هل يأثم من يريد الصلح مع الأقارب وهم رافضون؟

السؤال:

مع مطلع هذه الحلقة سماحة الشيخ هذه رسالة وصلت إلى البرنامج من البحرين وباعثتها إحدى الأخوات تقول: (ف. ك) أختنا رسالتها مطولة بعض الشيء، لكنها تحكي مشكلة وقعت بينها وبين إحدى صديقاتها فتقول: في يوم من الأيام حدث سوء تفاهم بيني وبين قريبة لي، مما جعل هذه القريبة تخاصمني، وهذه هي السنة الثالثة من تخاصمنا، وإنني لم أخطئ ولا أريد أن أخاصمها، هي التي بدأت وهي التي خاصمتني، والله خير شاهد على ما أقول، فأنا فتاة متدينة ومتحجبة وأعرف أصول ديني الإسلامي، وهذا من فضل الله تعالى.

كذلك تدخلت أمها بيننا وأخذت تنازعني وخاصمتني هي أيضًا، ذهبت إليها وسلمت عليها في عيد رمضان ولم تكلمني، توفي زوجها وذهبت إليها لأعزيها ولم تكلمني، ذهبت إليها عندما خرجت من العدة وسلمت عليها أيضًا ولم تكلمني، حتى السلام لم تسلم علي إذا شاهدتني في الشارع، لكنني أنا عندما أشاهدها أسلم عليها؛ ذلك لأن السلام لوجه الله تعالى، وأنا خائفة من الله ورسوله عليه السلام؛ لأنني قرأت وعرفت أن المؤمن لا يخاصم أخاه المؤمن لثلاثة أيام، وأن أعمالنا لا ترتفع إلى الله إلى أن نتصالح، وأنا يا سماحة الشيخ! أريد هذا الصلح لأفوز برضا الخالق ّعلي ورضا رسوله ﷺ، فهل أنا مخطئة؟ أفيدوني جزاكم الله ثواب الدنيا والآخرة.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فإذا كان الواقع هو ما ذكرت فإن الإثم عليها، أما أنت فليس عليك إثم؛ لأنك قد أديت ما عليك، قد حرصت على رضاها وإزالة الهجر، فلم تفعل هي فالإثم عليها وليس عليك شيء، وقد أديت ما عليك من طلب المسامحة والمصالحة، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، وجاء في بعض الأحاديث: "أن الرجل إذا بدأ أخاه وسلم عليه فلم يرد فالإثم على من ترك الرد".

والذي بدأ بالسلام قد سلم من التبعة؛ لأنه أدى ما عليه من الحق، فأنت قد أديت ما عليك إذا كان الواقع هو ما ذكرت والإثم عليها، والحمد لله الذي جعلك تجاهدين نفسك وتجتهدين في أداء الحق، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: تعرض الأعمال على الله سبحانه في كل إثنين وخميس، فيغفر الله لكل مسلم لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول الله: دعوا هذين حتى يصطلحا.

وهكذا المرأة إذا كانت بينها وبين أختها شحناء مثل الرجلين الحكم واحد، فينبغي للمؤمن والمؤمنة الحرص على عدم الشحناء، والحرص على التحاب في الله والتناصح والتعاون على الخير حتى لا يجد الشيطان طريقًا إلى إبعاد كل منهما عن الآخر بأسباب طاعة الهوى والشيطان.

والمؤمن دائمًا يتحرى ما يرضي الله، ويقرب لديه، وما يوافق شرعه في كل حال، ولو خالف هواه، فإذا وقعت بينه وبين أخيه شحناء أو تهاجر فالواجب عليه ألا يصر على الباطل، وأن يحرص على موافقة الشرع، فلا يزيد على ثلاثة أيام فيما يتعلق بالشحناء التي بينه وبين أخيه في أمور الدنيا من المخاصمات التي تقع بين الناس، وهكذا النساء فيما بينهن.

أما إذا كان الهجر في حق الله من أجل إظهار المعاصي أو من أجل إظهار البدع، فهذا ليس له حد بالأيام وإنما حده التوبة، فمتى تاب المعلن للمعاصي أو البدع ترك هجره، ومتى بقي على حاله فإنه يهجر، وقد هجر النبي ﷺ ثلاثة من الصحابة تخلفوا عن الغزو بغير عذر شرعي، بعدما استنفرهم النبي ﷺ فهجرهم وهجرهم المسلمون خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم فأذن بكلامهم عليه الصلاة والسلام.

فالمقصود: أن الواجب على المؤمن ألا يتبع هواه وألا يحكم رأيه، بل يجعل رأيه وهواه تابعين لحكم الله ورسوله.

والواجب على المؤمن والمؤمنة أن يخافا الله، قول: أخاف الله ورسوله، هذا فيه نظر، فالخوف لله جل وعلا: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، فالرسول ﷺ يطاع ويتبع، ولا يخاف بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وإنما يخاف الله هو الذي بيده الحل والعقد وبيده تدبير الأمور وإليه الرغبة، كما قال جل وعلا: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ۝ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8]، قال: فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [النحل:51].

فالرهبة إليه والرغبة إليه ، هو اللي يخاف ويرجى، ويرغب إليه ويرهب منه، فيقول المؤمن: إني أخاف الله، إني أخشى الله سبحانه، كما قال تعالى: وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ [التوبة:18]، فالمؤمن يخشى ربه ويحاسب نفسه ويطيع الله ورسوله، فيقول: أطيع الله ورسوله، أتبع أمر الله ورسوله، ويقول: أخاف الله وأخشى الله؛ لأنه هو الذي بيده تصريف الأمور وهو المانع المعطي وهو النافع الضار، وهو الذي بيده النجاة والسعادة وضد ذلك.

أما المخلوق فليس بيده شيء من ذلك، لكن إذا كان حيًا فلا بأس أن يخاف الخوف الطبيعي الخوف المعروف العادي الذي يقتضي أداء الحق والأخذ بالأسباب فيخاف السلطان، فلا يتعرض لأسباب عقوبة السلطان، يخاف أهل البيت فلا يتعرض لسرقة متاعهم وإيذائهم، لئلا يؤذوه ويضروه أو يرفعوا أمره إلى السلطان فيعاقب بالقطع في السرقة.. ونحو ذلك، هذا خوف عادي خوف طبيعي، لا يضر الإنسان إذا لم يحمله على معصية الله ، وكما يخاف من السراق فيغلق بابه ويحفظ متاعه، ويخاف من قطاع الطريق فيحمل سلاحه، ويخاف من السباع فيحذر شرها ويأخذ سلاحه، ويخاف مما يضره من بعض الأطعمة أو بعض الأشربة فيتركها.. ونحو ذلك، هذا خوف طبعي معروف يقدر عليه المخلوق، فيخاف بقدر ذلك، مع ثبات الخوف من الله في كل شيء واستقراره في القلب، ولكن يخاف المخلوق الحي الحاضر على قدر ما لديه من العقوبات والخطر، كما يخاف الإنسان أيضاً من السباع كما تقدم والحيات والعقارب فيتقي شرها بالطرق التي يتقى به شرها ولا حرج في ذلك.

أما خوف السر فهذا يتعلق بالله وحده، كون الإنسان يخاف الله في سر قلبه، ويعلم أن الله هو الذي بيده التصريف للأمور فيخافه سبحانه ويخشاه؛ لأنه القادر على كل شيء؛ لأنه العالم بما في القلب؛ لأنه العالم بكل شيء هذا هو الواجب، فمن أشرك غير الله في هذا الخوف صار شركًا بالله، فمن اعتقد أن الأولياء يعرفون ما في القلب أو النبي ﷺ يعرف ما في قلبه، وأنه يجب عليه أن يخافه بعد وفاته، وأنه إذا ما خافه يضره، هذا جهل وشرك، نسأل الله العافية. نعم.

المقدم: بارك الله فيكم. 

فتاوى ذات صلة