الجواب:
يقول النبي ﷺ: إن ابن آدم يفنى منه كل شيء إلا عجب الذنب يبقى، ومنه يركب الخلق يوم القيامة وعجب الذنب عظم صغير جدًا يركب منه الخلق يوم القيامة، فالعذاب ليس خاصًا بالجسد، معظمه على الروح، والروح لها شأن عظيم، فإن كانت في تقوى لله؛ فلها النعيم من الجنة، وإن كانت خلاف ذلك؛ فلها عذابها من النار، نسأل الله العافية كما قال في آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46] يعني أرواحهم وأجسادهم -نسأل الله العافية- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46].
فالأرواح لها نصيبها من العذاب -وهو الأكثر في البرزخ- وللجسد نصيبه كما يشاء الله سبحانه وتعالى... بأحوالهم حتى ... قد يصيبه نصيبه، وإن كان الناس لا يشعرون، وقد أرى الله بعض العباد هذا العذاب في الدنيا قبل الآخرة، النبي ﷺ رأى ذلك، أطلعه الله على قبرين يعذبان بسبب النميمة، وعدم التنزه من البول في الدنيا قبل الآخرة.
وثبت لنا من طرق كثيرة، وذكره ابن رجب في أهوال القبور، ثبت لنا من طرق كثيرة من جهة الحاضر والغائب، وما ذكره العلماء قصص عظيمة وكثيرة في قبور وقع أهلها في مشاهدة العذاب، منها ما يكون عند انصرافهم، قد ينسى بعضهم آلة من قدوم، أو غيرها، فيفتحون القبر؛ فيجدونه يشتعل على أهله نارًا -نسأل الله العافية- عندما قبر في تلك الساعة يشاهدونه بأبصارهم هذا القبر يشتعل نارًا.
كذلك وقائع أخرى يجدون نفس الآلة التي تركوها من فاروع، أو عتلة، أو كذا أو كذا تشتعل نارًا على صاحب القبر، فيسألون أهل الميت ما شأنه؟ فيقولون كذا وكذا، هذا كان مقصرًا في الصلاة، هذا كان شأنه كذا، هذا كان شأنه كذا، فعجلت له العقوبة من حين وقع في القبر.
وقد ذكر لكم الشيخ عبدالله صورة من صور ما يقع في الدنيا يمكن أن تقاس عليها مسائل القبور، ومسألة النوم ينام هذا وهذا متجاورين، فهذا يرى رؤيا فيها نعيم له وراحة له، وهذا يرى رؤيا فيها عذاب له، إذا استيقظ؛ فرح بالسلامة، يستيقظ وهو تعبان قد نشف ريقه، وقد اشتد به الكرب والعرق والأمر، يحسب أن هذه الرؤيا صحيحة بسبب ما رأى في منامه من تعذيب، وأذى ووعيد وضرب له، وغير ذلك.
والآخر يرى أنه في راحة، في أصحاب له، في أنس وراحة، هذا يستيقظ تعبانًا وهذا يستيقظ مستريحًا، وكل منهم جنب صاحبه.. الزوج مع زوجته، والولد مع أخيه، والشخص مع الشخص في السفر، ونحو ذلك، كلهم متقاربون في الخيمة، أو في الصحراء، ما بينهم إلا الشيء اليسير، هذا في عذاب وهذا في نعيم، مثل المرائي الطيبة والمرائي الخبيثة، فالشي الذي يقدره الله للعباد ليس من جنس ما يعلمه الناس ويحسونه فيما بينهم في اليقظة، والله المستعان.