ما حكم تلبية دعوة من يعمل بالبنوك والتأمين؟

السؤال:
إنَّ أخي في الله دعاك إلى وليمةٍ، وهو يعمل في البنك، هل تُلبي دعوتَه وتأكل من طعامه أو ماذا تفعل؟ وما الفرق بين مَن يعمل في البنوك الربوية ومَن يعمل في شركات التأمين التجاري -كالتأمين على الحياة والسيارات؟ وهل تجاب دعوة مَن يعمل في شركات التأمين التجاري؟ أفيدونا عن ذلك جزاكم الله خيرًا.

الجواب:
هذه أمور عمَّت بها البلوى في اختلاط المكاسب، وكثرة الخَبَث، عمَّت بها البلوى في هذا العصر، فينبغي للمؤمن الحذر من المكاسب الخبيثة، والحرص على المكاسب الطيبة، يقول النبيُّ ﷺ: يقول الله : إنَّ الله تعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا فينبغي للمؤمن الحذر من المكاسب الخبيثة، ويقول عليه الصلاة والسلام: ما من عبدٍ يتصدق بعَدْل تمرةٍ من كسبٍ طيبٍ -ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا تقبَّلها الله بيمينه، فيُربّيها لصاحبها كما يُربي أحدُكم فُلُوَّه أو فصيله، حتى تكون مثل الجبل.
فينبغي للمؤمن التَّحرز من المكاسب الخبيثة مهما أمكن، كالعمل في البنوك، أو في شركات التأمين، أو ما أشبه ذلك من الطرق التي فيها خُبثٌ، ينبغي له أن يحتاط.
أما كونه تُجاب دعوته أو كونه يُهجر أو ما أشبه ذلك: هذا فيه كلامٌ لأهل العلم: منهم مَن يستحب عدم إجابة دعوته؛ لأنه حينئذٍ مكسبه خبيث، ومنهم مَن لا يرى ذلك؛ لأنَّ الأصل السلامة، وأنت لا تدري ما قدم لك؟
والهجر له مُستحبٌّ؛ لعله ينتفع بالهجرة، ولكن لا يَحْرُم طعامه، وقد قال جماعةٌ من أهل العلم: إن هجران أهل المعاصي سنة مؤكَّدة إذا أظهروها -أظهروا المعاصي-، وقال بعضُهم: يجب هجره حتى يدع المعصية، والنبي ﷺ فعل هذا وهذا، هجر قومًا وترك قومًا.
فالمسلم إذا رأى المصلحة في الهجر هجر، وإذا رأى المصلحة الشرعية في عدم الهجر وفي مُوالاة النَّصيحة والتَّوجيه والإرشاد فعل، فقد هجر النبيُّ الثلاثة الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك، ولم يهجر عبدالله بن أُبي وجماعة من المنافقين؛ تأليفًا لهم على الإسلام، وحذرًا من فتنةٍ تقع بهجرهم.
وإذا كان الذي يعمل في البنك أو غيره له أكساب أخرى غير الحرام فالأمر في هذا واسعٌ، يكون الطعام المقدَّم محتمل أن يكون من الكسب الخبيث، ومحتمل أن يكون من الكسب الآخر، فيكون فيه الأمر واسعًا، وأقل خطرًا من الذي ليس له كسبٌ إلا البنك، أو الكسب الآخر الخبيث.
فإذا تورَّع الإنسانُ ولم يُجب دعوته إذا كان كسبه كله خبيثًا، وبيَّن له: أني ما تركتُ إجابتك إلا لأجل هذا؛ لعله يرتدع، لعله يستجيب؛ هذا حسنٌ من باب الورع، ومن باب التَّعاون على الخير.
وإذا كان هجره بذلك قد يترتب عليه مفاسد وشرّ وعداوة وبغضاء وترك للحقّ؛ فليعمل الأصلح، كما فعل السلف، لا بدّ أن ينظر في الأصلح، ويتحرى الأصلح، وهو لا يتيقن أنَّ هذا الطعام من الكسب الخبيث، بل قد يكون من كسبٍ آخر، من دراهم أخرى دخلت عليه غير الكسب الخبيث.
فالحاصل: أنَّ ترك ذلك إذا كان كسبُه كله خبيثًا، ليس له إلا الكسب الخبيث، ترك الإجابة أوْلى وأحوط، من باب الهجر، ومن باب إظهار كراهة العمل الذي هو فيه؛ لعله يستجيب، لعله يتوب، إلا أن يكون في ترك الهجر مضارٌّ وخطرٌ ديني ومصالح تفوت دينية، فهذا محل النظر من المؤمن، ينظر ويتأمَّل: فإن كانت إجابته أصلح في الدين وأنفع للمسلمين أجاب، وإن كانت عدم الإجابة أصلح، وفيها ردعٌ لهذا العاصي، وفيها دعوةٌ له إلى الخير؛ ترك الإجابة، لعله يستجيب، ولعله ينتفع.
فتاوى ذات صلة