والصلاة والسلام عليه مشروعة مطلقًا، ولو فرضنا أن الجسد قد أكلته الأرض كما تأكل أجساد الناس الآخرين فإن هذا لا يمنع من الصلاة والسلام عليه، ولا يمنع أيضًا من تخصيص الجمعة بالمزيد من ذلك؛ لما جاء في الحديث فإن الصلاة والسلام عليه مشروعان دائمًا عليه الصلاة والسلام في حياته وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام؛ لقول الله : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، اللهم صلّ وسلم عليه صلاةً وسلامًا دائمين إلى يوم الدين.
وقال عليه الصلاة والسلام كما رواه مسلم في الصحيح: من صلّى علي واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا.
وبذلك يُعلم أن الصلاة والسلام مشروعان في حياته وبعد وفاته، أما كون جسده يبقى فقد جاء في هذا الحديث وسنده لا بأس به عند أهل العلم، أما قول العباس فلا أعلم إلى يومي هذا صحته، ولم أتتبع أسانيده، ولو فرضنا صحة قول العباس فإنه لا ينافي ما جاء به هذا الحديث من تحريم أجساد الأنبياء على الأرض؛ لأنه قد يعتري الجسد ما يعتريه من التغيير، وهو باقٍ لم تأكله الأرض، فإن الله على كل شيء قدير ، فإذا وضع في القبر أمكن أن تزول هذه الرائحة على فرض صحة أثر العباس ويبقى الجسد سليمًا طريًا، وليس في الشرع ولا في العقل ما يمنع ذلك.
والمقصود أن الصلاة والسلام عليه مشروعان مطلقًا سواء بقي الجسد أم لم يبق الجسد، وكونه تعرض عليه صلاة أمته لا تعلق له بالجسد، وإنما ذلك على الروح وهي في الرفيق الأعلى، فإنّ روحه باقية، وهكذا الأرواح باقية عند أهل السنة والجماعة، أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار، روحه ﷺ في أعلى عليّين عليه الصلاة والسلام، وأرواح المؤمنين في صفة طيور تعلق في شجر الجنة، وأرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم ترجع إلى قناديل معلقة تحت العرش كما صحت بذلك الأحاديث عن النبي ﷺ، والله ولي التوفيق[2].
- أخرجه النسائي في كتاب الجمعة، باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1374، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب فضل الجمعة وليلة الجمعة، برقم 1047، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب فضل الجمعة، برقم 1085، وأحمد في أول مسند المكثرين، حديث أوس بن أبي أوس الثقفي، برقم 15729.
- أجاب عنه سماحته بتاريخ 28/9/1414هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 26/ 105).