الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد صح الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء أما الشهداء والصالحون فلم يرد فيما نعلم ما يدل على تحريم أجسادهم على الأرض، وإنما ذاك في الأنبياء خاصة كما جاء به الحديث، ولا ريب أن أصحاب النبي ﷺ كلهم من الصالحين، وهكذا خالد بن الوليد هو من أصلح الصالحين وأرضاه.
وهكذا جميع الأنبياء والمرسلين كلهم من الصالحين وإن كانوا أنبياء فوصف الصلاح يعم الجميع، إذا أطلق الصالحون فهو يعم الأنبياء والمرسلين وجميع عباد الله المؤمنين، الذين استقاموا على دينه وأدوا حقه وحق عباده يقال لهم: صالحون كلهم، وهكذا قال الله جل وعلا في شأن إبراهيم أدخله في الصالحين لكونه ممن قام بحق الله وحق عباده.
ولهذا قال جل وعلا: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:130] فهو مصطفى مختار وهو خليل الرحمن وهو أفضل الأنبياء وأكملهم بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ونبينا هو سيد ولد آدم وهو خليل الله الثاني، فـإبراهيم ومحمد هما الخليلان وإبراهيم هو جده ومحمد حفيد إبراهيم وهو أفضل الأنبياء ويليه في الفضل جده إبراهيم عليهم الصلاة والسلام جميعًا، وعلى سائر أنبياء الله ورسله.
والصالحون إذا أطلقوا عموا الأنبياء والصالحين والشهداء وجميع من اتقى الله وأدى حقه وحق عباده يقال له: صالح، وإذا أضيفوا إلى الأنبياء والصديقين والشهداء صاروا غيرهم كما في قوله جل وعلا: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] فجعل الصالحين في المرتبة الرابعة، وهم غير الأنبياء وغير الصديقين وغير الشهداء، فالمرتبة الأولى: مرتبة الأنبياء والرسل، ثم يليهم مرتبة الصديقية، ثم يلي ذلك مرتبة الشهداء، ثم عموم الصالحين.
والصالح من عباد الله هو الذي أدى حق الله وحق عباده يقال له: صالح؛ أدى حق الله يعني: أدى أوامره واجتنب نواهيه وأدى حق العباد فلم يظلمهم، بل أدى حقوقهم من حق الجوار وحق المؤمن على أخيه وحق الوالدين وحق الرحم.. إلى غير ذلك.
فالصالح من عباد الله هو الذي أدى حق ربه رغبة فيما عنده وإخلاصًا له سبحانه، وأدى حق العباد ولم يظلمهم ولم ينقصهم حقوقهم، فهذا يقال له: صالح، ويقال له: مؤمن، ويقال له: مسلم، ويقال له: تقي، ويقال له: بر.
فالصالحون هم الأبرار وهم الأتقياء وهم المتقون وهم المؤمنون وهم المسلمون، وهذه الأوصاف تشمل الأنبياء والصالحين، الأنبياء يقال لهم: مسلمون، ويقال: صالحون، ويقال: مؤمنون، ويقال: متقون، ويقال: أبرار، لكنهم يمتازون بالنبوة والرسالة فهم في المرتبة العليا، أعلى المراتب وأفضلها مرتبة الأنبياء والرسل.
والرسل أعلى مرتبة ثم يليهم النبيون، ثم يلي ذلك مرتبة الصديقين الذين كمل تصديقهم وكمل إيمانهم حتى صارت منزلتهم فوق منزلة الشهداء والصالحين بسبب كمال صدقهم وكمال تصديقهم، وكمال إيمانهم وكمال تقواهم لله ، ثم يليهم الشهداء الذين باعوا نفوسهم على الله وقدموها طاعة لله واستشهدوا في سبيله، ثم يليهم عموم المؤمنين وهم الصالحون.
وبذلك يتضح لك أيها السائل أن الصالح يوصف به جميع المؤمنين من أنبياء وغيرهم عند الإطلاق وعند ضمه إلى الرسل والأنبياء والصديقين والشهداء يكون الصالح في المرتبة الرابعة، يعني الذي أدى حق الله وأدى حق عباده ولكنه ليس نبيًا ولا صديقًا ولا شهيدًا، ومنهم خالد بن الوليد ورحمه وبقية الصحابة الذين لم يستشهدوا ولم يكونوا من الصديقين هم من هذه المرتبة. نعم.
المقدم: إذًا كون نبي الله إبراهيم عليه السلام يوصف بأنه من الصالحين لا يخرجه عن كونه نبي؟
الشيخ: لا يخرج، لا، الأنبياء صالحون وهم أنبياء، وعلى رأسهم نبينا محمد ﷺ ثم الخليل إبراهيم هما أفضل الناس، وهما أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. نعم.
المقدم: موضوع شهادة خالد بن الوليد ؟
الشيخ: هو مات على فراشه. نعم.
المقدم: نعم، لكن يقول أخونا: إنه أفضل من الشهداء، هل يقال هذا؟
الشيخ: قد يقال: أفضل من كثير من الشهداء، قد يقال: أفضل من كثير من الشهداء، أما أفضل من الشهداء على العموم.. لكن يقال الأفضل من كثير من الشهداء؛ لما أعطاه الله من الفضل العظيم والبسالة في الجهاد والصبر على الجهاد، والقوة في دين الله، وما حصل على يديه من النفع العظيم في قتال أهل الردة وغيرهم من قتال الروم قتال الفرس، الله جل وعلا جعل له مراتب كبيرة، ومزايا عظيمة، فهو لا شك من الصالحين، وهو لا شك أفضل من كثير من الشهداء. نعم.
المقدم: بارك الله فيكم.