الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فإن الله بعث نبيه محمداً ﷺ إلى الناس عامة، عربهم وعجمهم.. جنهم وإنسهم.. ذكورهم وإناثهم، يدعوهم إلى توحيد الله والإخلاص له، وإلى الإيمان به عليه الصلاة والسلام وبما جاء به، وإلى الإيمان بجميع المرسلين، وبجميع الملائكة، والكتب المنزلة من السماء، وباليوم الآخر وهو: البعث والنشور والجزاء والحساب والجنة والنار، وبالقدر خيره وشره وأن الله قدر الأشياء وعلمها وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى، فكل شيء يقع هو بقضاء الله وقدره سبحانه وتعالى، وأمر الناس أن يقولوا: (لا إله إلا الله) هذا هو أول شيء دعا إليه، وهو الركن الأول من أركان الإسلام: شهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فلما قال للناس: قولوا: لا إله إلا الله، وأمرهم أن يؤمنوا بأنه رسول الله عليه الصلاة والسلام امتنع الأكثرون وأنكروا هذه الدعوة، وقالت له قريش ما ذكر الله عنهم: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5].
وقال سبحانه عنهم: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات:35-36]، فاستنكروا هذه الدعوة؛ لأنهم عاشوا على عبادة الأوثان والأصنام واتخاذ الآلهة مع الله عز وجل، فلهذا أنكروا دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى توحيد الله والإخلاص له.
وهذا الذي دعا إليه ﷺ هو الذي دعت إليه الرسل جميعاً، كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: بني الإسلام على خمس: -يعني: على خمس دعائم-- شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وفي الصحيح أيضاً عن عمر بن الخطاب أن النبي ﷺ: أتاه سائل يسأله في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه من الحاضرين أحد، فقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت، قال الصحابة: فعجبنا له يسأله ويصدقه، ثم قال: أخبرني عن الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .. الحديث ، ثم أخبرهم النبي ﷺ أن هذا هو جبرائيل أتاهم يعلمهم دينهم، لما لم يسألوا أتاهم جبرائيل بأمر الله يسأل الرسول عن هذا الدين العظيم حتى يتعلموا ويستفيدوا.
فدين الإسلام مبني على هذه الأركان الخمسة الظاهرة:
أولها: شهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ثانيها: إقام الصلوات الخمس.
ثالثها: أداء الزكاة.
رابعها: صوم رمضان.
خامسها: حج بيت الله الحرام.
وعلى أركان باطنة إيمانية في القلب وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فلابد من هذه الأصول، لابد أن يؤمن المؤمن المكلف بهذه الأصول الستة الباطنية التي تتعلق بالقلب، فيؤمن أن الله ربه وإلهه ومعبوده الحق سبحانه وتعالى، ويؤمن بملائكة الله، وبكتب الله التي أنزلها على الأنبياء من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وغير ذلك، ويؤمن أيضاً بالرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده أولهم نوح وآخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، وهم كثيرون، بين الله بعضهم في القرآن العظيم، ونؤمن أيضًا باليوم الآخر، وهو البعث بعد الموت، والجزاء من عند الله عز وجل، أهل الإيمان لهم السعادة وأهل الكفر لهم الخيبة والندامة والنار.
ولابد من الإيمان بالقدر خيره وشره وأن الله قدر الأشياء وعلمها وكتبها وأحصاها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكل ما يقع في الوجود من خير وشر وطاعة ومعصية فقد سبق بهذا علم الله وكتابته وقدره سبحانه وتعالى.
فالأصل العظيم الأول الذي طالبت به الرسل هو: الإيمان بأن الله هو الإله الحق سبحانه وتعالى، وهو معنى شهادة: أن لا إله إلا الله، فهذا أصل أصيل أجمعت عليه الرسل عليهم الصلاة والسلام، كلهم دعوا إلى هذا الأصل الأصيل، وهو أن يؤمن الناس بأن الله هو الإله الحق، وأنه لا معبود بحق سواه، وهذا هو معنى: لا إله إلا الله، أي: لا معبود حق إلا الله وما عبده الناس من أصنام أو أشجار أو أحجار أو أنبياء أو أولياء أو ملائكة كله باطل، العبادة بحق لله وحده سبحانه وتعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[البقرة:163] .. وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] .. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] .. وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5].
ولابد مع هذا الأصل من الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام، في عهد نوح الإيمان بـنوح ، وفي عهد هود الإيمان بـهود مع توحيد الله، وفي عهد صالح الإيمان بـصالح مع توحيد الله، وهكذا في عهد كل رسول، لابد من توحيد الله والإيمان بأنه لا إله إلا الله ولابد من الإيمان بالرسول الذي بلغ الرسالة في عهده إلى آخرهم عيسى عليه الصلاة والسلام آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.
ثم بعث الله خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد ﷺ، فـعيسى هو آخر أنبياء بني إسرائيل ومحمد هو آخر الأنبياء وخاتم الأنبياء جميعاً ليس بعده نبي ولا رسول عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل الرسل وهو إمامهم وهو خاتمهم.
فلابد في حق الأمة أمة محمد ﷺ جنها وإنسها.. عربها وعجمها.. ذكورها وإناثها.. أغنيائها وفقرائها.. حكامها ومحكوميها لابد أن يؤمنوا بهذا النبي، فمن لم يؤمن به فلا إسلام له ولا دين له، فلابد من الإيمان بأن الله هو الإله الحق وأنه لا إله حق إلا الله، ولابد من الإيمان بمحمد ﷺ وأنه رسول الله حقًّا إلى جميع الناس، فمن لم يؤمن بهاتين الشهادتين فليس بمسلم.
لابد من الإيمان بهما واعتقاد معناهما، وأن معنى: (لا إله إلا الله) معناها: لا معبود حق إلا الله، فلا يجوز أن يدعى مع الله ملك أو نبي أو شجر أو حجر أو جن أو صنم لا. فإذا قال: يا رسول الله، انصرني بعد موته صلى الله عليه وسلم، أو قال: يا بدوي ، يا سيدي البدوي، انصرني، أو اشف مريضي، أو يا سيدي الحسين، أو يا سيدي عبد القادر، أو المدد المدد صار هذا شركًا بالله عز وجل، يبطل معنى: لا إله إلا الله، يعني: يبطل قولك: لا إله إلا الله؛ لأنك لم تأت بالعبادة لله وحده بل شركت مع الله غيره، ودعوت مع الله غيره، والله يقول: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، ويقول سبحانه: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكََ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106]، ويقول سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، ويقول جل وعلا: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] .. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، ويقول النبي ﷺ: الدعاء هو العبادة، ويقول جل وعلا: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، فلابد من إخلاص العبادة لله وحده ومنها الدعاء، فإذا قلت للميت أو للشجر أو للصنم: أغثني، انصرني، اشف مريضي، المدد المدد صار شركاً بالله، وصار نقضًا لقول: لا إله إلا الله.
وهكذا من كذب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أو شك في رسالته، أو قال: إنه للعرب دون العجم، أو قال: إنه ليس خاتم النبيين بل بعده نبي، كل هذا كفر وضلال ونقض للإسلام نسأل الله العافية، فلابد من الإيمان بأنه رسول الله حقاً إلى جميع الثقلين الجن والإنس، ولابد من الإيمان بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين ليس بعده نبي، وأن من ادعى النبوة بعده كـمسيلمة الكذاب كافر بالله كذاب، كـمسيلمة والأسود العنسي في اليمن، وسجاح التميمية وطليحة الأسدي وجماعة ادعوا النبوة بعده، فأجمع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على كفرهم وقاتلوهم؛ لأنهم كذبوا معنى قوله سبحانه: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، قد تواترت الأحاديث عن رسول الله ﷺ أنه قال: أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي عليه الصلاة والسلام.
فهذه الشهادة التي هي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله هي الأصل الأصيل، وهي الركن الأول من أركان الإسلام، فلا إسلام إلا بهاتين الشهادتين، لو صلى وصام وحج وصام النهار وقام الليل وذكر الله كثيرًا ولكنه لا يؤمن بأن الله هو المستحق للعبادة، لا يؤمن بمعنى: لا إله إلا الله، بل يرى أنه لا مانع من عبادة الأوثان والأصنام، لا يرى مانعًا من عبادة البدوي أو الحسين أو الشيخ عبد القادر أو علي بن أبي طالب أو غيرهم، إذا اعتقد أنه يجوز هذا، يدعون من دون الله، يستغاث بهم.. ينذر لهم صار شركًا بالله عز وجل، وصار كلامه هذا وعقيدته هذه ناقضة لقول: لا إله إلا الله.
وهكذا لو قال: إن محمداً ﷺ ليس بخاتم الأنبياء، أو ليس مرسلاً للثقلين بل هو للعرب خاصة، كان كافرًا بالله عز وجل، فلابد أن يؤمن بأنه رسول الله إلى جميع الثقلين، ولابد أن يؤمن بأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي ولا رسول، هذا هو الأصل الأصيل.
ثم بعد هذا يطالب المسلم بعد بالصلاة، يطالب بالزكاة، بالصيام، بالحج، ببقية الأوامر وترك النواهي بعدما يثبت هذا الأصل، بعد إيمانه بشهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يعني: إيمانه بأن الله سبحانه هو المعبود بالحق وأن العبادة حقه وحده وأنه لا يعبد معه سواه لا نبي ولا ملك ولا شجر ولا صنم ولا غير ذلك، ولابد من الإيمان بأن محمدًا رسول الله مع التصديق بجميع الأنبياء الماضيين، وأنهم أدوا الرسالة وبلغوها عليهم الصلاة والسلام مع الإيمان بجميع ما تقدم من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، لابد من هذا وهذا، ولابد أيضًا مع هذا كله من التصديق بما أخبر الله به ورسوله عما كان وما يكون، فالله صادق في خبره ورسوله صادق عليه الصلاة والسلام، فمن كذَّب الله أو كذَّب الرسول صلى الله عليه وسلم كفر ولو صلى وصام، نسأل الله للجميع الهداية. نعم.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا.
أما بعد: فإن الله بعث نبيه محمداً ﷺ إلى الناس عامة، عربهم وعجمهم.. جنهم وإنسهم.. ذكورهم وإناثهم، يدعوهم إلى توحيد الله والإخلاص له، وإلى الإيمان به عليه الصلاة والسلام وبما جاء به، وإلى الإيمان بجميع المرسلين، وبجميع الملائكة، والكتب المنزلة من السماء، وباليوم الآخر وهو: البعث والنشور والجزاء والحساب والجنة والنار، وبالقدر خيره وشره وأن الله قدر الأشياء وعلمها وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى، فكل شيء يقع هو بقضاء الله وقدره سبحانه وتعالى، وأمر الناس أن يقولوا: (لا إله إلا الله) هذا هو أول شيء دعا إليه، وهو الركن الأول من أركان الإسلام: شهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فلما قال للناس: قولوا: لا إله إلا الله، وأمرهم أن يؤمنوا بأنه رسول الله عليه الصلاة والسلام امتنع الأكثرون وأنكروا هذه الدعوة، وقالت له قريش ما ذكر الله عنهم: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5].
وقال سبحانه عنهم: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات:35-36]، فاستنكروا هذه الدعوة؛ لأنهم عاشوا على عبادة الأوثان والأصنام واتخاذ الآلهة مع الله عز وجل، فلهذا أنكروا دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى توحيد الله والإخلاص له.
وهذا الذي دعا إليه ﷺ هو الذي دعت إليه الرسل جميعاً، كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: بني الإسلام على خمس: -يعني: على خمس دعائم-- شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وفي الصحيح أيضاً عن عمر بن الخطاب أن النبي ﷺ: أتاه سائل يسأله في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه من الحاضرين أحد، فقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت، قال الصحابة: فعجبنا له يسأله ويصدقه، ثم قال: أخبرني عن الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .. الحديث ، ثم أخبرهم النبي ﷺ أن هذا هو جبرائيل أتاهم يعلمهم دينهم، لما لم يسألوا أتاهم جبرائيل بأمر الله يسأل الرسول عن هذا الدين العظيم حتى يتعلموا ويستفيدوا.
فدين الإسلام مبني على هذه الأركان الخمسة الظاهرة:
أولها: شهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ثانيها: إقام الصلوات الخمس.
ثالثها: أداء الزكاة.
رابعها: صوم رمضان.
خامسها: حج بيت الله الحرام.
وعلى أركان باطنة إيمانية في القلب وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فلابد من هذه الأصول، لابد أن يؤمن المؤمن المكلف بهذه الأصول الستة الباطنية التي تتعلق بالقلب، فيؤمن أن الله ربه وإلهه ومعبوده الحق سبحانه وتعالى، ويؤمن بملائكة الله، وبكتب الله التي أنزلها على الأنبياء من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وغير ذلك، ويؤمن أيضاً بالرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده أولهم نوح وآخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، وهم كثيرون، بين الله بعضهم في القرآن العظيم، ونؤمن أيضًا باليوم الآخر، وهو البعث بعد الموت، والجزاء من عند الله عز وجل، أهل الإيمان لهم السعادة وأهل الكفر لهم الخيبة والندامة والنار.
ولابد من الإيمان بالقدر خيره وشره وأن الله قدر الأشياء وعلمها وكتبها وأحصاها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكل ما يقع في الوجود من خير وشر وطاعة ومعصية فقد سبق بهذا علم الله وكتابته وقدره سبحانه وتعالى.
فالأصل العظيم الأول الذي طالبت به الرسل هو: الإيمان بأن الله هو الإله الحق سبحانه وتعالى، وهو معنى شهادة: أن لا إله إلا الله، فهذا أصل أصيل أجمعت عليه الرسل عليهم الصلاة والسلام، كلهم دعوا إلى هذا الأصل الأصيل، وهو أن يؤمن الناس بأن الله هو الإله الحق، وأنه لا معبود بحق سواه، وهذا هو معنى: لا إله إلا الله، أي: لا معبود حق إلا الله وما عبده الناس من أصنام أو أشجار أو أحجار أو أنبياء أو أولياء أو ملائكة كله باطل، العبادة بحق لله وحده سبحانه وتعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[البقرة:163] .. وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] .. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] .. وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5].
ولابد مع هذا الأصل من الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام، في عهد نوح الإيمان بـنوح ، وفي عهد هود الإيمان بـهود مع توحيد الله، وفي عهد صالح الإيمان بـصالح مع توحيد الله، وهكذا في عهد كل رسول، لابد من توحيد الله والإيمان بأنه لا إله إلا الله ولابد من الإيمان بالرسول الذي بلغ الرسالة في عهده إلى آخرهم عيسى عليه الصلاة والسلام آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.
ثم بعث الله خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد ﷺ، فـعيسى هو آخر أنبياء بني إسرائيل ومحمد هو آخر الأنبياء وخاتم الأنبياء جميعاً ليس بعده نبي ولا رسول عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل الرسل وهو إمامهم وهو خاتمهم.
فلابد في حق الأمة أمة محمد ﷺ جنها وإنسها.. عربها وعجمها.. ذكورها وإناثها.. أغنيائها وفقرائها.. حكامها ومحكوميها لابد أن يؤمنوا بهذا النبي، فمن لم يؤمن به فلا إسلام له ولا دين له، فلابد من الإيمان بأن الله هو الإله الحق وأنه لا إله حق إلا الله، ولابد من الإيمان بمحمد ﷺ وأنه رسول الله حقًّا إلى جميع الناس، فمن لم يؤمن بهاتين الشهادتين فليس بمسلم.
لابد من الإيمان بهما واعتقاد معناهما، وأن معنى: (لا إله إلا الله) معناها: لا معبود حق إلا الله، فلا يجوز أن يدعى مع الله ملك أو نبي أو شجر أو حجر أو جن أو صنم لا. فإذا قال: يا رسول الله، انصرني بعد موته صلى الله عليه وسلم، أو قال: يا بدوي ، يا سيدي البدوي، انصرني، أو اشف مريضي، أو يا سيدي الحسين، أو يا سيدي عبد القادر، أو المدد المدد صار هذا شركًا بالله عز وجل، يبطل معنى: لا إله إلا الله، يعني: يبطل قولك: لا إله إلا الله؛ لأنك لم تأت بالعبادة لله وحده بل شركت مع الله غيره، ودعوت مع الله غيره، والله يقول: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، ويقول سبحانه: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكََ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106]، ويقول سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، ويقول جل وعلا: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] .. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، ويقول النبي ﷺ: الدعاء هو العبادة، ويقول جل وعلا: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، فلابد من إخلاص العبادة لله وحده ومنها الدعاء، فإذا قلت للميت أو للشجر أو للصنم: أغثني، انصرني، اشف مريضي، المدد المدد صار شركاً بالله، وصار نقضًا لقول: لا إله إلا الله.
وهكذا من كذب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أو شك في رسالته، أو قال: إنه للعرب دون العجم، أو قال: إنه ليس خاتم النبيين بل بعده نبي، كل هذا كفر وضلال ونقض للإسلام نسأل الله العافية، فلابد من الإيمان بأنه رسول الله حقاً إلى جميع الثقلين الجن والإنس، ولابد من الإيمان بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين ليس بعده نبي، وأن من ادعى النبوة بعده كـمسيلمة الكذاب كافر بالله كذاب، كـمسيلمة والأسود العنسي في اليمن، وسجاح التميمية وطليحة الأسدي وجماعة ادعوا النبوة بعده، فأجمع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على كفرهم وقاتلوهم؛ لأنهم كذبوا معنى قوله سبحانه: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، قد تواترت الأحاديث عن رسول الله ﷺ أنه قال: أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي عليه الصلاة والسلام.
فهذه الشهادة التي هي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله هي الأصل الأصيل، وهي الركن الأول من أركان الإسلام، فلا إسلام إلا بهاتين الشهادتين، لو صلى وصام وحج وصام النهار وقام الليل وذكر الله كثيرًا ولكنه لا يؤمن بأن الله هو المستحق للعبادة، لا يؤمن بمعنى: لا إله إلا الله، بل يرى أنه لا مانع من عبادة الأوثان والأصنام، لا يرى مانعًا من عبادة البدوي أو الحسين أو الشيخ عبد القادر أو علي بن أبي طالب أو غيرهم، إذا اعتقد أنه يجوز هذا، يدعون من دون الله، يستغاث بهم.. ينذر لهم صار شركًا بالله عز وجل، وصار كلامه هذا وعقيدته هذه ناقضة لقول: لا إله إلا الله.
وهكذا لو قال: إن محمداً ﷺ ليس بخاتم الأنبياء، أو ليس مرسلاً للثقلين بل هو للعرب خاصة، كان كافرًا بالله عز وجل، فلابد أن يؤمن بأنه رسول الله إلى جميع الثقلين، ولابد أن يؤمن بأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي ولا رسول، هذا هو الأصل الأصيل.
ثم بعد هذا يطالب المسلم بعد بالصلاة، يطالب بالزكاة، بالصيام، بالحج، ببقية الأوامر وترك النواهي بعدما يثبت هذا الأصل، بعد إيمانه بشهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يعني: إيمانه بأن الله سبحانه هو المعبود بالحق وأن العبادة حقه وحده وأنه لا يعبد معه سواه لا نبي ولا ملك ولا شجر ولا صنم ولا غير ذلك، ولابد من الإيمان بأن محمدًا رسول الله مع التصديق بجميع الأنبياء الماضيين، وأنهم أدوا الرسالة وبلغوها عليهم الصلاة والسلام مع الإيمان بجميع ما تقدم من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، لابد من هذا وهذا، ولابد أيضًا مع هذا كله من التصديق بما أخبر الله به ورسوله عما كان وما يكون، فالله صادق في خبره ورسوله صادق عليه الصلاة والسلام، فمن كذَّب الله أو كذَّب الرسول صلى الله عليه وسلم كفر ولو صلى وصام، نسأل الله للجميع الهداية. نعم.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا.