الجواب:
هاتان الآيتان الكريمتان على ظاهرهما، وسمَّاها النبي ﷺ الآية الفاذة الجامعة، يعني: أنها جمعت الخير والشر، ففيها الترغيب والترهيب، والحث على الخير، والتحذير من الشر، وأن العبد لا يضيع عليه شيءٌ من عمله الصالح، وأن سيئاته سوف يلقاها ويراها إلا أن يتوب الله عليه ويعفو عنه؛ ولهذا قال سبحانه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [الزلزلة:7].
وهذا يدل على أنه لا يضيع لك شيءٌ من أعمالك الصالحة، بل تُحصى لك، وتُكتب لك، وتوفاها يوم القيامة، كما قال في الآية الأخرى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40]، فهو لا يظلم أحدًا مثقال ذرَّةٍ، بل هو الحكم العدل، يُعطي كل عاملٍ بعمله: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49] ، وإن كانت الزِّنَة لخيرٍ ضُوعِف: وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا [النساء:40] يعني: وإن تكن الفعلة التي فعلها الإنسان حسنةً ضاعفها الله له: وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40].
فأنت -يا أخي- عليك أن تحذر السيئات: دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، وألا تحتقر شيئًا منها، فإن معظم النار يكون من مُستصغر الشَّرر، فلا تحقر سيئةً أبدًا، وقد جاء عن النبي ﷺ أنه قال: إياكم ومُحقِّرات الذنوب، فإنها تجتمع على العبد حتى تُهلكه، وفي لفظٍ ثانٍ: إن لها من الله طالبًا.
فعلى كل مؤمنٍ، وعلى كل مؤمنةٍ الحذر من جميع السيئات، كما أنه ينبغي لكل مؤمنٍ ولكل مؤمنةٍ الاستكثار من الحسنات، والحرص على فعل الخير وإن كان قليلًا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: اتَّقوا النار ولو بشق تمرةٍ، فمَن لم يجد فبكلمةٍ طيبةٍ.
وصحَّ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءت امرأةٌ ومعها ابنتان تشحذ -تسأل-، فأعطيتها ثلاث تمراتٍ، فأعطت كل واحدةٍ من بنتيها تمرةً، ورفعت الثالثة لتأكلها، فنظرت إليها ابنتاها تستطعمانها الثالثة، فشقتها بينهما، ولم تأكل شيئًا، فأعجبني أمرها، فلما جاء النبي ﷺ أخبرته بشأنها، فقال: إن الله أوجب لها بذلك الجنة.
هذا شق تمرةٍ، ورحمةٌ من والدةٍ لابنتيها حصل لها بذلك الوعد بالجنة على هذه الرحمة، وهذا الإحسان، وهذه الشفقة بشيءٍ قليلٍ.
فينبغي للمؤمن ألا يحقر شيئًا من الحسنات، فإذا وجد شيئًا يجود به على الفقير والمحتاج فلا يحقره: تمرة، درهم، نصف درهم، أقل، أكثر، فالمحتاج ينفعه كل شيءٍ، وتجتمع عنده التمرات والأشياء القليلة من النقود وتنفعه.
فهذا معنى الآية الكريمة: الحث على تحصيل الخيرات ولو قليلة، ولو دقيقة، والحذر من الشرور وإن كانت قليلةً؛ فإنها تجتمع حتى تهلك العبد، كما أن الخير -وإن قلَّ- يجتمع حتى ينفع العبد في آخرته، وفي دنياه، والله أعلم. نعم.