الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذا المقام مقام تفصيل:
فإن كان وقع بها يظنها زوجته التي عقد عليها؛ فلا شيء عليه، ولا إثم عليه، وإن حملت فالولد منسوب إليه؛ لأنه وطء بشبهة، وهو معذور.
أما الذين أدخلوها عليه، فكذلك فيهم تفصيل:
إن كانوا غلطوا فلا شيء عليهم.
وإن كانوا تعمدوا فعليهم الإثم، ويستحقون العقوبة على هذا العمل السيئ المنكر.
ثم هو بعد ذلك بالخيار:
إن شاء طلق أختها، وعقد عليها؛ لأن أختها لا عدة لها، مطلقة غير مدخول بها، فله أن يطلقها، ويتزوج أختها التي أدخلت عليه في الحال.
وإن شاء ترك هذه التي أدخلت عليه؛ لأنها غير زوجة، إذا أخبر وعُلِّم، وزوجته باقية التي عقد عليها.
ولا بأس بدخوله عليها؛ لأن هذه موطوءة بشبهة، وليست زوجةً له، ولا يجمعها في عقده.
وقد يقال: إنه يمتنع من وطء الثانية من أجل وطء أختها، ولكن ليس هذا بظاهر؛ لأن هذا الوطء وطء شبهة، وليس وطئًا متعمدًا، وليس وطء نكاح، فهو معذور في هذا، نعم.
المقدم: بارك الله فيكم.
الشيخ: تقدم في الذي أهديت إليه أخت زوجته، قلنا: إن له أن يتمتع بزوجته التي عقد عليها إذا لم يرغب في التي أهديت إليه، ولم يرغب في نكاحها، ولو كان قد وطئها.
ولكن بدا لي في هذا شبهة، وهو إذا كان قد وطئها هل يستمتع بأختها التي عقد عليها أم لا؟ محل نظر، ولعل هذا يأتي في الحلقة الآتية -إن شاء الله- حتى ننبه على هذا بعد مراجعة كلام أهل العلم في ذلك، والتأمل في هذا الموضوع، والحيطة في هذا الشيء، هل يجوز له أن يطأ زوجته التي عقد عليها مع وطئه لأختها التي أهديت إليه غلطًا أم لا؟ هذا محل الإشكال.
قلنا: إنه لا بأس -سابقًا- أن يطأ زوجته التي عقد عليها، وإن كان قد وطئ أختها غلطًا، هذا هو المتبادر الآن والظاهر، ولكن بدا لي أن هناك شيئًا من الشبهة في الموضوع، يحتاج إلى إعادة نظر، فيمكن أن نبين هذا -إن شاء الله- في الحلقة القادمة في الأسبوع القادم -إن شاء الله-.
المقدم: إن شاء الله.
الشيخ: وفق الله الجميع.
الشيخ: سبقت مسألة في الحلقة السابقة علّقت الجواب في بعضها إلى الحلقة هذه، نحب أن نبيّنها الآن وهي: أن شخصًا عقد على إحدى أختين، فزفت له غير المعقود عليها، أختها غير المعقود عليها، فما الحكم؟
سبق أنه يُنظر في ذلك، فإن كان لم يجامعها ولم يتصل بها فإنه لا يضره، ويعيدها لأهلها، وزوجته باقية في عصمته المعقود عليها يطلبها متى شاء، وإن أراد الثانية التي أدخلت عليه ورغب فيها، فلا بأس أن يتزوجها من أهلها بعد أن يطلق أختها، ليس لها عدة؛ لأن الطلاق بدون دخول ما فيه عدة، إذا طلق أختها التي لم يدخل بها وتزوج الثانية التي أدخلت عليه فلا بأس.
المقدم: ولكن بعقد؟
الشيخ: بعقد جديد.
المقدم: بعقد، نعم.
الشيخ: أما إن كان جامعها يحسبها زوجته، فهذا يسمى وطء الشبهة، وهو في هذه الحالة لا يبطل نكاح زوجته التي عقد عليها، وهي أختها، ولكن هذه التي وطئها هل يلزمه أن يمتنع من زوجته حتى يستبرئها أم لا؟
سبق في الحلقة السابقة التوقف في هذا، فهل يلزمه التوقف حتى تُستبرَأ من هذا الوطء؛ لأنها قد تكون حاملًا، وقد لا تكون حاملًا، والواجب أن تُستبرأ بحيضة أو بثلاث حيض على الخلاف، ذهب جِمٌّ غفير من أهل العلم أنها تُستبرأ بثلاث حيض كعدة الطلاق، فإن بانت حاملًا فعدتها وضع الحمل.
أما على القول الثاني بأنها تُستبرأ بحيضة؛ فإنه يكفي حيضة للعلم ببراءة الرحم كالزانية، وكالمخلوعة على الصحيح، وكالمستبرأة؛ الأمة المستبرأة بعد الشراء أو بعد البيع، يكفيها حيضة عند بعض أهل العلم استبراءً لها، استبراءً لرحمها، ويجامع زوجته بعد ذلك التي عنده.
هذا هو ظاهر كلام أهل العلم بعدما راجعنا كلام أهل العلم، ظاهر كلام أهل العلم: أنه لا يقرب زوجته جماعًا حتى يستبرئ أختها التي أدخلت عليه غلطًا وجامعها، فإن كانت لم تحمل استبرأها بحيضة، أو ثلاث حيض، على خلاف، وإن كانت قد حملت توقف عن زوجته حتى تضع الحمل، وفي النفس من هذا شيء، وسوف نتابع المسألة -إن شاء الله-، لكن الذي يظهر من كلام أهل العلم: أنه لا بد من استبرائها بحيضة على الأصح كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، أو بثلاث حيض إلحاقًا لها بالمطلقة، فإن كانت حُبلى لا بد من وضع الحمل، فإذا وضعت أو استبرئت فله الاتصال بزوجته حينئذٍ.
أما إذا جعلنا وطء الشبهة كالزنا، فإن وطء الزنا لا ينشر الحرمة على الصحيح، ولا يثبت له حكم المصاهرة، فإذا ألحقنا وطء الشبهة بذلك فإنه يحل له إتيان زوجته التي عقد عليها؛ لأن هذا الوطء تلاه وطء؛ لأنه في المعنى يشبه وطء الزنا؛ لأنه ليس بحلال، وإنما سمح له في استلحاق الولد وأنه لاحق به؛ لأنه لم يتعمد الزنا، اشتبه عليه الأمر ظنها زوجته، فعُذر ولم يأثم؛ بسبب أنه غلط، ولحقه الولد؛ لأنه وطء شبهة فيلحق به الولد، كما قال أهل العلم.
لكنه يشبه وطء الزنا من جهة أخرى، وهي أنه وطء في غير عقد شرعي، وفي غير ملك شرعي، فأشبه الزنا، فلا يمنع حل الزوجة، هذا هو وجه القول بأنه لا يمنع، ولكن إذا احتاط وأمسك عن زوجته حتى يستبرئ أختها بحيضة أو بثلاث حيض أو بوضع الحمل يكون هذا هو الذي ينبغي، كما نص عليه أهل العلم.
أما وطء الزنا: لو وطئ أخت زوجته زنًا أو عمتها أو خالتها، فالصحيح أنه لا تحرم عليه زوجته بذلك، بل له الاتصال بزوجته، وهذا الوطء وطء محرم فلا يوجب الحرمة، ولا يثبت به حرمة المصاهرة لو كانت أمها أو بنتها على الصحيح؛ ولأنه فاحشة لا ينبغي إظهارها، فإن الحكم بأن لهذا الوطء حكم الوطء الشرعي مما يشيع الفاحشة، ويظهر الفاحشة، ويقال: لماذا؟ ويقال: لأنه وطئ فلانة، زنى بفلانة، فهذا فيه إظهار الفاحشة.
فلهذا الصواب أنه لا ينشر الحرمة، ولا يكون له حكم وطء المصاهرة بل يكون وطئًا لاغيًا لا ينشر الحرمة، ولا يمنع من قربان زوجته، وعليه ما على الزاني من الحد الشرعي إذا كان زانيًا.
وهكذا هذا الذي زُفت إليه أخت زوجته، وعلم أنها أخت زوجته، وليس عنده شك ثم وطئها يكون له حكم الزاني، وعليه حد الزاني إن كان بكرًا جُلد مائة، وإن كان ثيبًا رجم؛ لأنه تعمد وطء الزنا، وهكذا هي إذا كانت تعلم أنه ليس زوجها، أن المعقود عليها هي أختها وزفت إليه خطًأ، أو شبهت عليهم.
المقصود: إذا كانت تعلم أنه ليس زوجها، وأنه مغلوط فيها، وأن الزواج لأختها، وتعمدت الزنا، فإن لها حكم الزانية؛ لكونها تعمدت تمكينه من نفسها، وهي تعلم أنها ليست زوجته، ولكن آثرت الهوى والشيطان نعوذ بالله، فيكون لها حكم الزانيات، وعليها حد الزانية، أما هو فمعذور إذا كان لم يعلم، واشتبه عليه الأمر يحسبها زوجته المعقود عليها فهو معذور، والوطء في حقه وطء شبهة يلحقه النسب، وهي غير معذورة إذا كانت تعلم أنه ليس زوجًا لها وأن الحكم يتعلق بأختها، ولكنها تعمدت فعل الفاحشة فيكون لها حكم الزانيات، أما هو فليس له حكم الزاني، بل هو معذور؛ لأنه اشتبه عليه الأمر ولم يعلم.
فهذا هو التفصيل الذي وعدنا به فيما تقدم، أرجو أن يكون السائل على بصيرة في هذا الأمر، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، نعم.
المقدم: أحسن الله إليكم، وأثابكم. هذه الأخت التي زفت إليه لو اتضح أنها حامل فيكون المولود ولده؟
الشيخ: لحقه.
المقدم: ولده شرعًا؟
الشيخ: لأنه وطء شبهة، إذا كان لم يعلم أنها غير زوجته يحسب أنها زوجته، فيكون ولده هذا لاحقًا به؛ لأنه من باب وطء الشبهة، ووطء الشبهة يلحق به النسب، وله العقد عليها مثلما تقدم لو رغب فيها، له العقد عليها بنكاح جديد بعد أن يطلق أختها التي سبق أن تزوجها؛ لأنه لا عدة لأختها بسبب أنها تزوجها، ولم يدخل بها، والمطلقة غير المدخول لم يدخل بها ليس لها عدة.
المقدم: إنما يجب أن يمتنع عن أختها حتى تضع حملها إذا كانت حاملًا، أو تستبرئ بحيضتين أو بثلاث حيضات.
الشيخ: هذا هو ظاهر كلام أهل العلم، لا بد من هذا، واحتجوا بحديث رووه عن النبي ﷺ لا أعلم صحته يحتاج إلى مراجعة، وهو أنه ﷺ قال: من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين وفي لفظ آخر: لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجمع ماءه في رحم أختين احتجوا بهذا، فإن صح فهذا حجة ظاهرة، ولا سيما مع العمد، فإنه لا يجوز بلا خلاف بين أهل العلم جميعًا، أما إذا وقع خطأً فهذا هو محل النظر، إذا وقع خطأ لا يكون مؤاخذًا بذلك؛ لأنه لم يتعمده، وإنما هذا إذا وقع عمدًا فهذا عليه المسؤولية لهذا الأمر الذي تعمده، نعم.
المقدم: بارك الله فيكم.