الجواب:
أولًا: لا حرج عليك في ذلك إن شاء الله؛ لأنك مجتهدة وتريدين لها الخير والعافية وحصول أسباب الشفاء، ونرجو لك في ذلك عظيم الأجر وجزيل المثوبة، وأن يجمعك الله بها في دار الكرامة مع الوالد والأحبة.
ثانيًا: لا شك أن حق الأم أعظم من حق الأب من وجوه كثيرة، وقد صح عن رسول الله ﷺ أن سائلا قال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أبوك، وفي لفظ آخر أن السائل قال: يا رسول الله، من أبر؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أباك ثم الأقرب فالأقرب.
ثالثًا: ما صحة حديث الأعرابي أنه قال: يا رسول الله، لم أجد شيئا أثوبه لأمي؟ قال: صل لها؟
والجواب: هذا الحديث لا أصل له، ولا يصح عن النبي ﷺ فيما نعلم، ولا يشرع لأحد أن يصلي عن أحد في أصح قولي العلماء إلا ركعتي الطواف في حق من حج أو اعتمر عن غيره، وهكذا القراءة للغير والتسبيح والتهليل للغير تركه أولى لعدم الدليل عليه.
وإنما يصلي الإنسان ويقرأ ويسبح ويهلل ويذكر الله بأنواع الذكر من أجل طلب الثواب لنفسه، أما الأموات من المسلمين الوالدة وغيرها فالمشروع: الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة والعتق من النار ومضاعفة الأجر وقبول العمل ورفع الدرجات في الجنة، ونحو ذلك من الدعوات الطيبة في الصلاة وغيرها.
ومحل الدعاء في الصلاة: السجود، وفي آخر التحيات قبل السلام، سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة لقول النبي ﷺ: فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم خرجه مسلم في صحيحه، وروى أيضا مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء، ولما علم النبي ﷺ أصحابه التحيات في آخر الصلاة قال: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو، وفي لفظ آخر قال عليه الصلاة والسلام: ثم يتخير من المسألة ما شاء متفق على صحته.
وكان ﷺ يكرر الدعاء بين السجدتين بطلب المغفرة ويقول: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني وكان عليه الصلاة والسلام يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره خرجه مسلم في صحيحه.
ويشرع أيضا الصدقة عن الميت، الوالدة وغيرها؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن رجلا قال: يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، وهذا أمر مجمع عليه بين أهل العلم، وهو انتفاع الأموات بالدعاء والصدقات، وهكذا ينتفع الميت بالحج عنه والعمرة، وبأداء ما عليه من الصوم، وبقضاء الدين عنه، والعتق عنه، والصلاة عليه صلاة الميت.
أما زيارة القبور فليس لها وقت مخصوص، لا يوم الجمعة ولا غيرها، بل يزورها الرجال متى تيسر ذلك في أي يوم، وفي أي ساعة من ليل أو نهار، وأما تخصيص بعض الناس الزيارة بيوم الجمعة فلا أصل له فيما نعلم من الشرع المطهر، وأما تحميلك إخوانك نقل السلام على الوالدة فلا أعلم له أصلا، والأحسن عندي تركه، ويكفي منك الدعاء لها والصدقة عنها بما تيسر، كما تقدم بيان ذلك، ولا مانع من الحج لها والعمرة، وهما منك أفضل إن شاء الله مع توكيل غيرك في ذلك، وإذا كنت في مكة كفى الإحرام بالعمرة من الحل كالتنعيم والجعرانة، ولا حاجة إلى الذهاب للميقات لأن النبي ﷺ أمر عائشة أن تحرم بالعمرة من التنعيم، وهو أقرب الحل إلى مكة.
أما قراءة سورة الكهف يوم الجمعة تقربا إلى الله سبحانه وطلبا لمغفرته، فقد ورد في ذلك أحاديث فيها ضعف، وكان ابن عمر وأبو سعيد وهما أصحاب النبي ﷺ يحافظان على قراءتها يوم الجمعة، فمن فعل ذلك فلا بأس، ولكن الأفضل عدم تثويبها لغيرك؛ لعدم الدليل على تثويب القراءة للغير كما تقدم.
وأما الأوراد الشرعية من الأذكار والدعوات الواردة عن النبي ﷺ فالأفضل أن يؤتى بها في طرفي النهار بعد صلاة الفجر وصلاة العصر، وذلك أفضل من قراءة القرآن؛ لأنها عبادة مؤقتة تفوت بفوات وقتها، أما قراءة القرآن فوقتها واسع، ومن اشتغل بقراءة القرآن في طرفي النهار وترك الورد فلا بأس؛ لأنها كلها نافلة، والأمر في ذلك واسع.
ولا حرج على الحائض والنفساء في أصح قولي العلماء في قراءة القرآن عن ظهر قلب، سواء كان في الورد أو غيره، أما الجنب فلا يقرأ شيئا من القرآن حتى يغتسل؛ لأن النبي ﷺ كان لا يحجزه شيء عن القرآن إلا الجنابة، أما مس المصحف فلا يجوز للحائض والنفساء والجنب، ولا يجوز أيضا للمحدث حدثا أصغر كالريح والنوم حتى يتوضأ الوضوء الشرعي لأحاديث وردت في ذلك عن النبي ﷺ.
أما تثويب الورد للغير فالأفضل تركه لعدم الدليل عليه، وهكذا تثويب قراءة القرآن للغير الأفضل تركه كما تقدم بيان ذلك؛ لأنه لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن الصحابة رضي الله عنهم فيما نعلم- ما يدل على تثويب القرآن أو الأذكار للغير- أما الدعاء والصدقات فأمرهما واسع كما تقدم أيضا الكلام في ذلك.
أما حديث أبي بن كعب الذي فيه أنه قال: يا رسول الله، كم أجعل لك من صلاتي؟.. إلى آخره، فهو حديث في إسناده ضعف، وعلى فرض صحته فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم أن المراد بذلك: الدعاء؛ لأن الدعاء يسمى: صلاة، قالوا: كان أبي قد خصص وقتا للدعاء، فسأل النبي ﷺ: كم يجعل له من ذلك؟... إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها، المعنى: أجعل دعائي كله صلاة عليك، يعني: في ذلك الوقت الذي خصصه للدعاء، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وما دام الحديث ليس صحيح الإسناد فينبغي: أن لا يتكلف في تفسيره، ويكفينا أن نعلم أن الله سبحانه شرع لنا الصلاة والسلام على رسوله محمد ﷺ كما قال : إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
وجاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي ﷺ دالة على مشروعية الإكثار من الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام، وأن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرا، فهذا كله يكفي في بيان شرعية الإكثار من الصلاة والسلام عليه في سائر الأوقات من الليل والنهار خصوصا أمام الدعاء، وبعد الأذان، وفي آخر الصلاة قبل السلام، وكلما مر ذكره ﷺ.
وأما حديث: من صلى علي يوم الجمعة مائة مرة جاء يوم القيامة ومعه نور لو قسم بين الخلق كلهم لوسعهم فلا نعلم له أصلا، بل هو من كذب الكذابين. وأما كيفية الصلاة على النبي ﷺ: فقد جاء في الأحاديث الصحيحة عنه ﷺ بيانها، وأقل ذلك أن يقول: اللهم صل وسلم على رسول الله، أو: اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، أو: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه، أو: صلى الله عليك يا رسول الله، ونحو ذلك، ومن ذلك قوله ﷺ لما سئل عن كيفية الصلاة عليه قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وفي لفظ آخر قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وفي لفظ عنه ﷺ أنه قال لهم لما أخبرهم بكيفية الصلاة قال: والسلام كما علمتم يشير بذلك إلى ما علمهم إياه في التحيات وهو قوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وفي لفظ آخر عنه ﷺ أنه قال لهم: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وهذه الكيفيات المذكورة هي أصح ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام في كيفية الصلاة عليه، وهي كافية عما أحدثه الناس من أنواع الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام وهي أفضل مما أحدثوا.
وأما حديث: من صلى علي في يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة، سبعون منها لآخرته وثلاثون منها لدنياه فلا نعلم له أصلا، بل هو من كذب الكذابين. أما تثويب الصلاة على النبي ﷺ للغير فلا أعلم له أصلا عن السلف الصالح، والأفضل تركه.
وأما عرض الأعمال على الله سبحانه في يوم الإثنين والخميس فذلك ثابت عنه عليه الصلاة والسلام، وذلك لما سئل ﷺ عن صومه يومي الإثنين والخميس قال: إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم، وصومهما أفضل من صوم الجمعة، بل صوم يوم الجمعة وحده منهي عنه إلا إذا صام معه يوما قبله أو يوما بعده.
وأما الدعاء فهو مشروع في الصلاة، في الفريضة والنافلة، كما أنه مشروع في خارجها وفي كل وقت، ويستحب للداعي أن يسأل ربه حاجاته كلها، حاجات الدنيا وحاجات الآخرة، ويشرع ذلك في الصلاة وخارجها، والأفضل أن يكون ذلك في السجود وفي آخر الصلاة قبل السلام لأحاديث صحيحة وردت في ذلك عن النبي ﷺ، والمشروع العناية بالدعاء المتعلق بالآخرة أكثر، وهكذا الدعوات الواردة عن النبي ﷺ أفضل من غيرها.
وأما الصلوات المشروعة مع الفرائض فهي: أربع ركعات قبل الظهر بتسليمتين، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح، فهذه اثنتا عشرة ركعة في ست تسليمات كلها نوافل، وكان النبي ﷺ يحافظ عليها في الحضر، وتسمى: الرواتب، وقد صح عنه ﷺ أنه قال: من صلى اثنتي عشرة ركعة في يومه وليلته تطوعا بني له بها بيتا في الجنة خرجه مسلم في صحيحه، ورواه الترمذي رحمه الله في سننه وزاد: أربعا قبل الظهر، وثنتين بعدها، وثنتين بعد صلاة المغرب، وثنتين بعد صلاة العشاء، وثنتين قبل صلاة الصبح وإن صلى أربعا بعد الظهر وأربعا قبلها كان أفضل لما ثبت عن النبي ﷺ من حديث أم حبيبة رضي الله عنها أنه ﷺ قال: من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله تعالى على النار خرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وهذا كله إذا كان الإنسان في الحضر، أما في السفر فكان النبي ﷺ يترك سنة الظهر وسنة المغرب وسنة العشاء، ويحافظ على سنة الفجر والوتر.
وكان عليه الصلاة والسلام في السفر والحضر يتهجد بالليل ويتنوع وتره، فربما أوتر بثلاث، وربما أوتر بخمس، وربما أوتر بسبع، وربما أوتر بتسع، وربما أوتر بإحدى عشرة، وهو الأكثر من فعله عليه الصلاة والسلام، وربما أوتر بثلاث عشرة، ولم يحفظ عنه عليه الصلاة والسلام أكثر من ذلك فيما نعلم، ولكن عليه الصلاة والسلام لم ينه عن الزيادة على ثلاث عشرة، وكان يرغب في صلاة الليل ويقول: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى فدل ذلك على أنه لا حرج في الزيادة على ثلاث عشرة في رمضان وفي غيره، فمن صلى عشرين ركعة أو أكثر من ذلك فلا بأس.
وكان عليه الصلاة والسلام يطمئن في صلاته ويخشع فيها، ويرتل القراءة ولا يعجل، وكان عليه الصلاة والسلام ربما أوتر في أول الليل، وربما أوتر في وسطه، وربما أوتر في آخره، وقالت عائشة رضي الله عنها: إنه استقر وتره في آخر الليل، وهذا في حق من تيسر له ذلك، أما من خاف أن لا يقوم آخر الليل فالأفضل أن يوتر في أول الليل، وقد أوصى النبي ﷺ أبا هريرة وأبا الدرداء أن يوترا في أول الليل، كما أوصاهما بصلاة الضحى وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصح عنه ﷺ أنه قال: من خاف أن لا يقوم في آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم في آخر الليل فليوتر آخره فإن صلاة الليل مشهودة، وذلك أفضل خرجه مسلم في صحيحه.
وأسأل الله أن يمنحنا وإياك وسائر المسلمين الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يتوفانا جميعا على الإسلام، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[1].
ثانيًا: لا شك أن حق الأم أعظم من حق الأب من وجوه كثيرة، وقد صح عن رسول الله ﷺ أن سائلا قال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أبوك، وفي لفظ آخر أن السائل قال: يا رسول الله، من أبر؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أباك ثم الأقرب فالأقرب.
ثالثًا: ما صحة حديث الأعرابي أنه قال: يا رسول الله، لم أجد شيئا أثوبه لأمي؟ قال: صل لها؟
والجواب: هذا الحديث لا أصل له، ولا يصح عن النبي ﷺ فيما نعلم، ولا يشرع لأحد أن يصلي عن أحد في أصح قولي العلماء إلا ركعتي الطواف في حق من حج أو اعتمر عن غيره، وهكذا القراءة للغير والتسبيح والتهليل للغير تركه أولى لعدم الدليل عليه.
وإنما يصلي الإنسان ويقرأ ويسبح ويهلل ويذكر الله بأنواع الذكر من أجل طلب الثواب لنفسه، أما الأموات من المسلمين الوالدة وغيرها فالمشروع: الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة والعتق من النار ومضاعفة الأجر وقبول العمل ورفع الدرجات في الجنة، ونحو ذلك من الدعوات الطيبة في الصلاة وغيرها.
ومحل الدعاء في الصلاة: السجود، وفي آخر التحيات قبل السلام، سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة لقول النبي ﷺ: فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم خرجه مسلم في صحيحه، وروى أيضا مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء، ولما علم النبي ﷺ أصحابه التحيات في آخر الصلاة قال: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو، وفي لفظ آخر قال عليه الصلاة والسلام: ثم يتخير من المسألة ما شاء متفق على صحته.
وكان ﷺ يكرر الدعاء بين السجدتين بطلب المغفرة ويقول: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني وكان عليه الصلاة والسلام يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره خرجه مسلم في صحيحه.
ويشرع أيضا الصدقة عن الميت، الوالدة وغيرها؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن رجلا قال: يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، وهذا أمر مجمع عليه بين أهل العلم، وهو انتفاع الأموات بالدعاء والصدقات، وهكذا ينتفع الميت بالحج عنه والعمرة، وبأداء ما عليه من الصوم، وبقضاء الدين عنه، والعتق عنه، والصلاة عليه صلاة الميت.
أما زيارة القبور فليس لها وقت مخصوص، لا يوم الجمعة ولا غيرها، بل يزورها الرجال متى تيسر ذلك في أي يوم، وفي أي ساعة من ليل أو نهار، وأما تخصيص بعض الناس الزيارة بيوم الجمعة فلا أصل له فيما نعلم من الشرع المطهر، وأما تحميلك إخوانك نقل السلام على الوالدة فلا أعلم له أصلا، والأحسن عندي تركه، ويكفي منك الدعاء لها والصدقة عنها بما تيسر، كما تقدم بيان ذلك، ولا مانع من الحج لها والعمرة، وهما منك أفضل إن شاء الله مع توكيل غيرك في ذلك، وإذا كنت في مكة كفى الإحرام بالعمرة من الحل كالتنعيم والجعرانة، ولا حاجة إلى الذهاب للميقات لأن النبي ﷺ أمر عائشة أن تحرم بالعمرة من التنعيم، وهو أقرب الحل إلى مكة.
أما قراءة سورة الكهف يوم الجمعة تقربا إلى الله سبحانه وطلبا لمغفرته، فقد ورد في ذلك أحاديث فيها ضعف، وكان ابن عمر وأبو سعيد وهما أصحاب النبي ﷺ يحافظان على قراءتها يوم الجمعة، فمن فعل ذلك فلا بأس، ولكن الأفضل عدم تثويبها لغيرك؛ لعدم الدليل على تثويب القراءة للغير كما تقدم.
وأما الأوراد الشرعية من الأذكار والدعوات الواردة عن النبي ﷺ فالأفضل أن يؤتى بها في طرفي النهار بعد صلاة الفجر وصلاة العصر، وذلك أفضل من قراءة القرآن؛ لأنها عبادة مؤقتة تفوت بفوات وقتها، أما قراءة القرآن فوقتها واسع، ومن اشتغل بقراءة القرآن في طرفي النهار وترك الورد فلا بأس؛ لأنها كلها نافلة، والأمر في ذلك واسع.
ولا حرج على الحائض والنفساء في أصح قولي العلماء في قراءة القرآن عن ظهر قلب، سواء كان في الورد أو غيره، أما الجنب فلا يقرأ شيئا من القرآن حتى يغتسل؛ لأن النبي ﷺ كان لا يحجزه شيء عن القرآن إلا الجنابة، أما مس المصحف فلا يجوز للحائض والنفساء والجنب، ولا يجوز أيضا للمحدث حدثا أصغر كالريح والنوم حتى يتوضأ الوضوء الشرعي لأحاديث وردت في ذلك عن النبي ﷺ.
أما تثويب الورد للغير فالأفضل تركه لعدم الدليل عليه، وهكذا تثويب قراءة القرآن للغير الأفضل تركه كما تقدم بيان ذلك؛ لأنه لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن الصحابة رضي الله عنهم فيما نعلم- ما يدل على تثويب القرآن أو الأذكار للغير- أما الدعاء والصدقات فأمرهما واسع كما تقدم أيضا الكلام في ذلك.
أما حديث أبي بن كعب الذي فيه أنه قال: يا رسول الله، كم أجعل لك من صلاتي؟.. إلى آخره، فهو حديث في إسناده ضعف، وعلى فرض صحته فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم أن المراد بذلك: الدعاء؛ لأن الدعاء يسمى: صلاة، قالوا: كان أبي قد خصص وقتا للدعاء، فسأل النبي ﷺ: كم يجعل له من ذلك؟... إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها، المعنى: أجعل دعائي كله صلاة عليك، يعني: في ذلك الوقت الذي خصصه للدعاء، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وما دام الحديث ليس صحيح الإسناد فينبغي: أن لا يتكلف في تفسيره، ويكفينا أن نعلم أن الله سبحانه شرع لنا الصلاة والسلام على رسوله محمد ﷺ كما قال : إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
وجاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي ﷺ دالة على مشروعية الإكثار من الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام، وأن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرا، فهذا كله يكفي في بيان شرعية الإكثار من الصلاة والسلام عليه في سائر الأوقات من الليل والنهار خصوصا أمام الدعاء، وبعد الأذان، وفي آخر الصلاة قبل السلام، وكلما مر ذكره ﷺ.
وأما حديث: من صلى علي يوم الجمعة مائة مرة جاء يوم القيامة ومعه نور لو قسم بين الخلق كلهم لوسعهم فلا نعلم له أصلا، بل هو من كذب الكذابين. وأما كيفية الصلاة على النبي ﷺ: فقد جاء في الأحاديث الصحيحة عنه ﷺ بيانها، وأقل ذلك أن يقول: اللهم صل وسلم على رسول الله، أو: اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، أو: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه، أو: صلى الله عليك يا رسول الله، ونحو ذلك، ومن ذلك قوله ﷺ لما سئل عن كيفية الصلاة عليه قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وفي لفظ آخر قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وفي لفظ عنه ﷺ أنه قال لهم لما أخبرهم بكيفية الصلاة قال: والسلام كما علمتم يشير بذلك إلى ما علمهم إياه في التحيات وهو قوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وفي لفظ آخر عنه ﷺ أنه قال لهم: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وهذه الكيفيات المذكورة هي أصح ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام في كيفية الصلاة عليه، وهي كافية عما أحدثه الناس من أنواع الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام وهي أفضل مما أحدثوا.
وأما حديث: من صلى علي في يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة، سبعون منها لآخرته وثلاثون منها لدنياه فلا نعلم له أصلا، بل هو من كذب الكذابين. أما تثويب الصلاة على النبي ﷺ للغير فلا أعلم له أصلا عن السلف الصالح، والأفضل تركه.
وأما عرض الأعمال على الله سبحانه في يوم الإثنين والخميس فذلك ثابت عنه عليه الصلاة والسلام، وذلك لما سئل ﷺ عن صومه يومي الإثنين والخميس قال: إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم، وصومهما أفضل من صوم الجمعة، بل صوم يوم الجمعة وحده منهي عنه إلا إذا صام معه يوما قبله أو يوما بعده.
وأما الدعاء فهو مشروع في الصلاة، في الفريضة والنافلة، كما أنه مشروع في خارجها وفي كل وقت، ويستحب للداعي أن يسأل ربه حاجاته كلها، حاجات الدنيا وحاجات الآخرة، ويشرع ذلك في الصلاة وخارجها، والأفضل أن يكون ذلك في السجود وفي آخر الصلاة قبل السلام لأحاديث صحيحة وردت في ذلك عن النبي ﷺ، والمشروع العناية بالدعاء المتعلق بالآخرة أكثر، وهكذا الدعوات الواردة عن النبي ﷺ أفضل من غيرها.
وأما الصلوات المشروعة مع الفرائض فهي: أربع ركعات قبل الظهر بتسليمتين، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح، فهذه اثنتا عشرة ركعة في ست تسليمات كلها نوافل، وكان النبي ﷺ يحافظ عليها في الحضر، وتسمى: الرواتب، وقد صح عنه ﷺ أنه قال: من صلى اثنتي عشرة ركعة في يومه وليلته تطوعا بني له بها بيتا في الجنة خرجه مسلم في صحيحه، ورواه الترمذي رحمه الله في سننه وزاد: أربعا قبل الظهر، وثنتين بعدها، وثنتين بعد صلاة المغرب، وثنتين بعد صلاة العشاء، وثنتين قبل صلاة الصبح وإن صلى أربعا بعد الظهر وأربعا قبلها كان أفضل لما ثبت عن النبي ﷺ من حديث أم حبيبة رضي الله عنها أنه ﷺ قال: من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله تعالى على النار خرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وهذا كله إذا كان الإنسان في الحضر، أما في السفر فكان النبي ﷺ يترك سنة الظهر وسنة المغرب وسنة العشاء، ويحافظ على سنة الفجر والوتر.
وكان عليه الصلاة والسلام في السفر والحضر يتهجد بالليل ويتنوع وتره، فربما أوتر بثلاث، وربما أوتر بخمس، وربما أوتر بسبع، وربما أوتر بتسع، وربما أوتر بإحدى عشرة، وهو الأكثر من فعله عليه الصلاة والسلام، وربما أوتر بثلاث عشرة، ولم يحفظ عنه عليه الصلاة والسلام أكثر من ذلك فيما نعلم، ولكن عليه الصلاة والسلام لم ينه عن الزيادة على ثلاث عشرة، وكان يرغب في صلاة الليل ويقول: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى فدل ذلك على أنه لا حرج في الزيادة على ثلاث عشرة في رمضان وفي غيره، فمن صلى عشرين ركعة أو أكثر من ذلك فلا بأس.
وكان عليه الصلاة والسلام يطمئن في صلاته ويخشع فيها، ويرتل القراءة ولا يعجل، وكان عليه الصلاة والسلام ربما أوتر في أول الليل، وربما أوتر في وسطه، وربما أوتر في آخره، وقالت عائشة رضي الله عنها: إنه استقر وتره في آخر الليل، وهذا في حق من تيسر له ذلك، أما من خاف أن لا يقوم آخر الليل فالأفضل أن يوتر في أول الليل، وقد أوصى النبي ﷺ أبا هريرة وأبا الدرداء أن يوترا في أول الليل، كما أوصاهما بصلاة الضحى وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصح عنه ﷺ أنه قال: من خاف أن لا يقوم في آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم في آخر الليل فليوتر آخره فإن صلاة الليل مشهودة، وذلك أفضل خرجه مسلم في صحيحه.
وأسأل الله أن يمنحنا وإياك وسائر المسلمين الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يتوفانا جميعا على الإسلام، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[1].
- مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (309/8)