السؤال الأول: لقد بغى النظام البعثي الكافر في العراق على الكويت، وروع أهلها، واغتصب أرضها وضمها إلى حكمه، ولقد أجاز البعض هذا الفعل بدعوى أنه تمهيد للوحدة بين المسلمين، فهل تجيز الشريعة الإسلامية هذا المسلك الذي سلكه النظام العراقي لتحقيق الوحدة الإسلامية؟
الجواب: بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن ما عمله حاكم العراق مع الكويت منكر عظيم، وعدوان شنيع لا تجيزه الشريعة الإسلامية، بل تنكره وتحذر منه؛ لما اشتمل عليه من الظلم والعدوان وسفك الدماء ونهب الأموال بغير حق، هذا لو كان مسلما، فكيف وهو كافر بعثي ملحد؟! وإن ادعى الإسلام في بعض الأحيان، أو مدح بعض شعائر الإسلام في بعض الأوقات فالكافر عند الحاجة ينافق ثم يعود إلى أصله ومعدنه.
كما قال الله سبحانه وتعالى في أمثاله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلًا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:142، 143] ومن زعم أن هذا التصرف الذي فعله حاكم العراق تجيزه الشريعة الإسلامية تمهيدا لوحدة المسلمين فهو غالط غلطا كبيرا، وليس ذلك مما تجيزه الشريعة، وليس ذلك أيضا مما يعتبر تمهيدا لوحدة المسلمين، فإن الوحدة إنما يسعى لها ويقوم بالدعوة إليها أهلها المستقيمون عليها المحافظون على حدودها، الداعون إليها قولا وعملا وعقيدة، لا من حاربها بقوله وعمله وعقيدته.
السؤال الثاني: لقد وقف البعض ضد قوات التحالف التي حررت الكويت بدعوى أنها تضم غير المسلمين، ووقفوا مع النظام الكافر في العراق بدعوى أنه نظام يسوس المسلمين، فهل تجيز الشريعة الإسلامية الوقوف مع النظام الكافر الذي يسوس المسلمين حتى لو كان ظالما لمجرد تعاطف الغربيين من النصارى مع المظلومين من المسلمين؟
الجواب: لا تجوز مناصرة الظالمين ولو كانوا مسلمين؛ فكيف بغير المسلمين! لقول النبي ﷺ: انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا: يا رسول الله نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: تحجزه عن الظلم.
وقد أمر النبي ﷺ بنصر المظلوم ولو كان المظلوم كافرا، فكيف إذا كان المظلوم مسلما! فإن الأمر يكون أشد إثما وأعظم جريمة في حق الظالم، والله يقول سبحانه في كتابه العظيم: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2] وليس من البر ولا من التقوى نصر الظالم وإعانته على ظلمه.
أما الاستعانة ببعض الدول الكافرة لنصر المظلومين من المسلمين ضد الظالم، والوقوف في صفهم ضده فهذا شيء لا حرج فيه، وقد استعان النبي ﷺ بعبدالله بن أريقط الديلي -وهو وثني- في الدلالة على طريق المدينة حين هاجر إليها عليه الصلاة والسلام، واستعان بدروع من صفوان بن أمية في حرب هوازن يوم حنين وهو كافر، واستعان باليهود في تعمير مزارع خيبر بالنصف من أثمارها لما كان المسلمون مشغولين عنها بالجهاد.
والأدلة في ذلك كثيرة، وهي دالة على جواز الاستعانة بمن يراه ولي الأمر من أهل الشرك على أهل الشرك عند الحاجة إلى ذلك، وعند غلبة الظن في أن المستعان به ينفع المظلومين وينصرهم ولا يضرهم، لما ذكرنا من الأدلة، ولغيرها من الأدلة التي ذكرها أهل العلم في هذه المسألة.
السؤال الثالث: تراكض البعض في مبايعة طاغية العراق لمجرد أنه رفع بعض الشعارات الإسلامية، بالرغم من ماضيه القبيح في حربه للإسلام وفتكه بالمسلمين، وبالرغم من استمرار حاضره على منواله المعروف، فهل تقبل الشريعة الإسلامية مبايعة طاغية سفاح يعلن الكفر منهجا له لمجرد مدحه لبعض شعارات الإسلام؟ وما رأي الشريعة فيمن بايع أو أيد أو ناصر هذا الطاغوت؟
الجواب: لا ريب أن مبايعة مثل هذا الطاغوت ومناصرته من أعظم الجرائم، ومن أعظم الجناية على المسلمين وإدخال الضرر عليهم؛ لأن من شرط البيعة أن يكون المبايع مسلما ينفع المسلمين ولا يضرهم.
أما حاكم العراق، فهو بعثي ملحد قد أضر المسلمين بأنواع من الضرر في بلاده، ثم اعتدى على جيرانه، فجمع بين أنواع الظلم علاوة على ما هو عليه من العقيدة الباطلة البعثية، ولو أظهر بعض الشعارات الإسلامية، فالمنافقون يصلون مع الناس ويتظاهرون بالإسلام وذلك لا ينفعهم لفساد عقيدتهم، وقد أخبر الله عنهم سبحانه في كتابه العظيم بصفاتهم الذميمة وأخلاقهم المنكرة.
وأخبر أن مصيرهم هو الدرك الأسفل من النار يوم القيامة كما قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلًا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ الآية [النساء:142، 143]، وقال عز وجل: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا [النساء:145، 146] نسأل الله لحاكم العراق وأنصاره من الظالمين أن يردهم إلى الهداية، وأن ينقذهم مما هم فيه من الضلال، وأن يكفي المسلمين شرهم وشر غيرهم، إنه خير مسئول.
السؤال الرابع: يميل البعض إلى تفسير الكارثة التي حلت بالكويت على أنها عقاب من الله تعالى للكويتيين للفساد الذي انتشر في بلادهم، ويرى بعض آخر أن الكويت كانت من البلدان التي تحارب الفساد وتنشط في الدعوة للخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي أقل فسادا من كثير من البلاد الإسلامية، وأن شعبها من أنشط الشعوب الإسلامية في الأعمال الخيرية والدعوة للإسلام، وأن ما حل بهم بلاء من الله لإيمانهم، فكيف يرى فضيلتكم تفسير هذه الكارثة من منظور إسلامي؟
الجواب: لا ريب أن المعاصي لها آثار سيئة على المجتمع الذي تظهر فيه ولا تنكر لقوله سبحانه وتعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] ولقوله عز وجل: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79] ولقول النبي ﷺ: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه فالمعاصي شرها عظيم وعواقبها وخيمة، وكل ما أصاب المسلمين من العقوبات والنقمات وتسليط الأعداء كله بأسباب الذنوب والمعاصي، كما قال الله جل وعلا فيما أصاب الناس يوم (أحد) وفيهم رسول الله عليه السلام وهو أفضل الخلق وفيهم الصحابة، وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء قال فيهم جل وعلا: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ والجواب محذوف تقديره: سلط عليكم العدو، ثم قال بعدها: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:152] وقال في الآية الأخرى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ يعني يوم أحد: قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا يعني يوم بدر قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قال الله سبحانه: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165] فبين سبحانه أن ما أصابهم بأسباب ما حصل من الرماة الذين أخلوا بالموقف وعصوا الرسول عليه الصلاة والسلام فسلط عليهم العدو حتى قتلوا من قتلوا وجرحوا من جرحوا وحصلت الهزيمة حتى إن النبي ﷺ أصيب وجرح، وكسرت البيضة على رأسه، وكسرت رباعيته عليه الصلاة والسلام.
فالمعاصي شرها كبير وعواقبها سيئة، والواجب على جميع المسلمين الحذر منها والبدار بالتوبة إلى الله منها.
السؤال الخامس: ما هي الكلمة التي توجهونها لحكام الكويت وشعبها بعد أن من الله تعالى عليهم بالنصر على عدوهم وتحرير بلدهم؟
الجواب: أوصي أهل الكويت وغيرهم بالبدار إلى التوبة والإصلاح والحرص على إقامة شريعة الله في أرضهم وبلادهم، وعلى إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلادهم.
هذا هو الواجب عليهم سواء أصابتهم عقوبة أم لم تصبهم عقوبة، ولا شك أن هذه المصيبة التي أصابتهم بسبب حاكم العراق لا شك أنها موعظة وذكرى، ونسأل الله أن يجعلها كفارة للذنوب، وحطا من خطايا المسلمين في الكويت وغيرها.
ولكن يجب على أهل الكويت حكومة وشعبا أن يتقوا الله، وأن يصلحوا ذات بينهم، وأن يحكموا شريعة الله في جميع شئونهم، وأن يبادروا بالتوبة النصوح من جميع الذنوب، وأن يحاسبوا أنفسهم ويجاهدوها لله حتى لا تصيبهم مصائب أخرى، وحتى يسلموا من عقاب الله في الدنيا والآخرة.
وهذا هو واجب المسلمين جميعا، عليهم أن يتقوا الله أينما كانوا، وأن يحاسبوا أنفسهم، وأن يتوبوا إلى الله من سالف ذنوبهم، وأن يحكموا شرعه المطهر فيما بينهم، وأن يستقيموا على الحق حتى يلقوا ربهم سبحانه وتعالى، هذا هو طريق النجاة وهذا هو سبيل السلامة في الدنيا والآخرة كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:102، 103] وقال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] وقال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4] وقال سبحانه: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:25] وقال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]
فالواجب على أهل الإسلام أينما كانوا أن يتقوا الله، وأن يحاسبوا أنفسهم أبدا، وأن يحذروا المعاصي، وأن يتوبوا إلى الله مما سلف منها، وأن يستقيموا على طاعة الله ورسوله حتى يلقوا ربهم، وأن يتواصوا بذلك، وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر كما قال الله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71] هذا وعده سبحانه لمن استقام على دينه أنه يرحمه في الدنيا بالتوفيق والنصر، وفي الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
وقد يمهل الله سبحانه بعض الكفرة والعصاة ولا يعاجلهم بالعقوبة لحكمة بالغة وأسرار عظيمة، ومنها أن ذلك يكون أشد لعقوبتهم في الآخرة كما قال الله سبحانه: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42] وقول النبي ﷺ: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد به الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة.
نسأل الله لنا ولجميع المسلمين العافية من غضبه وأسباب عقابه، والتوفيق لحسن العاقبة، إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه[1].
الجواب: بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن ما عمله حاكم العراق مع الكويت منكر عظيم، وعدوان شنيع لا تجيزه الشريعة الإسلامية، بل تنكره وتحذر منه؛ لما اشتمل عليه من الظلم والعدوان وسفك الدماء ونهب الأموال بغير حق، هذا لو كان مسلما، فكيف وهو كافر بعثي ملحد؟! وإن ادعى الإسلام في بعض الأحيان، أو مدح بعض شعائر الإسلام في بعض الأوقات فالكافر عند الحاجة ينافق ثم يعود إلى أصله ومعدنه.
كما قال الله سبحانه وتعالى في أمثاله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلًا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:142، 143] ومن زعم أن هذا التصرف الذي فعله حاكم العراق تجيزه الشريعة الإسلامية تمهيدا لوحدة المسلمين فهو غالط غلطا كبيرا، وليس ذلك مما تجيزه الشريعة، وليس ذلك أيضا مما يعتبر تمهيدا لوحدة المسلمين، فإن الوحدة إنما يسعى لها ويقوم بالدعوة إليها أهلها المستقيمون عليها المحافظون على حدودها، الداعون إليها قولا وعملا وعقيدة، لا من حاربها بقوله وعمله وعقيدته.
السؤال الثاني: لقد وقف البعض ضد قوات التحالف التي حررت الكويت بدعوى أنها تضم غير المسلمين، ووقفوا مع النظام الكافر في العراق بدعوى أنه نظام يسوس المسلمين، فهل تجيز الشريعة الإسلامية الوقوف مع النظام الكافر الذي يسوس المسلمين حتى لو كان ظالما لمجرد تعاطف الغربيين من النصارى مع المظلومين من المسلمين؟
الجواب: لا تجوز مناصرة الظالمين ولو كانوا مسلمين؛ فكيف بغير المسلمين! لقول النبي ﷺ: انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا: يا رسول الله نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: تحجزه عن الظلم.
وقد أمر النبي ﷺ بنصر المظلوم ولو كان المظلوم كافرا، فكيف إذا كان المظلوم مسلما! فإن الأمر يكون أشد إثما وأعظم جريمة في حق الظالم، والله يقول سبحانه في كتابه العظيم: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2] وليس من البر ولا من التقوى نصر الظالم وإعانته على ظلمه.
أما الاستعانة ببعض الدول الكافرة لنصر المظلومين من المسلمين ضد الظالم، والوقوف في صفهم ضده فهذا شيء لا حرج فيه، وقد استعان النبي ﷺ بعبدالله بن أريقط الديلي -وهو وثني- في الدلالة على طريق المدينة حين هاجر إليها عليه الصلاة والسلام، واستعان بدروع من صفوان بن أمية في حرب هوازن يوم حنين وهو كافر، واستعان باليهود في تعمير مزارع خيبر بالنصف من أثمارها لما كان المسلمون مشغولين عنها بالجهاد.
والأدلة في ذلك كثيرة، وهي دالة على جواز الاستعانة بمن يراه ولي الأمر من أهل الشرك على أهل الشرك عند الحاجة إلى ذلك، وعند غلبة الظن في أن المستعان به ينفع المظلومين وينصرهم ولا يضرهم، لما ذكرنا من الأدلة، ولغيرها من الأدلة التي ذكرها أهل العلم في هذه المسألة.
السؤال الثالث: تراكض البعض في مبايعة طاغية العراق لمجرد أنه رفع بعض الشعارات الإسلامية، بالرغم من ماضيه القبيح في حربه للإسلام وفتكه بالمسلمين، وبالرغم من استمرار حاضره على منواله المعروف، فهل تقبل الشريعة الإسلامية مبايعة طاغية سفاح يعلن الكفر منهجا له لمجرد مدحه لبعض شعارات الإسلام؟ وما رأي الشريعة فيمن بايع أو أيد أو ناصر هذا الطاغوت؟
الجواب: لا ريب أن مبايعة مثل هذا الطاغوت ومناصرته من أعظم الجرائم، ومن أعظم الجناية على المسلمين وإدخال الضرر عليهم؛ لأن من شرط البيعة أن يكون المبايع مسلما ينفع المسلمين ولا يضرهم.
أما حاكم العراق، فهو بعثي ملحد قد أضر المسلمين بأنواع من الضرر في بلاده، ثم اعتدى على جيرانه، فجمع بين أنواع الظلم علاوة على ما هو عليه من العقيدة الباطلة البعثية، ولو أظهر بعض الشعارات الإسلامية، فالمنافقون يصلون مع الناس ويتظاهرون بالإسلام وذلك لا ينفعهم لفساد عقيدتهم، وقد أخبر الله عنهم سبحانه في كتابه العظيم بصفاتهم الذميمة وأخلاقهم المنكرة.
وأخبر أن مصيرهم هو الدرك الأسفل من النار يوم القيامة كما قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلًا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ الآية [النساء:142، 143]، وقال عز وجل: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا [النساء:145، 146] نسأل الله لحاكم العراق وأنصاره من الظالمين أن يردهم إلى الهداية، وأن ينقذهم مما هم فيه من الضلال، وأن يكفي المسلمين شرهم وشر غيرهم، إنه خير مسئول.
السؤال الرابع: يميل البعض إلى تفسير الكارثة التي حلت بالكويت على أنها عقاب من الله تعالى للكويتيين للفساد الذي انتشر في بلادهم، ويرى بعض آخر أن الكويت كانت من البلدان التي تحارب الفساد وتنشط في الدعوة للخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي أقل فسادا من كثير من البلاد الإسلامية، وأن شعبها من أنشط الشعوب الإسلامية في الأعمال الخيرية والدعوة للإسلام، وأن ما حل بهم بلاء من الله لإيمانهم، فكيف يرى فضيلتكم تفسير هذه الكارثة من منظور إسلامي؟
الجواب: لا ريب أن المعاصي لها آثار سيئة على المجتمع الذي تظهر فيه ولا تنكر لقوله سبحانه وتعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] ولقوله عز وجل: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79] ولقول النبي ﷺ: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه فالمعاصي شرها عظيم وعواقبها وخيمة، وكل ما أصاب المسلمين من العقوبات والنقمات وتسليط الأعداء كله بأسباب الذنوب والمعاصي، كما قال الله جل وعلا فيما أصاب الناس يوم (أحد) وفيهم رسول الله عليه السلام وهو أفضل الخلق وفيهم الصحابة، وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء قال فيهم جل وعلا: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ والجواب محذوف تقديره: سلط عليكم العدو، ثم قال بعدها: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:152] وقال في الآية الأخرى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ يعني يوم أحد: قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا يعني يوم بدر قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قال الله سبحانه: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165] فبين سبحانه أن ما أصابهم بأسباب ما حصل من الرماة الذين أخلوا بالموقف وعصوا الرسول عليه الصلاة والسلام فسلط عليهم العدو حتى قتلوا من قتلوا وجرحوا من جرحوا وحصلت الهزيمة حتى إن النبي ﷺ أصيب وجرح، وكسرت البيضة على رأسه، وكسرت رباعيته عليه الصلاة والسلام.
فالمعاصي شرها كبير وعواقبها سيئة، والواجب على جميع المسلمين الحذر منها والبدار بالتوبة إلى الله منها.
السؤال الخامس: ما هي الكلمة التي توجهونها لحكام الكويت وشعبها بعد أن من الله تعالى عليهم بالنصر على عدوهم وتحرير بلدهم؟
الجواب: أوصي أهل الكويت وغيرهم بالبدار إلى التوبة والإصلاح والحرص على إقامة شريعة الله في أرضهم وبلادهم، وعلى إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلادهم.
هذا هو الواجب عليهم سواء أصابتهم عقوبة أم لم تصبهم عقوبة، ولا شك أن هذه المصيبة التي أصابتهم بسبب حاكم العراق لا شك أنها موعظة وذكرى، ونسأل الله أن يجعلها كفارة للذنوب، وحطا من خطايا المسلمين في الكويت وغيرها.
ولكن يجب على أهل الكويت حكومة وشعبا أن يتقوا الله، وأن يصلحوا ذات بينهم، وأن يحكموا شريعة الله في جميع شئونهم، وأن يبادروا بالتوبة النصوح من جميع الذنوب، وأن يحاسبوا أنفسهم ويجاهدوها لله حتى لا تصيبهم مصائب أخرى، وحتى يسلموا من عقاب الله في الدنيا والآخرة.
وهذا هو واجب المسلمين جميعا، عليهم أن يتقوا الله أينما كانوا، وأن يحاسبوا أنفسهم، وأن يتوبوا إلى الله من سالف ذنوبهم، وأن يحكموا شرعه المطهر فيما بينهم، وأن يستقيموا على الحق حتى يلقوا ربهم سبحانه وتعالى، هذا هو طريق النجاة وهذا هو سبيل السلامة في الدنيا والآخرة كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:102، 103] وقال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] وقال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4] وقال سبحانه: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:25] وقال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]
فالواجب على أهل الإسلام أينما كانوا أن يتقوا الله، وأن يحاسبوا أنفسهم أبدا، وأن يحذروا المعاصي، وأن يتوبوا إلى الله مما سلف منها، وأن يستقيموا على طاعة الله ورسوله حتى يلقوا ربهم، وأن يتواصوا بذلك، وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر كما قال الله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71] هذا وعده سبحانه لمن استقام على دينه أنه يرحمه في الدنيا بالتوفيق والنصر، وفي الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
وقد يمهل الله سبحانه بعض الكفرة والعصاة ولا يعاجلهم بالعقوبة لحكمة بالغة وأسرار عظيمة، ومنها أن ذلك يكون أشد لعقوبتهم في الآخرة كما قال الله سبحانه: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42] وقول النبي ﷺ: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد به الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة.
نسأل الله لنا ولجميع المسلمين العافية من غضبه وأسباب عقابه، والتوفيق لحسن العاقبة، إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه[1].
- لقاء مع سماحة الشيخ أجراه الأستاذ عبدالله المجلي، ونشر في مجلة المجتمع في العدد (977) بتاريخ 18/ 5 / 1412 هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 7/ 389).