الجواب:
القول الثاني هو الصواب؛ أن الله أنزله للتشريع، وبيان الأحكام التي يلزم العباد، أن يقوموا بها، فالله أنزله لا ليبين لهم ما يكون في آخر الزمان، أو ما يكون في كذا، أو ما جرى، أو لمعجزات علمية يستنبطها الناس من ذلك، ليس هذا هو المقصود.
المقصود من إنزال كتاب الله: أن يعلم الناس أحكام دينهم، وما شرع الله لهم، ويعرفهم بربهم سبحانه، وصفاته، وأسمائه، وبحقه على عباده -جل وعلا- ويقص عليهم أخبار الرسل، وأخبار الأمم، وماذا جرى عليهم، وماذا حصل لمن استقام على دين الله من النصر، وماذا حصل من العقوبات لمن كفر بالله وعصاه، ويبين لهم الأحكام التي هم مأمورون بالأخذ بها، والامتثال لها، ويبين لهم الأشياء التي هم منهيون عنها، فهو كتاب هداية، كتاب تشريع، كتاب بيَّن الله فيه -جل وعلا- مراده من عباده، وبيَّن فيه صفاته وأسماءه، وبيَّن فيه حكمته في خلق الجن والإنس، وفي إرسال الرسل...
ومن ذلك أن يستنبط منه إعجازات علمية يقوم بها الناس في صناعاتهم، أو في أمور دنياهم، ليس هذا هو المقصود، هذا تبع، وإنما أُنزل ليُعمل به، ليُستقام على أحكامه، لتنفيذ أوامره، ولترك نواهيه، ولأخذ العبرة مما جرى في الأمم الماضية، وما أصاب العاصين وما حصل للمؤمنين، إلى غير هذا مما في القرآن من الخير العظيم، والحث على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، والبعد عن مساوئ الأخلاق، وسيئ الأعمال.
ولهذا يقول -جل وعلا-: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، ويقول سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل:76]، ويقول : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3]، ويقول: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا [الزمر:23] يعني يشبه بعضه بعضًا.