الجواب:
ليس هناك تعارض يا أخي، فالله -جل وعلا- بيّن لنا أن ما أصابنا هو بأسباب كسبنا، وبين أن ما يقع هو بقضائه وقدره، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا[التوبة:51] فقد سبق علمه وقدره بكل شيء، ولكنه سبحانه علق ما أصابنا مما يضرنا أنه بأسباب معاصينا، وإن كانت مكتوبة مقدرة، لكن لنا كسب، ولنا عمل، ولنا اختيار، فكل شيء يقع بقدر من الطاعات والمعاصي، فما وقع منا من معاصي فهو معتبر من كسبنا، ومن عملنا، ونحن مؤاخذون به، إذا فعلناه، وعندنا عقولنا، فنحن مؤاخذون به؛ ولهذا قال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ[الشورى:30] وفي الآية الأخرى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ[النساء:79] فلا تنافي بين القدر وبين العمل، فالقدر سابق، ولله الحجة البالغة ، والأعمال أعمالنا، فالزنا وشرب الخمر، وترك الصلاة والعقوق وقطيعة الرحم من أعمالنا، ونحن نستحق عليها العقوبة بسبب تفريطنا وتقصيرنا؛ لأن لنا اختيارًا، ولنا عملًا ينسب إلينا، وإن كان سبق في علم الله كتابته وتقديره، فالقدر ليس حجة على فعل المعايب والمنكرات.
فالله له الحكمة البالغة فيما مضى به قدره وعلمه وكتابته، ونحن مسئولون عن أعمالنا وعن أخطائنا وتقصيرنا ومؤاخذون بذلك إلا أن يعفو ربنا عنا.
وبهذا تعلم أنه لا منافاة بين الآيتين، فإحداهما تدل على أن أعمالنا من كسبنا، وأنا نستحق عليها العقوبة؛ لأنها أعمال لنا باختيارنا، والآية الأخرى تدل على أنه قد مضى في علم الله كتابتها وتقديرها، وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء فهو سبحانه الحكيم العليم العالم بكل شيء الذي سبق علمه بكل شيء وكتب كل شيء.
وفي الآية الأخرى يقول : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ[الحديد:22] فكتاب الله سابق، وعلمه سابق ، وقدره سابق، وأعمالنا محصاة علينا، ومنسوبة إلينا، ومكتوبة علينا، وهي من كسبنا وعملنا واختيارنا.
فنجزى على الطيب الجزاء الحسن من الطاعات، وأنواع الخير والذكر، ونستحق العقاب على سيئها من العقوق والزنا والسرقة وسائر المعاصي والمخالفات، والله المستعان، نعم.