نصيحة إلى قادة الدول العربية

حضرات أصحاب الجلالة والفخامة من قادة الدول العربية، وفقهم الله لما فيه رضاه وصلاح أمر عباده آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أما بعد: فبمناسبة هذا الاجتماع العظيم الذي تعلق عليه الشعوب العربية والأمة الإسلامية الآمال الكبيرة لإزالة آثار العدوان اليهودي والقضاء على عصابات الصهاينة واسترجاع الأرض السليبة من أيديهم، رأيت أنه من الحق علي نصحا لله ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكم أيها القادة، وإسهاما في الإصلاح العام، ومعذرة إلى الله عز وجل أن أبعث إلى حضراتكم من الجامعة الإسلامية في بلد المصطفى صلى الله عليه وسلم الوصايا التالية:
أولاً: تقوى الله عز وجل في جميع الأمور، والتواصي بالاستقامة على دينه، وتحكيم شريعته والتحاكم إليها، ومحاربة ما خالفها من المبادئ والأعمال؛ لأنكم قادة العرب والمسلمين، وبصلاحكم واجتماع كلمتكم على الهدى يصلح الله شعوبكم وسائر المسلمين إن شاء الله، وتعلمون جميعا أنه لا عزة لكم ولا منعة ولا هيبة ولا انتصارا محققا ومضمونا على الأعداء إلا بالتمسك بالإسلام وتحكيمه والتحاكم إليه، كما جرى على ذلك سلفكم الصالح فأيدهم الله ونصرهم كما وعدهم سبحانه في قوله: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وفي الإسلام حل لجميع المشاكل وإصلاح لجميع الشئون وتحقيق العدالة بين الجميع بأكمل معانيها إذا صلح القصد وبذلت الجهود ووسدت الأمور إلى أهلها.
ثانياً: التسامح وصفاء القلوب وتوحيد الصف واتفاق الكلمة على هدف واحد، وهو اتباع الشريعة وترك ما خالفها والعمل على إزالة أثر العدوان اليهودي والقضاء على ما يسمى بدولة إسرائيل نهائيا، وتكاتف جميع الجهود والقوى لهذا الغرض النبيل، مع الاستعانة بالله والاستنصار به في ذلك عملا بقول الله سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] وقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71] وما جاء في هذا المعنى من الآيات والأحاديث.
ثالثاً: تكوين جيش مشترك قوي موحد مجهز بأكمل الأسلحة الممكنة تحت قيادة موحدة أمينة مرضية من الجميع تستند إلى مجلس شورى مكون من وزراء الدفاع وأركان الجيش في جميع الدول العربية، ومن أحب أن ينضم إليها من الدول الإسلامية ليسير المجلس في جميع شئونه على قواعد ثابتة وأسس مدروسة من الجميع رجاء بأن يحقق الغرض المطلوب، ولا يخفي على حضراتكم ما في هذا المجلس من الخير العظيم والحيطة والسير على هدي الشريعة وتعاليمها الحكيمة والعمل بقول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران:159] وقوله سبحانه في وصف المؤمنين: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38].
رابعًا: الحياد التام وعدم الانحياز إلى كتلة شرقية أو غربية، وبذل الجهود على أن تكونوا كتلة مستقلة تستفيد من خبرات غيرها وسلاحه من غير انحياز أو تدخل من الغير في شئونها الداخلية أو الخارجية، ولا يخفى أن هذا الحياد أقرب إلى السلامة في الدين والدنيا، وأكمل في العزة والكرامة والهيبة، وأسلم من تدخل الأعداء في شئونكم والاطلاع على أسراركم.
 وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل أراد أن يغزو معه يوم بدر هل أسلمت؟ قال: لا، قال: ارجع فلن نستعين بمشرك مع أنه صلى الله عليه وسلم استأجر دليلا مشركا في طريق الهجرة واستعار من بعض المشركين دروعا يوم حنين، فدل ذلك على أن الاستعانة بسلاح الأعداء والاستفادة من خبرتهم لا مانع منهما وليستا بداخلتين في الاستعانة التي نفاها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق إذا لم يكن لهم دخل في شئوننا ولا مشاركة في الجيش.
هذا ما بدا لي عرضه على حضراتكم على سبيل الإشارة والإيجاز، والله المسئول أن يصلح قلوبكم وأعمالكم ويسدد خطاكم ويجمع كلمتكم على ما فيه سعادتكم وسعادة المسلمين جميعا وانتصاركم على عدوكم، إنه ولي ذلك والقادر عليه[1].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

  1. بعث بها سماحته في شهر جمادى الأولى من عام 1387هـ أيام كان يشغل منصب نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 6/ 82)