الجواب:
لا أعلم بأسًا في أن يصافح المسلم أخاه، بعد فراغهما من تحية المسجد، أو من الراتبة، قبل الصلاة، كراتبة الظهر، أو راتبة الفجر، لا أعلم بأسًا في ذلك، ولو كانا جاءا جميعًا، ولو كانا قد سلم أحدهما على الآخر قبل الصلاة، لكن إذا كان ما جاءا جميعاً، أو ما سلم أحدهما على الآخر قبل الصلاة؛ يتأكد، تتأكد المصافحة بعد ذلك؛ لأن أصحاب النبي ﷺ كانوا إذا تلاقوا يتصافحون، وكانوا إذا قدموا من سفر تعانقوا، قال أنس ، والشعبي: "كان أصحاب النبي ﷺ إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا" وقد ثبت عنه ﷺ أنه كان يصافح إخوانه -عليه الصلاة والسلام- عند اللقاء، فهذه سنة معروفة عن النبي ﷺ، وعن أصحابه.
أما إذا كان دخل مع أخيه، أو سلم عليه في الصف قبل أن يصلي التحية لما تلاقيا في الصف؛ فإن هذا يكفي، قد حصل المقصود، والحمد لله، لكن لو سلم عليه ثانيًا بعد الفراغ من التحية، أو من الراتبة القبلية، لو صافحه مرةً أخرى، فلا أعلم بأسًا، ولا أعلم ما يوجب جعل ذلك بدعة، فإن السلام كله خير، ولا يأتي إلا بخير، وفيه إيناس من بعضهم لبعض، ودعاء من بعضهم لبعض، فلا حرج فيه -إن شاء الله-، ولا يسمى بدعة.
ومما يدل على هذا: ما ثبت في الصحيحين، عن النبي ﷺ: أنه كان جالسًا في المسجد ذات يوم، فدخل بعض الناس، فصلى ولم يتم صلاته، ثم جاء فسلم على النبي ﷺ، فقال له النبي ﷺ: ارجع فصل، فإنك لم تصل فرجع فصلى، ثم جاء فسلم على النبي ﷺ، فرد عليه النبي السلام، ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى، ثم جاء فسلم على النبي ﷺ، فرد عليه النبي السلام، وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل فقال الرجل: والذي بعثك بالحق نبيًا، ما أحسن غير هذا فعلمني، فقال له النبي ﷺ: إذا قمت إلى الصلاة؛ فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها فهذا الحديث العظيم الجليل يدل على وجوب وفضيلة الطمأنينة في الصلاة، والركود فيها، وأن يعطى كل ركن حقه؛ من الاعتدال، والطمأنينة، وعدم العجلة في الركوع والسجود والاعتدال بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، هذا من أهم الفرائض.
وكثير من الناس يعجل، ولا يكمل هذه الفروض، وهذا خطأ عظيم، لا تصح معه الصلاة، وفي هذا الحديث نفسه أنه رد على الرجل السلام، وهو يصلي بقربه، وجاء إليه ثلاث مرات، يسلم ويرد عليه النبي السلام، ولا قال: يكفي السلام الأول، مع أنه بقربه يصلي، يشاهده النبي ﷺ، ويرى حركاته، ويرى طمأنينته وعدمها، والنبي يشاهده، وكلما سلم عليه قال: وعليكم السلام، ورد عليه السلام، ثم قال له: ارجع فصل فدل ذلك على أن إعادة السلام من شخصٍ حولك، تشاهده يعمل عملًا، ثم يسلم عليك مرةً ثانية، أن هذا لا شيء فيه، وثبت عنه ﷺ أنه ربما أنه كان إذا سلم سلم ثلاثًا، والقصد من ذلك -والله أعلم- أن يفهم المستمعون، أو لعلهم لم يردوا في الأولى، أو في الثانية؛ فينتبهون للرد.
فالمقصود: أن تكرار السلام للتعليم، أو لتنبيه الحاضرين حتى يردوا السلام، أو لأسبابٍ أخرى دعت إلى ذلك؛ كاشتغاله بالصلاة، فإن الصلاة فيها شغل، فلما فرغ منها، سلم على أخيه، هذا لا حرج فيه -إن شاء الله-، ولا ينبغي التشديد في هذا أبدًا، نعم.
المقدم: لكن في بعض العامة يعتقدون أنه مكمل للصلاة، ولا تكمل...؟
الشيخ: هذا غلط، هذا ما له تعلق بالصلاة، إنما له تعلق بإيناس أخيه، والسلام على أخيه، والدعاء لأخيه، بعد شغله بالصلاة، فيكون قد اشتغل بالصلاة، وأقبل على الله في قيامه وركوعه وسجوده، فهذا أعظم في نفس الأمر مما لو حال بينه وبين أخيه شجرة، أو جدار ثم سلم عليه، جاء في الحديث أنه إذا حال بينه وبين أخيه شجرة، فإنه يسلم عليه مرةً أخرى، إذا سلم على أخيه، ثم حال بينهما شجرة أو جدار سلم عليه مرةً أخرى، فأي هذا وأي شغله بالصلاة أعظم، إذا حال بينه وبين أخيه شجرة نخلة أو نحوها لحظة نص دقيقة، أو ربع دقيقة، أو ثانيتين، أو ثلاث.
المقصود: أن هذا شيء يسير، ثم يلقاه، يسلم عليه، هذا أقل بكثير من شغله بالصلاة.