ج: إن إقامة الجمعة واجبة مع كل مسلم أو فاجر، فإذا كان الإمام في الجمعة لا تخرجه بدعته عن الإسلام فإنه يصلى خلفه، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم انتهى.
قال الشارح لهذه العقيدة، وهو من العلماء المحققين في شرح هذه الجملة. قال ﷺ: صلوا خلف كل بر وفاجر رواه مكحول عن أبي هريرة وأخرجه الدارقطني وقال: مكحول لم يلق أبا هريرة، وفي إسناده معاوية بن صالح متكلم فيه، وقد احتج به مسلم في صحيحه، وأخرج الدارقطني أيضا وأبو داود عن مكحول عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: الصلاة واجبة عليكم مع كل مسلم برًا كان أو فاجرًا، وإن عمل الكبائر، والجهاد واجب عليكم مع كل أمير برًا كان أو فاجرًا، وإن عمل الكبائر وفي صحيح البخاري أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي، وكذا أنس بن مالك، وكان الحجاج فاسقًا ظالمًا، وفي صحيحه أيضًا أن النبي ﷺ قال: يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: صلوا على من قال لا إله إلا الله، وصلوا خلف من قال لا إله إلا الله أخرجه الدارقطني من طرق وضعفها.
اعلم رحمك الله وإيانا أنه يجوز للرجل أن يصلي خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا باتفاق الأئمة، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف المستور الحال، ولو صلى خلف مبتدع يدعو إلى بدعته أو فاسق ظاهر الفسق وهو الإمام الراتب الذي لا يمكنه الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك، فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف.
ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند أكثر العلماء، والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الفجار ولا يعيدون، كما كان عبدالله بن عمر يصلي خلف الحجاج بن يوسف، وكذلك أنس بن مالك كما تقدم، وكذلك عبدالله بن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان يشرب الخمر، حتى أنه صلى بهم الصبح مرة أربعًا ثم قال: أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة.
وفي الصحيح أن عثمان لما حصر صلى بالناس شخص، فسأل سائل عثمان: إنك إمام عامة، وهذا الذي صلى بالناس إمام فتنة؟ فقال: يا ابن أخي، إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم.
والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة وفجورًا لا يرتب إماما للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإن أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه، فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة، وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة .
وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية فهنا لا يترك الصلاة خلفه، بل الصلاة خلفه أفضل، فإذا أمكن للإنسان ألا يقدم مظهرا للمنكر في الإمامة وجب عليه ذلك، لكن إذا ولاه غيره ولم يمكنه صرفه عن الإمامة أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضررا من ضرر ما أظهر من المنكر فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، فتفويت الجمع والجماعات أعظم فسادا من الاقتداء فيهما بالإمام الفاجر، ولا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجورا، فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة.
وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر. وحينئذ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر فهو موضع اجتهاد العلماء، منهم من قال يعيد، ومنهم من قال لا يعيد.
وموضع بسط ذلك في كتب الفروع. انتهى كلام الشارح. والأقرب في هذه المسألة الأخيرة عدم الإعادة للأدلة السابقة، ولأن الأصل عدم وجوب الإعادة، فلا يجوز الإلزام بها إلا بدليل خاص يقتضي ذلك، ولا نعلم وجوده، والله الموفق.
وأما السؤال الثاني: فجوابه أن يقال: هذه المسألة فيها خلاف مشهور بين أهل العلم، والصواب في ذلك جواز إقامة الجمعة بثلاثة فأكثر إذا كانوا مستوطنين في قرية لا تقام فيها الجمعة، أما اشتراط أربعين أو اثني عشر أو أقل أو أكثر لإقامة الجمعة فليس عليه دليل يعتمد عليه فيما نعلم، وإنما الواجب أن تقام في جماعة وأقلها ثلاثة، وهو قول جماعة من أهل العلم، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصواب كما تقدم[1].
قال الشارح لهذه العقيدة، وهو من العلماء المحققين في شرح هذه الجملة. قال ﷺ: صلوا خلف كل بر وفاجر رواه مكحول عن أبي هريرة وأخرجه الدارقطني وقال: مكحول لم يلق أبا هريرة، وفي إسناده معاوية بن صالح متكلم فيه، وقد احتج به مسلم في صحيحه، وأخرج الدارقطني أيضا وأبو داود عن مكحول عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: الصلاة واجبة عليكم مع كل مسلم برًا كان أو فاجرًا، وإن عمل الكبائر، والجهاد واجب عليكم مع كل أمير برًا كان أو فاجرًا، وإن عمل الكبائر وفي صحيح البخاري أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي، وكذا أنس بن مالك، وكان الحجاج فاسقًا ظالمًا، وفي صحيحه أيضًا أن النبي ﷺ قال: يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: صلوا على من قال لا إله إلا الله، وصلوا خلف من قال لا إله إلا الله أخرجه الدارقطني من طرق وضعفها.
اعلم رحمك الله وإيانا أنه يجوز للرجل أن يصلي خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا باتفاق الأئمة، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف المستور الحال، ولو صلى خلف مبتدع يدعو إلى بدعته أو فاسق ظاهر الفسق وهو الإمام الراتب الذي لا يمكنه الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك، فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف.
ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند أكثر العلماء، والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الفجار ولا يعيدون، كما كان عبدالله بن عمر يصلي خلف الحجاج بن يوسف، وكذلك أنس بن مالك كما تقدم، وكذلك عبدالله بن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان يشرب الخمر، حتى أنه صلى بهم الصبح مرة أربعًا ثم قال: أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة.
وفي الصحيح أن عثمان لما حصر صلى بالناس شخص، فسأل سائل عثمان: إنك إمام عامة، وهذا الذي صلى بالناس إمام فتنة؟ فقال: يا ابن أخي، إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم.
والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة وفجورًا لا يرتب إماما للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإن أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه، فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة، وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة .
وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية فهنا لا يترك الصلاة خلفه، بل الصلاة خلفه أفضل، فإذا أمكن للإنسان ألا يقدم مظهرا للمنكر في الإمامة وجب عليه ذلك، لكن إذا ولاه غيره ولم يمكنه صرفه عن الإمامة أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضررا من ضرر ما أظهر من المنكر فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، فتفويت الجمع والجماعات أعظم فسادا من الاقتداء فيهما بالإمام الفاجر، ولا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجورا، فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة.
وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر. وحينئذ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر فهو موضع اجتهاد العلماء، منهم من قال يعيد، ومنهم من قال لا يعيد.
وموضع بسط ذلك في كتب الفروع. انتهى كلام الشارح. والأقرب في هذه المسألة الأخيرة عدم الإعادة للأدلة السابقة، ولأن الأصل عدم وجوب الإعادة، فلا يجوز الإلزام بها إلا بدليل خاص يقتضي ذلك، ولا نعلم وجوده، والله الموفق.
وأما السؤال الثاني: فجوابه أن يقال: هذه المسألة فيها خلاف مشهور بين أهل العلم، والصواب في ذلك جواز إقامة الجمعة بثلاثة فأكثر إذا كانوا مستوطنين في قرية لا تقام فيها الجمعة، أما اشتراط أربعين أو اثني عشر أو أقل أو أكثر لإقامة الجمعة فليس عليه دليل يعتمد عليه فيما نعلم، وإنما الواجب أن تقام في جماعة وأقلها ثلاثة، وهو قول جماعة من أهل العلم، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصواب كما تقدم[1].
- مما نشر في الدعوة في 25 / 9 / 1416 هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 9/374).