الجواب:
المساجد التي فيها القبور لا يصلى فيها؛ لقول النبي ﷺ: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ولقوله -عليه الصلاة والسلام-: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك هكذا يقول -عليه الصلاة والسلام- نهاهم عن اتخاذها مساجد، ويذم الماضين الذين فعلوا هذا الأمر، يقول -عليه الصلاة والسلام-: ألا وإن من كان قبلكم يعني: من الناس من اليهود والنصارى وغيرهم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهمم مساجد يعني: يصلون عندها يصلون حولها ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك فالنهي عنها من وجوه ثلاثة: من جهة ذم الماضين على فعلها. ومن جهة قوله: لا تتخذوا ومن جهة قوله: فإني أنهاكم عن ذلك.
ثلاث، الثلاث جهات كلها محل نهي، تحذير، فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على القبور قبة، ولا مسجدً، ولا يصلوا عند القبر، لا فرضًا ولا نفلًا إلا صلاة الجنازة، إذا مات، وحضروا في القبر، وصلى عليه بعض الناس؛ لا بأس، أو صلوا عليه عند القبر لا بأس، أو صلى عليه من لم يحضر صلى على القبر لا بأس، قبل مضي شهر، أو عند مضي شهر؛ لا بأس، يعني: يصلي عليه إلى أن يمضي شهر، وما حوله.
فالحاصل: أن الصلاة في المقبرة لا تجوز، والبناء على القبور لا يجوز لا مسجد ولا غيره، وما وقع في بعض الأمصار وبعض الدول من البناء على القبور كله غلط كله خطأ.
والواجب على الحكام المسلمين أن يزيلوا ذلك، أن يزيلوا البناء على القبور، وأن يمنعوا الناس من دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم، هذا هو الشرك، كونه يأتي الميت ويقول: يا سيدي اشف مريضي، أو انصرني، أو اقض حاجتي، أو أخبرني عما مضى عن كذا وكذا، هذا من الشرك الأكبر؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، الأموات ما يعلمون الغيب، ولا يقضون الحاجات، مرتهنون بأعمالهم، فالذي يسألهم قضاء الحاجة، شفاء المريض، النصر على الأعداء، قد أتى منكرًا عظيمًا، وشركًا أكبر، الله يقول: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] ويقول سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر:13] القطمير: اللفافة التي على النواة إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر:14] سماه: شرك وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14] .
فأخبرنا سبحانه أن الأموات لا يسمعون دعاءنا، وهكذا الأصنام والأشجار والأحجار ولَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا [فاطر:14] على سبيل الفرض وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا ما عندهم قدرة وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بهذا الأمر ينكرونه ويتبرؤون منه، ويقول سبحانه: وَمَنْ يَدْعُُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] سماهم: كفرة، ويقول : وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] رد الله عليهم بقوله: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِيي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس:18] سمى عملهم: شركًا، وقال في أول سورة الزمر: وَالَّذِينََ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌٌ كَفَّارٌ [الزمر:3] سماهم: كذبة كفرة؛ لأن الأموات ما يقربون إلى الله زلفى، الأموات مرتهنون بأعمالهم: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21] لا يملكون شيئًا لداعيهم، لا يقربونه إلى الله إذا دعاهم، ولا ينصرونه، ولا يشفون مريضه، قال تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ [الأعراف:192].
فالأموات لا يملكون شيئًا لداعيهم، ولا يستطيعون نصر داعيهم، ولا نصر أنفسهم، فكيف يدعون مع الله؟! كيف يستغاث بهم؟! والأصنام من الحجارة أو غيرها من باب أولى، لا تسمع، ولا تملك شيئًا، صم بكم، ما يسمعون، هكذا الأشجار، هكذا الأحجار، هكذا الكواكب والنجوم، هكذا الشمس والقمر، كلها لا تعبد من دون الله، من عبدها من دون الله؛ فقد أشرك بالله.
وما يقع في بعض الأمصار من دعوة الأموات، كدعوة البدوي، أو الحسين، أو الشيخ عبدالقادر، أو أبي حنيفة أو الشافعي -رحمة الله- عليهما، أو غيرهم كله شرك يكون هذا باطل.
الحسين بريء ممن عبده، وهكذا علي بريء ممن عبده، وهكذا بقية الأنبياء والصالحين، بقية الصالحين برآء ممن عبدهم، وهكذا الأنبياء برآء ممن عبدهم، نبينا محمد ﷺ بريء ممن عبده، وهكذا الأنبياء كلهم برآء ممن عبدهم، وهكذا الصالحون مثل: علي مثل: الحسين مثل: الحسن مثل: نفيسة، مثل: زينب، كلهم برآء ممن عبدهم من دون الله، لا يرضون بذلك، وعبادتهم شرك بالله وهكذا الشيخ عبدالقادر الجيلاني، الإمام أبو حنيفة ، هم برآء ممن عبدهم من دون الله، وعبادتهم شرك بالله، من دعاهم، أو استغاث بهم، أو نذر لهم، أو سألهم شفاء المريض؛ فقد أشرك بالله.
وهكذا من دعا غيرهم من الأموات، في أي بلد في الجزيرة العربية، أو في مصر، أو الشام، أو العراق، أو أفريقيا، أو أمريكا، أو كل مكان، لا تجوز عبادة غير الله أبدًا، العبادة حق الله وحده، يقول سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] يعني: أمر وأوصى، ويقول سبحانه: وَمَا أُمِرُوا [البينة:5] يعني: الناس وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] ويقول : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] ويقول -جل وعلا-: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتََ [النحل:36] ويقول سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] ويقول النبي ﷺ: لعن الله من ذبح لغير الله ويقول -جل وعلا- في كتابه العظيم: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18].
فالواجب على جميع المسلمين التواصي بالحق، والتحذير من هذا الشرك، والواجب على العلماء أينما كانوا أن يتقوا الله، وأن يعلموا الناس دين الله، وتوحيد الله، وأن يحذروهم من عبادة القبور، وأهل القبور، أو عبادة الأصنام والأشجار والأحجار أو النجوم، أو غير ذلك، هذا واجب العلماء في كل مصر، وفي كل بلد، وفي كل دولة، يجب على العلماء أن يعلموا الناس، أن يرشدوا بالناس إلى توحيد الله.
فالعبادة حق الله، هو الذي يدعى يا رب اغفر لي، يا رب انصرني، يا رب اشف مريضي، يا الله يا رحمان يا رحيم أنت المالك لكل شيء، أنت القادر على كل شيء، أما أن يقول: يا سيدي يا عبدالقادر ، أو يا سيدي الحسين، أو يا سيدي البدوي اشف مريضي، هذا الشرك الأكبر، أو يا فلان، أو يا سيدي عبدالقادر، أو يا سيدي أبي حنيفة، أو فلان، هذا كله منكر، كله شرك أكبر، ومن المصائب العظيمة وقوع الكثير من العامة في هذا البلاء، هذا من المصائب العظيمة.
فالواجب على أهل العلم أن ينكروا هذا الشرك، وأن يعلموا الناس، وأن يرشدوهم، والواجب على ولاة الأمور الحكام من المسلمين أن ينهوا عن هذا الأمر، وأن يزيلوا المساجد التي على القبور، والبناء الذي على القبور، وأن يدعوا القبور مكشوفة ظاهرة، مثل القبور في البقيع مكشوفة، كما كان في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وعهد الصحابة مكشوفة لا بناء عليها، لا مسجد ولا غيره، هذا هو الواجب على المسلمين في كل مكان في الدول الإسلامية، وفي غيرها.
الواجب أن تكون القبور مكشوفة، ليس عليها بناء، ولا يجوز أن تعبد مع الله، ولا أن تدعى مع الله، ولا يستغاث بها، ولا أن يطاف بها، ولا يمكث عندها، ولا يصلى عندها، ولكن تزار، يزار قبر المسلم، يسلم عليه، يدعى له؛ لأن الرسول قال -عليه الصلاة والسلام-: زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة وكان -عليه الصلاة والسلام- يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإذا زار القبور، قبور المدينة يقول: السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر.
هكذا كان النبي يعلم أصحابه، ويفعل -عليه الصلاة والسلام-يزور، ويدعو للميت، للموتى، اقتدوا بالنبي ﷺ: السلام عليكم أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين، وإنا -إن شاء الله- بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية ... يغفر الله لنا ولكم ... يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين مثل هذا الدعاء للأموات.
أما إن كان الأموات كفارًا، وزارهم، لا يدعو لهم، للعبرة، مثلما زار النبي ﷺ قبر أمه، ولم يستغفر لها، نهاه الله أن يستغفر لها، لكن زارها للعبرة، فإذا كان قبور كفار نصارى وغيرهم مر عليهم، ووقف للعبرة، حتى وتذكر الآخرة .. تذكر الموت .. تذكر النار والجنة للعبرة لا بأس، يزورهم للعبرة، لا يسلم، ولا يدعو، أما قبور المسلمين يسلم عليهم، ويدعو لهم.
وفق الله الجميع، وهدى المسلمين جميعًا لما يرضيه، وفقههم في الدين، ووفق علماء المسلمين لكل ما فيه صلاح المسلمين وبراءة الذمة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
المقدم: اللهم صل وسلم وبارك على خير خلقك، محمد وعلى آله وصحبه وسلم، جزاكم الله خيرًا سماحة الشيخ.