الجواب:
أن يقال: قد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك فقال: لئلا يحرّج أمته.
قال أهل العلم: معنى ذلك لئلا يوقعهم في الحرج. وهذا محمول على أنه ﷺ جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة لسبب يقتضي رفع الحرج والمشقة عن الصحابة في ذلك اليوم؛ إما لمرض عام، وإما لدحض، وإما لغير ذلك من الأعذار التي يحصل بها المشقة على الصحابة ذلك اليوم.
وقال بعضهم: إنه جمع صوري وهو أنه أخّر الظهر إلى آخر وقتها وقدّم العصر في أول وقتها، وأخّر المغرب إلى آخر وقتها وقدّم العشاء في أول وقتها. وقد روى ذلك النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس راوي الحديث وهو محتمل.
ولم يذكر ابن عباس رضي الله عنهما في هذا الحديث أن هذا العمل تكرر من النبي ﷺ، بل ظاهره أنه إنما وقع منه مرة واحدة.
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله ما معناه: إنه ليس في كتاب -يعني الجامع- حديث أجمع العلماء على ترك العمل به سوى هذا الحديث، وحديث آخر في قتل شارب المسكر في الرابعة.
ومراده: أن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز الجمع إلا بعذر شرعي، وأنهم قد أجمعوا على أن جمع النبي ﷺ الوارد في هذا الحديث محمول على أنه وقع لعذر؛ جمعًا بينه وبين بقية الأحاديث الصحيحة الكثيرة الدالة على أنه ﷺ كان يصلي كل صلاة في وقتها ولا يجمع بين الصلاتين إلا لعذر، وهكذا خلفاؤه الراشدون وأصحابه جميعًا ، والعلماء بعدهم ساروا على هذا السبيل، ومنعوا من الجمع إلا من عذر، سوى جماعة نقل عنهم صاحب النيل جواز الجمع إذا لم يُتخذ خلقًا ولا عادة وهو قول مردود للأدلة السابقة وبإجماع من قبلهم.
وبهذا يعلم السائل أن هذا الحديث ليس فيه ما يخالف الأحاديث الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الجمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي، بل هو محمول على ما يوافقها ولا يخالفها؛ لأن سنة الرسول ﷺ القولية والفعلية يصدق بعضها بعضًا ويفسر بعضها بعضًا ويحمل مطلقها على مقيدها ويخص عامها بخاصها. وهكذا كتاب الله المبين يصدق بعضه بعضًا ويفسر بعضه بعضًا، قال الله سبحانه: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ[هود:1] وقال : اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ الآية [الزمر:23].
والمعنى: أنه مع إحكامه وتفصيله يشبه بعضه بعضًا ويصدق بعضه بعضًا، هكذا سنة رسوله ﷺ سواء بسواء. والله ولي التوفيق[1].
- مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (25/ 167).