الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد سبق الكلام على الوضوء، وبينا الكيفية الشرعية للوضوء، وسبق الكلام في أول الصلاة وانتهينا إلى الركوع؛ فالذي شرعه الله جل وعلا في الركوع: أن المصلي إذا انتهى من القراءة يكبر رافعاً يديه راكعاً، يرفع يديه إلى حذو منكبيه أو إلى حيال أذنيه ويكبر قائلاً: الله أكبر، ثم يسوي ظهره -كما تقدم- ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع ويقول: سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي العظيم، وهذا يستوي فيه المرأة والرجل جميعاً، ويشرع له أن يقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، والأفضل أن يكرر التسبيح ثلاثاً يقول: سبحان ربي العظيم .. سبحان ربي العظيم .. سبحان ربي العظيم، وإن كرر أكثر فهو أفضل ما لم يشق على المأمومين إذا كان إماماً، ويستحب أن يقول في ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، وجاء عنه ﷺ أنه كان يقول في الركوع: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، فإذا قال مثل هذا فحسن اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام.
ثم يرفع قائلاً: سمع الله لمن حمده، إذا كان إماماً أو منفرداً، يقول عند الرفع: سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه مثلما فعل عند الركوع حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند قوله: سمع الله لمن حمده، ثم بعد انتصابه واعتداله يقول: ربنا ولك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، هذا ثبت عن النبي ﷺ من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة، وإن زاد على هذا فقال: أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفعع ذا الجد منك الجد، فذلك حسن؛ لأن الرسول كان يقوله في بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام، ومعنى: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) يعني: ولا ينفع ذا الغنى منك غناه، فالجميع فقراء إلى الله سبحانه وتعالى، والجد هو: الحظ والغنى.
وأما إذا كان مأموماً فإنه يقول: (ربنا ولك الحمد) عند الرفع، ويرفع يديه أيضاً حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند الرفع قائلاً: ربنا ولك الحمد، أو ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا ولك الحمد، كل هذا مشروع للإمام والمأموم والمنفرد جميعاً، لكن الإمام يقول: (سمع الله لمن حمده) أولاً وهكذا المنفرد، ثم يأتي بالحمد بعد ذلك، أما المأموم فإنه يقول هذا عند ارتفاعه من الركوع يقول: (ربنا ولك الحمد) ولا يأتي بالتسميع، لا يقول: (سمع الله لمن حمده) على الصحيح المختار الذي دلت عليه الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والواجب الاعتدال في هذا الركن، لا يعجل، متى رفع يعتدل ويطمئن قائماً ويضع يديه على صدره هذا هو الأفضل، قال بعض أهل العلم: يرسلها، ولكن الصواب أنه يضعهما على صدره، يضع اليمنى كف اليمنى على كف اليسرى على صدره كما فعل قبل الركوع وهو قائم، هذا هو السنة؛ لما ثبت عنه ﷺ أنه كان إذا كان قائماً في الصلاة وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى في الصلاة على صدره، ثبت هذا من حديث وائل بن حجر ، وثبت هذا أيضاً من حديث قبيصة بن خلد الطائي عن أبيه، وثبت مرسلاً من حديث طاوس عن النبي ﷺ، هذا هو الأفضل والسنة، وإن أرسل يديه فلا حرج في صلاته صلاته صحيحة لكنه ترك السنة، ولا ينبغي للمؤمنين المشاقة في هذا أو المنازعة، بل المؤمن يعلم السنة وطالب العلم يعلم السنة لإخوانه، ولكن لا يشنع على من أرسل، ولا يكون بينه وبينهم العداوة والشحناء؛ لأنها سنة نافلة، فلا ينبغي للإخوان لا في أفريقيا ولا في غيرها النزاع في هذا والشحناء، بل يكون التعليم بالرفق والحكمة والمحبة لأخيه كما يحب لنفسه، هكذا ينبغي في هذه الأمور.
وجاء في حديث سهل في الصحيح صحيح البخاري عن سهل بن سعد قال: كان الرجل يؤمر أن يجعل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم الراوي عن سهل: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي ﷺ؛ فدل ذلك على أنه في الصلاة إذا كان قائماً يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، والمعنى: على كفه وطرف ذراعه؛ لأن هذا هو الجمع بينه وبين رواية وائل بن حجر ، فإذا وضع كفه على الرسغ والساعد فقد وضعه على الذراع، لأن الساعد من الذراع فيضع كفه اليمنى على كفه اليسرى وعلى الرسغ والساعد كما جاء مصرحاً به في حديث وائل ، وهذا يشمل القيام الذي قبل الركوع والقيام الذي بعد الركوع.
وهذا الاعتدال من أركان الصلاة لابد منه، بعض الناس قد يعجل من حين يرفع ينزل ساجداً وهذا لا يجوز، بل الواجب على المصلي أن يعتدل بعد الركوع ويطمئن ولا يعجل، قال أنس : كان النبي ﷺ إذا وقف بعد الركوع يعتدل ويقف طويلاً حتى يقول القائل: قد نسي، وهكذا بين السجدتين يطول عليه الصلاة والسلام حتى يقول القائل: قد نسي، فالواجب على المصلي في الفريضة وفي النافلة ألا يعجل، بل يطمئن بعد الركوع طمأنينة واضحة يأتي فيها بالذكر المشروع وهكذا بين السجدتين لا يعجل يطمئن ويعتدل بين السجدتين كما يأتي ويقول بينهما: (رب اغفر لي.. رب اغفر لي) كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم بعد هذا الحمد والثناء والاعتدال والطمأنينة بعد الركوع ينحط ساجداً قائلاً: (الله أكبر) من دون رفع اليدين، ينحط ساجداً من دون رفع اليدين؛ لأن الثابت عن رسول الله ﷺ عدم الرفع في هذا المقام، فيسجد على أعضائه السبعة: جبهته وأنفه هذا عضو، وكفيه، وعلى ركبتيه، وعلى أصابع رجليه، قال النبي ﷺ: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الوجه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين هذا هو المشروع وهذا هو الواجب على الرجال والنساء جميعاً أن يسجدوا على هذه الأعضاء السبعة: الجبهة والأنف هذا عضو، واليدين -يعني: الكفين- يبسطهما ويمدهما إلى القبلة يمد أطراف أصابعه إلى القبلة ضاماً بعضها إلى بعض، والركبتين، وأطراف القدمين يعني: على أصابع القدمين باسطاً لها على الأرض الأصابع ومعتمداً عليها وأطرافها إلى القبلة هكذا فعل النبي ﷺ.
والأفضل أن يقدم ركبتيه قبل يديه عند انحطاطه للسجود، هذا هو الأفضل، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقدم يديه، ولكن الأرجح هو أنه يقدم ركبتيه ثم يديه؛ لأنه ثبت هذا من حديث وائل بن حجر عن النبي ﷺ أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه.
وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه فأشكل هذا على كثير من أهل العلم، فقال بعضهم: يضع يديه قبل ركبتيه، وقال آخرون: بل يضع ركبتيه قبل يديه، وهذا هو الذي يخالف بروك البعير؛ لأن بروك البعير يبدأ بيديه، فإذا برك المؤمن على ركبتيه خالف البعير، وهذا هو الموافق لحديث وائل وهذا هو الصواب: أن يسجد على ركبتيه أولاً ثم يضع يديه على الأرض ثم يضع جبهته وأنفه على الأرض، هذا هو المشروع، فإذا رفع رفع جبهته أولاً ثم يديه ثم نهض، هذا هو المشروع الذي جاءت به السنة عن النبي ﷺ وهو الجمع بين الحديثين.
وأما قوله في حديث أبي هريرة: وليضع يديه قبل ركبتيه، فالظاهر -والله أعلم- أنه انقلاب كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله، وإنما الصواب أن يضع ركبتيه قبل يديه حتى يوافق آخر الحديث أوله، وحتى يتفق مع حديث وائل وما جاء في معناه.
وفي هذا السجود يقول: سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى، ويكرر ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك، لكن يراعي الإمام المأمومين، إذا كان إماماً يراعيهم حتى لا يشق عليهم، أما المنفرد فهذا لا يضره لو أطال بعض الشيء، كذلك المأموم تابع لإمامه فيسبح ويدعو ربه في السجود حتى يرفع إمامه، والسنة للإمام والمأموم والمنفرد الدعاء في السجود، يقول النبي ﷺ: أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم يعني: حري أن يستجاب لكم، وأول الحديث يقول ﷺ: إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فالركوع والسجود ما فيه قراءة، لا يقرأ في الركوع ولا في السجود، إنما القراءة في حال القيام في حق من قدر، وفي حال القعود في حق من عجز عن القيام يقرأ وهو قاعد، أما السجود والركوع فليس فيهما قراءة، وإنما فيهما تسبيح الرب وتعظيمه وفي السجود زيادة على ذلك الدعاء، فيقول: سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى ويدعو، وكان النبي ﷺ يدعو في سجوده يقول: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره فيدعو بمثل هذا الدعاء الذي كان يدعو به النبي ﷺ كما رواه مسلم في الصحيح.
وثبت في صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه كان يقول: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء، هذا يدلنا على شرعية كثرة الدعاء في السجود من الإمام والمأموم والمنفرد، فيدعو كل منهم في سجوده مع التسبيح.. مع قوله: سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى، ومع قوله: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، لما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها عند الشيخين - البخاري ومسلم - رحمة الله عليهما قالت: كان النبي ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك.. اللهم اغفر لي، ويشرع مع هذا الدعاء والجد في الدعاء في المهمات من أمر الدنيا والآخرة، ولا حرج أن يدعو بأمر دنياه كأن يقول: اللهم ارزقني زوجة صالحة، أو تقول المرأة: اللهم ارزقني زوجاً صالحاً، أو ذرية طيبة، أو مالاً حلالاً، أو ما أشبه ذلك من حاجات الدنيا، ويدعو فيما يتعلق بالآخرة وهو الأكثر وهو الأهم كأن يقول: «اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره»، اللهم أصلح قلبي وعملي، وارزقني الفقه في ديني، اللهم إني أسألك الهدى والسداد، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين، اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار، وما أشبه هذا الدعاء، يكثر في سجوده من الدعاء لكن من غير إطالة تشق على المأمومين، بل يراعي المأمومين حتى لا يشق عليهم إذا كان إماماً، ويقول مع ذلك في سجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» -كما تقدم- مرتين أو ثلاثاً كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام.
ثم يرفع من السجدة قائلاً: (الله أكبر) ويجلس مفترشاً يسراه ناصباً يمناه، فيضع يده اليمنى على فخذه اليمنى أو على الركبة باسطاً أصابعه على ركبته، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى أو على ركبته ويبسط أصابعه على ركبته هكذا السنة، إذا جلس بين السجدتين يضع اليمنى على فخذه اليمنى أو ركبته اليمنى، ويضع اليسرى على فخذه اليسرى أو ركبته اليسرى، ويقول: رب اغفر لي.. رب اغفر لي.. رب اغفر لي كما كان النبي يقول ﷺ، ويستحب أن يقول مع هذا: اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي، وارحمني، واجبرني، وارزقني، وعافني، يروى هذا عن النبي ﷺ أيضاً مع قوله: رب اغفر لي.. رب اغفر لي، اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، واجبرني، وارزقني، وعافني، وإن دعا بالزيادة فلا بأس كأن يقول: اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار، اللهم أصلح قلبي وعملي.. ونحو ذلك لا بأس، ولكن يكثر من المغفرة.. من طلب المغفرة فيما بين السجدتين اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام.
ثم بعد ذلك يسجد الثانية قائلاً: الله أكبر، ويسجد الثانية على جبهته وأنفه وعلى كفيه وعلى ركبتيه وعلى أطراف قدميه كما فعل في السجدة الأولى، ويعتدل.. يرفع بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، لا يبرك بروكاً كالبهيمة، لا، بل يعتدل في السجود؛ يقول النبي ﷺ: اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب، وقال عليه الصلاة والسلام: إذا سجد أحدكم فليضع كفيه وليرفع مرفقيه، فالسنة كونه يعتدل يكون واضعاً كفيه على الأرض رافعاً ذراعيه عنها ولا يبسطها كالكلب والذئب ونحو ذلك، لا، بل يرفعها ويرفع بطنه عن فخذيه، ويرفع فخذيه عن ساقيه حتى يعتدل في السجود ويكون مرتفعاً معتدلاً واضعاً كفيه على الأرض رافعاً ذراعيه عن الأرض كما أمر بهذا النبي ﷺ وكما فعل عليه الصلاة والسلام.
ثم يقول في السجود: سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى، ويدعو -كما تقدم- في السجود الأول، ويقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك.. اللهم اغفر لي، مثلما قال في السجود الأول.
ثم يكبر رافعاً ناهضاً إلى الركعة الثانية، والأفضل يجلس جلسة خفيفة بعد السجود الثاني جلسة خفيفة يسميها بعض الفقهاء: جلسة الاستراحة، يجلس على رجله اليسرى مفروشة وينصب اليمنى مثل حاله بين السجدتين لكنها خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء هذا هو الأفضل وإن قام ولم يجلس فلا حرج، لكن الأفضل أن يجلسها كما فعلها النبي ﷺ، وقال بعض أهل العلم: إن هذا يفعل عند كبر السن وعند المرض، ولكن الصحيح أنها سنة من سنن الصلاة مطلقاً ولو كان المصلي شاباً وصحيحاً، فهي مستحبة على الصحيح لكنها غير واجبة وهي جلسة خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء، يجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى مثل الجلوس بين السجدتين.
ثم ينهض إلى الثانية مكبراً قائلاً: (الله أكبر) من حين ينهض من سجوده جالساً جلسة الاستراحة، أو حين يفرغ من جلسة الاستراحة ينهض ويقول: الله أكبر، فإن بدأ بالتكبير جلس فينبه الجماعة على ألا يسبقوه حتى يجلسوها ويأتوا بهذه السنة، وإن جلسها قبل أن يكبر ثم رفع بالتكبير فلا بأس، المهم أن هذه جلسة مستحبة وليست واجبة، فإن أتى بالتكبير قبلها وجه المأمومين حتى لا يسبقوه بجلوسها، وإن جلس أولاً ثم رفع بالتكبير فلا حاجة إلى التوجه إليه إلا من باب التعليم من باب تعليم السنة.
ثم يفعل في الثانية كما فعل في الأولى: يقرأ الفاتحة، يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي الله، وإن ترك التعوذ واكتفى بالتعوذ الأول في الأولى فلا بأس، وإن أعاده فهو أفضل؛ لأنه مع قراءة جديدة، فيتعوذ بالله من الشيطان ويسمي ويقرأ الفاتحة ثم يقرأ معها سورة أو آيات كما فعل في الأولى، لكن تكون السورة في الثانية أقصر من الأولى، تكون قراءته في الثانية أقصر من الأولى كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي قتادة الأنصاري ، فإذا فرغ من القراءة كبر للركوع كما فعل في الركعة الأولى، أن يكبر رافعاً يديه قائلاً: الله أكبر، ثم يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع كما فعل في الأول، ويكون ظهره مستوياً، ويكون رأسه حيال ظهره مستوياً، هكذا كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، ويقول: سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي العظيم.. ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك لكن بشرط ألا يشق على المؤمنين إذا كان إماماً، ويستحب أن يقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك.. اللهم اغفر لي، كما تقدم، وإن قال: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمةفحسن أيضاً، وهكذا: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، كل هذا حسن فعله النبي ﷺ، وفعل أيضاً في تهجده في الركوع يقول: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وجميع ما استقلت به قدمي، هذا كان يقوله ﷺ في الركوع وفي صلاة التهجد تهجده في الليل، فإذا فعله في الليل أو في الفريضة فلا بأس بذلك، ولكن يلاحظ عدم المشقة على المأمومين إذا كان إماماً.
ثم بعدما يأتي بالأذكار المشروعة في الركوع ينهض رافعاً قائلاً: (سمع الله لمن حمده) إذا كان إماماً أو منفرداً كما تقدم في الركعة الأولى، ثم يعتدل بعد الركوع وينتصب ويخشع لله ويقول في ذلك: (ربنا ولك الحمد)، أو اللهم ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، هذا هو الأفضل، وإن زاد فقال: أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، فكل ذلك حسن فعله النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا عام للإمام والمأموم والمنفرد جميعاً، لكن للمأموم عند الرفع لا يقول: سمع الله لمن حمده بل يقول: ربنا ولك الحمد كما سبق في الركعة الأولى.
ثم بعد الفراغ من القراءة يكبر راكعاً كما فعل في الركعة الأولى كما تقدم بعد فراغه من القراءة يركع كما تقدم ويفعل كما تقدم من رفع يديه عند الركوع ووضعهما على ركبتيه ويسوي ظهره ويسوي رأسه مع ظهره كل هذا تقدم.
وإذا اعتدل بعد الركوع لا يعجل بل يطمئن -كما تقدم- وأن الرسول ﷺ كان يطمئن في ذلك حتى يقول القائل: قد نسي. بعض الناس يعجل في اعتداله ولا يطمئن وهذا غلط لا يجوز، بل يبطل الصلاة إذا عجل ولم يعتدل، فلا بد من اعتداله وطمأنينته بعد الركوع يقول في ذلك: ربنا ولك الحمد.. إلى آخره بعد قوله: (سمع الله لمن حمده) عند الرفع إذا كان إماماً أو منفرداً، أما المأموم فيرفع قائلاً: (ربنا ولك الحمد) رافعاً يديه مع ذلك حيال منكبيه أو حيال أذنيه ثم يكمل: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، ثم ينحط للسجود وإن زاد قبل أن ينحط للسجود:أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، كان هذا أكمل وأفضل لفعله ﷺ.
ثم ينحط ساجداً -كما تقدم- في الركعة الأولى ينحط من هذا الاعتدال ساجداً مكبراً من غير رفع يدين بل يكبر عند الانحطاط للسجود من دون رفع اليدين ويسجد كما تقدم، يسجد السجدتين مثل سجوده في الركعة الأولى سواء، يسجد الأولى ويقول فيها: سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى، ويدعو فيها بما تيسر ثم يرفع مكبراً ويقول: (رب اغفر لي.. رب اغفر لي) ويعتدل ويطيل هذا الاعتدال حتى ... بين السجدتين ثم يكبر ويسجد الثانية ويدعو فيها ويقول: سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى كما تقدم.
ثم يرفع فيجلس للتشهد الأول، إذا كانت الصلاة رباعية كالظهر والعصر والعشاء أو ثلاثية كالمغرب فيأتي بالتشهد: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله» . هذا هو الثابت في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وإن أتى بغير هذا مما ثبت في الأحاديث الصحيحة كفى، لكن هذا أثبتها، هذا الأفضل الذي قلناه لكم هذا هو أثبتها، ثم بعد هذا يقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ثم ينهض إلى الثالثة وإن لم يأت بالصلاة على النبي وآله قد نهض بعد الشهادة فلا بأس حين قال: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) لو نهض ولم يصل على النبي ﷺ فلا بأس؛ لأن جملة من أهل العلم لا تستحب هنا وإنما هي مشروعة في التشهد الأخير، ولكن ظاهر الأحاديث الصحيحة أنها تشرع هنا وهناك، فيأتي بها أفضل هنا لكن ليست واجبة عليه هنا وإنما تجب في التشهد الأخير عند جمع من أهل العلم.
فإذا فرغ من التشهد والصلاة على النبي ﷺ؛ لأنه الأفضل أن يصلي على النبي ﷺ على الصحيح ينهض بعد مكبراً قائلاً: (الله أكبر) رافعاً يديه كما ثبت هذا من حديث ابن عمر عند البخاري رحمه الله، فيرفع يديه مكبراً قائلاً: (الله أكبر) عند نهوضه من التشهد الأول حتى يأتي بالثالثة في المغرب وحتى يأتي بالثالثة والرابعة في العشاء والظهر والعصر.
ويقرأ الفاتحة هذا هو الأفضل وتكفيه الفاتحة، يقرأ الفاتحة وتكفيه الفاتحة لا زيادة كما ثبت هذا في حديث أبي قتادة «أن النبي ﷺ كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب» وهكذا الأخيرة من المغرب، وإن قرأ زيادة في الظهر بعض الأحيان فحسن؛ لأنه ثبت من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي ﷺ «أنه كان في الظهر يقرأ في الأوليين من العصر مقدار ما يقرأ في الأخريين من الظهر»، فهذا يدل على أنه كان يقرأ في الأخيرتين من الظهر زيادة على الفاتحة، فإذا قرأ زيادة فلا بأس بل هو حسن في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان يقتصر على الفاتحة في الظهر كالعصر والمغرب والعشاء جمعاً بين حديث أبي سعيد وحديث أبي قتادة ، فإذا قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر فهذا على حديث أبي سعيد ، وإذا ترك فهذا على حديث أبي قتادة ، فيفعل هذا تارة وهذا تارة، أما في الثالثة والرابعة من العصر والثالثة والرابعة من العشاء والثالثة من المغرب فليس فيها إلا قراءة الفاتحة فقط، لا يقرأ زيادة لعدم الدليل على ذلك.
ثم بعد فراغه من الفاتحة في الثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء ينحط ساجداً قائلاً: (الله أكبر) فيسجد سجدتين مثلما فعل في الركعة الأولى والثانية بعدما يركع.. يركع أولاً -كما هو معلوم- بعد أن فرغ من القراءة يركع الركوع الشرعي مكبراً رافعاً يديه فيركع ويستوي في الركوع ويعتدل في الركوع ويضع يديه على ركبتيه ويجعل رأسه حيال ظهره مستوياً خاشعاً مطمئناً يقول: سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي العظيم، وإن زاد فقال: سبحانك اللهم ربنا وبحمده.. اللهم اغفر لي فحسن كما تقدم في حديث عائشة ، ثم بعدما يأتي بهذا الذكر في الركوع يرفع قائلاً: (سمع الله لمن حمده) إذا كان إمام أو منفرد، أما إن كان مأموماً فعند الرفع يقول: ربنا ولك الحمد، ثم يكمل الإمام والمنفرد والمأموم يكملون: «ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد»، هذا هو المشروع، وهكذا في الركعة الرابعة يفعل مثل هذا سواء.
وينحط للسجود مثل الركوع مثلما فعل في الأولى والثانية، ينحط مكبراً قائلاً: الله أكبر، فيسجد على السبعة الأعضاء كما تقدم ويطمئن في سجوده ولا يعجل، ويعتدل بين السجدتين اعتدالاً كاملاً، وهكذا في الركعة الأخيرة سواء بسواء، وهكذا في الثالثة من المغرب سواء بسواء.
أما الفجر فليس فيها ثالثة ولا رابعة، الفجر ركعتان، وهكذا الجمعة ركعتان، وهكذا العيد ركعتان يقرأ فيهما بالفاتحة وما تيسر معها من القرآن الكريم كما هو معلوم من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وبهذا تنتهي الصلاة ولا يبقى إلا التشهد.
فإذا فرغ من الرابعة في الظهر والعصر والعشاء والثالثة من المغرب والثانية من الفجر والجمعة ونحو ذلك إذا فرغ من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة جلس للتحيات كما قرأها في التشهد الأول يقرؤها أخيراً، فيقول: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله» ثم يصلي على النبي ﷺ فيقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، هكذا يجب أن يأتي بها هكذا كما شرع الله، وفي هذا خلاف لكن هذا هو الصواب أنه يجب أن يأتي بالصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير؛ لأن الرسول ﷺ لما سألوه: «ماذا نقول في صلاتنا إذا ... ؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد.. إلى آخره، قال: والسلام كما علمتم أي: في قوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فدل على أن هذا يقال في الصلاة.
فبعد هذه الصلاة على النبي ﷺ يدعو بالدعوات المشهورة ويتعوذ بالله من الأربع الأشياء التي كان يتعوذ منها النبي ﷺفيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال كان النبي ﷺ يتعوذ من هذه الأربع..
أما بعد:
فقد سبق الكلام على الوضوء، وبينا الكيفية الشرعية للوضوء، وسبق الكلام في أول الصلاة وانتهينا إلى الركوع؛ فالذي شرعه الله جل وعلا في الركوع: أن المصلي إذا انتهى من القراءة يكبر رافعاً يديه راكعاً، يرفع يديه إلى حذو منكبيه أو إلى حيال أذنيه ويكبر قائلاً: الله أكبر، ثم يسوي ظهره -كما تقدم- ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع ويقول: سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي العظيم، وهذا يستوي فيه المرأة والرجل جميعاً، ويشرع له أن يقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، والأفضل أن يكرر التسبيح ثلاثاً يقول: سبحان ربي العظيم .. سبحان ربي العظيم .. سبحان ربي العظيم، وإن كرر أكثر فهو أفضل ما لم يشق على المأمومين إذا كان إماماً، ويستحب أن يقول في ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، وجاء عنه ﷺ أنه كان يقول في الركوع: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، فإذا قال مثل هذا فحسن اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام.
ثم يرفع قائلاً: سمع الله لمن حمده، إذا كان إماماً أو منفرداً، يقول عند الرفع: سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه مثلما فعل عند الركوع حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند قوله: سمع الله لمن حمده، ثم بعد انتصابه واعتداله يقول: ربنا ولك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، هذا ثبت عن النبي ﷺ من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة، وإن زاد على هذا فقال: أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفعع ذا الجد منك الجد، فذلك حسن؛ لأن الرسول كان يقوله في بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام، ومعنى: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) يعني: ولا ينفع ذا الغنى منك غناه، فالجميع فقراء إلى الله سبحانه وتعالى، والجد هو: الحظ والغنى.
وأما إذا كان مأموماً فإنه يقول: (ربنا ولك الحمد) عند الرفع، ويرفع يديه أيضاً حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند الرفع قائلاً: ربنا ولك الحمد، أو ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا ولك الحمد، كل هذا مشروع للإمام والمأموم والمنفرد جميعاً، لكن الإمام يقول: (سمع الله لمن حمده) أولاً وهكذا المنفرد، ثم يأتي بالحمد بعد ذلك، أما المأموم فإنه يقول هذا عند ارتفاعه من الركوع يقول: (ربنا ولك الحمد) ولا يأتي بالتسميع، لا يقول: (سمع الله لمن حمده) على الصحيح المختار الذي دلت عليه الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والواجب الاعتدال في هذا الركن، لا يعجل، متى رفع يعتدل ويطمئن قائماً ويضع يديه على صدره هذا هو الأفضل، قال بعض أهل العلم: يرسلها، ولكن الصواب أنه يضعهما على صدره، يضع اليمنى كف اليمنى على كف اليسرى على صدره كما فعل قبل الركوع وهو قائم، هذا هو السنة؛ لما ثبت عنه ﷺ أنه كان إذا كان قائماً في الصلاة وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى في الصلاة على صدره، ثبت هذا من حديث وائل بن حجر ، وثبت هذا أيضاً من حديث قبيصة بن خلد الطائي عن أبيه، وثبت مرسلاً من حديث طاوس عن النبي ﷺ، هذا هو الأفضل والسنة، وإن أرسل يديه فلا حرج في صلاته صلاته صحيحة لكنه ترك السنة، ولا ينبغي للمؤمنين المشاقة في هذا أو المنازعة، بل المؤمن يعلم السنة وطالب العلم يعلم السنة لإخوانه، ولكن لا يشنع على من أرسل، ولا يكون بينه وبينهم العداوة والشحناء؛ لأنها سنة نافلة، فلا ينبغي للإخوان لا في أفريقيا ولا في غيرها النزاع في هذا والشحناء، بل يكون التعليم بالرفق والحكمة والمحبة لأخيه كما يحب لنفسه، هكذا ينبغي في هذه الأمور.
وجاء في حديث سهل في الصحيح صحيح البخاري عن سهل بن سعد قال: كان الرجل يؤمر أن يجعل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم الراوي عن سهل: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي ﷺ؛ فدل ذلك على أنه في الصلاة إذا كان قائماً يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، والمعنى: على كفه وطرف ذراعه؛ لأن هذا هو الجمع بينه وبين رواية وائل بن حجر ، فإذا وضع كفه على الرسغ والساعد فقد وضعه على الذراع، لأن الساعد من الذراع فيضع كفه اليمنى على كفه اليسرى وعلى الرسغ والساعد كما جاء مصرحاً به في حديث وائل ، وهذا يشمل القيام الذي قبل الركوع والقيام الذي بعد الركوع.
وهذا الاعتدال من أركان الصلاة لابد منه، بعض الناس قد يعجل من حين يرفع ينزل ساجداً وهذا لا يجوز، بل الواجب على المصلي أن يعتدل بعد الركوع ويطمئن ولا يعجل، قال أنس : كان النبي ﷺ إذا وقف بعد الركوع يعتدل ويقف طويلاً حتى يقول القائل: قد نسي، وهكذا بين السجدتين يطول عليه الصلاة والسلام حتى يقول القائل: قد نسي، فالواجب على المصلي في الفريضة وفي النافلة ألا يعجل، بل يطمئن بعد الركوع طمأنينة واضحة يأتي فيها بالذكر المشروع وهكذا بين السجدتين لا يعجل يطمئن ويعتدل بين السجدتين كما يأتي ويقول بينهما: (رب اغفر لي.. رب اغفر لي) كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم بعد هذا الحمد والثناء والاعتدال والطمأنينة بعد الركوع ينحط ساجداً قائلاً: (الله أكبر) من دون رفع اليدين، ينحط ساجداً من دون رفع اليدين؛ لأن الثابت عن رسول الله ﷺ عدم الرفع في هذا المقام، فيسجد على أعضائه السبعة: جبهته وأنفه هذا عضو، وكفيه، وعلى ركبتيه، وعلى أصابع رجليه، قال النبي ﷺ: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الوجه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين هذا هو المشروع وهذا هو الواجب على الرجال والنساء جميعاً أن يسجدوا على هذه الأعضاء السبعة: الجبهة والأنف هذا عضو، واليدين -يعني: الكفين- يبسطهما ويمدهما إلى القبلة يمد أطراف أصابعه إلى القبلة ضاماً بعضها إلى بعض، والركبتين، وأطراف القدمين يعني: على أصابع القدمين باسطاً لها على الأرض الأصابع ومعتمداً عليها وأطرافها إلى القبلة هكذا فعل النبي ﷺ.
والأفضل أن يقدم ركبتيه قبل يديه عند انحطاطه للسجود، هذا هو الأفضل، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقدم يديه، ولكن الأرجح هو أنه يقدم ركبتيه ثم يديه؛ لأنه ثبت هذا من حديث وائل بن حجر عن النبي ﷺ أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه.
وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه فأشكل هذا على كثير من أهل العلم، فقال بعضهم: يضع يديه قبل ركبتيه، وقال آخرون: بل يضع ركبتيه قبل يديه، وهذا هو الذي يخالف بروك البعير؛ لأن بروك البعير يبدأ بيديه، فإذا برك المؤمن على ركبتيه خالف البعير، وهذا هو الموافق لحديث وائل وهذا هو الصواب: أن يسجد على ركبتيه أولاً ثم يضع يديه على الأرض ثم يضع جبهته وأنفه على الأرض، هذا هو المشروع، فإذا رفع رفع جبهته أولاً ثم يديه ثم نهض، هذا هو المشروع الذي جاءت به السنة عن النبي ﷺ وهو الجمع بين الحديثين.
وأما قوله في حديث أبي هريرة: وليضع يديه قبل ركبتيه، فالظاهر -والله أعلم- أنه انقلاب كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله، وإنما الصواب أن يضع ركبتيه قبل يديه حتى يوافق آخر الحديث أوله، وحتى يتفق مع حديث وائل وما جاء في معناه.
وفي هذا السجود يقول: سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى، ويكرر ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك، لكن يراعي الإمام المأمومين، إذا كان إماماً يراعيهم حتى لا يشق عليهم، أما المنفرد فهذا لا يضره لو أطال بعض الشيء، كذلك المأموم تابع لإمامه فيسبح ويدعو ربه في السجود حتى يرفع إمامه، والسنة للإمام والمأموم والمنفرد الدعاء في السجود، يقول النبي ﷺ: أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم يعني: حري أن يستجاب لكم، وأول الحديث يقول ﷺ: إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فالركوع والسجود ما فيه قراءة، لا يقرأ في الركوع ولا في السجود، إنما القراءة في حال القيام في حق من قدر، وفي حال القعود في حق من عجز عن القيام يقرأ وهو قاعد، أما السجود والركوع فليس فيهما قراءة، وإنما فيهما تسبيح الرب وتعظيمه وفي السجود زيادة على ذلك الدعاء، فيقول: سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى ويدعو، وكان النبي ﷺ يدعو في سجوده يقول: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره فيدعو بمثل هذا الدعاء الذي كان يدعو به النبي ﷺ كما رواه مسلم في الصحيح.
وثبت في صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه كان يقول: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء، هذا يدلنا على شرعية كثرة الدعاء في السجود من الإمام والمأموم والمنفرد، فيدعو كل منهم في سجوده مع التسبيح.. مع قوله: سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى، ومع قوله: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، لما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها عند الشيخين - البخاري ومسلم - رحمة الله عليهما قالت: كان النبي ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك.. اللهم اغفر لي، ويشرع مع هذا الدعاء والجد في الدعاء في المهمات من أمر الدنيا والآخرة، ولا حرج أن يدعو بأمر دنياه كأن يقول: اللهم ارزقني زوجة صالحة، أو تقول المرأة: اللهم ارزقني زوجاً صالحاً، أو ذرية طيبة، أو مالاً حلالاً، أو ما أشبه ذلك من حاجات الدنيا، ويدعو فيما يتعلق بالآخرة وهو الأكثر وهو الأهم كأن يقول: «اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره»، اللهم أصلح قلبي وعملي، وارزقني الفقه في ديني، اللهم إني أسألك الهدى والسداد، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين، اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار، وما أشبه هذا الدعاء، يكثر في سجوده من الدعاء لكن من غير إطالة تشق على المأمومين، بل يراعي المأمومين حتى لا يشق عليهم إذا كان إماماً، ويقول مع ذلك في سجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» -كما تقدم- مرتين أو ثلاثاً كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام.
ثم يرفع من السجدة قائلاً: (الله أكبر) ويجلس مفترشاً يسراه ناصباً يمناه، فيضع يده اليمنى على فخذه اليمنى أو على الركبة باسطاً أصابعه على ركبته، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى أو على ركبته ويبسط أصابعه على ركبته هكذا السنة، إذا جلس بين السجدتين يضع اليمنى على فخذه اليمنى أو ركبته اليمنى، ويضع اليسرى على فخذه اليسرى أو ركبته اليسرى، ويقول: رب اغفر لي.. رب اغفر لي.. رب اغفر لي كما كان النبي يقول ﷺ، ويستحب أن يقول مع هذا: اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي، وارحمني، واجبرني، وارزقني، وعافني، يروى هذا عن النبي ﷺ أيضاً مع قوله: رب اغفر لي.. رب اغفر لي، اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، واجبرني، وارزقني، وعافني، وإن دعا بالزيادة فلا بأس كأن يقول: اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار، اللهم أصلح قلبي وعملي.. ونحو ذلك لا بأس، ولكن يكثر من المغفرة.. من طلب المغفرة فيما بين السجدتين اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام.
ثم بعد ذلك يسجد الثانية قائلاً: الله أكبر، ويسجد الثانية على جبهته وأنفه وعلى كفيه وعلى ركبتيه وعلى أطراف قدميه كما فعل في السجدة الأولى، ويعتدل.. يرفع بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، لا يبرك بروكاً كالبهيمة، لا، بل يعتدل في السجود؛ يقول النبي ﷺ: اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب، وقال عليه الصلاة والسلام: إذا سجد أحدكم فليضع كفيه وليرفع مرفقيه، فالسنة كونه يعتدل يكون واضعاً كفيه على الأرض رافعاً ذراعيه عنها ولا يبسطها كالكلب والذئب ونحو ذلك، لا، بل يرفعها ويرفع بطنه عن فخذيه، ويرفع فخذيه عن ساقيه حتى يعتدل في السجود ويكون مرتفعاً معتدلاً واضعاً كفيه على الأرض رافعاً ذراعيه عن الأرض كما أمر بهذا النبي ﷺ وكما فعل عليه الصلاة والسلام.
ثم يقول في السجود: سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى، ويدعو -كما تقدم- في السجود الأول، ويقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك.. اللهم اغفر لي، مثلما قال في السجود الأول.
ثم يكبر رافعاً ناهضاً إلى الركعة الثانية، والأفضل يجلس جلسة خفيفة بعد السجود الثاني جلسة خفيفة يسميها بعض الفقهاء: جلسة الاستراحة، يجلس على رجله اليسرى مفروشة وينصب اليمنى مثل حاله بين السجدتين لكنها خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء هذا هو الأفضل وإن قام ولم يجلس فلا حرج، لكن الأفضل أن يجلسها كما فعلها النبي ﷺ، وقال بعض أهل العلم: إن هذا يفعل عند كبر السن وعند المرض، ولكن الصحيح أنها سنة من سنن الصلاة مطلقاً ولو كان المصلي شاباً وصحيحاً، فهي مستحبة على الصحيح لكنها غير واجبة وهي جلسة خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء، يجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى مثل الجلوس بين السجدتين.
ثم ينهض إلى الثانية مكبراً قائلاً: (الله أكبر) من حين ينهض من سجوده جالساً جلسة الاستراحة، أو حين يفرغ من جلسة الاستراحة ينهض ويقول: الله أكبر، فإن بدأ بالتكبير جلس فينبه الجماعة على ألا يسبقوه حتى يجلسوها ويأتوا بهذه السنة، وإن جلسها قبل أن يكبر ثم رفع بالتكبير فلا بأس، المهم أن هذه جلسة مستحبة وليست واجبة، فإن أتى بالتكبير قبلها وجه المأمومين حتى لا يسبقوه بجلوسها، وإن جلس أولاً ثم رفع بالتكبير فلا حاجة إلى التوجه إليه إلا من باب التعليم من باب تعليم السنة.
ثم يفعل في الثانية كما فعل في الأولى: يقرأ الفاتحة، يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي الله، وإن ترك التعوذ واكتفى بالتعوذ الأول في الأولى فلا بأس، وإن أعاده فهو أفضل؛ لأنه مع قراءة جديدة، فيتعوذ بالله من الشيطان ويسمي ويقرأ الفاتحة ثم يقرأ معها سورة أو آيات كما فعل في الأولى، لكن تكون السورة في الثانية أقصر من الأولى، تكون قراءته في الثانية أقصر من الأولى كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي قتادة الأنصاري ، فإذا فرغ من القراءة كبر للركوع كما فعل في الركعة الأولى، أن يكبر رافعاً يديه قائلاً: الله أكبر، ثم يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع كما فعل في الأول، ويكون ظهره مستوياً، ويكون رأسه حيال ظهره مستوياً، هكذا كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، ويقول: سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي العظيم.. ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك لكن بشرط ألا يشق على المؤمنين إذا كان إماماً، ويستحب أن يقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك.. اللهم اغفر لي، كما تقدم، وإن قال: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمةفحسن أيضاً، وهكذا: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، كل هذا حسن فعله النبي ﷺ، وفعل أيضاً في تهجده في الركوع يقول: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وجميع ما استقلت به قدمي، هذا كان يقوله ﷺ في الركوع وفي صلاة التهجد تهجده في الليل، فإذا فعله في الليل أو في الفريضة فلا بأس بذلك، ولكن يلاحظ عدم المشقة على المأمومين إذا كان إماماً.
ثم بعدما يأتي بالأذكار المشروعة في الركوع ينهض رافعاً قائلاً: (سمع الله لمن حمده) إذا كان إماماً أو منفرداً كما تقدم في الركعة الأولى، ثم يعتدل بعد الركوع وينتصب ويخشع لله ويقول في ذلك: (ربنا ولك الحمد)، أو اللهم ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، هذا هو الأفضل، وإن زاد فقال: أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، فكل ذلك حسن فعله النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا عام للإمام والمأموم والمنفرد جميعاً، لكن للمأموم عند الرفع لا يقول: سمع الله لمن حمده بل يقول: ربنا ولك الحمد كما سبق في الركعة الأولى.
ثم بعد الفراغ من القراءة يكبر راكعاً كما فعل في الركعة الأولى كما تقدم بعد فراغه من القراءة يركع كما تقدم ويفعل كما تقدم من رفع يديه عند الركوع ووضعهما على ركبتيه ويسوي ظهره ويسوي رأسه مع ظهره كل هذا تقدم.
وإذا اعتدل بعد الركوع لا يعجل بل يطمئن -كما تقدم- وأن الرسول ﷺ كان يطمئن في ذلك حتى يقول القائل: قد نسي. بعض الناس يعجل في اعتداله ولا يطمئن وهذا غلط لا يجوز، بل يبطل الصلاة إذا عجل ولم يعتدل، فلا بد من اعتداله وطمأنينته بعد الركوع يقول في ذلك: ربنا ولك الحمد.. إلى آخره بعد قوله: (سمع الله لمن حمده) عند الرفع إذا كان إماماً أو منفرداً، أما المأموم فيرفع قائلاً: (ربنا ولك الحمد) رافعاً يديه مع ذلك حيال منكبيه أو حيال أذنيه ثم يكمل: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، ثم ينحط للسجود وإن زاد قبل أن ينحط للسجود:أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، كان هذا أكمل وأفضل لفعله ﷺ.
ثم ينحط ساجداً -كما تقدم- في الركعة الأولى ينحط من هذا الاعتدال ساجداً مكبراً من غير رفع يدين بل يكبر عند الانحطاط للسجود من دون رفع اليدين ويسجد كما تقدم، يسجد السجدتين مثل سجوده في الركعة الأولى سواء، يسجد الأولى ويقول فيها: سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى، ويدعو فيها بما تيسر ثم يرفع مكبراً ويقول: (رب اغفر لي.. رب اغفر لي) ويعتدل ويطيل هذا الاعتدال حتى ... بين السجدتين ثم يكبر ويسجد الثانية ويدعو فيها ويقول: سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى كما تقدم.
ثم يرفع فيجلس للتشهد الأول، إذا كانت الصلاة رباعية كالظهر والعصر والعشاء أو ثلاثية كالمغرب فيأتي بالتشهد: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله» . هذا هو الثابت في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وإن أتى بغير هذا مما ثبت في الأحاديث الصحيحة كفى، لكن هذا أثبتها، هذا الأفضل الذي قلناه لكم هذا هو أثبتها، ثم بعد هذا يقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ثم ينهض إلى الثالثة وإن لم يأت بالصلاة على النبي وآله قد نهض بعد الشهادة فلا بأس حين قال: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) لو نهض ولم يصل على النبي ﷺ فلا بأس؛ لأن جملة من أهل العلم لا تستحب هنا وإنما هي مشروعة في التشهد الأخير، ولكن ظاهر الأحاديث الصحيحة أنها تشرع هنا وهناك، فيأتي بها أفضل هنا لكن ليست واجبة عليه هنا وإنما تجب في التشهد الأخير عند جمع من أهل العلم.
فإذا فرغ من التشهد والصلاة على النبي ﷺ؛ لأنه الأفضل أن يصلي على النبي ﷺ على الصحيح ينهض بعد مكبراً قائلاً: (الله أكبر) رافعاً يديه كما ثبت هذا من حديث ابن عمر عند البخاري رحمه الله، فيرفع يديه مكبراً قائلاً: (الله أكبر) عند نهوضه من التشهد الأول حتى يأتي بالثالثة في المغرب وحتى يأتي بالثالثة والرابعة في العشاء والظهر والعصر.
ويقرأ الفاتحة هذا هو الأفضل وتكفيه الفاتحة، يقرأ الفاتحة وتكفيه الفاتحة لا زيادة كما ثبت هذا في حديث أبي قتادة «أن النبي ﷺ كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب» وهكذا الأخيرة من المغرب، وإن قرأ زيادة في الظهر بعض الأحيان فحسن؛ لأنه ثبت من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي ﷺ «أنه كان في الظهر يقرأ في الأوليين من العصر مقدار ما يقرأ في الأخريين من الظهر»، فهذا يدل على أنه كان يقرأ في الأخيرتين من الظهر زيادة على الفاتحة، فإذا قرأ زيادة فلا بأس بل هو حسن في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان يقتصر على الفاتحة في الظهر كالعصر والمغرب والعشاء جمعاً بين حديث أبي سعيد وحديث أبي قتادة ، فإذا قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر فهذا على حديث أبي سعيد ، وإذا ترك فهذا على حديث أبي قتادة ، فيفعل هذا تارة وهذا تارة، أما في الثالثة والرابعة من العصر والثالثة والرابعة من العشاء والثالثة من المغرب فليس فيها إلا قراءة الفاتحة فقط، لا يقرأ زيادة لعدم الدليل على ذلك.
ثم بعد فراغه من الفاتحة في الثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء ينحط ساجداً قائلاً: (الله أكبر) فيسجد سجدتين مثلما فعل في الركعة الأولى والثانية بعدما يركع.. يركع أولاً -كما هو معلوم- بعد أن فرغ من القراءة يركع الركوع الشرعي مكبراً رافعاً يديه فيركع ويستوي في الركوع ويعتدل في الركوع ويضع يديه على ركبتيه ويجعل رأسه حيال ظهره مستوياً خاشعاً مطمئناً يقول: سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي العظيم، وإن زاد فقال: سبحانك اللهم ربنا وبحمده.. اللهم اغفر لي فحسن كما تقدم في حديث عائشة ، ثم بعدما يأتي بهذا الذكر في الركوع يرفع قائلاً: (سمع الله لمن حمده) إذا كان إمام أو منفرد، أما إن كان مأموماً فعند الرفع يقول: ربنا ولك الحمد، ثم يكمل الإمام والمنفرد والمأموم يكملون: «ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد»، هذا هو المشروع، وهكذا في الركعة الرابعة يفعل مثل هذا سواء.
وينحط للسجود مثل الركوع مثلما فعل في الأولى والثانية، ينحط مكبراً قائلاً: الله أكبر، فيسجد على السبعة الأعضاء كما تقدم ويطمئن في سجوده ولا يعجل، ويعتدل بين السجدتين اعتدالاً كاملاً، وهكذا في الركعة الأخيرة سواء بسواء، وهكذا في الثالثة من المغرب سواء بسواء.
أما الفجر فليس فيها ثالثة ولا رابعة، الفجر ركعتان، وهكذا الجمعة ركعتان، وهكذا العيد ركعتان يقرأ فيهما بالفاتحة وما تيسر معها من القرآن الكريم كما هو معلوم من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وبهذا تنتهي الصلاة ولا يبقى إلا التشهد.
فإذا فرغ من الرابعة في الظهر والعصر والعشاء والثالثة من المغرب والثانية من الفجر والجمعة ونحو ذلك إذا فرغ من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة جلس للتحيات كما قرأها في التشهد الأول يقرؤها أخيراً، فيقول: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله» ثم يصلي على النبي ﷺ فيقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، هكذا يجب أن يأتي بها هكذا كما شرع الله، وفي هذا خلاف لكن هذا هو الصواب أنه يجب أن يأتي بالصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير؛ لأن الرسول ﷺ لما سألوه: «ماذا نقول في صلاتنا إذا ... ؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد.. إلى آخره، قال: والسلام كما علمتم أي: في قوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فدل على أن هذا يقال في الصلاة.
فبعد هذه الصلاة على النبي ﷺ يدعو بالدعوات المشهورة ويتعوذ بالله من الأربع الأشياء التي كان يتعوذ منها النبي ﷺفيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال كان النبي ﷺ يتعوذ من هذه الأربع..