حوار لمجلة (المجلة) حول حياة سماحته الشخصية وبعض قضايا الأمة

أدلى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء بحديث صحفي، تركز على نفسه، وعائلته، وأشار فيه إلى أمور هي مثار جدل في العالم الإسلامي.
وفيما يلي نص الحديث:
س1: متى انتقلت عائلة الباز إلى الرياض؟
ج1: عائلتي وجماعتي أصلهم من الرياض، أي: أن الآباء والأمهات والأجداد في الرياض، وطائفة منهم في الحوطة، وطائفة في الأحساء، وطائفة في الحجاز، وكلهم يرجعون لنفس العائلة، وهناك ناس يقال لهم: آل باز في الأردن وفي مصر وفي بلاد العجم ولا نعرف عنهم شيئا، ولكن بعضهم يدعي أنه من أهل البيت، وهم الموجودوحوار ن في الأردن.
س2: لأن وقتك للناس وليس لك، فهل تلتقي بأبنائك وأحفادك كثيرا؟
ج2: ألتقي بهم بين وقت وآخر، قد رتبت لهم بعض الليالي من الشهر لقراءة القرآن والسؤال عما يشكل عليهم، ولكن قد تحصل عوارض تخل بالموعد، لقد رتبنا لهم ليلتين في الشهر، ليلة للإناث وليلة للذكور، إلا أنه قد تحصل بعض الأشياء التي تعوق عن التنفيذ في بعض الأحيان.
س3: هل اخترت لأبنائك طريق الدراسة أم تركت لهم الحرية في اختيار ما يشاءون في تحصيل العلم؟
ج3: نشير عليهم بما نرى، وقد تقبل الإشارة، وقد يختار الفرد منهم شيئا آخر، نشير عليهم بكلية الشريعة دائما، وبعضهم قد يختار كلية أخرى.
س4: أي المدن تحب السكني فيها، أي تشعر فيها بالارتياح؟
ج4: الحمد لله كل مدن المملكة طيبة، لكن أحبها إلينا مكة، ثم المدينة، ثم الرياض، هذه أحسن ما في المملكة.
س5: وهل ترى بوجود حد لتعليم البنات؟
ج5: لا، ليس هناك حد، بل يتعلمن حتى أعلى المراحل ليستفدن ويفدن.
س6: قبل سنة 1357 هجرية، وقبل توليكم القضاء في الخرج ماذا كنتم تعملون؟
ج6: في طلب العلم في الرياض.
س7: إذا جاز لك أن تسمي شيخا لك فمن هو شيخك؟
ج7: أفضلهم وأعلمهم الشيخ: محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله هو شيخنا، وهو الذي علمنا وتخرجنا على يديه، وهو أعلمهم وأفضلهم، وقرأنا على غيره من المشايخ من آل الشيخ وغيرهم، مثل: الشيخ صالح بن عبدالعزيز قاضي الرياض، والشيخ: محمد بن عبداللطيف رحمه الله من المدرسين في الرياض، وقرأنا على الشيخ: سعد بن حمد بن عتيق القاضي في الرياض رحمه الله، وقرأنا على الشيخ: سعد وقاص التجويد في مكة، رحمه الله.
س8: هل يحفظ سماحتكم شيئا من الشعر؟ ألاحظ أحيانا بعض الفتاوى فيها استشهادات من الشعر.
ج8: لا أعتني بالشعر، هي أشياء قد تأتي، لكن ليس لي عناية بالشعر.
س9: هل هناك فتاوى معينة أصدرتها في فترات سابقة ثم تراجعت عنها بعدما تبين لك مزيد من الأدلة؟
ج9: لا أتذكر شيئا، ربما يكون هناك، لكن لا أتذكر.
س10: وهل تذكرون أول فتوى في حياتكم؟
ج10: لا نتذكر شيئا، نفتي منذ أكثر من خمسين أو ستين سنة، نسأل الله حسن الخاتمة.
س11: حينما كنت قاضيا في الخرج سنة 1357 هـ ذاع صيتك بين طلبة العلم وقصدوك، ما هي الأسباب التي أدت إلى ذلك؟
ج11: لأنني رتبت الدروس للطلبة في كتب العقيدة، وكتب الحديث الشريف، وكتب الفقه، وكتب النحو، ورتبنا لهم مساعدات شهرية على حساب المحسنين، فاجتمع جمع غفير من داخل المملكة وخارجها في العقد السابع من القرن الرابع عشر ونحن في الخرج والدلم، ثم انتقلنا للرياض، وصارت الدروس في الرياض، ثم انتقلنا إلى المدينة وصارت الدروس في المدينة في المسجد النبوي.
س12: كيف ترون الآن الاختلافات بين القضاء في تلك الفترة والقضاء في هذه الأيام؟
ج12: أهل القضاء أعلم بهذا، الله يعينهم، ونسأل الله لهم العون والتوفيق، لكن لا شك أن الأمر أشد الآن؛ لتغير أحوال الناس، وكثرة الجهل، وكثرة الحيل والمكر، كل هذا يسبب شدة في القضاء وتعباً على القاضي، نسأل الله لهم العون والتوفيق.
س13: تعلمون كثرة القضايا والمشاكل بين الناس من ازدحام المدن ونموها، فهل تؤيدون استخدام الحاسب الآلي لحفظ القضايا والصكوك بدلا من تعرضها للتلف والضياع؟
ج13: على كل حال استعمال الحاسب الآلي مفيد للقضاة وفي القضايا، لكن الصكوك التي درج عليها الأولون كافية، وإذا أعطوا الخصم صكا بحقه الذي له سوف يحفظه، لكن الحاسب الآلي قد يضيع الصك أو ما شابه ذلك، إلا أنهم قد ينتفعون بالحاسب الآلي.
س14: كثير من الناس يعجزون عن تبيان حجتهم أو استجماع أدلتهم، فهل تؤيدون نظام المرافعات؟
ج14: هذا ممكن الاستغناء عنه بالوكيل، والذي عنده عجز في الدعوى يمكن أن يوكل من هو خير منه وأقوى منه.
س15: سماحتكم توليتم القضاء في سن مبكرة، في سن السابعة والعشرين تقريبا، أليست هذه سنا مبكرة لتولي القضاء؟
ج15: تولى القضاء قبلي من هم أقل مني سنا.
س16: سماحتكم تنقلتم بين القضاء والتعليم والإفتاء ورئاسة هيئة البحوث، أي من هذه الأماكن وجدتم فيها دورا أفضل لكم؟
ج16: لا أستطيع أن أحكم على شيء في هذا، كلها بحمد الله خير، وكلها بحمد الله فعلنا فيها ما نستطيع من الخير، وبذلنا فيها ما نقدر عليه من الخير، ونسأل الله أن يتقبل الأعمال، وأن يعفو عن السيئات والتقصير، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم ما قدمنا من خير، وأن يعفو عن السيئات والزلل.
س17: لا شك أنه تصلكم أخبار عن أناس خارج البلاد يتهمون سماحتكم بالتعصب، فما ردكم على مثل هؤلاء؟ بمعنى: أنهم يقولون: هذه الدولة وهابية، وأن الشيخ ابن باز متعصب، بماذا ترد على هؤلاء؟
ج17: لا أعلم أنه وردني في هذا شيء لكن لا يستبعد، وقد رمي الأنبياء بأكبر من هذا، رمي الأنبياء والسلف الصالح من أعداء الله ومن الجهال، وأنا والحمد لله لست بمتعصب، ولكن أحكم الكتاب والسنة، وأبني فتاواي على ما قاله الله ورسوله، لا على تقليد الحنابلة ولا غيرهم، الفتاوى التي تصدر مني إنما أبنيها على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة حسب ما ظهر لي، وهذا هو الذي سرت عليه منذ عرفت العلم، منذ أن كنت في الرياض قبل القضاء وبعد القضاء، وكذلك في المدينة، وما بعد المدينة، وإلى الآن والحمد لله.
س18: سماحتكم أميل للحديث في الدراسة؟
ج18: (مقاطعا) لا بد من الحديث، الحديث سمعناه مع القرآن، وكما قال الله جل وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فالرد إلى الله: الرد إلى القرآن، والرد إلى الرسول: الرد إليه في الحياة، وإلى السنة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فلا علم ولا فتوى إلا عن طريق القرآن والحديث، هذا هو العلم، أما التقليد فليس بعلم.
س19: ولا تميل إلى كتب الفقه كثيرا؟
ج19: نطلع عليها ونستفيد منها، نستفيد من كتب العلم، كتب الفقهاء نقرؤها ونستفيد منها، ولا سيما كتب الخلاف، والكتب التي تقيم الأدلة، نعتمد على الله ثم عليها في أخذ العلم؛ لأنها تأتي بالأدلة من القرآن والسنة وترجح.
س20: تحفظون عن ظهر قلب عددا من أمهات الكتب؟
ج20: لا، لا أحفظها، قرأنا الكثير ولكن لا أحفظ منها الشيء الكثير، قرأنا البخاري ومسلم مرات، قرأنا سنن النسائي وأكملناها، وسنن أبي داود وما أكملناها، قرأنا سنن الترمذي وأكملناها، قرأنا سنن ابن ماجة لكن ما أكملناها، قرأنا جملة كبيرة من مسند الإمام أحمد، والدارمي، وصحيح ابن خزيمة، نسأل الله أن يتقبل وينفع بالأسباب.
س21: سمعنا أنكم تعرضتم لمحاولة اغتيال منذ سنوات؟
ج21: لا صحة لهذا.
س22: ترد عليكم كثير من القضايا المستجدة، خاصة بعض المسائل العلمية، فهل هناك أشخاص معينون تلتقون بهم وتستأنسون برأيهم؟
ج22: عندنا اللجنة الدائمة وأنا رئيسها منذ عام 1395 هجرية إلى الآن، ولها إحدى وعشرون سنة، وهي لجنة الإفتاء في دار الإفتاء، نتشاور وإياهم في القضايا التي ترد، ونصدر الفتوى إما جميعا أو بالأكثرية تارة وتارة، وتارة تكون الفتوى مني وحدي.
س23: لكن إذا وردت مسألة تتعلق باختراع جديد أو مسألة طبية؟
ج23: ندرسها جميعا ونستعين بأهل الخبرة فيها.
س24: شيخ عبدالعزيز في فتاويكم توجد أحيانا لغة مختلفة، فهل تكتب بعض الفتاوى أو النصائح قبلا ثم تصادق عليها، أم أنك تمليها جميعا إملاء؟
ج24: نمليها كلها إملاء، ثم تقرأ علينا جميعا لنصادق عليها.
س25: يلاحظ في هذه الفترة أن بعض طلبة العلم يتطاولون على كبار المشايخ إذا لم يقولوا ما يتفق مع أهوائهم أو رغباتهم أو معتقداتهم ما رأيك؟
ج25: نسأل الله لنا ولهم الهداية، والواجب على أهل العلم وعلى غيرهم الحذر من الغيبة، واحترام أعراض المسلمين، والحذر من النميمة، كل هذه يجب الحذر منها، فالغيبة والنميمة من أقبح الخصال، فالواجب على المسلم: الحذر منهما جميعا، فالغيبة: ذكرك أخاك بما يكره، والنميمة: نقل الكلام السيئ من قوم إلى قوم، أو من شخص إلى شخص لأن هذا يثير العداوة والشحناء، والواجب على كل مسلم أن يحذر الغيبة والنميمة، وأن يحترم أعراض المسلمين ولا سيما أهل العلم، يحترم أعراضهم، ويحذر من الكلام في أعراضهم، وأما من أظهر المنكر أو البدعة فلا غيبة له فيما أظهر وبين.
س26: زراعة الأعضاء البشرية تسهم في إنقاذ حياة الكثيرين من الناس ما رأيكم فيها؟
ج26: عندي فيها توقف؛ لأن المسلم محترم، وتقطيع أعضائه فيه ضرر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: كسر عظم الميت ككسره حيا فأنا عندي توقف في شرائها وفي التبرع بها.
س27: توقف وليس تحريما؟
ج27: نعم، لي توقف فيها، بعض أهل العلم أجازوا ذلك للمصلحة، ولأنها تكون ترابا بعد الدفن، والبعض منهم توقفوا في ذلك، وأنا من المتوقفين في جواز هذا الأمر.
س28: سماحة الشيخ حركة (الإخوان المسلمين) دخلت المملكة منذ فترة وأصبح لها نشاط واضح بين طلبة العلم، ما رأيكم في هذه الحركة؟ وما مدى توافقها مع منهج السنة والجماعة؟
ج28: حركة الإخوان المسلمين ينتقدها خواص أهل العلم؛ لأنه ليس عندهم نشاط في الدعوة إلى توحيد الله إنكار الشرك وإنكار البدع، لهم أساليب خاصة ينقصها عدم النشاط في الدعوة إلى الله، وعدم التوجيه إلى العقيدة الصحيحة التي عليها أهل السنة والجماعة.
فينبغي للإخوان المسلمين أن تكون عندهم عناية بالدعوة السلفية، الدعوة إلى توحيد الله، وإنكار عبادة القبور والتعلق بالأموات والاستغاثة بأهل القبور كالحسين أو الحسن أو البدوي، أو ما أشبه ذلك، يجب أن يكون عندهم عناية بهذا الأصل الأصيل، بمعنى لا إله إلا الله، التي هي أصل الدين، وأول ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة دعا إلى توحيد الله، إلى معنى لا إله إلا الله، فكثير من أهل العلم ينتقدون على الإخوان المسلمين هذا الأمر، أي: عدم النشاط في الدعوة إلى توحيد الله، والإخلاص له، وإنكار ما أحدثه الجهال من التعلق بالأموات والاستغاثة بهم، والنذر لهم والذبح لهم، الذي هو الشرك الأكبر، وكذلك ينتقدون عليهم عدم العناية بالسنة: تتبع السنة، والعناية بالحديث الشريف، وما كان عليه سلف الأمة في أحكامهم الشرعية، وهناك أشياء كثيرة أسمع الكثير من الإخوان ينتقدونهم فيها، ونسأل الله أن يوفقهم ويعينهم ويصلح أحوالهم.
س29: تعرفون سماحتكم أن كثيرا من المؤلفات المدرسية ساهم في تأليفها عدد من الإخوان المسلمين منذ الستينات فهل يتوجب إعادة طباعة ودراسة هذه المؤلفات المدرسية؟
ج29: لا أعرف عنها شيئا، ولأنني مشغول لم أقرأها، أسمع عن دعوة الإخوان المسلمين، وعدم نشاطهم فيما يتعلق بالعقيدة، ولكني لم أقرأ قراءة كافية في كتبهم وما جمعوا، لا من جهة الشيخ حسن، يرحمه الله، ولا غيره.
س30: ما رأيكم في الحوار الإسلامي المسيحي الآن؟
ج30: إذا دعت له الحاجة فلا مانع منه، إذا كان المحاور عنده علم وبصيرة بالكتاب والسنة فلا مانع من الحوار؛ لإظهار الحق والدعوة إليه وكشف الباطل.
س31: إلى أي حد تعتقد أن التسامح يمكن أن يحكم العلاقات الإسلامية والدول الإسلامية بعضها مع بعض؟
ج31: التسامح يجب أن يكون مقيدا بالكتاب والسنة، أي: التسامح فيما أباحه الشرع.
والواجب على ولاة الأمور في الدول العربية والإسلامية التناصح، وأن يحكموا شريعة الله في عباد الله، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن لا يتساهلوا فيما شرعه الله، بل يجب عليهم أن يحكموا شرع الله، وأن ينقادوا لشرع الله، وأن يلزموا شعوبهم بشرع الله، وهذا هو طريق النجاة وطريق العزة والنصر وطريق جمع الكلمة، أما التسامح فيما سوى ذلك، كالتسامح في الديون التي على بعضهم للبعض أو مساعدة بعضهم لبعض، أو ما أشبهه من الأمور التي يجيزها الشرع فلا بأس[1].

  1. أجرى الحوار مندوب مجلة المجلة ونشر في عددها رقم (806) الصادر بتاريخ 23/ 2/ 1416هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 8/ 34).