الإسـلام والمسلمـون في جنـوب شرق آسيـا

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإني أشكر الله عز وجل على ما مَنَّ به من هذا اللقاء المبارك بإخوان لنا في الدين من حجاج بيت الله الحرام وغيرهم، ونسأله سبحانه أن يجعله اجتماعا مباركا نافعا للمسلمين معينا على طاعة الله عز وجل ومعينا على كفاح الدعوات الهدامة والأفكار المنحرفة. كما أشكره سبحانه على ما من به من شرعيته سبحانه حج بيته الحرام، الذي يتضمن لقاء المسلمين من أقطار الدنيا؛ ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، وليعبدوه وحده ويخصوه بأنواع القربات، ويرفعوا حوائجهم إليه سبحانه عند بيته العتيق وفي المشاعر المقدسة، ويقفوا بين يديه ينادونه بعرفات وفي المشعر الحرام ليغفر لهم ويقبل حجهم ويعتقهم، وليطوفوا ببيته العتيق وبين الصفا والمروة يرجون رحمته ويخافون عذابه متأسين برسول الله ﷺ وصحابته الكرام.
وقد جاءوا من كل فج عميق ليؤدوا هذا الواجب العظيم، وليستفيدوا من حجهم أنواعا من طاعة الله عز وجل، وتناصحا بينهم وإخوانهم الحجاج والعمار، وتعاونا على البر والتقوى ودراسات وافية لكل مشاكلهم وللنظر فيما ينفعهم في الدنيا والآخرة وليتواصوا بالحق ويدعوا إليه.
ولا شك أن منافع الحج لا تحصى. وإن من نعم الله عز وجل أن جعله كل عام ولم يوجبه في العمر إلا مرة واحدة، ولكن الله سبحانه وتعالى شرعه كل عام على سبيل التنفل والتقرب إليه سبحانه وتعالى، أما الوجوب فمرة واحدة في العمر لمن استطاع السبيل إلى ذلك، وجعل هذا المسجد الكريم المسجد الحرام ومسجد نبيه ﷺ بالمدينة المنورة ملتقى أولياء الله والعلماء من عباده، وملتقى المسلمين من جميع أقطار الدنيا ليستفيدوا من حجهم ومن زيارتهم مسجد نبيه ﷺ وليتقربوا إلى ربهم، وليعبدوه وحده سبحانه وتعالى وليستفيدوا من العلماء والدعاة إلى الله عز وجل ومن حلقات العلم في المسجدين الشريفين، فإن ذلك من نعم الله عز وجل على الحجاج وغيرهم من زائري المسجد الحرام والمسجد النبوي والمقيمين حولهما.
وإن هذه الندوة المباركة تتعلق بالإسلام والمسلمين في جنوب شرق آسيا. ولا شك أن هذه المنطقة من الدنيا في أشد الحاجة إلى النشاط الإسلامي وتكاتف الدعاة إلى الله عز وجل وإنشاء الجمعيات الإسلامية والمراكز الإسلامية والجامعات الإسلامية والمدارس والمعاهد الإسلامية وتوفير النشاطات الإسلامية من منشآت ومستشفيات وغير ذلك مما يعين المسلمين هناك على معرفة دينهم ويساعدهم على كفاح أعدائهم.
وإن هذه المنطقة مبتلاة بأفكار هدامة وجهود مكثفة من أعداء الله من تنصير ومن دعوة إلى النحلة الشيوعية والبوذية، وإلى نحل أخرى هدامة خبيثة يدعو إليها جمع غفير من أعداء الله سبحانه، وإن الواجب على علماء الإسلام في هذه الدول دول جنوب شرق آسيا أشد من الواجب على غيرهم؛ لأنهم يباشرون هذه الحركات الهدامة ويرونها ويسمعونها، فالواجب عليهم الجهاد الصادق بالدعوة والتصدي لهذه الأفكار الهدامة والمذاهب الشيطانية والنحل المنحرفة وبيان بطلانها، وعليهم أن يتكاتفوا ضدها وأن يتعاونوا مخلصين لنشر الإسلام والدعوة إليه وبيان أحكامه ومحاسنه والرد على خصومه، وبيان باطلهم وضلالهم وما ينتهي إليه أمرهم.
وإن على جميع الدول الإسلامية في جميع أقطار الدنيا أن يساعدوا المسلمين في هذه المنطقة التي ابتليت بهذه المذاهب الهدامة من تنصير وشيوعية، وبوذية وإباحية، وغير ذلك. وعلى علماء الإسلام في كل مكان أن يبذلوا الوسع في مساعدة إخوانهم من العلماء والدعاة في هذه المنطقة حتى يكافحوا جميعا هذا الخطر الداهم وحتى يتعاونوا جميعا في محاربته بكل وسيلة من الوسائل الشرعية.
ولا ريب أن تثبيت الإسلام في هذه المنطقة والدعوة إليه ومكافحة خصومه يحتاج إلى جهود عظيمة وعناية مستمرة، ونرجو أن يكون له المستقبل فيها وفي غيرها، وأن يكلل الله جهود الدعاة إليه والمصلحين والعلماء بكل نجاح وتوفيق.
لكن يجب على العلماء والدعاة إلى الله أينما كانوا أن ينظروا في الأدواء أولا، ويجتهدوا في جمع المعلومات عنها في هذه المنطقة التي نحن بصددها وهي منطقة شرق آسيا، على العلماء والدعاة إلى الله المحليين وغيرهم من الدعاة الوافدين إلى هذه الدول أن يعنوا بمعرفة الأدواء ومعرفة أساليب الأعداء في التنصير وغيره حتى يضعوا الدواء على الداء وحتى يتوصلوا إلى العلاج الناجع بإذن الله.
ولا شك أن هذا يحتاج إلى جهود مكثفة وصبر ومصابرة في جميع الدول ولا سيما دولة أندونيسيا؛ فإنها أكبر دولة إسلامية في المنطقة والجهود التنصيرية مكثفة فيها، فالواجب على العلماء في أندونيسيا والواجب على الدعاة إلى الله من أبنائها وغيرهم من الوافدين إليها أن يتكاتفوا ويتعاونوا في وضع الحلول المناسبة، ووصف العلاج المناسب لعلاج هذه الأدواء ومكافحة هذه الشرور وهذه الأفكار والمذاهب الخبيثة لعلهم يوفقون وينجحون. ومتى صدقوا في التعاون، ومتى أخلصوا لله العمل، ومتى تكاتفوا جادين مخلصين؛ فإن الله ينصرهم ويعينهم ويكفيهم شر أعدائهم وهو القائل سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وهو القائل عز وجل: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۝ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40، 41] وهو القائل عز وجل: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وهو القائل سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].
فهذا كله يبين لنا أن المسلمين إذا تكاتفوا وتعاونوا وصدقوا فإن الله عز وجل قد وعدهم النصر ووعدهم حسن العاقبة. فعلينا معشر الدعاة إلى الله ومعشر العلماء ومعشر المسلمين جميعا في كل مكان أن لا نيأس، وأن نحسن ظننا بمولانا جل وعلا، وأن نرجوه حسن العاقبة والتوفيق في أعمالنا وجهودنا لكن بعد أن نبذل الوسع، وبعد أن نصدق فيما بيننا وبين الله وفيما بيننا وبين أنفسنا. ونتخذ الوسائل التي شرعها الله لنا في الدعوة إلى الله ومكافحة أعدائه بالأسلحة التي يستعملونها، وبما هو خير منها: ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية وغير ذلك. فننظر في جهودهم وأعمالهم، وننظر في أساليبهم وأسلحتهم الخبيثة، ونقاومها بضدها مع الصدق والإخلاص لله والتعاون الصادق بيننا جميعا، مع سؤال الله عز وجل التوفيق والنجاح في أعمالنا وأقوالنا وسائر أحوالنا.
إن أعداءنا لا يفترون وإنهم يتربصون بنا الدوائر، فعلينا أن نعد العدة دائما، وأن نتكاتف ونتعاون في سبيل الحق والدعوة إليه والرد على الباطل وخصومه عملا بقوله عز وجل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2] وبقوله سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] وقوله عز وجل: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وهناك جماعة من الدعاة في أندونيسيا وماليزيا وفي الفلبين وفي سنغافورا وفي تايلاند، نسأل الله أن ينفع بهم جميعا، وأن يرزقهم الصدق في الدعوة إليه وتوجيه الناس إلى الخير ومكافحة أساليب الأعداء وأفكارهم الهدامة.
ولنا مكتبان للدعوة في أندونيسيا وماليزيا، نسأل الله أن ينفع بهما وأن يبارك في الأسباب التي تنشر بها الدعوة، وأن يوفق جميع الدعاة من الرئاسة والرابطة وسائر المسلمين ومن الدعاة المحليين للتعاون الصادق والحرص الكامل على أداء الواجب في الدعوة إليه وتشجيع الدعاة إليه، كما نسأله سبحانه، أن يوفق العاملين هناك من أصحاب الجمعيات الإسلامية والمراكز الإسلامية والمدارس والمعاهد وسائر دور العلم للدعوة إلى الله والتعاون على البر والتقوى.
كما نسأله سبحانه أن يوفق القائمين أيضا على المستشفيات الإسلامية والمستوصفات الإسلامية للقيام بواجبهم، فإن هذه الطرق وهذه الوسائل كلها من أنجع الوسائل ومن أنجح العوامل للدعوة إلى الحق وإحباط أعمال أعداء الله وخصوم الإسلام، والله يقول: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105].
فعلى العاملين أن يعملوا وأن يخلصوا لله نيتهم وأن يتكاتفوا صادقين على النهج الإسلامي على ضوء كتاب الله وسنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وعليهم أن يستمروا مع حسن الظن بالله، وأن لا ييأسوا من نصر الله بل عليهم أن يصبروا أعظم من صبر أعداء الله في باطلهم، ويتكاتفوا أكثر من تكاتف أعداء الله في باطلهم وكفرهم وضلالهم، وأن يعلموا أن العاقبة للمتقين والنصر لأوليائه المؤمنين كما قال عز وجل: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49] وقال عز وجل: أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22] وقال سبحانه: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:173].
ثم لا يفوتني في هذا المقام أن أشكر لحكومتنا وفقها الله وعلى رأسها جلالة الملك فهد بن عبدالعزيز -حفظه الله- على ما تقوم به من دعم كبير لهذه الرابطة والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد لجميع قضايا المسلمين في كل مكان، وما تبذله من جهود مباركة طيبة في حل مشاكل المسلمين وإصلاح ذات بينهم، وما تبذله أيضا في مواساة المسلمين وحل أزماتهم وجبر مصائبهم ونكباتهم. نسأل الله المزيد من التوفيق والعون على كل خير، كما لا يفوتني أن أشكر الرابطة على جهودها وأعمالها الطيبة وأشكر القائمين عليها على جهودهم وأعمالهم في صالح الإسلام وأهله. ومن جملة ذلك هذه الندوة المباركة وما بعدها من الندوات وعلى رأسهم الأخ الفاضل معالي الأمين العام للرابطة الدكتور عبدالله نصيف -زاده الله توفيقا وهدى- كما أشكر إخواني الحضور على مشاركتهم في هذه الليلة للاستفادة.
وأسأل الله أن يجعلنا جميعا من الهداة المهتدين ومن الصالحين المصلحين، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع المسلمين في كل مكان لما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم وأن يولي عليهم خيارهم وأن يكثر بينهم دعاة الهدى.
كما أسأله جل وعلا أن يصلح قادة المسلمين في كل مكان وحكامهم وأن يرزقهم الاستقامة على دينه والتحكيم لشريعته والتحاكم إليها، فإن في تحكيم الشريعة والتحاكم إليها كل النجاح وكل الهدى والصواب وفي تحكيمها والعمل بها السعادة العاجلة والآجلة. وفي ذلك أيضا حل المشاكل والنصر على الأعداء واسترداد كل ما غبر من مجدنا السليب وعزنا الغابر الذي فرطنا فيه بسبب ما وقع منا من تقصير ومعاصٍ. فلا سبيل إلى استرداد الأمجاد السابقة والعز الغابر والانتصار على الأعداء إلا بالله سبحانه. ثم الرجوع إلى الشريعة والاستقامة عليها أعني الشريعة الإسلامية والتحاكم إليها والحكم بها في كل شيء والثبات على ذلك حتى الموت.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان[1].

  1. كلمة ألقاها سماحة الشيخ في الندوة الإسلامية العالمية، الدورة الثانية عشرة، المنعقدة في 1/ 12/ 1410هـ بمكة المكرمة. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 5/ 193)