هل لمن زُوِّجت صغيرةً الطلاق بعد بلوغها؟

السؤال:
ما قولكم في امرأة زُوِّجت قبل بلوغها، وبعد بلوغها رفضت قبول هذا الزواج. هل يجوز لها أن تتزوج بدون طلاق الزوج، أم لابد من الطلاق؟ وما هو الدليل في هذه المسألة إن كان معلومًا؟

الجواب:
إذا كانت المرأة قد زُوِّجت بإذنها، فعليها السمع والطاعة للزوج، وتنفيذ مقتضى النكاح، وليس لها أن تتزوج سوى زوجها الذي تم له العقد عليها قبل بلوغها، والمزوج لها أبوها؛ لقول النبي ﷺ: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله كيف إذنها، قال: أن تسكت[1] متفق على صحته، وهو يعم البالغة ومن دونها.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها[2] وخرجه أبو داود والنسائي بإسناد جيد بلفظ: ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر، وصمتها إقرارها[3]، وهذا صريح في صحة نكاح غير البالغة إذا أذنت، ولو بالسكوت.
أما إذا كانت لم تستأذن والمزوج لها غير أبيها، فالنكاح فاسد في أصح قولي العلماء لكن ليس لها أن تتزوج إلا بعد تطليقه لها، أو فسخ نكاحها منه بواسطة الحاكم الشرعي؛ خروجًا من خلاف من قال: إن النكاح صحيح، ولها الخيار بعد البلوغ، وحسمًا لتعلقه بها، وليس لها أيضًا نكاح غيره حتى تستبرأ بحيضة إن كان قد وطئها.
أما إذا كان المزوج لها بدون إذنها هو أبوها، فهذه المسألة فيها خلاف أيضًا بين العلماء، فكثير منهم يصحح هذا النكاح إذا كانت البنت بكرًا؛ لمفهوم قوله ﷺ: واليتيمة تستأمر، قالوا: فهذا يدل على أن غير اليتيمة لا تستأمر، بل يستقل أبوها بتزويجها بدون إذنها.
وذهب جمع من أهل العلم: إلى أن الأب ليس له إجبار ابنته البكر، ولا تزويجها بدون إذنها، إذا كانت قد بلغت تسع سنين. كما أنه ليس له إجبار الثيب، ولا تزويجها بغير إذنها؛ للحديث السابق وهو قوله ﷺ: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن[4]
وهو يعم اليتيمة وغيرها، وهو أصح من الحديث الذي احتجوا به على عدم استئذان غير اليتيمة، وهو منطوق، وحديث اليتيمة مفهوم، والمنطوق مقدم على المفهوم؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام صرح في رواية ثابتة عنه ﷺ بقوله: والبكر يستأذنها أبوها[5]، وهذا اللفظ لا يبقي شبهة في الموضوع؛ ولأن ذلك هو الموافق لسائر ما ورد في الباب من الأحاديث، وهو الموافق للقواعد الشرعية في الاحتياط للفروج، وعدم التساهل بشأنها.
وهذا القول هو الصواب؛ لوضوح أدلته، وعلى هذا القول يجب على الزوج الذي عقد له والد البكر عليها بدون إذنها، أن يطلقها طلقة واحدة؛ خروجًا من خلاف العلماء، وحسمًا لتعلقه بها بسبب الخلاف المذكور.
وهذه الطلقة تكون بائنة ليس فيها رجعة؛ لأن المقصود منها قطع تعلق المعقود له بها، والتفريق بينه وبينها، ولا يتم ذلك إلا باعتبارها طلقة مبينة لها بينونة صغرى؛ كالطلاق على عوض.
ويجب أن يكون ذلك بواسطة قاضٍ شرعي يحكم بينهما، ويريح كل واحد منهما من صاحبه على مقتضى الأدلة الشرعية؛ لأن حكم القاضي يرفع الخلاف في المسائل الخلافية، ويحسم النزاع. أما إذا كانت البنت دون التسع فقد حكى ابن المنذر: إجماع العلماء على أن لأبيها تزويجها بالكفء بغير إذنها؛ لأن الرسول ﷺ تزوج عائشة رضي الله عنه بدون إذنها وعلمها، وكانت دون التسع.
ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه؛ إنه خير مسؤول، والسلام عليكم[6].
  1. رواه البخاري في (النكاح)، باب (لا يُنْكِحُ الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها)، برقم: 5136، ومسلم في (النكاح)، باب (استئذان الثيب في النكاح بالنطق)، برقم: 1419.
  2.  رواه مسلم في (النكاح)، باب (استئذان الثيب في النكاح بالنطق)، برقم: 1421.
  3. رواه أبو داود في (النكاح)، باب (في الثيب)، برقم: 2100، والنسائي (في الكبرى)، برقم: 5374.
  4. رواه البخاري في (النكاح)، باب (لا يُنْكِحُ الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها)، برقم: 5136، ومسلم في (النكاح)، باب (استئذان الثيب في النكاح بالنطق)، برقم: 1419.
  5. رواه مسلم في (النكاح)، باب (استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت)، برقم: 1421. 
  6. نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 20/ 410).
فتاوى ذات صلة