حكم دفع الصدقة لغير المسلمين

السؤال:

سماحة الشيخ في حلقة مضت عرضنا على سماحتكم سؤالًا من الأخت المستمعة فريحة حامد الشريف من ليبيا، وكان ذلكم السؤال عن صدقة الفطر، هل يجوز إعطاؤها لغير المسلمين، ضاق وقت الحلقة دون أن تتفضلوا ببيان هذا الوجه الشرعي، وهذه السياسة الشرعية لإعطاء غير المسلمين من الزكاة، بودنا أن تستهلوا هذه الحلقة بالحديث عن هذا الموضوع، وعن تلكم السياسة الشرعية؟ جزاكم الله خيرًا. 

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد. 

فقد شرع الله للمسلمين أن يحسنوا إلى غيرهم من الكفار، وغير الكفار، وأن يعطوا المؤلفة قلوبهم من الزكاة وغيرها؛ تأليفًا لقلوبهم على الإسلام، وتقويةً لإيمانهم، ودعوةً لغيرهم إلى الدخول في الإسلام، ودفعًا لشر من يخشى شره، ولهذا قال -جل وعلا-: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة:60] الآية، فجعل لهم نصيبًا من الزكاة، قال جماعة من العلماء: هم السادة المطاعون في عشائرهم، يعني هم الكبراء، والأعيان الذين إذا أعطوا؛ نفع العطاء فيهم بقوة إيمانهم، أو بإسلامهم إن كانوا كفارًا، أو بإسلام نظرائهم، أو بدفع شرهم إذا كان يخشى شرهم، كل هذا من السياسة الشرعية.

ويجوز أن يعطوا من غير الزكاة من بيت المال من صدقات المسلمين؛ تأليفًا لقلوبهم، ودفعًا لشرهم إذا خشي شرهم، ودعوة لغيرهم إلى الإسلام، قال الله في كتابه العظيم في سورة الممتحنة: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8].

فأخبر سبحانه أنه لا ينهانا عن هؤلاء الذين لم يقاتلونا في الدين، ولم يخرجونا من ديارنا أن نحسن إليهم، ونبرهم، ونقسط إليهم؛ لما في ذلك من تأليف قلوبهم، وترغيبهم في الإسلام، ودفع شرهم إذا خشي شرهم، فيعطوا من بيت المال، ويعطيهم المسلمون من أموالهم، وصدقاتهم؛ جبرًا لحاجتهم، وسدًا لها، وتأليفًا لقلوبهم، ودعوةً لهم إلى الإسلام، أو حرصًا على قوة إيمانهم إن كانوا مسلمين.

وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال لأسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- لما قدمت عليها أمها وقت الهدنة وهي كافرة تريد الصلة والإحسان، قال لها ﷺ: صلي أمك من باب التأليف والإحسان لأمها، وهي على دين قومها في حال الهدنة بين النبي ﷺ وبين أهل مكة، وكان عمر يصل بعض أقاربه في مكة وقت الهدنة .

والمقصود: أن الصلة والإحسان للكفار الذين ليس بيننا وبينهم حرب في حال الهدنة، أو في حال العهد، والذمة، أو في حال الأمان إذا رآها ولي الأمر، أو رآها الإنسان مع أقاربه، أو مع غيرهم؛ لا بأس بها، بل فيها تأليف للقلوب، ودعوة إلى الإسلام وترغيب فيه ليعلموا أن الإسلام يرغب في الإحسان، ويدعو إلى الإحسان مع أهله، ومع غير أهله ممن ليس حربًا لنا.

وكم حصل بالإحسان من خير عظيم، جماعة كثيرون كانوا يبغضون النبي ﷺ ويعادونه، ولما أحسن إليهم، وواساهم؛ أحبوه، ودخلوا في الإسلام.

ومن ذلك صفوان بن أمية  قال : ما هناك أحد أبغض إلي من محمد -عليه الصلاة والسلام- فلم يزل يعطيني، ويعطيني؛ حتى صار أحب الناس إلي، وحتى أدخل الله علي الإسلام. هذا كلامه، أو معناه. وهكذا قال غيره ممن أحسن إليهم النبي ﷺ وقد جاءه أعرابي يسأله، فأعطاه غنمًا، فذهب إلى قومه، وقال: يا قوم! أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.

فالمقصود: أن الإحسان في المسلم وغيره ينفع كثيرًا، يقوي إيمان المسلم إذا أعطاه ولي الأمر، أو أعطاه المسلمون، أعطاه إخوانه من زكاتهم، وصدقاتهم، وهو محتاج يقوى إيمانه، ويقوى حبه لإخوانه المسلمين، ويقوى عمله في الإسلام، وإذا أحسن المسلمون إلى غيرهم من الكفار، ولاسيما الرؤساء والكبار، كان ذلك فيه خير عظيم، فيه دعوة لهم إلى الإسلام، وإخبار لهم بما في الإسلام من الخير والإحسان والجود على خصومه إذا لم يكونوا حربيين.

فالإسلام يأمر بالإحسان والجود والكرم في فقراء المسلمين، وفي فقراء غيرهم ممن لهم ذمة، أو أمان، أو عهد، يتألفهم بذلك المؤمن، ويدعوهم إلى أن يدخلوا في الإسلام، ويحبب الإسلام إليهم.

فينبغي للمؤمن أن يلاحظ ذلك مع أقاربه، ومع جيرانه إذا كان في بلد فيها كفار، وهناك أمن بينهم لا حرب أن يحسن إليهم حتى يرغبهم في الإسلام، وحتى يقوي إيمانهم إن كانوا مسلمين.

أما الزكاة فتدفع إلى الرؤساء والكبار عند الجمهور، إنما تدفع للرؤساء، والأعيان، والسادة؛ تأليفًا لهم إن كانوا مسلمين، وتقوية لإيمانهم، ودعوة لهم إلى الإسلام إن كانوا غير مسلمين، ودعوة لغيرهم من نظرائهم، ودفعًا لشرهم إن كان فيهم شر.

أما صدقة التطوع فهي عامة للرؤساء، وغير الرؤساء من الكفار الذين ليس بيننا وبينهم حرب يعطون من المال، ويحسن إليهم بغير المال من شفاعة تنفعهم، أو تفريج كربة، أو دفع شر عنهم؛ ليرغبوا في الإسلام، وليتوجهوا إليه بقلوبهم، وليعرفوا فضله وفضل أهله، والله المستعان، نعم.

المقدم: الله المستعان، جزاكم الله خيرًا، سماحة الشيخ: الواقع هذا الوجه من السياسة الشرعية يجهله كثير من المسلمين.

الشيخ: صحيح.

المقدم: تتفضلون بكلمة حول هذا جزاكم الله خيرًا.

الشيخ: لاشك أن هذا الأمر يجهله الكثير من الناس، فينبغي أن يعلم، ولهذا جعل الله للمؤلفة قلوبهم حقًا في الزكاة، وحقًا في بيت المال، فعلى ولي الأمر أن يلاحظ ذلك، وأن يعتني بالمؤلفة قلوبهم؛ حتى يكونوا عونًا للمسلمين، وحتى يرغبوا في الإسلام، أو يكفوا شرهم عن المسلمين.

وهكذا أفراد المسلمين يحسنون في جيرانهم إذا كانوا في بلاد فيها كفار، يحسنون إليهم، ويرغبونهم في الإسلام، ويعطونهم من صدقاتهم ما يرغبهم في الإسلام، وإذا كانوا من السادة والكبراء أعطوهم أيضًا من الزكاة؛ لعلهم يسلمون، أو يسلم نظراؤهم، وأشباههم، نسأل الله أن يفقه المسلمين في دينه، وأن يعينهم على كل خير.

المقدم: جزاكم الله خيرًا. 

فتاوى ذات صلة