حكم من يعيب الحريصين على السُّنة

السؤال:
نسمع في هذه الأيام كلمات تدل على أنَّ مَن يبحث عن كل ما صحَّ عن رسول الله ﷺ يُوصَف بالتَّشدد بالدين، فما رأي سماحتكم في ذلك أثابكم الله؟

الجواب:
الشيخ: هؤلاء عجزوا فوصفوا مَن طلب العلم بهذا، لما عجزوا هم وتساهلوا ورضوا بالدنية والكسل عابوا من جدَّ في طلب العلم بهذا العيب، هذا عيبهم هم، أما مَن طلب العلم وحرص على الدليل من كتاب الله وسنة رسوله فهذا هو الذي يستحق المدح والثناء، وهذا هو طريق السلف، وهذا طريق أصحاب النبي ﷺ، ربما سافر بعضُهم المسافات الطويلة من مدينةٍ إلى مدينةٍ: إلى مصر أو إلى الشام لطلب حديثٍ واحدٍ، هكذا شأن أهل العلم: العناية بالقرآن، وحفظ ما تيسر منه، والعناية بالدليل، والعناية بالسنة، والحرص على معرفة الدليل فيما يقول الناس.
كيف تعرف الحقَّ من الباطل إلا بهذا؟
بماذا تعرف أنَّ ما قاله الشافعي هو الصواب أو أحمد أو مالك أو أبو حنيفة أو الأوزاعي أو المتأخِّرون أو ابن تيمية أو ابن القيم أو غيرهم؟
بماذا تعرف الصَّواب؟ تعرف لأنَّك حنبلي؟ أو لأنك شافعي؟ لا، أو لأنَّك من أهل مكة؟ أو لأنك من أهل المدينة، أو من أهل الرياض، أو من الشام؟ لا، إنما تعرف الحقائق بالأدلة، هذا هو الطريق، يعرف أحكام الله، ويعرف الصواب من الخطأ، والحقّ من الباطل بالأدلة: قال الله، وقال رسوله، فمَن عاب هؤلاء فهو المعيب.
ولكن الوصية لهؤلاء أن يتَّقوا الله، وألا يتكبَّروا على الناس، وألا يُشددوا فيما لم يُشدد الله فيه، بل يلتزموا الحقَّ، فإن دين الله وسط، فالواجب عليهم أن يتحرّوا الوسط، وأن يتحرّوا التيسير والتَّسهيل، وألا يُشددوا بلا دليلٍ، قال الله جلَّ وعلا: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [البقرة:185]، وقال النبيُّ ﷺ: يَسِّروا ولا تُعسِّروا، وبشِّروا ولا تُنَفِّروا، وتطاوعوا ولا تختلفوا.
فالواجب على دُعاة الحقِّ وعلى أهل السنة أن يكونوا مُتواضعين، لا مُشددين، ولا مُنَفِّرين، بل متواضعين، مُتبصِّرين، دعاةً للخير بأسلوبٍ حسنٍ، برفقٍ وحكمةٍ، لا بشدةٍ، ولا بعنفٍ، هكذا ينبغي، وهكذا يجب. أما الكسالى فيُتركون على كسلهم، يُنصحون ويُوجَّهون، لكن إذا كسلوا وضعفوا فعيبهم لهم وعليهم، لا لأهل السنة وطلبة الحديث.
فتاوى ذات صلة