من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الابن المكرم صاحب السمو الملكي الأمير المكرم / عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ في 24 / 8 / 1411هـ وصلكم الله وما تضمنه من الأسئلة كان معلوما. وهذا نصها وجوابها[1]:
السؤال الأول: هل الدعاء والصدقة ترد القضاء والقدر؟
الجواب: قدر الله عز وجل ماض في عباده كما قال الله سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22] وقال عز وجل: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70] وقال سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] وثبت عن النبي ﷺ أنه قال لجبريل عليه السلام لما سأله عن الإيمان: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره وقال ﷺ: إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال: وعرشه على الماء رواه الإمام مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس رواه مسلم أيضا، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وقد ثبت عنه ﷺ ما يدل على أن الحوادث معلقة بأسبابها، كما في قوله ﷺ: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وإن البر يزيد العمر ولا يرد القدر إلا الدعاء ومراده ﷺ أن القدر المعلق بالدعاء يرده الدعاء، وهكذا قوله ﷺ: من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه.
فالأقدار تردها الأقدار التي جعلها الله سبحانه مانعة لها، والأقدار المعلقة على وجود أشياء كالبر والصلة والصدقة توجد عند وجودها، وكل ذلك داخل في القدر العام المذكور في قوله سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وقوله ﷺ: وتؤمن بالقدر خيره وشره ومن هذا قوله ﷺ: الصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفئ الماء النار وروي عنه أنه ﷺ قال: إن صدقة السر تطفئ غضب الله وتدفع ميتة السوء وجميع الآيات والأحاديث الواردة في هذا الباب تدعو إلى إيمان العبد بأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما تدعوه إلى أن يسارع في الخيرات وينافس في الطاعات، ويحرص على أسباب الخير ويبتعد عن أسباب الشر، ويسأل ربه التوفيق والإعانة على كل ما فيه رضا الله سبحانه والسلامة من كل سوء.
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال لأصحابه ذات يوم: ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فقال لهم ﷺ: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم تلا ﷺ قوله سبحانه فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10].
والله الموفق[2].
- تاريخه 29 / 8 / 1411هـ.
- (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 6/ 262)