الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
قد تواترت الأحاديث عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بالإخبار عن نزول عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام-، وأنه ينزل في آخر الزمان في دمشق، وأنه يتوجه إلى فلسطين بعد نزول الدجال، وأنه يقتله هناك في باب لد، والمسلمون معه، وثبت عنه ﷺ أنه يأتي المسلمين وهم قائمون للصلاة، فيريد أميرهم أن يتأخر حتى يؤم الناس نبي الله عيسى -عليه الصلاة والسلام-، فيأبى عليه عيسى، ويقول: إنها أقيمت لك، فصل بهم.
وجاء في بعض الروايات الجيدة أن أميرهم ذاك الوقت المهدي، وهو محمد بن عبدالله، من بيت النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن ذرية فاطمة، فيقول له المهدي: تقدم يا روح الله، فيأبى، ويقول: صل أنت؛ لأنها أقيمت لك، ثم يتولى القيادة بعد ذلك عيسى -عليه الصلاة والسلام-.
ونزوله أمر مجمع عليه عند أهل العلم، وثابت بالنصوص الثابتة عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وقد تواترت به الأحاديث، وليس فيه شك بحمد الله، وهو ينزل في آخر الزمان بعد خروج الدجال الكذاب، فيبين للناس كذبه وضلاله، ويتولى قتله -عليه الصلاة والسلام-، وقد أشار القرآن إلى هذا في قوله -جل وعلا- لما ذكر عيسى، قال: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا[الزخرف:61] يعني: نزوله ومجيئه، وقرأ بعض القراء (عَلَم) بفتح العين واللام؛ أي: دليل على قربها، وقال -جل وعلا- في سورة النساء: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا[النساء:158] ثم قال بعده: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ[النساء:159] يعني: ما من أحد من أهل الكتاب وقت نزوله إلا يؤمن به قبل موت عيسى -عليه الصلاة والسلام-، فيكون الضمير في موته يعود على عيسى، وقيل: يعود على اليهودي أو النصراني، وأنه قبل موته يؤمن بنزول عيسى -عليه الصلاة والسلام-.
وبكل حال فالآية تشير إلى ذلك، سواء قيل: إنه الضمير يعود إلى الواحد من أهل الكتاب، وأنه يؤمن به قبل خروج روحه، أو بمعنى: أن عيسى -عليه الصلاة والسلام- إذا نزل آمن به أهل الكتاب ذلك الوقت قبل أن يموت عيسى -عليه الصلاة والسلام-، فإنه يموت بعد ذلك، يمكث في الأرض ما شاء الله، ثم يموت، ويصلي عليه المسلمون، ويدفنونه.
وجاء في بعض الروايات ما يدل على أنه يدفن في الحجرة النبوية، ولكن في صحة ذلك نظر، وبكل حال فهو ينزل بلا شك، ويحكم بشريعة محمد ﷺ في الأرض، ويتبعه المسلمون، ويفيض المال في وقته، وتأمن البلاد، ويسلم الناس كلهم، فإنه لا يقبل من الناس إلا الإسلام، أو السيف، ويهلك الله في زمنه الأديان كلها ما عدا الإسلام، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، يعني: يترك الجزية، لا يأخذها من أحد، وتكون العبادة لله وحده في زمانه بسبب ما حصل به من الأمارات العظيمة، والدلالات القاطعة على قرب الساعة، فالناس يؤمنون في زمانه، وهو يجاهدهم بالسيف، حتى يدخل الناس في دين الله، فمنهم من يدخل بسبب ظهور أدلة الحق، وصدق محمد ﷺ فيما أخبر به، ومنهم من يكون إسلامه على أثر الجهاد الذي يقوم به عيسى -عليه الصلاة والسلام- والمسلمون.
والخلاصة: أن نزوله حق، وأنه ثابت بإجماع المسلمين، وأصله الأحاديث المتواترة، ثبت في الأحاديث المتواترة القطعية بنزوله -عليه الصلاة والسلام-، وأشار القرآن الكريم إلى ذلك كما تقدم.
فالواجب على جميع المسلمين الإيمان به، واعتقاد نزوله في آخر الزمان، وأنه ينزل حقيقة، وأنه يدعو إلى توحيد الله، والإيمان به، وأنه يعمل بشريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، ويحكم بها في الأرض؛ لأنه لا نبي بعد محمد -عليه الصلاة والسلام-، فهو ينزل تابعًا لـمحمد ﷺ، حاكمًا بشريعته، لا بشريعة التوراة السابقة، ولكن يحكم بشريعة محمد ﷺ، يحكم بالقرآن، هذا هو الذي أجمع عليه أهل الإسلام، ودلت عليه الأحاديث الصحيحة المتواترة، وأشار إليه القرآن الكريم.
فالواجب على جميع المسلمين اعتقاد هذا، وعدم الالتفات إلى ما قد قاله بعض المتأخرين من إنكار نزوله، وتأويل ذلك بأنه يظهر الخير في آخر الزمان، وأنه عبر بهذا عن ظهور الخير، وأنه عبر بالدجال عن ظهور الشر، كل هذه أقوال فاسدة وباطلة، ويخشى على قائليها من الكفر بالله لأنهم كذبوا بأمر واضح، جاءت به السنة الصحيحة المتواترة، فلا يجوز الالتفات إلى ذلك، بل يجب الإيمان والقطع بأن خروج الدجال حق في آخر الزمان، وهو كذاب من بني آدم يخرج في آخر الزمان، يدعي أنه نبي، ثم يدعي أنه رب العالمين، وهكذا ينزل عيسى في إثر ذلك فيقتل هذا الدجال، ويكون إمام المسلمين في زمانه، ويحكم بشريعة الله، هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأجمع عليه أصحاب النبي ﷺ والمسلمون بعدهم، نعم.
المقدم: في قوله: (ويترك الجزية) هل يدل على أنه ليس هناك إنسان كافر، أو من هذا القبيل؟
الشيخ: لا، معناه ما يقبلها، ما يقبلها من اليهود والنصارى، وهذا يدل على أنها مؤقتة الجزية أخذها مؤقت في الشريعة المحمدية، يعني: مؤقت إلى نزول عيسى، فإذا نزل عيسى فلا تقبل، فهذا شرع من شرع الله بيَّنه النبي ﷺ في الأحاديث الصحيحة بأن عيسى لا يقبلها؛ لأنها انتهى أمرها، وليس هناك حاجة إليها، بل يجب عليهم أن يسلموا، ويتركوا التمرد عن الإسلام، والتشبث باليهودية والنصرانية، وعلى عيسى أن يقاتل من أبى ذلك حتى يدخلوا في دين الله، نعم.
المقدم: أيضًا هل هذا الحديث يدل على وجوب قتل الخنزير من قبل المسلمين؟
الشيخ: يظهر من هذا أن الخنزير من الحيوانات التي ينبغي إتلافها؛ لأنه من المحرمات في شريعة محمد ﷺ؛ ولأن بقاءه وسيلة إلى أن يأكله اليهود والنصارى، أو غيرهم، وهو محرم بنص الكتاب العزيز، فقد يستفاد من هذا الحديث أنه يقتل إذا وجد يقتل، إتلافه وإزالته من الوجود، وأن ما ذكره النبي ﷺ في قصة عيسى يشير إلى هذا المعنى، ويفيده.
ويحتمل أن يقال: إنه لا يقتل إلا بعد نزول عيسى -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه ذكر في قصة عيسى ونزوله، فيكون قتله مؤجلًا كما أن وضع الجزية مؤجل إلى نزوله -عليه الصلاة والسلام-، هذا محل احتمال، ويحتاج إلى مزيد بحث وعناية من جهة الأدلة الشرعية، فإنه ليس كل محرم يقتل، فإن الكلب محرم ولا يقتل إلا إذا آذى بالعقر أو غيره، والهر محرم الأكل، ومع هذا لا يقتل إلا إذا آذى، والحمر محرمة الأكل ولا تقتل، فهكذا الخنزير محرم الأكل، ولا يلزم من تحريمه أن يقتل إلا إذا اعتمد على هذا الحديث، ولم يكن له معارض، وهو قتل عيسى للخنزير، فهذا محل نظر، ومحل احتمال، ويحتاج إلى مزيد بحث، نعم.