٌ لَمْ يَسْتَحِبَّهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: مطلقا تخصيص النصف من شعبان كله بدعة لا يجوز لعدم الدليل؛ لأن أحاديث النصف من شعبان ضعيفة، وقول الشيخ في بعض الأشياء الصواب بدعة الجميع، لا تخص ليلة النصف من شعبان، لا من الأفراد ولا من الجماعات إلا بدليل مثلما قال ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد فلا تخصص ليلة النصف ولا غيرها بشيء إلا بدليل.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ:
وَأَمَّا صَلَاةُ الرَّغَائِبِ فَلَا أَصْلَ لَهَا، بَلْ هِيَ مُحْدَثَةٌ. فَلَا تُسْتَحَبُّ لَا جَمَاعَةً وَلَا فُرَادَى. فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى أَنْ تُخَصَّ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ بِقِيَامِ، أَوْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِصِيَامِ). وَالْأَثَرُ الَّذِي ذُكِرَ فِيهَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ أَصْلًا. وَأَمَّا لَيْلَةُ النِّصْفِ فَقَدْ رُوِيَ فِي فَضْلِهَا أَحَادِيثُ وَآثَارٌ وَنُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهَا، فَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِيهَا وَحْدَهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ فِيهِ سَلَفٌ وَلَهُ فِيهِ حُجَّةٌ فَلَا يُنْكَرُ مِثْلُ هَذَا. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِيهَا جَمَاعَةً فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ فِي الِاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ فَإِنَّهُ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ إمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ، فَهَذَا سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ يَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا وَالْمُدَاوَمَةُ.
وَالثَّانِي: مَا لَيْسَ بِسُنَّةِ رَاتِبَةٍ مِثْلَ الِاجْتِمَاعِ لِصَلَاةِ تَطَوُّعٍ مِثْلَ قِيَامِ اللَّيْلِ، أَوْ عَلَى قِرَاءَةِ قُرْآنٍ أَوْ ذِكْرِ اللَّهِ أَوْ دُعَاءٍ. فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يُتَّخَذْ عَادَةً رَاتِبَةً.
فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى التَّطَوُّعَ فِي جَمَاعَةٍ أَحْيَانًا وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ إلَّا مَا ذُكِرَ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ إذَا اجْتَمَعُوا أَمَرُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ أَنْ يَقْرَأَ وَالْبَاقِي يَسْتَمِعُونَ.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِأَبِي مُوسَى ذَكَرْنَا رَبَّنَا فَيَقْرَأُ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ عَلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ وَمِنْهُمْ وَاحِدٌ يَقْرَأُ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمَلَائِكَةِ السَّيَّارِينَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ.
فَلَوْ أَنَّ قُومَا اجْتَمَعُوا بَعْضَ اللَّيَالِي عَلَى صَلَاةِ تَطَوُّعٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّخِذُوا ذَلِكَ عَادَةً رَاتِبَةً تُشْبِهُ السُّنَّةَ الرَّاتِبَةَ لَمْ يُكْرَهْ، لَكِنَّ اتِّخَاذَهُ عَادَةً دَائِرَةً بِدَوَرَانِ الْأَوْقَاتِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ الشَّرِيعَةِ وَتَشْبِيهِ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ بِالْمَشْرُوعِ. وَلَوْ سَاغَ ذَلِكَ لَسَاغَ أَنْ يَعْمَلَ صَلَاةً أُخْرَى وَقْتَ الضُّحَى، أَوْ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، أَوْ تَرَاوِيحَ فِي شَعْبَانَ، أَوْ أَذَانًا فِي الْعِيدَيْنِ، أَوْ حَجًّا إلَى الصَّخْرَةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهَذَا تَغْيِيرٌ لِدِينِ اللَّهِ وَتَبْدِيلٌ لَهُ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي لَيْلَةِ الْمَوْلِدِ وَغَيْرِهَا.
وَالْبِدَعُ الْمَكْرُوهَةُ مَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَبَّةً فِي الشَّرِيعَةِ وَهِيَ أَنْ يُشَرِّعَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ فَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا دِينًا وَقُرْبَةً بِلَا شَرْعٍ مِنْ اللَّهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ، وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ النَّبِيُّ ﷺ بِقَوْلِهِ: كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ فَالْبِدْعَةُ ضِدُّ الشِّرْعَةِ، وَالشِّرْعَةُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ وَإِنْ لَمْ يُفْعَلْ عَلَى عَهْدِهِ كَالِاجْتِمَاعِ فِي التَّرَاوِيحِ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ وَجَمْعِ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ، وَقَتْلِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَمَا لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ: مِثْلَ تَخْصِيصِ مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ بِاجْتِمَاعِ عَلَى عِبَادَةٍ فِيهِ كَمَا خَصَّ الشَّارِعُ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ وَأَيَّامَ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ. وَكَمَا خَصَّ مَكَّةَ بِشَرَفِهَا وَالْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ وَسَائِرَ الْمَسَاجِدِ بِمَا شَرَعَهُ فِيهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَأَنْوَاعَ الْعِبَادَاتِ كُلٌّ بِحَسْبِهِ.
وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ يَظْهَرُ الْجَمْعُ بَيْنَ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ مِنْ النُّصُوصِ والإجماعات، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْبِدْعَةِ ضِدُّ الشِّرْعَةِ وَهُوَ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الدِّينِ، فَمَتَى ثَبَتَ بِنَصِّ أَوْ إجْمَاعٍ فِي فِعْلٍ أَنَّهُ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ خَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ بِدْعَةً، وَقَدْ قَرَّرْت ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي قَاعِدَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكِبَارِ.
الشيخ: وهذا الذي قال المؤلف رحمه الله هو الصواب، صلاة الرغائب صلاة يفعلونها في أول ليلة من رجب يفعلها أهل البدع يقال لها: صلاة الرغائب، وهي بدعة مثلما قال المؤلف رحمه الله، كذلك كونه يخصص ليلة من الليالي في غير رجب، أو في يوم من الأيام بعبادة لم يشرعها الله، كل هذا ما يجوز لأن الله جل وعلا قال: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21] يلومهم.
وقال النبي ﷺ: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد فلا يجوز لأحد أن يحدث شيئا ما شرعه الله، أما إقامة الجماعة بعض الأحيان من غير اعتياد فلا بأس، النبي ﷺ زار أم أنس .... في بعض الأيام وصلى عندهم الضحى جماعة وصف معه أنس واليتيم ضمرة خلفه والعجوز خلفهم، وزار عتبان ذات يوم وصلى عنده جماعة الضحى عليه الصلاة والسلام، فإذا صلى اجتمعوا في مكان من غير قصد وصلوا جماعة في بعض الأحيان ضحى، أو قرأ عليهم قاري يفيدهم، كل هذا طيب، كان النبي ﷺ إذا اجتمعوا قرأ عليهم القرآن وذكرهم عليه الصلاة والسلام، فإذا اجتمعوا بغير قصد تخصيص يوم معين، وقرأ واحد يستمعون أو حدثهم كل هذا طيب، أما اتخاذ يوم أو ليلة تخص بشيء من العبادات فليس ذلك بجائز إلا بدليل؛ لقوله ﷺ: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
"صَلَاةُ الرَّغَائِبِ" بِدْعَةٌ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الدِّينِ.
الشيخ: كما تقدم، وهي ما فعله الناس من صلاة الرغائب أول ليلة من رجب بدعة لا أصل لها.
الشيخ: كذلك ليلة الإسراء والمعراج يقولون سبع وعشرين من رجب، الاحتفال بها كله بدعة.
الشيخ: وفي ليلة النصف من شعبان.
الطالب: سميت ألفية لأنهم يقرؤون قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ألف مرة.
الشيخ: كل هذا بدعة نعم.
س: ألفية نصف شعبان؟
الشيخ: يمكن قصده قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في نصف شعبان هي بدعة، قيام نصف الليل من شعبان أو قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ألف مرة، أو مائة مرة، أو أكثر أو أقل، كله بدعة.
وَالصَّلَاةِ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالِإثْنَيْنِ وَغَيْرِ هَذَا مِنْ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي الرَّقَائِقِ فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ أَحَادِيثَهُ كُلَّهَا مَوْضُوعَةٌ وَلَمْ يَسْتَحِبَّهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامِ وَلَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامِ. وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تُذْكَرُ فِي صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةِ الْعِيدَيْنِ كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.