بسم الله الرحمن الرحيم، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وأفضل الدعاة إلى سبيل الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بإخوتي في الله وأخواتي في الله في مقر مستشفى النور التخصصي في مكة المكرمة في رحاب بيت الله العتيق، أسأله سبحانه أن يجعله لقاء مباركا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يمنحنا الفقه في دينه، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
ثم أشكر القائمين على هذا المستشفى وعلى رأسهم سعادة المدير على دعوتهم لي لهذا اللقاء، واسأل الله أن يبارك في جهود الجميع، وأن يعينهم على كل ما فيه رضاه وعلى كل ما فيه نجاح هذا المستشفى وسلامة القائمين عليه والمعالجين فيه، كما أسأله سبحانه أن يوفق الجميع لكل خير، وأن يثبت الجميع على دينه ويعيذنا جميعا من مضلات الفتن إنه خير مسئول.
أيها الإخوة في الله والأخوات في الله عنوان كلمتي: (أخلاق المؤمنين والمؤمنات) بين الله سبحانه في كتابه الكريم في مواضع كثيرة من القرآن أخلاق المؤمنين وأخلاق المؤمنات، وكررها كثيرا ليعلمها المؤمن فيأخذ بها ويستقيم عليها ولتعلمها المؤمنة فتأخذ بها وتستقيم عليها، ولا فرق في ذلك بين الأمراء والأطباء والعلماء وعامة المؤمنين من الذكور والإناث كلهم مطالبون بهذه الأخلاق، مطالبون بالتحلي بالأخلاق الإيمانية التي شرعها الله لعباده وأمرهم بها وجعلها طريقا للسعادة في الدنيا والآخرة، وسبيلا لمصلحة الجميع في هذه الدار وطريقا للنجاة يوم القيامة، ومن جملة الآيات وأجمعها في ذلك قول الله سبحانه وتعالى في سورة التوبة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].
ثم ذكر بعد ذلك جزاءهم في الآخرة فقال: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[التوبة:72] هذا جزاؤهم في الآخرة فجدير بكل مسلم ومسلمة وبكل مؤمن ومؤمنة أن يتدبر هذه الآية وما جاء في معناها من الآيات ويتفقه في ذلك، وأن يعمل بمقتضاها حتى يكون من المستحقين لرحمة الله في الدنيا والآخرة ومن الفائزين بالجنة والكرامة يوم القيامة.
فجميع المؤمنين والمؤمنات من جميع الطبقات من عرب وعجم وجن وإنس وأمراء وعلماء ومديرين وآباء وطبيبات وباعة وممرضين وممرضات وغير ذلك، جميع هذه الطبقات كلهم إذا آمنوا بالله ورسوله كلهم داخلون في هذه الآية وهي قوله سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يعني كل واحد ولي أخيه وأخته في الله، وكل مؤمنة ولية أخيها في الله وأختها في الله بالتناصح والتواصي بالحق وأداء الأمانة وصدق الحديث وعدم الغش في المعاملة إلى غير ذلك، كلهم أولياء كل واحد ينصح للآخر ويؤدي حقه ولا يغتابه ولا ينم عليه ولا يخونه ولا يشهد عليه بالزور ولا يظلمه لا في نفسه ولا في ماله ولا في عرضه، وبذلك يفوز بما وعد الله به المؤمنين إذا استكمل هذه الصفات العظيمة.
وعلى المؤمن والمؤمنة أن يعتنيا بهذا الواجب، وأن يجاهدا أنفسهما في التطبيق حتى يكونا ممن شملتهم هذه الآية، فالطبيب ينصح في عمله ويؤدي الواجب في حق المريض من جميع الوجوه ويتقي الله فيه في وصفه للدواء وكيفية العلاج وفي جميع الشئون التي يعتقد أنها تنفع المريض، والطبيبة كذلك وموظفو المستشفى والممرض والممرضة كذلك، ولهذا قال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ على كل منهم واجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لله ولعباده مع الصدق والإخلاص والاستقامة، فالأمير والمدير والطبيب كل واحد منهم عليه واجبه إذا رأى منكرا أنكره ونهى عنه، وإذا رأى المعروف الذي قد أضاعه مؤمن نهاه عن إضاعته وأمره به قال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
وبهذا يصلح المجتمع وتستقيم أحواله إذا كان كل واحد ينصح لأخيه ويؤدي الحق الذي عليه ولا يخون أخاه في شيء، وهكذا سائر المجتمع في أعماله كلها في البيع والشراء وفي الزراعة وفي رعاية الإبل والغنم يؤدي الأمانة وينصح لله ولعباده كما قال النبي ﷺ: الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وقال جرير بن عبدالله البجلي أحد الصحابة رضي الله عنهم: بايعت النبي ﷺ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.
ثم ذكر الله بعد ذلك الصلاة والزكاة فقال سبحانه: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ يعني أنهم يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويحافظون عليها كما أمرهم الله في أوقاتها، هكذا يجب على المؤمن والمؤمنة العناية بالصلاة والمحافظة عليها وإقامتها كما شرعها الله، الرجل يؤديها في الجماعة، والمرأة تؤديها في وقتها في بيتها وفي محل عملها بإخلاص وطمأنينة وخشوع، كما قال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1، 2] وقال جل وعلا: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] وقال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] فالصلاة عمود الإسلام وركنه الأعظم بعد الشهادتين، يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعتنيا بها بالطمأنينة والخشوع وأدائها كاملة مع التعاون بين المؤمن وأهله وجيرانه وغيرهم في المحافظة عليها، وهكذا المرأة مع أهلها ومع زوجها ومع أمها ومع إخوانها ومع بناتها ومع غيرهم في المحافظة والتواصي والتناصح.
يقول سبحانه وتعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] هكذا المؤمنون يتناصحون ويتواصون بالحق والصبر عليه قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] فالمؤمن يعين أخاه في الخير، والمؤمنة كذلك تعين أخاها وأختها في الخير، ولا يتعاونون على الإثم والعدوان، ومن ذلك ترك الصلاة وترك الأمر بالمعروف، ولكن يتعاونون على طاعة الله ورسوله وعلى البر والتقوى وينهون عن ضد ذلك من الآثام والعدوان والمعاصي.
وهكذا الزكاة حق المال يتعاونون على أدائها ويتناصحون في أدائها، فالمؤمن يطيع الله ورسوله في كل شيء، ومن أسباب ذلك ووسائله العناية بالقرآن الكريم وتدبر معانيه فإن هذا من أعظم الأسباب في تقوى الله وصلاح القلوب وأن تؤدى حق الله وحق عباده.
وأوصي الجميع بتقوى الله والاستقامة على دينه، والنصح لله ولعباده وبوجه أخص النصح مع المرضى والمريضات وعدم التساهل في حقهم، بل يجب أن تؤدي الأمانة في حقهم على أكمل وجه.
وكما أنصح بالعناية بحق الله من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك فحق الله أعظم وأكبر، وأوصى الجميع بالتواصي بطاعة الله ورسوله في جميع الأحوال في الشدة والرخاء.. في السفر والإقامة في بلدك وفي غيرها، وفي الجو وفي الأرض وفي البحر وفي كل مكان، عليك أن تتقي الله وأن تحاسب نفسك وأن تصونها عن محارم الله وأن تلزمها بحق الله، وقد وعد الله سبحانه عباده على هذا بالرحمة فقال سبحانه: أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ والمعنى أنهم متى أدوا حقه سبحانه وحق عباده يرحمهم سبحانه بمزيد من التوفيق والهداية لهم، ثم يرحمهم بعد ذلك بدخول الجنة والنجاة من النار.
ومن المهمات التفقه في الدين؛ فإن المؤمن والمؤمنة مأموران بالتفقه في الدين والتعلم، وهذا من الإيمان بالله ورسوله، يقول النبي ﷺ: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ويقول ﷺ: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ومتى صدق العبد مع الله واجتهد وأخلص لله يسر الله أمره وفقهه في الدين وعلمه ما جهل وأعانه على الخير كما قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3] وكما قال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4] وكما قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
واسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يهدينا صراطه المستقيم إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان[1].
فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بإخوتي في الله وأخواتي في الله في مقر مستشفى النور التخصصي في مكة المكرمة في رحاب بيت الله العتيق، أسأله سبحانه أن يجعله لقاء مباركا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يمنحنا الفقه في دينه، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
ثم أشكر القائمين على هذا المستشفى وعلى رأسهم سعادة المدير على دعوتهم لي لهذا اللقاء، واسأل الله أن يبارك في جهود الجميع، وأن يعينهم على كل ما فيه رضاه وعلى كل ما فيه نجاح هذا المستشفى وسلامة القائمين عليه والمعالجين فيه، كما أسأله سبحانه أن يوفق الجميع لكل خير، وأن يثبت الجميع على دينه ويعيذنا جميعا من مضلات الفتن إنه خير مسئول.
أيها الإخوة في الله والأخوات في الله عنوان كلمتي: (أخلاق المؤمنين والمؤمنات) بين الله سبحانه في كتابه الكريم في مواضع كثيرة من القرآن أخلاق المؤمنين وأخلاق المؤمنات، وكررها كثيرا ليعلمها المؤمن فيأخذ بها ويستقيم عليها ولتعلمها المؤمنة فتأخذ بها وتستقيم عليها، ولا فرق في ذلك بين الأمراء والأطباء والعلماء وعامة المؤمنين من الذكور والإناث كلهم مطالبون بهذه الأخلاق، مطالبون بالتحلي بالأخلاق الإيمانية التي شرعها الله لعباده وأمرهم بها وجعلها طريقا للسعادة في الدنيا والآخرة، وسبيلا لمصلحة الجميع في هذه الدار وطريقا للنجاة يوم القيامة، ومن جملة الآيات وأجمعها في ذلك قول الله سبحانه وتعالى في سورة التوبة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].
ثم ذكر بعد ذلك جزاءهم في الآخرة فقال: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[التوبة:72] هذا جزاؤهم في الآخرة فجدير بكل مسلم ومسلمة وبكل مؤمن ومؤمنة أن يتدبر هذه الآية وما جاء في معناها من الآيات ويتفقه في ذلك، وأن يعمل بمقتضاها حتى يكون من المستحقين لرحمة الله في الدنيا والآخرة ومن الفائزين بالجنة والكرامة يوم القيامة.
فجميع المؤمنين والمؤمنات من جميع الطبقات من عرب وعجم وجن وإنس وأمراء وعلماء ومديرين وآباء وطبيبات وباعة وممرضين وممرضات وغير ذلك، جميع هذه الطبقات كلهم إذا آمنوا بالله ورسوله كلهم داخلون في هذه الآية وهي قوله سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يعني كل واحد ولي أخيه وأخته في الله، وكل مؤمنة ولية أخيها في الله وأختها في الله بالتناصح والتواصي بالحق وأداء الأمانة وصدق الحديث وعدم الغش في المعاملة إلى غير ذلك، كلهم أولياء كل واحد ينصح للآخر ويؤدي حقه ولا يغتابه ولا ينم عليه ولا يخونه ولا يشهد عليه بالزور ولا يظلمه لا في نفسه ولا في ماله ولا في عرضه، وبذلك يفوز بما وعد الله به المؤمنين إذا استكمل هذه الصفات العظيمة.
وعلى المؤمن والمؤمنة أن يعتنيا بهذا الواجب، وأن يجاهدا أنفسهما في التطبيق حتى يكونا ممن شملتهم هذه الآية، فالطبيب ينصح في عمله ويؤدي الواجب في حق المريض من جميع الوجوه ويتقي الله فيه في وصفه للدواء وكيفية العلاج وفي جميع الشئون التي يعتقد أنها تنفع المريض، والطبيبة كذلك وموظفو المستشفى والممرض والممرضة كذلك، ولهذا قال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ على كل منهم واجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لله ولعباده مع الصدق والإخلاص والاستقامة، فالأمير والمدير والطبيب كل واحد منهم عليه واجبه إذا رأى منكرا أنكره ونهى عنه، وإذا رأى المعروف الذي قد أضاعه مؤمن نهاه عن إضاعته وأمره به قال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
وبهذا يصلح المجتمع وتستقيم أحواله إذا كان كل واحد ينصح لأخيه ويؤدي الحق الذي عليه ولا يخون أخاه في شيء، وهكذا سائر المجتمع في أعماله كلها في البيع والشراء وفي الزراعة وفي رعاية الإبل والغنم يؤدي الأمانة وينصح لله ولعباده كما قال النبي ﷺ: الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وقال جرير بن عبدالله البجلي أحد الصحابة رضي الله عنهم: بايعت النبي ﷺ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.
ثم ذكر الله بعد ذلك الصلاة والزكاة فقال سبحانه: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ يعني أنهم يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويحافظون عليها كما أمرهم الله في أوقاتها، هكذا يجب على المؤمن والمؤمنة العناية بالصلاة والمحافظة عليها وإقامتها كما شرعها الله، الرجل يؤديها في الجماعة، والمرأة تؤديها في وقتها في بيتها وفي محل عملها بإخلاص وطمأنينة وخشوع، كما قال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1، 2] وقال جل وعلا: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] وقال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] فالصلاة عمود الإسلام وركنه الأعظم بعد الشهادتين، يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعتنيا بها بالطمأنينة والخشوع وأدائها كاملة مع التعاون بين المؤمن وأهله وجيرانه وغيرهم في المحافظة عليها، وهكذا المرأة مع أهلها ومع زوجها ومع أمها ومع إخوانها ومع بناتها ومع غيرهم في المحافظة والتواصي والتناصح.
يقول سبحانه وتعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] هكذا المؤمنون يتناصحون ويتواصون بالحق والصبر عليه قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] فالمؤمن يعين أخاه في الخير، والمؤمنة كذلك تعين أخاها وأختها في الخير، ولا يتعاونون على الإثم والعدوان، ومن ذلك ترك الصلاة وترك الأمر بالمعروف، ولكن يتعاونون على طاعة الله ورسوله وعلى البر والتقوى وينهون عن ضد ذلك من الآثام والعدوان والمعاصي.
وهكذا الزكاة حق المال يتعاونون على أدائها ويتناصحون في أدائها، فالمؤمن يطيع الله ورسوله في كل شيء، ومن أسباب ذلك ووسائله العناية بالقرآن الكريم وتدبر معانيه فإن هذا من أعظم الأسباب في تقوى الله وصلاح القلوب وأن تؤدى حق الله وحق عباده.
وأوصي الجميع بتقوى الله والاستقامة على دينه، والنصح لله ولعباده وبوجه أخص النصح مع المرضى والمريضات وعدم التساهل في حقهم، بل يجب أن تؤدي الأمانة في حقهم على أكمل وجه.
وكما أنصح بالعناية بحق الله من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك فحق الله أعظم وأكبر، وأوصى الجميع بالتواصي بطاعة الله ورسوله في جميع الأحوال في الشدة والرخاء.. في السفر والإقامة في بلدك وفي غيرها، وفي الجو وفي الأرض وفي البحر وفي كل مكان، عليك أن تتقي الله وأن تحاسب نفسك وأن تصونها عن محارم الله وأن تلزمها بحق الله، وقد وعد الله سبحانه عباده على هذا بالرحمة فقال سبحانه: أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ والمعنى أنهم متى أدوا حقه سبحانه وحق عباده يرحمهم سبحانه بمزيد من التوفيق والهداية لهم، ثم يرحمهم بعد ذلك بدخول الجنة والنجاة من النار.
ومن المهمات التفقه في الدين؛ فإن المؤمن والمؤمنة مأموران بالتفقه في الدين والتعلم، وهذا من الإيمان بالله ورسوله، يقول النبي ﷺ: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ويقول ﷺ: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ومتى صدق العبد مع الله واجتهد وأخلص لله يسر الله أمره وفقهه في الدين وعلمه ما جهل وأعانه على الخير كما قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3] وكما قال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4] وكما قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
واسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يهدينا صراطه المستقيم إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان[1].
- كلمة ألقاها سماحته في لقائه بمنسوبي وزارة الصحة في مستشفى النور بمكة المكرمة في 27/ 7/ 1412هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 7/ 194).