رسالة إلى الشيخ أبي الأعلى المودودي في الفرق بين العبادة والطاعة

بسم الله الرحمن الرحيم كان أبو الأعلى المودودي قد بعث إلي برسالة رقمها 1526 وتاريخ 2 / 4 / 1392 هـ شرح فيها حاله وحال الأستاذ طفيل الذي خلف فضيلته في إمرة الجماعة الإسلامية، وقد أجبته برسالة عندما كنت رئيسا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في نفس العام.. ومنها:
قال لي بعض الإخوان المقيمين في البلاد من أهل مليبار عن فضيلتكم: إنكم ترون أن العبادة تفسر بالطاعة وأن كل من أطاع أحدا فقد عبده، كما تفسر بالرق والتأله. وكتب إلي الشيخ عمر بن أحمد المليباري أي صاحب مجلة السلسبيل في هذا الموضوع جازما بما ذكر عن فضيلتكم وعن الجماعة، وأرسل إلي نسخة من استفتاء تعميمي في هذه المسألة أرسل إليكم نسخة منه.
وقد استغربت هذا الأمر وعزمت على الكتابة إليكم فيه من قبل مجيء كتابكم المجاب للاستفسار منكم عن صحة ما نسب إليكم. وبهذه المناسبة فإني أرجو من فضيلتكم الإفادة عما لديكم في هذا الموضوع، والذي يظهر لأخيكم أن الطاعة أوسع من العبادة، فكل عبادة لله موافقة لشريعته تسمى طاعة وليس كل طاعة بالنسبة إلى غير الله تسمى عبادة، بل في ذلك تفصيل؛ أما بالنسبة إلى الله سبحانه فهي عبادة له لمن أراد بها وجهه، لكن قد تكون صحيحة وقد تكون فاسدة على حسب اشتمالها على الشروط المرعية في العبادة وتخلف بعض الشروط عنها، فأرجو من فضيلتكم الإفادة المفصلة عما ترونه في هذه المسألة ومما يزيد الأمر وضوحا أن من أطاع الله في بعض الأمور وهو متلبس بالشرك يستحق أن تنفى عنه العبادة. كما قال الله سبحانه في حق المشركين: وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون:3] فنفى عنهم العبادة من أجل شركهم، ومعلوم أنهم يعبدون الله في الشدة بالتوحيد وبالحج والعمرة وبالصدقات في بعض الأحيان ونحو ذلك، ولكن لما كانت هذه العبادة مشوبة بالشرك في الرخاء وعدم الإيمان بالآخرة إلى غير ذلك من أنواع الكفر جاز أن تنفى عن أصحابها.
 ومما يزيد الأمر بيانا -أيضا- أن من أطاع الأمراء وغيرهم في معاصي الله لا يسمى عابدا لهم إذا لم يعتقد جواز طاعتهم فيما يخالف شرع الله وإنما أطاعهم خوفا من شرهم أو اتباعا للهوى، وهو يعلم أنه عاص لله في ذلك فإن مثل هذا يعتبر عاصيا بهذه الطاعة، ولا يعتبر مشركا إذا كانت الطاعة في غير الأمور الشركية، كما لو أطاعهم في ضرب أحد بغير حق أو قتل أحد بغير حق أو أخذ مال بغير حق ونحو ذلك، والأمثلة في هذا الباب كثيرة، وما أظن هذا الأمر يخفى على من دونكم من أهل العلم، لكن لما كان هذا الأمر قد أشاعه عنكم من أشاعه وجب علي أن أسألكم عنه، وأطلب من فضيلتكم تفصيل القول فيه حتى ننفي عنكم ما يجب نفيه، وندافع عنكم على بصيرة، ونوضح الحق لطالبه فيما يتعلق بالجماعة الإسلامية.
وإن كان ما نسب عنكم هو كما نسب تذاكرنا فيه وبحثناه من جميع وجوهه وناقشنا مواضيع الإشكال بالأدلة، والحق هو ضالة الجميع.
فنسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يجعل الحق ضالتنا أينما كنا، إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[1].
 
                                                                 رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
                                                                          عبدالعزيز بن عبدالله بن باز 

  1. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 5/ 17).