نصائح وتوجيهات حول الأدب الإسلامي

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإني أشكر الله تعالى على ما من به من هذا اللقاء بإخواني في الله في النادي الأدبي للتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والتواصي بالآداب الإسلامية، والحث على كل ما يرضي الله ويقرب إليه، وأدعوه سبحانه أن يجعله لقاء مباركا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يمنحنا الفقه بدينه والثبات عليه، ثم أشكر صاحب الفضيلة رئيس النادي الأدبي بالرياض على دعوته لي في هذا اللقاء، كما أشكر جميع الأخوة القائمين على هذا النادي، وأشكر الأخوة الحضور، وبعد:
فإنه لا يخفى على كل من له بصيرة بالدين أن الإسلام هو دين الله الذي جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب وخلق من أجله الثقلان كما قال الله عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:19] وقال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].
 وقال عز وجل: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
وحقيقة الإسلام تتمثل في عبادة الله وحده والطاعة لأوامره، والترك لنواهيه، والإيمان بكل ما أخبرنا به سبحانه أو أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام عن أمر الآخرة والجنة والنار وأنباء الرسل وغير ذلك.
والإسلام مصدر: أسلم إسلاما، ومعناه: الانقياد والذل لمن أسلم له، فمن أسلم لله وخضع له واتبع أوامره وترك نواهيه وآمن به وبرسله وبكل ما أخبر الله به ورسوله ﷺ فقد أسلم حقا.
وأصل الإسلام وأساسه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، مع الإيمان بجميع الأنبياء والرسل والكتب السماوية والملائكة والإيمان بالآخرة وبالقدر خير وشره. فعلى كل مسلم أن ينقاد لأوامر الله ويجعل نفسه طوعا لأوامره سبحانه، ويترك ما نهى الله عنه عن محبة له سبحانه وإخلاص وصدق.
وأركان الإسلام خمسة كما هو معروف: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، وبقية العبادات تابعة لها كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين وصلة الرحم إلى غير ذلك من أوامر الله ورسوله، وللإسلام ستة أركان باطنية وتسمى: أركان الإيمان وهي: الإيمان بالله ربا ومعبودا بالحق، وخالقا ورازقا ومتصرفا في الكون سبحانه، وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فعلى المؤمن أن يعتقد لهذه الأصول الظاهرة والباطنة، وأن يؤمن بها ويستقيم عليها، ويأتي بعد مرتبتي الإسلام والإيمان مرتبة الإحسان وهي: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. كما جاء ذلك في حديث عمر بن الخطاب، وأبي هريرة رضي الله عنهما في سؤال جبريل للنبي ﷺ عن الإسلام والإيمان والإحسان، وهو أداء ما أمر الله به وترك ما حرمه تعالى بغاية الكمال والإتقان، كما يجب على كل المؤمنين والمؤمنات أن يجتهدوا في العبادة، وأن يخلصوا العمل لله وحده والاستقامة على العقيدة الصحيحة ويستحيوا من الله أن يراهم على معصية.
ثم إن الآداب الإسلامية التي جاء بها كتاب الله وسنة نبيه ﷺ توضح ذلك وترشد إليه، لأن الله سبحانه وتعالى بين الآداب الإسلامية وأوضحها في كتابه الكريم، وبينها لنا الرسول عليه الصلاة والسلام في سنته المطهرة، فالمؤمن عليه أن يتأدب بالآداب الشرعية في أقواله وأعماله وعباداته وسائر تصرفاته الأخرى، ولابد أن يلتزم بهذه الآداب الإسلامية التي تقربه من الله سبحانه وتعالى ومن جنته، وتباعده من أسباب غضبه وعقابه، وعلى المسلم أن يتدبر القرآن الكريم ويعرف مواضع المدح والذم ويتبين معاني الآيات الكريمة ويأخذ منها الآداب الإسلامية التي ينبغي أن يتبعها، ويترك كل ما ذمه الله سبحانه وتعالى ويترفع عنه، كما أنه يجب على المسلم أن يخاف الله في جميع أعماله وعبادته، ومعاملاته، والخوف من الله يكون في كل وقت وفي كل مكان وزمان؛ فإذا خاف المسلم الله خوفا حقيقيا لم يقدم على أي معصية، بل يجتهد في عباداته لله راغبا في جنته مبتعدا عن أعمال أهل النار.
ومما يجب الحذر منه ما قد وقع في كثير من بلاد المسلمين من الغلو في أصحاب القبور ودعائهم والاستغاثة بهم وسؤالهم شفاء المرضى والنصر على الأعداء إلى غير ذلك من أنواع العبادة، ولا شك أن هذا شرك أكبر واتخاذ لأصحاب القبور آلهة مع الله. فالواجب الحذر من ذلك والتحذير منه، وقد أخبر الله في كتابه الكريم أن هذا هو دين المشركين الأولين فقال سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ الآية [يونس:18] وقال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ۝ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ[الزمر:2، 3].
هنا يأتي دور الآداب الإسلامية التي تنهى عن مثل هذه الأعمال، وتدعو إلى عبادة الله وحده والاستقامة على أوامره وترك نواهيه والسير على منهج رسوله وأصحابه رضي الله عنهم.
وأوصي الجميع أن يتدبروا القرآن الكريم، ويحفظوه أو ما تيسر منه، ويكثروا من تلاوته، ويخصصوا لذلك جزءا من أوقاتهم،كذلك أوصيهم بدراسة السنة النبوية المطهرة، وقراءة السيرة النبوية وحياة الصحابة والتابعين للاستفادة من ذلك والعمل بمقتضاه، كما أنني أوصي إخواني المسلمين جميعا أن يتفقهوا في الدين، وأن يسألوا أهل العلم المعروفين بحسن العقيدة والسيرة عما أشكل عليهم، والمسلم يجب عليه أن يستفيد من أهل العلم ويسألهم عما أشكل عليه مبتغيا في ذلك مرضاة الله سبحانه وتعالى عملا بقول الله جل وعلا: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7].
والله المسئول أن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يرزقنا الاستقامة على دينه والتأدب بالآداب التي شرعها وأرشد إليها رسوله ﷺ، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من مضلات الفتن وأسباب النقم؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم[1].

  1. محاضرة ألقاها سماحته في النادي الأدبي بالرياض في عام 1413، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 7/ 201).