الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فإن الله جل وعلا - وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة - يبتلي عباده بالسراء والضراء والشدة والرخاء؛ حتى يميز الخبيث من الطيب، وحتى يتضح أهل الإيمان والتقوى من أهل النفاق والزيغ والكفر والضلال، وحتى يتبين الصابرون المجاهدون من غيرهم، وحتى يظهر للناس من يريد الحق ويطلب إقامته ممن يريد خلاف ذلك.
قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] ومعنى الفتنة هنا: الاختبار والامتحان، ليتبين بعد الامتحان الصادقون من الكاذبين، والأبرار من الفجار، والأخيار من الأشرار، وطالب الحق من طالب غيره، ويرجع من أراد الله له السعادة إلى ما عرفه من الحق، ويستمر من سبقت له الشقاوة في باطله وضلاله، وقال جل وعلا: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168] ومعنى ﴿وبلوناهم﴾: اختبرناهم ﴿بالحسنات﴾: بالنعم من العز والظهور في الأرض والمال والثروة وغير هذا مما يعتبر من النعم ﴿والسيئات﴾: يعني المصائب التي تصيب الناس من فقر وحاجة وخوف وحروب وغير ذلك ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ المعنى: ليرجعوا إلى الحق والصواب ويستقيموا على الهدى.
وقال جل وعلا: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:25] يعني اتقوها بالعمل الصالح والاستقامة على طاعة الله والجهاد في سبيله ولزوم الحق.
والفتنة يدخل فيها الحروب، ويدخل فيها الشبهات التي يزيغ بها كثير عن الحق، ويدخل فيها الشهوات المحرمة، إلى أنواع أخرى من الفتن.
فأهل الإيمان يتقونها بطاعة الله ورسوله والفقه في الدين والإعداد لها قبل وقوعها، حتى إذا وقعت فإذا هم على بينة وبصيرة وعلى عدة، ويقول جل وعلا: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ المعنى أنه شديد العقاب لمن خالف أمره وارتكب نهيه ولم ينقد لشرعه سبحانه، وقال : إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15] فالإنسان يفتن بالمال والولد ويمتحن، فإن اتقى الله في المال والولد فله السعادة، وإن مال مع المال إلى الشهوات المحرمة وإيثار العاجلة هلك، وهكذا إن مال مع الولد إلى ما حرم الله وإلى متابعة الهوى هلك مع من هلك.
وقال : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31] ومعنى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ: لنختبرنكم نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ حتى نعلم علما ظاهرا والله سبحانه يعلم كل شيء ولا يخفى عليه شيء وقد سبق علمه بكل شيء كما قال تعالى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12].
وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [العنكبوت:62] فهو عليم بكل شيء، ولكنه يبلوهم حتى يعلم المجاهدين منهم والصابرين علما ظاهرا يشاهده الناس، ويعلمه هو سبحانه علما ظاهرا موجودا بعدما كان في الغيب، يعلمه ظاهرا موجودا في الوجود وهذا معنى قوله سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ [محمد:31] حتى نعلمه علما ظاهرا موجودا في العالم.
وفي هذه الأيام جرى ما جرى من الفتنة في الحادي عشر من المحرم من السنة الهجرية 1411 هـ الثاني من أغسطس من الشهور الميلادية 1990م جرى ما جرى من عدوان حاكم العراق على دولة الكويت المجاورة له واجتاحها بجيوشه المدمرة الظالمة، واستحل الدماء والأموال وانتهك الأعراض وشرد أهل البلاد، وجرت فتنة عظيمة بسبب هذا الظلم والعدوان، واستنكر العالم هذا البلاء وهذا الحدث الظالم، وحشد الجيوش على الحدود السعودية، وبذل الناس الجهود الكبيرة: من رؤساء الدول، ومن مجلس الأمن، ومن غيرهم لحاكم العراق ليخرج من هذا الظلم ويسحب جيشه من هذه البلاد التي احتلها ظلما، فلم يستجب وأصر على ظلمه وعدوانه لحكمة بالغة: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:83] له سبحانه الحكمة البالغة في كل شيء، قد سبق في علمه جل وعلا أنه لا بد من حرب، وأن هذا البلاء الذي وقع لا يتخلص منه بمجرد الحلول السلمية، وهو القائل سبحانه في كتابه العظيم: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19] ويقول سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216] ونرجو أن يكون فيما وقع الخير وأن يكون في ذلك الخير لنا وللمسلمين جميعا، والشر على أعداء الإسلام؛ لأنه سبحانه أعلم وأحكم، ونرجو أن يكون فيما حدث عظة لنا ولغيرنا في الرجوع إلى الله والاستقامة على دينه، وحساب النفوس وجهادها لله، والإعداد الكامل لأعدائنا أعداء الإسلام.
فالامتحان يفيد المؤمنين والعقلاء، ويوجب حساب النفس، وجهادها ويوجب على كل مسلم أن يحاسب نفسه ويجاهدها لله، وأن يستقيم على أمره، وأن يتباعد عن نهيه، ويوجب على الدول الإسلامية أن تحاسب أنفسها أيضا، وأن تستقيم على دين الله، ومتى استقام العباد على الحق وأصلحوا أنفسهم وجاهدوها لله وبذلوا المستطاع في نصر الحق يسر الله أمورهم ونصرهم على عدوهم كما قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] ويقول وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] ويقول سبحانه وبحمده: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40، 41] ويقول : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55] يعني بسبب إيمانهم الصادق وعملهم الصالح يستخلفون في الأرض ويمكن الله لهم دينهم ويبدلهم من بعد خوفهم أمنا.
فالواجب هو الاستقامة على أمر الله، وعلاج الفتن بما أمر الله به من التقوى والاستقامة والجهاد الصادق والإخلاص لله والصبر والمصابرة، هكذا يجب، وقد بين الله لعباده أسباب النجاة ووسائل النصر فقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [الأنفال:45-47].
فأمرهم سبحانه عند لقاء الأعداء وعند وجود العدوان وعند مباشرة الجهاد بصفات عظيمة:
أولها: الثبات على الحق والاستقامة عليه.
فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا فالثبات على الحق لا بد منه والصبر عليه كما في الآية الأخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200] وأهل الأيمان لا تشغلهم الشدائد عن الحق، بل يلزمون الحق في الشدة والرخاء.
والثاني: ذكر الله جل وعلا.
ذكر الله بالقلب واللسان، والعمل بالقلب تعظيما له سبحانه ومحبة له وخوفا منه، وثقة به وإخلاصا له واعتمادا عليه ، وإيمانا بأنه الناصر والنصر من عنده، كما قال سبحانه: وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأنفال:10] وإنما الأسباب كلها تعين على ذلك، وهي بشرى من عند الله، كما قال الله عندما أمد رسوله ﷺ بالملائكة: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:10] وفي آية آل عمران: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران:126].
فالمؤمن عند الشدائد يذكر الله ويعظمه ويعلم أنه الناصر وأنه الضار النافع، وأن بيده كل شيء، فبيده سبحانه الضر والنفع، وبيده سبحانه العز والنصر، وبيده جل وعلا تصريف الأمور، لا يغيب عن علمه شيء، ولا يعجزه شيء . وعلق على ذلك الفلاح فقال عز من قائل: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فبذكر الله بالقلب واللسان والعمل: الفلاح والظفر والخير كله. فالمؤمنون في الشدة والرخاء يلزمون ذكر الله وتعظيمه والإخلاص له وإقامة حقه وترك معصيته، فيذكرون الله بإقامة الصلوات والمحافظة عليها، وحفظ الجوارح عما حرم الله، وحفظ اللسان عما حرم الله، وذلك بأداء الحقوق والكف عما حرم الله، إلى غير ذلك مما يرضيه سبحانه ويباعد عن غضبه.
وذكر الله سبحانه يكون بالقلب واللسان والعمل كما تقدم، وفي ذلك الفلاح والفوز والسعادة والظفر.
الثالثة: طاعة الله ورسوله.
قال سبحانه: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وطاعة الله ورسوله هي من ذكر الله جل وعلا، ولكن نص عليها لعظمها، وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، في الجهاد وغيره.
الرابعة: الالتفاف والاجتماع والتعاون وعدم الفشل.
فقال سبحانه: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ فالواجب على المسلمين التعاون والاتفاق والصدق في جهاد الأعداء وإخراج الظلمة مما وقعوا فيه، لا بد من الاتفاق والصبر، وذكر الله والتعاون ضد العدو.
والعدو قد يكون مسلما، وقد يكون كافرا، وقد يكون مسلما باغيا، وقد أمر الله بقتال الباغي حتى يفيء إلى أمر الله، كما قال جل وعلا: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9] هذا إن كان مؤمنا فكيف إذا كان كافرا بعثيا ظالما. ومعنى ﴿حتى تفيء إلى أمر الله﴾: حتى ترجع إلى الحق، وترد ما ظلمت، وتستقيم مع العدالة.
الخامسة: الصبر.
قال سبحانه: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وهذه صفة خامسة. فلا بد من الصبر في جهاد الأعداء وقتالهم، وبذل المستطاع في ذلك، وقال سبحانه في آية البقرة في صفة المؤمنين: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ يعني حين القتال، ثم قال سبحانه: أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] وقال سبحانه لنبيه ﷺ: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ [النحل:127].
والصبر أنواع ثلاثة:
1- صبر على طاعة الله بالجهاد وأداء الحقوق.
2- صبر عن معاصي الله بالكف عما حرم الله قولا وعملا.
3- الصبر على قضاء الله وقدره مما يصيب الناس من جراح أو قتل أو مرض أو غير ذلك.
لا بد من الصبر وتعاطي أسباب النصر وأسباب العافية.
السادسة والسابعة: عدم الكبر والمراء.
قال : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ [الأنفال:47] أي لا تكونوا في جهادكم متكبرين ولا مرائين، بل يجب على المؤمنين في جهادهم لعدوهم الإخلاص لله، والصدق والتواضع لله، وسؤاله النصر جل وعلا.
الثامنة: التحذير من الصد عن سبيل الله.
وقد ذكر الله أمرًا ثامنًا وحذر منه وهو الصد عن سبيل الله، وهو من صفة أعداء الله، فهم يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا. أما المؤمنون فيجاهدون في تواضع لله، مخلصين له سبحانه، لا متكبرين ولا مرائين، يدعون إلى سبيل الله من صد عنه، يدعون الناس إلى الحق والهدى وإلى طاعة الله ورسوله، هكذا المؤمنون الصادقون أينما كانوا.
وهذه الفتنة - أعني عدوان حاكم العراق على الكويت - قد اشتبه فيها الأمر على بعض الناس، إذ ظن بعض الناس أن الأولى فيها الاعتزال وعدم القتال مع هؤلاء أو هؤلاء، وهذا قد جرى في أول فتنة وقعت بعد رسول الله ﷺ، وهي الفتنة التي وقعت بين أهل الشام وأهل العراق بسبب مقتل عثمان الذي قتل ظلما من فئة بغت عليه وتعدت والتبست عليها الأمور ودخل فيها من هو حاقد على الإسلام، والتبست الأمور على بعض الناس حتى اشتبهت الأمور، وبقتل عثمان ظلما وعدوانا حصل بسبب ذلك فتنة عظيمة، فبايع الناس عليا بالخلافة، وقام معاوية وجماعة يطالبون بدم عثمان، وبايعه كثير من الناس على ذلك، وعظمت الفتنة واشتدت البلية، وانقسم المسلمون قسمين بسبب هذه الفتنة:
طائفة انحازوا إلى معاوية وأهل الشام، يطالبون عليا بتسليم القتلة.
وطائفة أخرى هم علي وأصحابه، طلبوا معاوية وأصحابه الهدوء والصبر، وبعد تمام الأمر واستقرار الخلافة ينظر في أمر القتلة.
واشتد الأمر وجرى ما جرى من حرب الجمل وصفين، وظن بعض الناس في ذلك الوقت أن الأولى عدم الدخول في هذه الفتنة، واعتزل بعض الصحابة ذلك فلم يكونوا مع علي ولا مع معاوية. والفتنة اليوم كذلك، حصل فيها اشتباه؛ لأن وقوع الفتن يسبب اشتباها كثيرا على الناس، وليس كل إنسان عنده العلم الكافي بما ينبغي أن يفعل، فقد يقع له شبه تحول بينه وبين فهم الصواب. وهذه الفتنة التي وقعت الآن ليست مما يعتزل فيها؛ لأن الحق فيها واضح، والقاعدة أن الفتنة التي ينبغي عدم الدخول فيها هي: المشتبهة التي لا يتضح فيها الحق من الباطل، والتي قال فيها رسول الله ﷺ: ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. من تشرف لها تستشرفه. فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة .
ويقول ﷺ: إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، فالقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة، فإن دُخل على أحدكم فليكن كخير ابني آدم رواه ابن ماجة وأبو داود، فهذه الفتن التي تشتبه ولا يتضح للمؤمن فيها الحق من الباطل هي التي يشرع البعد عنها وعدم الدخول فيها.
أما ما ظهر فيه الحق وعرف فيه المحق من المبطل والظالم من المظلوم، فالواجب أن ينصر المظلوم ويردع الظالم، ويردع الباغي عن بغيه وينصر المبغي عليه، ويجاهد الكافر المعتدي وينصر المظلوم المعتدى عليه، وفي هذا المعنى يقول الله : انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:41] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] ثم شرحها للناس فقال سبحانه: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [الصف: 11-13].
فهذا وعده سبحانه لمن جاهد في سبيله ونصر الحق في هذه الآيات الكريمات وفي قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وصفها بهذا الوصف العظيم أنها تجارة، وأنها تنجي من عذاب أليم، ثم فسرها بقوله سبحانه: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ومعلوم أن الجهاد من الإيمان، ولكنه خصه بالذكر لعظم شأنه ومسيس الحاجة إلى بيان فضله فقال : وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ بدأ بالأموال لعظم شأنها، وعموم نفعها في شراء السلاح، وتجهيز المجاهدين وإطعامهم؛ ولذلك بدأ بالمال قبل النفس في أكثر الآيات؛ لأن نفعه أوسع، ثم قال سبحانه وبحمده: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ثم فسر بعد ذلك الخير المذكور بقوله تعالى: يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، كل هذا من ثواب الجهاد، ثم قال جل وعلا: وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ، وقال الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111] وقال سبحانه: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9] يعني حتى ترجع للحق ﴿فَإِنْ فَاءَتْ﴾ أي رجعت للحق فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ هذا بالنسبة للمؤمنين كما جرى يوم الجمل وصفين في القتال بين المؤمنين، فقد أمر الله المؤمنين أن يقاتلوا الطائفة الباغية حتى ترجع إلى الحق، وبعد الرجوع إلى الحق ينظر في المسائل المشكلة، وتحل بالصلح والعدل الذي شرعه الله في قوله تعالى: فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا أي بالطرق الحكيمة الشرعية التي جعلها الله وسيلة لحل النزاع، ﴿وَأَقْسِطُوا﴾ يعني: اعدلوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ هذا في المؤمنين، تُقَاتَل الفئة الباغية، وهي مؤمنة حتى ترجع، فكيف إذا كانت الطائفة الباغية ظالمة كافرة، كما هو الحال في حاكم العراق، فهو بعثي ملحد، ليس من المؤمنين، وليس ممن يدعو للإيمان والحق، بل يدعو إلى مبادئ الكفر والضلال، وبدأ يتمسح بالإسلام لما جرى ما جرى، فأراد أن يلبس على الناس ويدعو إلى الجهاد كذبا وزورا ونفاقا، ولو كان صادقا لترك الظلم وترك البلاد لأهلها وأعلن توبته إلى الله من مبادئه الإلحادية وطريقته التي يمقتها الإسلام، ولعمل بمصدر التشريع في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ وحينئذ تحل المشكلات بالطرق السلمية بعد ذلك. أما أن يدعو إلى الجهاد وهو مقيم على الظلم والعدوان والتهديد لجيرانه، فكيف يكون هذا الجهاد الظالم وهذا الجهاد الكاذب والنفاق الذي يريد به التلبيس؟
وقد قال رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» قالوا يا رسول الله، نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: «أن تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه» وذكر البراء نصر المظلوم في الحديث الصحيح المتفق عليه، وهو قوله : (أمرنا رسول الله ﷺ بسبع...) وذكر منها: نصر المظلوم، فنصر المظلوم واجب ومتعين على كل من استطاع ذلك، فإذا كان الظلم عظيما، كان الواجب أشد. وإذا كان الظلم لفئات كثيرة وأمة عظيمة ويخشى من ورائه ظلم آخر وشر آخر، صار الواجب أشد وأعظم في نصر المظلوم وفي جهاد الظالم؛ حتى لا تنتشر الفتنة التي قام بها، وحتى لا يعظم الضرر به باجتياحه بلادا أخرى، ولو فعل ذلك لكان الأمر أشد وأخطر، ولكانت الفتنة به أعظم وأسوأ عاقبة، ولربما جرت أمور أخرى لا يعلم خطرها إلا الله. ولعظم الأمر وخطورته اضطرت المملكة العربية السعودية إلى الاستنصار بالجنسيات المتعددة من الدول الإسلامية وغيرها؛ لعظم الخطر، ووجوب الدفاع عن البلاد وأهلها، واتقاء شر هذا الظالم المجرم الملحد، وقد وفقها الله في ذلك، والحمد لله على ما حصل.
ونسأل الله أن يجعل العاقبة حميدة، وأن يخذل الظالم ويسلط عليه من يكف ضرره، وأن يدير عليه دائرة السوء، وأن يهزم جمعه ويشتت شمله ويقينا شره وشر أمثاله، وأن ينفع بهذه الجهود، وأن يدير دائرة السوء على المعاندين والظالمين، وأن يكتب النصر لأوليائه المؤمنين، وأن يرد هذه الجنود التي تجمعت لردع هذا الظالم إلى بلادها ويقينا شرها، فهي جاءت لأمر واحد وهو الدفاع عن هذه البلاد، وإخراج هذا الجيش الظالم من الكويت لما في التساهل في هذا الأمر وعدم المبادرة من الخطر العظيم؛ لأن الظالم لديه جيش كثير مدرب حارب به ثمان سنين لجارته إيران، وتجمع لديه جيش كثيف، ولديه نية سيئة وخبث عظيم، وقد يسر الله برحمته اجتماع جيوش عظيمة لحربه ورده عن ظلمه، ولتنصر المظلوم وتعيد الحق إلى أصحابه.
وأسأل الله جل وعلا أن ينفع بالأسباب، ويحسن العاقبة للمظلومين ويجعلها للجميع عظة وذكرى. والله جل وعلا يقول: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119] فالحكومة السعودية مضطرة ودول الخليج كذلك إلى الاستعانة بالقوات الإسلامية والأجنبية لردع الظالم والقضاء عليه، وإخراجه بالقوة من هذه البلاد التي احتلها لما أبى وعاند، ولم ينقد لدعاة الحق في خروجه سلما من البلاد التي احتلها، وانسحابه عن الحدود السعودية، ثم تكون المفاوضة بعد ذلك في مطالبه من جيرانه، فلما أبى واستكبر وعاند وركب رأسه ولم يراع حق الجوار ولا حق الإسلام ولا حق الإحسان، وجب أن يقاتل وأن يجاهد، ووجب على الدولة أن تفعل ما تستطيع من الأسباب التي تعينها على قتاله وجهاده، ونسأل الله أن ينفع بهذه الأسباب وأن ينصر الحق وحزبه، ويخذل الباطل وأهله، وأن يرد المظلومين إلى بلادهم موفقين ومهديين، وأن يخذل الظالم وأن يدير عليه دائرة السوء، وأن يهزم جمعه ويشتت شمله، وأن يقينا شر هذه الفتنة، وأن يجعلها موعظة للمؤمنين جميعا.
ونسأل الله أن يجعلها سببا للرجوع إلى الله والاستقامة على دينه، وإعداد العدة الكافية لجهاد أعدائه.
فالمسلمون يستفيدون من الفتن والمحن الفوائد المطلوبة، ومن ذلك أن يحاسب كل واحد منا نفسه، وأن يجاهدها لله حتى تستقيم على الحق، وحتى يدع ما حرم الله عليه، فإن الطاعات من الجيش المجاهد من أسباب النصر، والمعاصي من أسباب الخذلان.
فعلى المجاهدين، وعلى المظلومين أن يصبروا ويصابروا وأن يتقوا الله، وأن يستقيموا على دينه، وأن يحافظوا على حقه، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وبذلك يوفقون ويجعل لهم النصر المؤزر، قال تعالى في كتابه العظيم: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120].
فمتى صبر المسلمون واتقوا ربهم فإنه لا يضرهم كيد الأعداء، وإن جرت عليهم المحن، وإن قتل بعضهم، وإن جرح بعضهم، وإن أصابتهم شدة، فلابد أن تكون لهم العاقبة الحميدة بوعد الله الصادق وفضله العظيم، كما قال : فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:120] وقال تعالى: وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132] وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3] وقال سبحانه وبحمده: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].
فيجب علينا جميعا رجالا ونساء في هذه البلاد وغيرها وعلى جميع المسلمين في كل مكان أن يستقيموا على دينه، وأن يحافظوا على أوامره وينتهوا عن نواهيه، وأن يصدقوا في جهاد الأعداء، ومنها جهاد هذا العدو الظالم حاكم العراق وجنده الظالم، وأن يكونوا يدا واحدة ضد هذا العدو الغاشم الكافر وحزبه الملحد، ومن أسباب النصر تطبيق شريعة الله وتحكيمها في كل شيء.
فالواجب على الدول الإسلامية والمنتسبة للإسلام أن تحاسب أنفسها، وأن تجاهد في الله جهاد الصادقين، وأن تحكم شريعة الله في جميع شئونها، فهي سفينة النجاة، كما أن سفينة نوح جعلها الله سفينة النجاة لأهل الأرض كلهم من الغرق، كذلك شريعة الله التي جاء بها سيدنا محمد ﷺ وهي الشريعة الإسلامية هي سفينة النجاة لأهل الأرض كلهم أيضا، من استقام عليها وحافظ عليها كتبت له النجاة في الدنيا والآخرة، وإن أصابه بعض ما قدره الله عليه مما يكره من شدة أو حرب أو غير ذلك فإن له النجاة والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.. فالمؤمنون من قوم نوح عليه السلام عندما أصابتهم الشدة أمرهم الله سبحانه بركوب السفينة ونجاهم الله بسبب إيمانهم، واتباعهم لنوح عليه السلام.
فهكذا المؤمنون في كل زمان، لابد لهم من صبر على الشدائد، واستقامة على الحق حتى يأتيهم الفرج من الله سبحانه، كما قال تعالى في سورة فصلت: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32]
وقال سبحانه في سورة الأحقاف: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13، 14].
فالواجب على جميع المسلمين في الجزيرة العربية وفي غيرها تقوى الله ، رجالا ونساء، حكاما ومحكومين، وأن يستقيموا على دينه، وأن يحاسبوا أنفسهم من أين أصيبوا، فما أصابنا شيء مما نكره إلا بسبب معصية اقترفناها، كما قال : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
وهذا الذي وقع بسبب تقصيرنا وسيئاتنا، فيجب علينا أن نرجع إلى الله، وأن نحاسب أنفسنا وأن نجاهد لله، وأن نستقيم على حقه، وأن نحذر معصيته، وأن نتواصى بالصبر، حتى ينصرنا الله ويكفينا شر أنفسنا وشر أعدائنا كما قال : وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120] وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
وقال سبحانه وبحمده: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وقال عز من قائل: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40، 41] وقال : وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] فهؤلاء هم الرابحون في كل مكان وفي كل عصر بإيمانهم العظيم وعملهم الصالح وتواصيهـم بالحق والصبر عليه.
وهذه الفتنة، هذا هو علاجها - كما هو علاج كل فتنة- بالصبر على الحق والجهاد والثبات عليه بشتى الوسائل الممكنة، بالسلاح الممكن، والنصيحة الممكنة، وبكل طريقة أباحها الله وشرعها لحل المشكلات وردع الظالم وإحقاق الحق.
وإذا خاف المظلوم من أن يغلب، واستعان بمن يأمنهم في هذا الأمر وعرف منهم النصرة فلا مانع من الاستنصار ببعض الأعداء الذين هم في صفنا ضد عدونا، ولقد استعان النبي ﷺ وهو أفضل الخلق بالمطعم بن عدي لما مات أبو طالب عم النبي ﷺ وكان كافرا وحماه من قومه؛ لما كان له من شهرة وقوة وشعبية، فلما توفي أبو طالب وخرج النبي ﷺ إلى الطائف يدعوهم إلى الله لم يستطع الرجوع إلى مكة خوفا من أهل مكة إلا بجوار المطعم بن عدي، وهو من رءوس الكفار، واستنصر به في تبليغ دعوة الله، واستجار به فأجاره ودخل في جواره، وهكذا عندما احتاج إلى دليل يدله على طريق المدينة استأجر شخصا من الوثنيين ليدله إلى المدينة لما أمنه على هذا الأمر، ولما احتاج إلى اليهود بعد فتح خيبر ولاّهم نخيلها وزروعها بالنصف، يزرعونها للمسلمين، والمسلمون مشغولون بالجهاد لمصلحة المسلمين، ومعلوم عداوة اليهود للمسلمين، فلما احتاج إليهم عليه الصلاة والسلام وأمنهم ولاّهم على نخيل خيبر وزروعها.
فالعدو إذا كان في مصلحتنا وضد عدونا فلا حرج علينا أن نستعين به ضد عدونا وفي مصلحتنا حتى يخلصنا الله من عدونا ثم يرجع عدونا إلى بلاده. ومن عرف هذه الحقيقة وعرف حال الظالم وغشمه وما يخشى من خطر عظيم وعرف الأدلة الشرعية اتضح له الأمر.
ولهذا درست هيئة كبار العلماء هذا الحادث، وتأملوه من جميع الوجوه وقرروا أنه لا حرج فيما فعلت الدولة من هذا الاستنصار للضرورة إليه وشدة الحاجة إلى إعانتهم للمسلمين، وللخطر العظيم الذي يهدد البلاد لو استمر هذا الظالم في غشمه واجتياحه للبلاد، وربما ساعده قوم آخرون وتمالؤوا معه على الباطل. فالأمر في هذا جلل وعظيم، ولا يفطن إليه إلا من نور الله بصيرته وعرف الحقائق على ما هي عليه وعرف غشم الظالم وما عنده من القوة التي نسأل الله أن يجعلها ضده، وأن يهلكه ويكبته، وأن يكفينا شره وشر كل الأعداء، وأن يولي على العراق رجلا صالحا يحكم فيه بشرع الله، وينفذ في شعبه أمر الله، كما نسأله سبحانه أن يقيهم شر هذا الحاكم الظالم العنيد الذي عذبهم وآذاهم وعذب المسلمين وأحدث هذه الفتنة وجر المسلمين إلى خطر عظيم.
نسأل الله أن يعامله بعدله، وأن يقضي عليه، وأن يريح المسلمين من فتنته، وأن يجعل العاقبة الحميدة لعباده المسلمين، وأن يرد المظلومين إلى بلادهم، وأن يصلح حالهم، وأن يقيم فيهم أمر الله، وأن يقينا وإياهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وقد رأيت أن أبسط القول في هذه المسألة لإيضاح الحق وبيان ما يجب أن يعتقد في هذا المقام وبيان صحة موقف الدولة فيما فعلت؛ لأن أناسا كثيرين التبس عليهم الأمر في هذه الحالة، وشكوا في حكم الواقع وجوازه بسبب الضرورة والحاجة الشديدة؛ لأنهم لم يعرفوا الواقع كما ينبغي، ولعظم خطر هذا الظالم الملحد - أعني حاكم العراق - صدام حسين. ولهذا اشتبه عليهم هذا الأمر، وظنوا واعتقدوا صحة ما فعله لجهلهم ولالتباس الأمر عليهم وظنهم أنه مسلم يدعو إلى الإسلام بسبب نفاقه وكذبه، وربما كان بعضهم مأجورًا من حاكم العراق فتكلم بالباطل والحقد لأنه شريك له في الظلم، وبعضهم جهل الأمر وجهل الحقيقة وتكلم بما تكلم به أولئك الظالمون جهلاً منه بالحقيقة والتبست عليه الأمور.
هذا هو الواقع، وهو أن هذا الظالم اعتدى وظلم وأصر على عدوانه ولم يفئ إلى ترك الظلم. والله سبحانه قد أمرنا أن نقاتل الفئة الظالمة ولو كانت مؤمنة حتى تفيء إلى أمر الله، فكيف إذا كانت الفئة الباغية كافرة ملحدة، فهي أولى بالقتال، وكفها عن الظلم ونصر الفئة المظلومة المبغي عليها بما يستطيعه المسلمون من أسباب النصر والردع للظالم. وقد حاول معه الناس ستة أشهر وطلبوا منه أن يراجع نفسه ويخرج من الكويت ويرجع عن ظلمه وبغيه، فأبى، فلم يبق إلا الحرب، ودعت الضرورة إلى الاستعانة بمن هو أقوى من المبغي عليه على حرب هذا العدو الغاشم حتى تجتمع القوى في حربه وإخراجه.
نسأل الله أن يقضي عليه، ويرد كيده في نحره، وأن يدير عليه دائرة السوء، وأن يكفي المسلمين شره وشر غيره، وأن ينصرهم على أعدائهم ويصلح حالهم، وأن يمنحهم الاستقامة على دينه إنه سميع قريب.
ومن الواجب على الجميع الاتعاظ بهذه الفتن والاستفادة منها في إصلاح أحوالنا، والاستقامة على طاعة الله ورسوله، وأن نحاسب أنفسنا حتى نستقيم على الحق وندع ما سواه، فالله سبحانه يجعل البلايا عظة وعبرة لمن يشاء، كما قال جل وعلا: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19] وقال سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216].
كما نسأل الله سبحانه أن يجعل في هذه الحرب خيرا لنا، وأن يجعل عاقبتها حميدة. ويجب أن لا ننسى ما حدث للنبي ﷺ والصحابة يوم الأحزاب وهم خير الناس، فقد تجمعت عليهم الأحزاب الكافرة، وجاءتهم من فوقهم ومن أسفل منهم بقوة قوامها عشرة آلاف مقاتل، وحاصروا المدينة، وقال أهل النفاق: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا هكذا ذكر الله عنهم سبحانه في سورة الأحزاب في قوله : وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا [الأحزاب:12] حتى نصر الله نبيه، وأرسل الرياح التي أكفأت قدورهم وقلعت خيامهم وشردتهم كل مشرد، فرجعوا خائبين والحمد لله بعد الشدة العظيمة التي وقعت على رسول الله ﷺ وأصحابه .
وهكذا يوم أحد حين تجمع الكفار وأغاروا على المدينة وحاصروها، وجرى ما جرى من جرح وقتل من قتل من الصحابة حتى أنزل الله نصره وتأييده، وسلم الله المسلمين، وأدار على أعدائه دائرة السوء ورجعوا إلى مكة صاغرين، وأنجى الله نبيه بعدما قتل سبعون من الصحابة، وجرح النبي ﷺ وجماعة كثيرة من أصحابه، واجتهد المشركون في قتله فوقاه الله شرهم.
ولما استنكر المسلمون هذا الحدث، قال الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا يعني (يوم بدر) قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] ذلك أن النبي ﷺ هو والمسلمون أصابهم ما أصابهم يوم أحد بسبب أمر فعله الرماة الذين أمرهم النبي ﷺ أن يمسكوا ثغرا وهو جبل الرماة ولا يتركوه حتى لا يدخل منه جيش العدو، فلما رأى الرماة أن العدو قد انكشف وانهزم ظنوا أنها الفيصلة، فتركوا الثغر وصاروا يجمعون الغنيمة وتركوا أمر النبي ﷺ فدخل العدو من ذلك الثغر وحصل ما حصل من الهزيمة والمصيبة العظيمة على المسلمين، فأنزل الله قوله: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ يعني تقتلونهم حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ [آل عمران:152] أي من الهزيمة للعدو، يعني بذلك الرماة، فشلوا وتنازعوا وتركوا أمر النبي ﷺ فلم يصبروا، وعندما وقع منهم هذا سلط الله عليهم العدو، قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165].
فإذا كان النبي ﷺ وأصحابه يصيبهم مثل هذه الهزيمة والقتل والجراح بسبب ما وقع من بعضهم من الذنوب، فكيف بحالنا؟
فالواجب على أهل الإسلام أينما كانوا أن يحاسبوا أنفسهم وأن يجاهدوها في الله ويتفقدوا عيوبهم، ويتوبوا إلى الله منها، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18].
والمعنى: انظروا ما قدمتم للآخرة، فإن كنتم قدمتم أعمالا خيرة فاحمدوا الله عليها واسألوه الثبات، وإن كنتم قدمتم أعمالا سيئة فتوبوا إلى الله منها، وارجعوا إلى الحق والصواب.
فالواجب على أهل الإيمان أينما كانوا أن يتقوا الله دائما، ويحاسبوا أنفسهم دائما، ولا سيما وقت الشدائد وعند المحن، كحالنا اليوم، يجب الرجوع إلى الله، والتوبة إليه وحساب النفس وجهادها لله، وما سلط علينا هذا العدو إلا بذنوبنا، فلابد من جهاد النفس، ولابد من الضراعة إلى الله، وسؤال الله أن ينصرنا على عدونا، وأن يذل عدونا، وأن يكفينا شره وشر أنفسنا وشر الشيطان.
لابد من الضراعة إلى الله، وسؤاله التأييد، كما قال تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [الأنعام:43] فلابد من الضراعة إلى الله، وسؤاله جل وعلا النصر. والنبي ﷺ يوم بدر ليلة الواقعة قام يناجي ربه، ويدعوه ويبكي، ويسأل ربه النصر، حتى جاءه الصديق بعدما سقط رداؤه وقال: حسبك يا رسول الله إن الله ناصرك إن الله مؤيدك فإذا كان رسول الله ﷺ وهو أفضل الناس وسيد ولد آدم يتضرع إلى الله فكيف بحالنا ونحن في أشد الضرورة إلى التوبة إلى الله، وإلى البكاء من خشيته، وإلى طلب النصر منه في ليلنا ونهارنا؟!
فالغفلة شرها عظيم، والمعاصي خطرها كبير، فالواجب الإقلاع عنها والتوبة إلى الله سبحانه، فالذي عنده تساهل في الصلاة يجب أن يحافظ عليها ويبادر إليها ويصلي في الجماعة، والذي يتعامل بالربا يجب أن يترك ذلك، وأن يتوب إلى الله منه، والذي عنده عقوق لوالديه يتقي الله ويبر والديه، والقاطع لأرحامه يتقي الله ويصل أرحامه، والذي يشرب المسكر يتقي الله ويقلع عن ذلك، ويتوب إلى الله، والذي يغتاب الناس يحذر ذلك ويحفظ لسانه ويتقي الله.
وهكذا يحاسب كل إنسان نفسه في كل عيوبه ويتقي الله. وهكذا الموظف المقصر في وظيفته وفي أمانته يتقي الله، ويؤدي حق الله وحق عباده، وهكذا الرؤساء كل واحد منهم سواء كان ملكا أو رئيس جمهورية أو وزيرا كل واحد منهم عليه أن يحاسب نفسه لله، ويجاهدها لله، ويتوب إلى الله سبحانه من سيئ عمله. وهكذا كل موظف، وكل جندي، عليه أن يجاهد نفسه ويطيع الله ورسوله، ويطيع رئيسه في المعروف، ويتوب إلى الله من سيئات عمله وتقصيره. وهذا كله من أسباب النصر والعاقبة الحميدة، فلا بد من الصدق مع الله وجهاد النفس والتوبة الصادقة من سائر الذنوب من الرؤساء والمرءوسين. ولا بد من الدعاء والضراعة إلى الله نطلب منه النصر والتأييد والعون على العدو، وسؤال الله أن يخذل العدو ويرد كيده في نحره، ولا بد مع ذلك من الأسباب الحسية، من قوة وجيش وسلاح كما قال سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71] فيجب على أهل الإيمان أن يعدوا العدة المناسبة لجهاد الأعداء بكل ما يستطيعون، والله يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] فعلى المسلمين أن يعدوا ما استطاعوا من القوة: من السلاح والرجال والتدريب، فإذا فعلوا ذلك كفاهم الله شر عدوهم وجاءهم النصر من الله، يقول الله سبحانه: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] ويقول سبحانه وبحمده: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120].
كما يجب على المسلم أن يلح في الدعاء ويسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة كما قال : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] وقال جل وعلا: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] وقال : وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:32] فعلينا أن نلح في الدعاء، ولا نستبطئ الإجابة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح، يقول ﷺ: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت ودعوت فلم أره يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء.
فلا ينبغي للمؤمن أن يدع الدعاء وإن تأخرت الإجابة، فالله حكيم عليم، في تأخير الإجابة يؤخرها سبحانه لحكم بالغة، حتى يتفطن الإنسان لأسباب التأخير، ويحاسب نفسه، ويجتهد في أسباب القبول. من التوبة النصوح والعناية بالمكسب الحلال، وإقبال القلب على الله وجمعه عليه سبحانه حين الدعاء، إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة والنتائج المفيدة. فلو أن كل إنسان يعطى الإجابة في الحال لفاتت هذه المصالح العظيمة.
ومما يوضح ما ذكرت أن نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام طلب من ربه أن يجمع بينه وبين ولده يوسف، فتأخرت الإجابة مدة طويلة، ومكث يوسف في السجن بضع سنين، والداعي نبي كريم، هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام فعلم بذلك أن الله سبحانه له حكم عظيمة في تأخير الإجابة وتعجيلها.
وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها فقال الصحابة يا رسول الله إذا نكثر قال: الله أكثر رواه الإمام أحمد في مسنده.
والمقصود أن المشروع للمسلم عندما تتأخر الإجابة أن يتأمل، ما هي الأسباب، لماذا تأخرت الإجابة؟ لماذا سلط علينا العدو؟ لماذا هذا البلاء؟
يتأمل ويحاسب نفسه ويجاهدها حتى تحصل له البصيرة بعيوب نفسه، وحتى يعالجها بالعلاج الشرعي. والدولة تعالج نقصها، والشخص يعالج نقصه ويداويه، كل داء له دواء، كما قال ذلك النبي ﷺ ودواء الذنوب التوبة إلى الله سبحانه، والاستقامة على طاعته هذا هو دواء الذنوب.
فالواجب على كل إنسان أن يعالج ذنبه ومعصيته بالتوبة النصوح ويحاسب نفسه، ويعلم أن ربه سبحانه ليس بظلام للعبيد. فالله سبحانه لم يظلمك بل أنت الظالم لنفسك، تأمل وحاسب نفسك، وجاهدها، وهذا الحاكم الظالم، أعني حاكم العراق صدام حسين يرمي السعودية بالصواريخ، فماذا فعلت معه السعودية؟ لقد ساعدته مساعدة عظيمة على عدوه، ساعدته بالمساعدات التي ذكرها صدام في كتابه لخادم الحرمين الشريفين.
وذكر أشياء كثيرة من المساعدات وأخفى الكثير والمطلوب منه الآن الخروج من الكويت وسحب جيشه منها، وبعد ذلك يحصل التفاوض في بقية المشاكل، فهل هذا هو جزاء الإحسان للكويت بأن يخرجهم من ديارهم وقد أحسنوا إليه كثيرا؟ وهل جزاء ما عملت السعودية أن يضربها بالصواريخ ويحشد جيوشه على حدودها؟ هذا هو جزاء المحسن عند صدام حسين والله يقول سبحانه: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60] لقد أحسنت إليه السعودية عند الملمات، وواسته عند الشدائد، والكويت كذلك، ودول الخليج كذلك، كلهم ساعدوه ومدوه بما يستطيعون، ثم كانت هذه هي العاقبة من اللئيم الغشوم، لقد طلبوا منه أن يخرج من الكويت، وأن يسحب جيوشه منها، ثم يكون بعد ذلك التفاوض والنظر في المشاكل التي بينه وبين الكويت، وحلها بالوسائل السلمية ولكنه من خبثه وظلمه يحث أنصاره وأذنابه على أن يؤذوا الناس في البلدان الأخرى، ثم من تدليسه ونفاقه وخبثه يضرب اليهود الآن حتى يفرق الجمع الموجود وحتى يرفع عنه الحصار الآن الذي وقع.
لماذا ترك اليهود قبل الكويت ويضربها الآن؟ كان ينبغي له أن يضرب اليهود، لأنهم هم العدو، بدل أن يضرب جيرانه ومن أحسن إليه، لكن خبثه وظلمه وغشمه ونفاقه ومكره حمله على أن يضرب اليهود الآن؛ حتى يفرق هؤلاء المجتمعين لحربه، وحتى يخرج من هذا الحصار المحيط به، ولكنها لم ترد عليه حتى يظل هذا الحصار، وحتى يقضي الله فيه أمره ، وحتى يخيب الله آماله، ويرد كيده في نحره، بحوله وقوته .
نسأل الله أن يرد كيده في نحره، وأن يستجيب دعوات المسلمين ضده، فهو ظالم ملبس مخادع منافق، يجمع كل شر وكل حيلة وكل بلاء للخداع والظلم والعدوان، ولكن نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يقضي عليه، وأن يدير عليه دائرة السوء، وأن يخذل الله أنصاره وأعوانه، وأن يرد من هو حائر في أمره إلى البصيرة والهدى، وأن يقضي على أنصاره الظالمين المعتدين، وأن يهلكهم معه، ويسلط عليهم جندا من عنده، إنه جواد كريم.
كما نسأله سبحانه أن ينصر المسلمين عليه وحزبه، وأن ينصر من نصر المسلمين عليه وعلى أعوانه، حتى يقضي الله على هذا الظالم، وحتى يخرجه من الكويت صاغرا ذليلا.
كما نسأل الله سبحانه أن يولي على العراق رجلا صالحا يخاف الله ويراقبه ويحكم في العراقيين شريعة الله، ويبسط فيهم العدل والإحسان.
وعلينا أيها الأخوة وعلى كل مسلم في كل مكان أن نتقي الله سبحانه، وأن نستقيم على دينه، وأن نجاهد أنفسنا في ذلك، مع سؤاله سبحانه النصر المعجل لأوليائه وأهل طاعته المظلومين، وأن يكبت هذا الظالم المعتدي، وأن يسلط عليه جندا من عنده، وأن يقضي عليه، وأن يولي على العراق من يخاف الله فيهم ويحسن إليهم ويحكم فيهم بشرع الله، إنه جل وعلا جواد كريم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد عبدالله ورسوله، وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين[1].
أما بعد: فإن الله جل وعلا - وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة - يبتلي عباده بالسراء والضراء والشدة والرخاء؛ حتى يميز الخبيث من الطيب، وحتى يتضح أهل الإيمان والتقوى من أهل النفاق والزيغ والكفر والضلال، وحتى يتبين الصابرون المجاهدون من غيرهم، وحتى يظهر للناس من يريد الحق ويطلب إقامته ممن يريد خلاف ذلك.
قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] ومعنى الفتنة هنا: الاختبار والامتحان، ليتبين بعد الامتحان الصادقون من الكاذبين، والأبرار من الفجار، والأخيار من الأشرار، وطالب الحق من طالب غيره، ويرجع من أراد الله له السعادة إلى ما عرفه من الحق، ويستمر من سبقت له الشقاوة في باطله وضلاله، وقال جل وعلا: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168] ومعنى ﴿وبلوناهم﴾: اختبرناهم ﴿بالحسنات﴾: بالنعم من العز والظهور في الأرض والمال والثروة وغير هذا مما يعتبر من النعم ﴿والسيئات﴾: يعني المصائب التي تصيب الناس من فقر وحاجة وخوف وحروب وغير ذلك ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ المعنى: ليرجعوا إلى الحق والصواب ويستقيموا على الهدى.
وقال جل وعلا: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:25] يعني اتقوها بالعمل الصالح والاستقامة على طاعة الله والجهاد في سبيله ولزوم الحق.
والفتنة يدخل فيها الحروب، ويدخل فيها الشبهات التي يزيغ بها كثير عن الحق، ويدخل فيها الشهوات المحرمة، إلى أنواع أخرى من الفتن.
فأهل الإيمان يتقونها بطاعة الله ورسوله والفقه في الدين والإعداد لها قبل وقوعها، حتى إذا وقعت فإذا هم على بينة وبصيرة وعلى عدة، ويقول جل وعلا: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ المعنى أنه شديد العقاب لمن خالف أمره وارتكب نهيه ولم ينقد لشرعه سبحانه، وقال : إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15] فالإنسان يفتن بالمال والولد ويمتحن، فإن اتقى الله في المال والولد فله السعادة، وإن مال مع المال إلى الشهوات المحرمة وإيثار العاجلة هلك، وهكذا إن مال مع الولد إلى ما حرم الله وإلى متابعة الهوى هلك مع من هلك.
وقال : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31] ومعنى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ: لنختبرنكم نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ حتى نعلم علما ظاهرا والله سبحانه يعلم كل شيء ولا يخفى عليه شيء وقد سبق علمه بكل شيء كما قال تعالى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12].
وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [العنكبوت:62] فهو عليم بكل شيء، ولكنه يبلوهم حتى يعلم المجاهدين منهم والصابرين علما ظاهرا يشاهده الناس، ويعلمه هو سبحانه علما ظاهرا موجودا بعدما كان في الغيب، يعلمه ظاهرا موجودا في الوجود وهذا معنى قوله سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ [محمد:31] حتى نعلمه علما ظاهرا موجودا في العالم.
وفي هذه الأيام جرى ما جرى من الفتنة في الحادي عشر من المحرم من السنة الهجرية 1411 هـ الثاني من أغسطس من الشهور الميلادية 1990م جرى ما جرى من عدوان حاكم العراق على دولة الكويت المجاورة له واجتاحها بجيوشه المدمرة الظالمة، واستحل الدماء والأموال وانتهك الأعراض وشرد أهل البلاد، وجرت فتنة عظيمة بسبب هذا الظلم والعدوان، واستنكر العالم هذا البلاء وهذا الحدث الظالم، وحشد الجيوش على الحدود السعودية، وبذل الناس الجهود الكبيرة: من رؤساء الدول، ومن مجلس الأمن، ومن غيرهم لحاكم العراق ليخرج من هذا الظلم ويسحب جيشه من هذه البلاد التي احتلها ظلما، فلم يستجب وأصر على ظلمه وعدوانه لحكمة بالغة: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:83] له سبحانه الحكمة البالغة في كل شيء، قد سبق في علمه جل وعلا أنه لا بد من حرب، وأن هذا البلاء الذي وقع لا يتخلص منه بمجرد الحلول السلمية، وهو القائل سبحانه في كتابه العظيم: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19] ويقول سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216] ونرجو أن يكون فيما وقع الخير وأن يكون في ذلك الخير لنا وللمسلمين جميعا، والشر على أعداء الإسلام؛ لأنه سبحانه أعلم وأحكم، ونرجو أن يكون فيما حدث عظة لنا ولغيرنا في الرجوع إلى الله والاستقامة على دينه، وحساب النفوس وجهادها لله، والإعداد الكامل لأعدائنا أعداء الإسلام.
فالامتحان يفيد المؤمنين والعقلاء، ويوجب حساب النفس، وجهادها ويوجب على كل مسلم أن يحاسب نفسه ويجاهدها لله، وأن يستقيم على أمره، وأن يتباعد عن نهيه، ويوجب على الدول الإسلامية أن تحاسب أنفسها أيضا، وأن تستقيم على دين الله، ومتى استقام العباد على الحق وأصلحوا أنفسهم وجاهدوها لله وبذلوا المستطاع في نصر الحق يسر الله أمورهم ونصرهم على عدوهم كما قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] ويقول وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] ويقول سبحانه وبحمده: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40، 41] ويقول : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55] يعني بسبب إيمانهم الصادق وعملهم الصالح يستخلفون في الأرض ويمكن الله لهم دينهم ويبدلهم من بعد خوفهم أمنا.
فالواجب هو الاستقامة على أمر الله، وعلاج الفتن بما أمر الله به من التقوى والاستقامة والجهاد الصادق والإخلاص لله والصبر والمصابرة، هكذا يجب، وقد بين الله لعباده أسباب النجاة ووسائل النصر فقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [الأنفال:45-47].
فأمرهم سبحانه عند لقاء الأعداء وعند وجود العدوان وعند مباشرة الجهاد بصفات عظيمة:
أولها: الثبات على الحق والاستقامة عليه.
فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا فالثبات على الحق لا بد منه والصبر عليه كما في الآية الأخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200] وأهل الأيمان لا تشغلهم الشدائد عن الحق، بل يلزمون الحق في الشدة والرخاء.
والثاني: ذكر الله جل وعلا.
ذكر الله بالقلب واللسان، والعمل بالقلب تعظيما له سبحانه ومحبة له وخوفا منه، وثقة به وإخلاصا له واعتمادا عليه ، وإيمانا بأنه الناصر والنصر من عنده، كما قال سبحانه: وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأنفال:10] وإنما الأسباب كلها تعين على ذلك، وهي بشرى من عند الله، كما قال الله عندما أمد رسوله ﷺ بالملائكة: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:10] وفي آية آل عمران: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران:126].
فالمؤمن عند الشدائد يذكر الله ويعظمه ويعلم أنه الناصر وأنه الضار النافع، وأن بيده كل شيء، فبيده سبحانه الضر والنفع، وبيده سبحانه العز والنصر، وبيده جل وعلا تصريف الأمور، لا يغيب عن علمه شيء، ولا يعجزه شيء . وعلق على ذلك الفلاح فقال عز من قائل: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فبذكر الله بالقلب واللسان والعمل: الفلاح والظفر والخير كله. فالمؤمنون في الشدة والرخاء يلزمون ذكر الله وتعظيمه والإخلاص له وإقامة حقه وترك معصيته، فيذكرون الله بإقامة الصلوات والمحافظة عليها، وحفظ الجوارح عما حرم الله، وحفظ اللسان عما حرم الله، وذلك بأداء الحقوق والكف عما حرم الله، إلى غير ذلك مما يرضيه سبحانه ويباعد عن غضبه.
وذكر الله سبحانه يكون بالقلب واللسان والعمل كما تقدم، وفي ذلك الفلاح والفوز والسعادة والظفر.
الثالثة: طاعة الله ورسوله.
قال سبحانه: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وطاعة الله ورسوله هي من ذكر الله جل وعلا، ولكن نص عليها لعظمها، وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، في الجهاد وغيره.
الرابعة: الالتفاف والاجتماع والتعاون وعدم الفشل.
فقال سبحانه: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ فالواجب على المسلمين التعاون والاتفاق والصدق في جهاد الأعداء وإخراج الظلمة مما وقعوا فيه، لا بد من الاتفاق والصبر، وذكر الله والتعاون ضد العدو.
والعدو قد يكون مسلما، وقد يكون كافرا، وقد يكون مسلما باغيا، وقد أمر الله بقتال الباغي حتى يفيء إلى أمر الله، كما قال جل وعلا: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9] هذا إن كان مؤمنا فكيف إذا كان كافرا بعثيا ظالما. ومعنى ﴿حتى تفيء إلى أمر الله﴾: حتى ترجع إلى الحق، وترد ما ظلمت، وتستقيم مع العدالة.
الخامسة: الصبر.
قال سبحانه: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وهذه صفة خامسة. فلا بد من الصبر في جهاد الأعداء وقتالهم، وبذل المستطاع في ذلك، وقال سبحانه في آية البقرة في صفة المؤمنين: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ يعني حين القتال، ثم قال سبحانه: أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] وقال سبحانه لنبيه ﷺ: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ [النحل:127].
والصبر أنواع ثلاثة:
1- صبر على طاعة الله بالجهاد وأداء الحقوق.
2- صبر عن معاصي الله بالكف عما حرم الله قولا وعملا.
3- الصبر على قضاء الله وقدره مما يصيب الناس من جراح أو قتل أو مرض أو غير ذلك.
لا بد من الصبر وتعاطي أسباب النصر وأسباب العافية.
السادسة والسابعة: عدم الكبر والمراء.
قال : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ [الأنفال:47] أي لا تكونوا في جهادكم متكبرين ولا مرائين، بل يجب على المؤمنين في جهادهم لعدوهم الإخلاص لله، والصدق والتواضع لله، وسؤاله النصر جل وعلا.
الثامنة: التحذير من الصد عن سبيل الله.
وقد ذكر الله أمرًا ثامنًا وحذر منه وهو الصد عن سبيل الله، وهو من صفة أعداء الله، فهم يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا. أما المؤمنون فيجاهدون في تواضع لله، مخلصين له سبحانه، لا متكبرين ولا مرائين، يدعون إلى سبيل الله من صد عنه، يدعون الناس إلى الحق والهدى وإلى طاعة الله ورسوله، هكذا المؤمنون الصادقون أينما كانوا.
وهذه الفتنة - أعني عدوان حاكم العراق على الكويت - قد اشتبه فيها الأمر على بعض الناس، إذ ظن بعض الناس أن الأولى فيها الاعتزال وعدم القتال مع هؤلاء أو هؤلاء، وهذا قد جرى في أول فتنة وقعت بعد رسول الله ﷺ، وهي الفتنة التي وقعت بين أهل الشام وأهل العراق بسبب مقتل عثمان الذي قتل ظلما من فئة بغت عليه وتعدت والتبست عليها الأمور ودخل فيها من هو حاقد على الإسلام، والتبست الأمور على بعض الناس حتى اشتبهت الأمور، وبقتل عثمان ظلما وعدوانا حصل بسبب ذلك فتنة عظيمة، فبايع الناس عليا بالخلافة، وقام معاوية وجماعة يطالبون بدم عثمان، وبايعه كثير من الناس على ذلك، وعظمت الفتنة واشتدت البلية، وانقسم المسلمون قسمين بسبب هذه الفتنة:
طائفة انحازوا إلى معاوية وأهل الشام، يطالبون عليا بتسليم القتلة.
وطائفة أخرى هم علي وأصحابه، طلبوا معاوية وأصحابه الهدوء والصبر، وبعد تمام الأمر واستقرار الخلافة ينظر في أمر القتلة.
واشتد الأمر وجرى ما جرى من حرب الجمل وصفين، وظن بعض الناس في ذلك الوقت أن الأولى عدم الدخول في هذه الفتنة، واعتزل بعض الصحابة ذلك فلم يكونوا مع علي ولا مع معاوية. والفتنة اليوم كذلك، حصل فيها اشتباه؛ لأن وقوع الفتن يسبب اشتباها كثيرا على الناس، وليس كل إنسان عنده العلم الكافي بما ينبغي أن يفعل، فقد يقع له شبه تحول بينه وبين فهم الصواب. وهذه الفتنة التي وقعت الآن ليست مما يعتزل فيها؛ لأن الحق فيها واضح، والقاعدة أن الفتنة التي ينبغي عدم الدخول فيها هي: المشتبهة التي لا يتضح فيها الحق من الباطل، والتي قال فيها رسول الله ﷺ: ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. من تشرف لها تستشرفه. فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة .
ويقول ﷺ: إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، فالقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة، فإن دُخل على أحدكم فليكن كخير ابني آدم رواه ابن ماجة وأبو داود، فهذه الفتن التي تشتبه ولا يتضح للمؤمن فيها الحق من الباطل هي التي يشرع البعد عنها وعدم الدخول فيها.
أما ما ظهر فيه الحق وعرف فيه المحق من المبطل والظالم من المظلوم، فالواجب أن ينصر المظلوم ويردع الظالم، ويردع الباغي عن بغيه وينصر المبغي عليه، ويجاهد الكافر المعتدي وينصر المظلوم المعتدى عليه، وفي هذا المعنى يقول الله : انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:41] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] ثم شرحها للناس فقال سبحانه: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [الصف: 11-13].
فهذا وعده سبحانه لمن جاهد في سبيله ونصر الحق في هذه الآيات الكريمات وفي قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وصفها بهذا الوصف العظيم أنها تجارة، وأنها تنجي من عذاب أليم، ثم فسرها بقوله سبحانه: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ومعلوم أن الجهاد من الإيمان، ولكنه خصه بالذكر لعظم شأنه ومسيس الحاجة إلى بيان فضله فقال : وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ بدأ بالأموال لعظم شأنها، وعموم نفعها في شراء السلاح، وتجهيز المجاهدين وإطعامهم؛ ولذلك بدأ بالمال قبل النفس في أكثر الآيات؛ لأن نفعه أوسع، ثم قال سبحانه وبحمده: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ثم فسر بعد ذلك الخير المذكور بقوله تعالى: يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، كل هذا من ثواب الجهاد، ثم قال جل وعلا: وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ، وقال الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111] وقال سبحانه: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9] يعني حتى ترجع للحق ﴿فَإِنْ فَاءَتْ﴾ أي رجعت للحق فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ هذا بالنسبة للمؤمنين كما جرى يوم الجمل وصفين في القتال بين المؤمنين، فقد أمر الله المؤمنين أن يقاتلوا الطائفة الباغية حتى ترجع إلى الحق، وبعد الرجوع إلى الحق ينظر في المسائل المشكلة، وتحل بالصلح والعدل الذي شرعه الله في قوله تعالى: فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا أي بالطرق الحكيمة الشرعية التي جعلها الله وسيلة لحل النزاع، ﴿وَأَقْسِطُوا﴾ يعني: اعدلوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ هذا في المؤمنين، تُقَاتَل الفئة الباغية، وهي مؤمنة حتى ترجع، فكيف إذا كانت الطائفة الباغية ظالمة كافرة، كما هو الحال في حاكم العراق، فهو بعثي ملحد، ليس من المؤمنين، وليس ممن يدعو للإيمان والحق، بل يدعو إلى مبادئ الكفر والضلال، وبدأ يتمسح بالإسلام لما جرى ما جرى، فأراد أن يلبس على الناس ويدعو إلى الجهاد كذبا وزورا ونفاقا، ولو كان صادقا لترك الظلم وترك البلاد لأهلها وأعلن توبته إلى الله من مبادئه الإلحادية وطريقته التي يمقتها الإسلام، ولعمل بمصدر التشريع في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ وحينئذ تحل المشكلات بالطرق السلمية بعد ذلك. أما أن يدعو إلى الجهاد وهو مقيم على الظلم والعدوان والتهديد لجيرانه، فكيف يكون هذا الجهاد الظالم وهذا الجهاد الكاذب والنفاق الذي يريد به التلبيس؟
وقد قال رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» قالوا يا رسول الله، نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: «أن تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه» وذكر البراء نصر المظلوم في الحديث الصحيح المتفق عليه، وهو قوله : (أمرنا رسول الله ﷺ بسبع...) وذكر منها: نصر المظلوم، فنصر المظلوم واجب ومتعين على كل من استطاع ذلك، فإذا كان الظلم عظيما، كان الواجب أشد. وإذا كان الظلم لفئات كثيرة وأمة عظيمة ويخشى من ورائه ظلم آخر وشر آخر، صار الواجب أشد وأعظم في نصر المظلوم وفي جهاد الظالم؛ حتى لا تنتشر الفتنة التي قام بها، وحتى لا يعظم الضرر به باجتياحه بلادا أخرى، ولو فعل ذلك لكان الأمر أشد وأخطر، ولكانت الفتنة به أعظم وأسوأ عاقبة، ولربما جرت أمور أخرى لا يعلم خطرها إلا الله. ولعظم الأمر وخطورته اضطرت المملكة العربية السعودية إلى الاستنصار بالجنسيات المتعددة من الدول الإسلامية وغيرها؛ لعظم الخطر، ووجوب الدفاع عن البلاد وأهلها، واتقاء شر هذا الظالم المجرم الملحد، وقد وفقها الله في ذلك، والحمد لله على ما حصل.
ونسأل الله أن يجعل العاقبة حميدة، وأن يخذل الظالم ويسلط عليه من يكف ضرره، وأن يدير عليه دائرة السوء، وأن يهزم جمعه ويشتت شمله ويقينا شره وشر أمثاله، وأن ينفع بهذه الجهود، وأن يدير دائرة السوء على المعاندين والظالمين، وأن يكتب النصر لأوليائه المؤمنين، وأن يرد هذه الجنود التي تجمعت لردع هذا الظالم إلى بلادها ويقينا شرها، فهي جاءت لأمر واحد وهو الدفاع عن هذه البلاد، وإخراج هذا الجيش الظالم من الكويت لما في التساهل في هذا الأمر وعدم المبادرة من الخطر العظيم؛ لأن الظالم لديه جيش كثير مدرب حارب به ثمان سنين لجارته إيران، وتجمع لديه جيش كثيف، ولديه نية سيئة وخبث عظيم، وقد يسر الله برحمته اجتماع جيوش عظيمة لحربه ورده عن ظلمه، ولتنصر المظلوم وتعيد الحق إلى أصحابه.
وأسأل الله جل وعلا أن ينفع بالأسباب، ويحسن العاقبة للمظلومين ويجعلها للجميع عظة وذكرى. والله جل وعلا يقول: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119] فالحكومة السعودية مضطرة ودول الخليج كذلك إلى الاستعانة بالقوات الإسلامية والأجنبية لردع الظالم والقضاء عليه، وإخراجه بالقوة من هذه البلاد التي احتلها لما أبى وعاند، ولم ينقد لدعاة الحق في خروجه سلما من البلاد التي احتلها، وانسحابه عن الحدود السعودية، ثم تكون المفاوضة بعد ذلك في مطالبه من جيرانه، فلما أبى واستكبر وعاند وركب رأسه ولم يراع حق الجوار ولا حق الإسلام ولا حق الإحسان، وجب أن يقاتل وأن يجاهد، ووجب على الدولة أن تفعل ما تستطيع من الأسباب التي تعينها على قتاله وجهاده، ونسأل الله أن ينفع بهذه الأسباب وأن ينصر الحق وحزبه، ويخذل الباطل وأهله، وأن يرد المظلومين إلى بلادهم موفقين ومهديين، وأن يخذل الظالم وأن يدير عليه دائرة السوء، وأن يهزم جمعه ويشتت شمله، وأن يقينا شر هذه الفتنة، وأن يجعلها موعظة للمؤمنين جميعا.
ونسأل الله أن يجعلها سببا للرجوع إلى الله والاستقامة على دينه، وإعداد العدة الكافية لجهاد أعدائه.
فالمسلمون يستفيدون من الفتن والمحن الفوائد المطلوبة، ومن ذلك أن يحاسب كل واحد منا نفسه، وأن يجاهدها لله حتى تستقيم على الحق، وحتى يدع ما حرم الله عليه، فإن الطاعات من الجيش المجاهد من أسباب النصر، والمعاصي من أسباب الخذلان.
فعلى المجاهدين، وعلى المظلومين أن يصبروا ويصابروا وأن يتقوا الله، وأن يستقيموا على دينه، وأن يحافظوا على حقه، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وبذلك يوفقون ويجعل لهم النصر المؤزر، قال تعالى في كتابه العظيم: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120].
فمتى صبر المسلمون واتقوا ربهم فإنه لا يضرهم كيد الأعداء، وإن جرت عليهم المحن، وإن قتل بعضهم، وإن جرح بعضهم، وإن أصابتهم شدة، فلابد أن تكون لهم العاقبة الحميدة بوعد الله الصادق وفضله العظيم، كما قال : فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:120] وقال تعالى: وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132] وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3] وقال سبحانه وبحمده: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].
فيجب علينا جميعا رجالا ونساء في هذه البلاد وغيرها وعلى جميع المسلمين في كل مكان أن يستقيموا على دينه، وأن يحافظوا على أوامره وينتهوا عن نواهيه، وأن يصدقوا في جهاد الأعداء، ومنها جهاد هذا العدو الظالم حاكم العراق وجنده الظالم، وأن يكونوا يدا واحدة ضد هذا العدو الغاشم الكافر وحزبه الملحد، ومن أسباب النصر تطبيق شريعة الله وتحكيمها في كل شيء.
فالواجب على الدول الإسلامية والمنتسبة للإسلام أن تحاسب أنفسها، وأن تجاهد في الله جهاد الصادقين، وأن تحكم شريعة الله في جميع شئونها، فهي سفينة النجاة، كما أن سفينة نوح جعلها الله سفينة النجاة لأهل الأرض كلهم من الغرق، كذلك شريعة الله التي جاء بها سيدنا محمد ﷺ وهي الشريعة الإسلامية هي سفينة النجاة لأهل الأرض كلهم أيضا، من استقام عليها وحافظ عليها كتبت له النجاة في الدنيا والآخرة، وإن أصابه بعض ما قدره الله عليه مما يكره من شدة أو حرب أو غير ذلك فإن له النجاة والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.. فالمؤمنون من قوم نوح عليه السلام عندما أصابتهم الشدة أمرهم الله سبحانه بركوب السفينة ونجاهم الله بسبب إيمانهم، واتباعهم لنوح عليه السلام.
فهكذا المؤمنون في كل زمان، لابد لهم من صبر على الشدائد، واستقامة على الحق حتى يأتيهم الفرج من الله سبحانه، كما قال تعالى في سورة فصلت: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32]
وقال سبحانه في سورة الأحقاف: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13، 14].
فالواجب على جميع المسلمين في الجزيرة العربية وفي غيرها تقوى الله ، رجالا ونساء، حكاما ومحكومين، وأن يستقيموا على دينه، وأن يحاسبوا أنفسهم من أين أصيبوا، فما أصابنا شيء مما نكره إلا بسبب معصية اقترفناها، كما قال : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
وهذا الذي وقع بسبب تقصيرنا وسيئاتنا، فيجب علينا أن نرجع إلى الله، وأن نحاسب أنفسنا وأن نجاهد لله، وأن نستقيم على حقه، وأن نحذر معصيته، وأن نتواصى بالصبر، حتى ينصرنا الله ويكفينا شر أنفسنا وشر أعدائنا كما قال : وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120] وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
وقال سبحانه وبحمده: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وقال عز من قائل: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40، 41] وقال : وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] فهؤلاء هم الرابحون في كل مكان وفي كل عصر بإيمانهم العظيم وعملهم الصالح وتواصيهـم بالحق والصبر عليه.
وهذه الفتنة، هذا هو علاجها - كما هو علاج كل فتنة- بالصبر على الحق والجهاد والثبات عليه بشتى الوسائل الممكنة، بالسلاح الممكن، والنصيحة الممكنة، وبكل طريقة أباحها الله وشرعها لحل المشكلات وردع الظالم وإحقاق الحق.
وإذا خاف المظلوم من أن يغلب، واستعان بمن يأمنهم في هذا الأمر وعرف منهم النصرة فلا مانع من الاستنصار ببعض الأعداء الذين هم في صفنا ضد عدونا، ولقد استعان النبي ﷺ وهو أفضل الخلق بالمطعم بن عدي لما مات أبو طالب عم النبي ﷺ وكان كافرا وحماه من قومه؛ لما كان له من شهرة وقوة وشعبية، فلما توفي أبو طالب وخرج النبي ﷺ إلى الطائف يدعوهم إلى الله لم يستطع الرجوع إلى مكة خوفا من أهل مكة إلا بجوار المطعم بن عدي، وهو من رءوس الكفار، واستنصر به في تبليغ دعوة الله، واستجار به فأجاره ودخل في جواره، وهكذا عندما احتاج إلى دليل يدله على طريق المدينة استأجر شخصا من الوثنيين ليدله إلى المدينة لما أمنه على هذا الأمر، ولما احتاج إلى اليهود بعد فتح خيبر ولاّهم نخيلها وزروعها بالنصف، يزرعونها للمسلمين، والمسلمون مشغولون بالجهاد لمصلحة المسلمين، ومعلوم عداوة اليهود للمسلمين، فلما احتاج إليهم عليه الصلاة والسلام وأمنهم ولاّهم على نخيل خيبر وزروعها.
فالعدو إذا كان في مصلحتنا وضد عدونا فلا حرج علينا أن نستعين به ضد عدونا وفي مصلحتنا حتى يخلصنا الله من عدونا ثم يرجع عدونا إلى بلاده. ومن عرف هذه الحقيقة وعرف حال الظالم وغشمه وما يخشى من خطر عظيم وعرف الأدلة الشرعية اتضح له الأمر.
ولهذا درست هيئة كبار العلماء هذا الحادث، وتأملوه من جميع الوجوه وقرروا أنه لا حرج فيما فعلت الدولة من هذا الاستنصار للضرورة إليه وشدة الحاجة إلى إعانتهم للمسلمين، وللخطر العظيم الذي يهدد البلاد لو استمر هذا الظالم في غشمه واجتياحه للبلاد، وربما ساعده قوم آخرون وتمالؤوا معه على الباطل. فالأمر في هذا جلل وعظيم، ولا يفطن إليه إلا من نور الله بصيرته وعرف الحقائق على ما هي عليه وعرف غشم الظالم وما عنده من القوة التي نسأل الله أن يجعلها ضده، وأن يهلكه ويكبته، وأن يكفينا شره وشر كل الأعداء، وأن يولي على العراق رجلا صالحا يحكم فيه بشرع الله، وينفذ في شعبه أمر الله، كما نسأله سبحانه أن يقيهم شر هذا الحاكم الظالم العنيد الذي عذبهم وآذاهم وعذب المسلمين وأحدث هذه الفتنة وجر المسلمين إلى خطر عظيم.
نسأل الله أن يعامله بعدله، وأن يقضي عليه، وأن يريح المسلمين من فتنته، وأن يجعل العاقبة الحميدة لعباده المسلمين، وأن يرد المظلومين إلى بلادهم، وأن يصلح حالهم، وأن يقيم فيهم أمر الله، وأن يقينا وإياهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وقد رأيت أن أبسط القول في هذه المسألة لإيضاح الحق وبيان ما يجب أن يعتقد في هذا المقام وبيان صحة موقف الدولة فيما فعلت؛ لأن أناسا كثيرين التبس عليهم الأمر في هذه الحالة، وشكوا في حكم الواقع وجوازه بسبب الضرورة والحاجة الشديدة؛ لأنهم لم يعرفوا الواقع كما ينبغي، ولعظم خطر هذا الظالم الملحد - أعني حاكم العراق - صدام حسين. ولهذا اشتبه عليهم هذا الأمر، وظنوا واعتقدوا صحة ما فعله لجهلهم ولالتباس الأمر عليهم وظنهم أنه مسلم يدعو إلى الإسلام بسبب نفاقه وكذبه، وربما كان بعضهم مأجورًا من حاكم العراق فتكلم بالباطل والحقد لأنه شريك له في الظلم، وبعضهم جهل الأمر وجهل الحقيقة وتكلم بما تكلم به أولئك الظالمون جهلاً منه بالحقيقة والتبست عليه الأمور.
هذا هو الواقع، وهو أن هذا الظالم اعتدى وظلم وأصر على عدوانه ولم يفئ إلى ترك الظلم. والله سبحانه قد أمرنا أن نقاتل الفئة الظالمة ولو كانت مؤمنة حتى تفيء إلى أمر الله، فكيف إذا كانت الفئة الباغية كافرة ملحدة، فهي أولى بالقتال، وكفها عن الظلم ونصر الفئة المظلومة المبغي عليها بما يستطيعه المسلمون من أسباب النصر والردع للظالم. وقد حاول معه الناس ستة أشهر وطلبوا منه أن يراجع نفسه ويخرج من الكويت ويرجع عن ظلمه وبغيه، فأبى، فلم يبق إلا الحرب، ودعت الضرورة إلى الاستعانة بمن هو أقوى من المبغي عليه على حرب هذا العدو الغاشم حتى تجتمع القوى في حربه وإخراجه.
نسأل الله أن يقضي عليه، ويرد كيده في نحره، وأن يدير عليه دائرة السوء، وأن يكفي المسلمين شره وشر غيره، وأن ينصرهم على أعدائهم ويصلح حالهم، وأن يمنحهم الاستقامة على دينه إنه سميع قريب.
ومن الواجب على الجميع الاتعاظ بهذه الفتن والاستفادة منها في إصلاح أحوالنا، والاستقامة على طاعة الله ورسوله، وأن نحاسب أنفسنا حتى نستقيم على الحق وندع ما سواه، فالله سبحانه يجعل البلايا عظة وعبرة لمن يشاء، كما قال جل وعلا: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19] وقال سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216].
كما نسأل الله سبحانه أن يجعل في هذه الحرب خيرا لنا، وأن يجعل عاقبتها حميدة. ويجب أن لا ننسى ما حدث للنبي ﷺ والصحابة يوم الأحزاب وهم خير الناس، فقد تجمعت عليهم الأحزاب الكافرة، وجاءتهم من فوقهم ومن أسفل منهم بقوة قوامها عشرة آلاف مقاتل، وحاصروا المدينة، وقال أهل النفاق: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا هكذا ذكر الله عنهم سبحانه في سورة الأحزاب في قوله : وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا [الأحزاب:12] حتى نصر الله نبيه، وأرسل الرياح التي أكفأت قدورهم وقلعت خيامهم وشردتهم كل مشرد، فرجعوا خائبين والحمد لله بعد الشدة العظيمة التي وقعت على رسول الله ﷺ وأصحابه .
وهكذا يوم أحد حين تجمع الكفار وأغاروا على المدينة وحاصروها، وجرى ما جرى من جرح وقتل من قتل من الصحابة حتى أنزل الله نصره وتأييده، وسلم الله المسلمين، وأدار على أعدائه دائرة السوء ورجعوا إلى مكة صاغرين، وأنجى الله نبيه بعدما قتل سبعون من الصحابة، وجرح النبي ﷺ وجماعة كثيرة من أصحابه، واجتهد المشركون في قتله فوقاه الله شرهم.
ولما استنكر المسلمون هذا الحدث، قال الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا يعني (يوم بدر) قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] ذلك أن النبي ﷺ هو والمسلمون أصابهم ما أصابهم يوم أحد بسبب أمر فعله الرماة الذين أمرهم النبي ﷺ أن يمسكوا ثغرا وهو جبل الرماة ولا يتركوه حتى لا يدخل منه جيش العدو، فلما رأى الرماة أن العدو قد انكشف وانهزم ظنوا أنها الفيصلة، فتركوا الثغر وصاروا يجمعون الغنيمة وتركوا أمر النبي ﷺ فدخل العدو من ذلك الثغر وحصل ما حصل من الهزيمة والمصيبة العظيمة على المسلمين، فأنزل الله قوله: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ يعني تقتلونهم حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ [آل عمران:152] أي من الهزيمة للعدو، يعني بذلك الرماة، فشلوا وتنازعوا وتركوا أمر النبي ﷺ فلم يصبروا، وعندما وقع منهم هذا سلط الله عليهم العدو، قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165].
فإذا كان النبي ﷺ وأصحابه يصيبهم مثل هذه الهزيمة والقتل والجراح بسبب ما وقع من بعضهم من الذنوب، فكيف بحالنا؟
فالواجب على أهل الإسلام أينما كانوا أن يحاسبوا أنفسهم وأن يجاهدوها في الله ويتفقدوا عيوبهم، ويتوبوا إلى الله منها، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18].
والمعنى: انظروا ما قدمتم للآخرة، فإن كنتم قدمتم أعمالا خيرة فاحمدوا الله عليها واسألوه الثبات، وإن كنتم قدمتم أعمالا سيئة فتوبوا إلى الله منها، وارجعوا إلى الحق والصواب.
فالواجب على أهل الإيمان أينما كانوا أن يتقوا الله دائما، ويحاسبوا أنفسهم دائما، ولا سيما وقت الشدائد وعند المحن، كحالنا اليوم، يجب الرجوع إلى الله، والتوبة إليه وحساب النفس وجهادها لله، وما سلط علينا هذا العدو إلا بذنوبنا، فلابد من جهاد النفس، ولابد من الضراعة إلى الله، وسؤال الله أن ينصرنا على عدونا، وأن يذل عدونا، وأن يكفينا شره وشر أنفسنا وشر الشيطان.
لابد من الضراعة إلى الله، وسؤاله التأييد، كما قال تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [الأنعام:43] فلابد من الضراعة إلى الله، وسؤاله جل وعلا النصر. والنبي ﷺ يوم بدر ليلة الواقعة قام يناجي ربه، ويدعوه ويبكي، ويسأل ربه النصر، حتى جاءه الصديق بعدما سقط رداؤه وقال: حسبك يا رسول الله إن الله ناصرك إن الله مؤيدك فإذا كان رسول الله ﷺ وهو أفضل الناس وسيد ولد آدم يتضرع إلى الله فكيف بحالنا ونحن في أشد الضرورة إلى التوبة إلى الله، وإلى البكاء من خشيته، وإلى طلب النصر منه في ليلنا ونهارنا؟!
فالغفلة شرها عظيم، والمعاصي خطرها كبير، فالواجب الإقلاع عنها والتوبة إلى الله سبحانه، فالذي عنده تساهل في الصلاة يجب أن يحافظ عليها ويبادر إليها ويصلي في الجماعة، والذي يتعامل بالربا يجب أن يترك ذلك، وأن يتوب إلى الله منه، والذي عنده عقوق لوالديه يتقي الله ويبر والديه، والقاطع لأرحامه يتقي الله ويصل أرحامه، والذي يشرب المسكر يتقي الله ويقلع عن ذلك، ويتوب إلى الله، والذي يغتاب الناس يحذر ذلك ويحفظ لسانه ويتقي الله.
وهكذا يحاسب كل إنسان نفسه في كل عيوبه ويتقي الله. وهكذا الموظف المقصر في وظيفته وفي أمانته يتقي الله، ويؤدي حق الله وحق عباده، وهكذا الرؤساء كل واحد منهم سواء كان ملكا أو رئيس جمهورية أو وزيرا كل واحد منهم عليه أن يحاسب نفسه لله، ويجاهدها لله، ويتوب إلى الله سبحانه من سيئ عمله. وهكذا كل موظف، وكل جندي، عليه أن يجاهد نفسه ويطيع الله ورسوله، ويطيع رئيسه في المعروف، ويتوب إلى الله من سيئات عمله وتقصيره. وهذا كله من أسباب النصر والعاقبة الحميدة، فلا بد من الصدق مع الله وجهاد النفس والتوبة الصادقة من سائر الذنوب من الرؤساء والمرءوسين. ولا بد من الدعاء والضراعة إلى الله نطلب منه النصر والتأييد والعون على العدو، وسؤال الله أن يخذل العدو ويرد كيده في نحره، ولا بد مع ذلك من الأسباب الحسية، من قوة وجيش وسلاح كما قال سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71] فيجب على أهل الإيمان أن يعدوا العدة المناسبة لجهاد الأعداء بكل ما يستطيعون، والله يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] فعلى المسلمين أن يعدوا ما استطاعوا من القوة: من السلاح والرجال والتدريب، فإذا فعلوا ذلك كفاهم الله شر عدوهم وجاءهم النصر من الله، يقول الله سبحانه: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] ويقول سبحانه وبحمده: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120].
كما يجب على المسلم أن يلح في الدعاء ويسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة كما قال : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] وقال جل وعلا: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] وقال : وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:32] فعلينا أن نلح في الدعاء، ولا نستبطئ الإجابة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح، يقول ﷺ: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت ودعوت فلم أره يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء.
فلا ينبغي للمؤمن أن يدع الدعاء وإن تأخرت الإجابة، فالله حكيم عليم، في تأخير الإجابة يؤخرها سبحانه لحكم بالغة، حتى يتفطن الإنسان لأسباب التأخير، ويحاسب نفسه، ويجتهد في أسباب القبول. من التوبة النصوح والعناية بالمكسب الحلال، وإقبال القلب على الله وجمعه عليه سبحانه حين الدعاء، إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة والنتائج المفيدة. فلو أن كل إنسان يعطى الإجابة في الحال لفاتت هذه المصالح العظيمة.
ومما يوضح ما ذكرت أن نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام طلب من ربه أن يجمع بينه وبين ولده يوسف، فتأخرت الإجابة مدة طويلة، ومكث يوسف في السجن بضع سنين، والداعي نبي كريم، هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام فعلم بذلك أن الله سبحانه له حكم عظيمة في تأخير الإجابة وتعجيلها.
وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها فقال الصحابة يا رسول الله إذا نكثر قال: الله أكثر رواه الإمام أحمد في مسنده.
والمقصود أن المشروع للمسلم عندما تتأخر الإجابة أن يتأمل، ما هي الأسباب، لماذا تأخرت الإجابة؟ لماذا سلط علينا العدو؟ لماذا هذا البلاء؟
يتأمل ويحاسب نفسه ويجاهدها حتى تحصل له البصيرة بعيوب نفسه، وحتى يعالجها بالعلاج الشرعي. والدولة تعالج نقصها، والشخص يعالج نقصه ويداويه، كل داء له دواء، كما قال ذلك النبي ﷺ ودواء الذنوب التوبة إلى الله سبحانه، والاستقامة على طاعته هذا هو دواء الذنوب.
فالواجب على كل إنسان أن يعالج ذنبه ومعصيته بالتوبة النصوح ويحاسب نفسه، ويعلم أن ربه سبحانه ليس بظلام للعبيد. فالله سبحانه لم يظلمك بل أنت الظالم لنفسك، تأمل وحاسب نفسك، وجاهدها، وهذا الحاكم الظالم، أعني حاكم العراق صدام حسين يرمي السعودية بالصواريخ، فماذا فعلت معه السعودية؟ لقد ساعدته مساعدة عظيمة على عدوه، ساعدته بالمساعدات التي ذكرها صدام في كتابه لخادم الحرمين الشريفين.
وذكر أشياء كثيرة من المساعدات وأخفى الكثير والمطلوب منه الآن الخروج من الكويت وسحب جيشه منها، وبعد ذلك يحصل التفاوض في بقية المشاكل، فهل هذا هو جزاء الإحسان للكويت بأن يخرجهم من ديارهم وقد أحسنوا إليه كثيرا؟ وهل جزاء ما عملت السعودية أن يضربها بالصواريخ ويحشد جيوشه على حدودها؟ هذا هو جزاء المحسن عند صدام حسين والله يقول سبحانه: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60] لقد أحسنت إليه السعودية عند الملمات، وواسته عند الشدائد، والكويت كذلك، ودول الخليج كذلك، كلهم ساعدوه ومدوه بما يستطيعون، ثم كانت هذه هي العاقبة من اللئيم الغشوم، لقد طلبوا منه أن يخرج من الكويت، وأن يسحب جيوشه منها، ثم يكون بعد ذلك التفاوض والنظر في المشاكل التي بينه وبين الكويت، وحلها بالوسائل السلمية ولكنه من خبثه وظلمه يحث أنصاره وأذنابه على أن يؤذوا الناس في البلدان الأخرى، ثم من تدليسه ونفاقه وخبثه يضرب اليهود الآن حتى يفرق الجمع الموجود وحتى يرفع عنه الحصار الآن الذي وقع.
لماذا ترك اليهود قبل الكويت ويضربها الآن؟ كان ينبغي له أن يضرب اليهود، لأنهم هم العدو، بدل أن يضرب جيرانه ومن أحسن إليه، لكن خبثه وظلمه وغشمه ونفاقه ومكره حمله على أن يضرب اليهود الآن؛ حتى يفرق هؤلاء المجتمعين لحربه، وحتى يخرج من هذا الحصار المحيط به، ولكنها لم ترد عليه حتى يظل هذا الحصار، وحتى يقضي الله فيه أمره ، وحتى يخيب الله آماله، ويرد كيده في نحره، بحوله وقوته .
نسأل الله أن يرد كيده في نحره، وأن يستجيب دعوات المسلمين ضده، فهو ظالم ملبس مخادع منافق، يجمع كل شر وكل حيلة وكل بلاء للخداع والظلم والعدوان، ولكن نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يقضي عليه، وأن يدير عليه دائرة السوء، وأن يخذل الله أنصاره وأعوانه، وأن يرد من هو حائر في أمره إلى البصيرة والهدى، وأن يقضي على أنصاره الظالمين المعتدين، وأن يهلكهم معه، ويسلط عليهم جندا من عنده، إنه جواد كريم.
كما نسأله سبحانه أن ينصر المسلمين عليه وحزبه، وأن ينصر من نصر المسلمين عليه وعلى أعوانه، حتى يقضي الله على هذا الظالم، وحتى يخرجه من الكويت صاغرا ذليلا.
كما نسأل الله سبحانه أن يولي على العراق رجلا صالحا يخاف الله ويراقبه ويحكم في العراقيين شريعة الله، ويبسط فيهم العدل والإحسان.
وعلينا أيها الأخوة وعلى كل مسلم في كل مكان أن نتقي الله سبحانه، وأن نستقيم على دينه، وأن نجاهد أنفسنا في ذلك، مع سؤاله سبحانه النصر المعجل لأوليائه وأهل طاعته المظلومين، وأن يكبت هذا الظالم المعتدي، وأن يسلط عليه جندا من عنده، وأن يقضي عليه، وأن يولي على العراق من يخاف الله فيهم ويحسن إليهم ويحكم فيهم بشرع الله، إنه جل وعلا جواد كريم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد عبدالله ورسوله، وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين[1].
- ألقيت في جامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض، في يوم الخميس 16 رجب من عام 1411هـ الموافق 31/ 1/ 1991م. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 6/ 117)