الجواب:
التوبة لجميع الذنوب لا بد أن تشتمل على أمور ثلاثة كما ذكر أهل العلم:
أولها: الندم على ما مضى من الذنب، كونه يندم عليه ويحزن من فعله إياه.
والأمر الثاني: الإقلاع منه، وتركه خوفًا من الله، وتعظيمًا له.
الأمر الثالث: العزم الصادق ألا يعود إليه، هكذا تكون التوبة، وبهذا يمحو الله الخطايا، ويحط السيئات، كما قال : وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82].
وهذا يعم جميع الذنوب الشرك فما دونه، متى تاب إلى الله من ذلك هذه التوبة الندم على الماضي، والإقلاع منه، وتركه والعزم الصادق ألا يعود إليه خوفًا من الله، وتعظيمًا له، بهذا يعتبر تائبًا، ويكون كمن لم يذنب التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
لكن إن كان الحق الذي تاب منه يتعلق بالمخلوقين، فلا بد أيضًا من أمر رابع وهو رد حقهم إليهم، أو استحلالهم منه، كما نص على ذلك أهل العلم، وجاءت به السنة، فقد صح عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: من كان عنده لأخيه مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله اليوم قبل ألا يكون درهم ولا دينار، إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئاتهم وطرح عليه.
فالواجب على من عنده حقوق للناس أن يدفعها إليهم، أو يتحللهم منها حتى تتم توبته، وحتى تكمل توبته، فإن لم يفعل بقي عليه هذا الجزء، وسوف يقتص منه يوم القيامة لصاحبه، إما أن يعطى من حسناته، وإما أن يحمل من سيئات المظلوم على حسب حاله.
وفي الحديث الآخر يقول -عليه الصلاة والسلام- للناس: ما تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: من لا درهم له ولا متاع، قال -عليه الصلاة والسلام-: لكن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصوم وزكاة، ويأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وقذف هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، ولم يقض ما عليه أخذ من سيئاتهم، فطرح عليه، ثم طرح في النار نعوذ بالله.
فالواجب على من عليه شيء للغير من أموال أو دماء أو أعراض أن يتحللهم، وأن يطلب منهم أن يبيحوه ويسامحوه، أو يرضيهم عن ذلك بما يشاء حتى يسلم من تبعة هذه المظلمة، فإن لم يفعل بقيت عليه عهدتها وتبعتها إلى يوم القيامة.
وأما بقية الذنوب مثلما تقدم، يكفي فيها الندم والإقلاع والعزم الصادق ألا يعود إليها، نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.